اشترط جدعون أن يعطيه الرب علامة على أنه سوف يكون معه للانتصار على جيش المديانيين الذين جاءوا بمئات الألوف بينما كان مع جدعون عدد أقل منهم بكثير.
طلب جدعون أن يضع جزّة الصوف على الأرض المتسعة بحيث تمتلئ الجزة بندى الليل وتبقى الأرض المحيطة بها كلها جافة بلا ندى. وقد حقق له الرب طلبه. وكان هذا إشارة إلى تجسد الله الكلمة في بطن العذراء القديسة مريم دونًا عن كل البشر. كما أنه إشارة إلى اتحاد اللاهوت بالناسوت المأخوذ من العذراء مريم بالروح القدس لتجسّد الكلمة دون أن يحدث ذلك مع أي طبيعة بشرية أخرى أي خصوصية ناسوت السيد المسيح وتفرده بالاتحاد باللاهوت.
عاد جدعون فطلب من الرب أن ينزل الندى في الليلة التالية على كل الأرض المتسعة، ولا ينزل على جزة الصوف بحيث تبقى جافة. وعاد الرب فحقق له طلبه وتمت هذه العلامة أيضًا. وكانت رمزًا لحلول الروح القدس على كل شعوب الأرض الذين آمنوا بالسيد المسيح واعتمدوا على اسمه دونًا عن الأمة اليهودية الرسمية التي رفضت الإيمان بالمسيح. ولذلك قال لهم "هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا" (مت23: 38، لو13: 35).
ومعروف طبعًا أن عبارة "جبل صهيون" ترمز إلى كلٍ من العذراء مريم وإلى أورشليم التي بنى هيكل الرب فيها مثل قول المزمور "صهيون الأم تقول إن إنسانًا إنسانًا صار فيها، وهو العلي الذي أسسها" (مز 87: 5). لذلك فجزة الصوف هي نفسها قد رمزت في المرة الأولى إلى العذراء مريم، وفي المرة الثانية إلى الأمة اليهودية التي ملأها الغرور بهيكل الله الذي كان مجرد رمز لأمجاد العهد الجديد في المسيح يسوع.
قبل هذه الأحداث كان السيد المسيح قد ظهر لجدعون ضمن ظهوراته السابقة للتجسد.
وردت قصة هذا الظهور العجيب للسيد المسيح في أحد ظهوراته السابقة للتجسد في سفر القضاة كما يلي:
"أتى ملاك الرب وجلس تحت البطمة التي في عفرة التي ليوآش الأبيعزري. وابنه جدعون كان يخبط حنطة في المعصرة لكي يهربها من المديانيين. فظهر له ملاك الرب وقال له: الرب معك يا جبار البأس. فقال له جدعون: أسألك يا سيدي إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه.. والآن قد رفضنا الرب وجعلنا في كف مديان. فالتفت إليه الرب وقال اذهب بقوتك هذه وخلّص إسرائيل من كف مديان أما أرسلتك" (قض6: 11-14).
بعد ذلك مباشرة دخلت المسألة في مرحلة ثانية أن جدعون أراد أن يتأكد أن الرب هو الذي ظهر له والذي ذكر عنه السفر باللغة العبرية أنه "ملاخ يهوه" (ملاك الرب = سفير يهوه) وأنه هو "الرب"كما ورد في النص السابق (قض6: 14).
قال جدعون للرب "أسألك يا سيدي بماذا أخلّص إسرائيل. ها عشيرتي هي الذُلَّى في منسى وأنا الأصغر في بيت أبي. فقال له الرب إني أكون معك وستضرب المديانيين كرجل واحد. فقال له إن كنت قد وجدت نعمةً في عينيك فاصنع لي علامة أنك أنت تكلمني. لا تبرح من ههنا حتى آتي إليك وأخرج تقدمتي وأضعها أمامك. فقال: إني أبقى حتى ترجع" (قض6: 15-18).
وبالفعل دخل جدعون "وعمل جدي معزى وإيفة دقيق فطيرًا. أما اللحم فوضعه في سل، وأما المرق فوضعه في قدر، وخرج بها إليه إلى تحت البطمة وقدّمها" (قض6: 19). ونلاحظ أن جدعون قد قرّب التقدمة إلى الجالس تحت شجرة البطمة وتعامل معه على أنه هو الرب.
"قال له ملاك الله (بالعبرية "ملاخ إلوهيم") خذ اللحم والفطير وضعهما على تلك الصخرة واسكب المرق ففعل كذلك. فمد ملاك الرب طرف العكاز الذي بيده ومس اللحم والفطير فصعدت نار من الصخرة وأكلت اللحم والفطير وذهب ملاك الرب عن عينيه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فرأى جدعون إنه ملاك الرب فقال جدعون: آه يا سيدي الرب لأني قد رأيت ملاك الرب وجهًا لوجه. فقال له الرب السلام لك لا تخف لا تموت. فبنى جدعون هناك مذبحًا للرب ودعاه يهوه شَلوم (بالعبرية أي الرب سلام)" (قض6: 20-24). لقد أدرك جدعون أن سفير يهوه الذي ظهر له هو ظهور للرب، ولذلك خاف أن يموت لأنه رآه. فطمأنه الرب وأعطاه السلام. فبنى مذبحًا للرب في الموضع الذي قبل فيه السيد المسيح تقدمته عند الصخرة ودعا اسم المذبح "الرب سلام".
لذلك لا نعجب أن السيد المسيح قال لليهود "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية، وهي التي تشهد لي. ولا تريدون أن تأتوا إليَّ لتكون لكم حياة" (يو5: 39، 40).
كيف يمكن أن يفسر اليهود أن "سفير يهوه"المذكور في الأسفار المقدسة هو هو نفسه يهوه الله إلاّ إذا كان سفير يهوه هو الابن الوحيد الذي أرسله الآب في ظهورات العهد القديم وفي تجسد العهد الجديد حينما كلّمنا الله في ابنه وليس من خلال الأنبياء والقضاة كما في العهد القديم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/gedeon.html
تقصير الرابط:
tak.la/2qx9nxg