النقطة الخامسة: الله غير منزه عن التجسد بلا خطية
العليقة المشتعلة بالنار: لقد رأى موسى الله في العليقة المشتعلة.. وقد ورد ظهور الله لموسى في العليقة في الكتاب المقدس في سفر الخروج الأصحاح الثالث وفي سفر أعمال الرسل الأصحاح السابع. ولما رأى موسى النار قال له [أنا ربك] كما قال الله في سفر الخروج "أَنَا إِلَهُ أَبِيكَ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ" (خر 3: 6). وبالتأكيد أن الذي ظهر لموسى في العليقة هو السيد المسيح الابن الوحيد، فما قول واضع هذه الأسئلة في هذا الظهور؟
إذا كان الله غير منزه عن الظهور لأنه قادر على كل شيء، فلماذا يكون منزهًا عن التجسد بلا خطية، بلا خطية. إذا كان قادرًا أن يظهر فهو قادر على كل شيء، وهو قادر أن يتجسد لكي يفدينا. ولماذا ننكر أنه من الممكن أن يظهر لهذا يقول معلمنا بولس الرسول يقول "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1تى3 :16)؟ أيهما أرقى وأفضل أن يظهر في صورة نار لا ينتفع منها إلا رمزًا، (لأن العليقة التي لم تتحرق هي رمز لاتحاد اللاهوت بالناسوت) أم يظهر في الجسد لكي يفدينا ويحمل خطايانا بخلاص مدفوع الثمن؟
أهم نقطة في الإجابة على هذا السؤال هو أن الكلمة حقيقة لا تتجزأ وقوتها لا تتوقف على استيعاب السامعين. والكلمة قوته في الحقيقة التي يحملها. والكلمة في لا محدوديتها يمكن أن تتحد بمن هو قادر أن يستقبلها ويفهمها ويتحد بها. بدليل إن شخص يمكن أن يسمع عظة تغيّر كل حياته لأنه اتحد بمفعول الكلمة، لكن هل تجزأت هذه الكلمة؟ كلمات العظة التي قبلت تبقى حقيقة على مدى الأجيال ولو قرأها أحد مثل رسائل بولس الرسول التي تظل توبِّخ الخطاة جيلًا بعد جيل، لأنها حقيقة وليست مادة. فالحقيقة غير المادية لا تتجزأ، حتى ولو اتحدت. وليس لها حجم ولا وزن ولا مساحة، وهي بكل قوتها كائنة في كل مكان، يسمعها الشخص في مصر يسمعها من في اليابان فيكون لها نفس التأثير .
إجابة مركزة مختصرة:
الجوهر الإلهي هو جوهر روحي وليس جوهر مادي، فهو لا يتجزأ حينما يتحد بالناسوت. كما أن الجوهر الإلهي ليس جوهر ساكن، لكنه جوهر ديناميكي، فيه الحب وفيه الحياة وفيه كل ما هو ديناميكي. ولذلك أيضًا فهو لا ينحصر في مكان، وهو "غير محوي" كما نقول في القداس الغريغوري.
ولكي نفهم كيف يتحد اللامحدود بالمحدود بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، ولكي نفهم معنى أن المسيح "فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا" (كو 2: 9)، فإننا ينبغي أن نفكر بالكلمة حينما يعلن الحق مثلًا. فإن الحق لا يتجزأ. قد يقبله البعض وقد يرفضه البعض، لكن الحق لا يتأثر في كل زمان ومكان. وإذا اتحد الحق بعقل من العقول فإنه يجعله عقلًا نيرًا ومقدسًا، ولكن هذا لا يؤدى إلى انحصار الحق أو إلى تجزئته. ولأن المسيح قال عن نفسه إنه هو الحق فهو يقصد أنه هو الحق الإلهي.
إن المشكلة في أن يظهر الحق في جسد، مثلما ظهر في جسد السيد المسيح، ولهذا نقول أن "اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1تى 3: 16). إن حقيقة الله أنه قد أحبنا "هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ" (يو 3: 16) والسيد المسيح "إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى" (يو13: 1) و"لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا" (يو 15: 13).
إن حقيقة الصليب قد هزت كل كيان البشرية، بل لقد مزقت التاريخ. وهذه الحقيقة التي أعلنت بالصليب هي حقيقة حب الله، الذي تعانق مع حقيقة عدالته، لإعلان قداسته الكاملة كرافض للشر والخطية.
وهل ينكر أحد أن المسيح هو الحق الذي اقتحم ضمير البشرية، ولهذا قال معلمنا يوحنا الرسول "وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هَذَا هُوَ الإِلَهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (1يو 5: 20).
إذا أعلنت حقيقة فإنها تبقى على مر الأجيال وتسمع بها جميع الأمم ومهما زاد عدد السامعون فإنها لا تنقص ولا تتجزأ. هكذا كتاب تجسد الكلمة فقال دون أن يتجزأ في حقيقته الإلهية. وكلمة الله الآب تتذخر فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة والعلم (انظر كو 2: 3). فهل نستنكر على الآب أن يعلن الحق الذي فيه لكي يبعث فينا السلام؟ فقد كلمنا في ابنه.
وإذا كان الله قادر على كل شيء فإنه قادر أن يظهر، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فلم يكن ظهوره موسى تجزئة للامحدوديته. وأيضًا هو قادر أن يتجسد، وليس تجسده متنافيًا مع لامحدودية لاهوته، بل إن عدم قدرته على التجسد هو الذي يتعارض مع قدرته اللامحدودة على كل شيء.
أهم نقطة في إجابة هذا السؤال هو أن الحقيقة لا تتجزأ حينما تُعلَن، حينما تستوعب، وحينما يتحد بها العقل فإنها لن تتجزأ أيضًا. لأن بها ديناميكية الوجود، فهي ليست ستاتيكية. وهي تستطيع أن تسرى من عقل إلى عقل، وتبعث من فكر إلى فكر لأنها حقيقة. من يسمعها ويستوعبها يستطيع أن ينقلها إلى غيره، فلا يستطيع أحد أن يحد الحقيقة، ولا أن يجزئها. وحتى لو اتحدت بعقل فهي تبقى فوق مستوى محدودية العقل. مثل حقيقة حب الله: حتى لو أدت بنا إلى أنه نقلنا من الظلمة إلى النور لكن تبقى كما نقول في القداس الإلهي: "عال فوق كل قوة النطق هو غنى مواهبك يا سيدنا".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bishoy/anti-christian-questions/incarnation.html
تقصير الرابط:
tak.la/9n8tqpj