"ثم إن العسكر لما كانوا قد صلبوا يسوع، أخذوا ثيابه وجعلوها أربعة أقسام، لكل عسكري قسمًا. وأخذوا القميص أيضًا. وكان القميص بغير خياطة، منسوجًا كله في فوق. فقال بعضهم لبعض: لا نشقه، بل نقترع عليه لمن يكون ليتم الكتاب القائل اقتسموا ثيابي بينهم، وعلى لباسي ألقوا قرعة" (يو19: 23، 24، انظر أيضًا مز22: 18).
هذه الأقسام الأربعة لثياب السيد المسيح ترمز إلى الأناجيل الأربعة التي بشرت بموته وقيامته.
أما القميص (الرداء الداخلي) الذي لم يشقه العسكر، لأنه منسوج كله من فوق إلى أسفل، فهو يرمز إلى أن بشارة الخلاص هي واحدة لا تتجزأ ولا تنفصل.
ومن المعروف أن الأناجيل الأربعة ترمز إليها الأربعة الأحياء غير المتجسدين: الذي له وجه الإنسان، والذي له وجه العجل (أو الثور)، والذي له وجه الأسد، والذي له وجه النسر.
فإنجيل متى يرمز له بوجه الإنسان، لأنه يقدّم المسيح ابن الإنسان "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم" (مت1: 1).
وإنجيل لوقا يرمز له بوجه الثور، لأنه يقدّم المسيح خادم الخلاص الذبيح "طفلًا مقمطًا مضجعًا في مذود" (لو2: 12).
وإنجيل مرقس يرمز له بوجه الأسد، لأنه يقدّم المسيح القوي صانع المعجزات "إنجيل يسوع المسيح ابن الله" (مر1: 1).
وإنجيل يوحنا يرمز له بوجه النسر، لأنه يقدّم المسيح باعتباره الله الكلمة المتجسد. فهو يشير إلى ألوهية السيد المسيح "الكلمة صار جسدًا وحل بيننا، ورأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب" (يو1: 14).
هذه الأحياء الأربعة غير المتجسدة الحاملة للعرش الإلهي، ترمز إلى مراحل الخلاص الأربعة (الميلاد، الصلب، القيامة، الصعود) في حياة السيد المسيح:
فالميلاد أو التجسد يرمز إليه وجه الإنسان.
والصلب يرمز إليه وجه الثور (الذبيحة).
والقيامة يرمز إليها وجه الأسد (الغالب).
والصعود يرمز إليه وجه النسر (الطائر المُحلق في السماء).
وبالرغم من أننا نفهم هذه المراحل من حيث التفاصيل، ولكننا لا ننظر إليها من ناحية الفصل. أي لا نفصلها عن بعضها البعض. هي مراحل متلاحقة متلازمة، ضرورية لخلاص البشرية في خدمة السيد المسيح.
فالسيد المسيح في ميلاده ولد في المذود في وسط الحيوانات، التي تقدم منها الذبائح، لكي نفهم أنه قد جاء إلى العالم ليصير ذبيحة. ففي ميلاده أشار إلى صلبه.
وفي قيامته أطلقت عليه الملائكة لقب "يسوع المصلوب" (مت28: 5). فلولا الصليب لما كانت القيامة. وقد احتفظ السيد المسيح بجراحات الصليب في جسد قيامته. ففي قيامته أشار إلى صلبه.
وعندما ظهر لمريم المجدلية بعد القيامة، حدثها عن الصعود، وطالبها أن تخبر تلاميذه بذلك "اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يو20: 17). ففي قيامته أشار إلى صعوده.
والعجيب أن حزقيال النبي في رؤياه، قد رأى لكل واحد من الأحياء الأربعة أوجه أربعة (انظر حز1: 6) هي أوجه الأحياء الأربعة التي وصفها يوحنا الإنجيلي في رؤياه. وهذا يعني أن بشارة الأناجيل الأربعة لا تتجزأ وأنها كلها تتكلم عن مراحل الخلاص الأربعة، وإن كان يُرمز إليها بسمة خاصة تميزها دون أن تفصلها.
إلى هذه المعاني العميقة كان يرمز تقسيم ثياب السيد المسيح وعدم شق قميصه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالثياب قد تم توزيعها إلى أربعة أنصبة، أما القميص فلم يستطع أحد أن يشقه لأنه منسوج كله من فوق إلى أسفل.
كان القميص (الرداء الداخلى) "منسوجًا كله من فوق" (يو19: 23).
حقًا كانت حياة السيد المسيح كلها منسوجة من فوق إلى أسفل.
فهو الكلمة المتجسد وليس الإنسان المتأله. أي أن الإله الكلمة قد صار إنسانًا بالتجسد، ولكن لا يوجد إنسان قد تألّه. لأن يسوع المسيح هو نفسه كلمة الله الأزلي، الذي أخذ جسدًا حيًا بروح عاقلة من العذراء مريم، وولد منها متجسدًا بغير تغيير. فابن الله هو هو نفسه ابن الإنسان.
كانت حياة السيد المسيح كلها بتدبير إلهي، وعمله كله بتدبير إلهي "منسوجًا كله من فوق" (يو19: 23). لهذا قال: "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني، وأتمم عمله" (يو4: 34) وقال للآب: "أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته.." (يو17: 4).
وعن صلبه قال: "إن ابن الإنسان ماضٍ كما هو مكتوب عنه" (مت26: 24). وقيل أيضًا: "مسلَّمًا بمشورة الله المحتومة وعِلمه السابق" (أع2: 23).
حقًا كانت حياة السيد المسيح كلها سيمفونية رائعة، تشهد لعمل الله وتدبيره وحكمته، مثل ذلك القميص "المنسوج كله من فوق".
قال السيد المسيح لليهود: "أنتم من أسفل، أما أنا فمن فوق" (يو8: 23).
وقال يوحنا المعمدان عن السيد المسيح: "الذي يأتي من فوق، هو فوق الجميع. والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع" (يو3: 31).
لقد سعى الله نحو خلاص الإنسان، وكان عمله كله منسوجًا من فوق (إلى أسفل)، وقدّم محبة لخير الإنسان. وكانت محبته منسوجة من فوق (إلى أسفل)، وأعلن عن ذاته للإنسان، وكان إعلانه منسوجًا كله من فوق (إلى أسفل).
ما أجمل قول يوحنا في إنجيله "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا، ورأينا مجده مجدًا، كما لوحيدٍ من الآب، مملوءًا نعمةً وحقًا" (يو1: 14). أي أن الابن المتجسد قد أعلن مجد الآب السماوي.
كل ذلك صنعه السيد المسيح لأجلنا، لكي يرفعنا إليه من أسفل إلى فوق، لنتمتع بمجده كما خاطب الآب قائلًا: "أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي" (يو17: 24).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/divide.html
تقصير الرابط:
tak.la/4zd8thd