كان اللقاء بين التجلي والصليب، هو مقدمة التجلي فوق الصليب.
ولكن التجلي المنظور على جبل تابور، كان في الخفاء بعيدًا عن أعين الناس. فلم يبصره سوى ثلاثة من التلاميذ، هم أنفسهم الذين أبصروا الجهاد في البستان.
أما الصليب فقد رآه كثيرون. لأن موضع الجلجثة كان قريبًا من أورشليم. ولكن التجلي فوق الصليب لم تلحظه إلا أعين الإيمان، وسوف يبقى الصليب تجليًا مخفيًا، لا تراه إلا الأعين الأمينة في تطلعها نحو السماء.
على الصليب تألق الحب في أجلى معانيه.. الحب الذي يتألم بكل الفرح من أجل من يحب.. والذي يغفر بكل حب.. والذي يعطي بلا حدود، وإلى المنتهى "أحبهم إلى المنتهى" (يو13: 1).. الحب الذي احتمل العار، لأنه حب بلا افتخار.
وعلى الصليب تألق العدل، مُعلنًا قداسة الله الكاملة، الرافضة للشر والخطية، فالله لم يشفق على ابنه حينما حمل خطايانا في جسده، ليعلن الله رفضه للخطية في حياة الإنسان، ولتظهر الخطية في بشاعتها: خاطئة جدًا "فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد" (رو8: 3).
على الصليب تألق الابن في طاعته الكاملة لأبيه السماوي، معلنًا أن الطاعة هي الطريق إلى الانتصار على كل قوى الظلمة والشر الروحية.
وعلى الصليب تألق الكاهن الأعظم وهو يصلي من أجل غفران خطايا كثيرين، مقدمًا الذبيحة التي بلا عيب "الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب" (عب9: 14).
على الصليب تجلى الاتضاع، الذي هو سر الغلبة الحقيقية على الشيطان.
فبالاتضاع (إخلاء الذات) صار التجسد الإلهي ممكنًا للابن الوحيد الحبيب..
وبالاتضاع أخفى السيد المسيح لاهوته عن الشيطان الذي ملأ الحقد قلبه بشكل رهيب.
وبالاتضاع أرضى السيد المسيح قلب أبيه السماوي بسر عجيب.
وبالاتضاع قَبِل الآلام والتعيير وعار الصليب..
وبالاتضاع قَبِل الموت عنا ودخل القبر في سكون مهيب..
لقد تصور إبليس في حماقته وكبريائه أنه قد انتصر حينما عُلق السيد المسيح على الصليب، وحينما ذاق الموت.
وكان السيد المسيح قد وضع نفسه، حتى أنه قَبِل الموت في صورة المهزوم من أعدائه.
ولكنه في الحقيقة قد سحق الشيطان بموته، وبقوة صليبه المُحيي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وداس الموت بقيامته من الأموات منتصرًا.
كان الموت بالنسبة للسيد المسيح هو الطريق إلى الفداء والكفارة، والمصالحة بين الله والإنسان، ودينونة الخطية في الجسد، وإعلان حب الله كاملًا على الصليب.. فكان في حقيقته انتصارًا، وفي ظاهره هزيمة.
هكذا دائمًا الاتضاع يسلك من خلال التخلي عن مظهر القوة، لكي يحقق جوهرها الذي يستطيع أن يتألق (يتجلى) كحق أبدي لا يزول، تفهمه عقول قد استنارت بالرب، مصدر الحق والحياة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/christ/between.html
تقصير الرابط:
tak.la/7h9wj6t