يمكننا تصوير هذه المرحلة من خلال نظرة الإنسان إلى الله، ونظرته إلى الآخرين، ونظرته إلى نفسه..
ففي هذه المرحلة والتي تُمثلها الحياة حسب الناموس نجد أن الإنسان لا يستطيع أن يتقابل مع الله إلا من خلال الشريعة فقط، قال الشعب لموسی: "»لاَ تَخَافُوا. لأَنَّ اللهَ إِنَّمَا جَاءَ لِكَيْ يَمْتَحِنَكُمْ، وَلِكَيْ تَكُونَ مَخَافَتُهُ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ حَتَّى لاَ تُخْطِئُوا«. فَوَقَفَ الشَّعْبُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَمَّا مُوسَى فَاقْتَرَبَ إِلَى الضَّبَابِ حَيْثُ كَانَ اللهُ" (خر 20: 19 – 21).
"فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبِ انْحَدِرْ ثُمَّ اصْعَدْ أَنْتَ وَهَارُونُ مَعَكَ. وَأَمَّا الْكَهَنَةُ وَالشَّعْبُ فَلاَ يَقْتَحِمُوا لِيَصْعَدُوا إِلَى الرَّبِّ لِئَلاَّ يَبْطِشَ بِهِمْ«" (خر 19: 24)..
وهكذا عاش شعب إسرائيل في العهد القديم لا يتواجه مع الله إلا من خلال موسی والأنبياء.. وكانت العلاقة التي تربط الشعب بالله منحصرة في عدة وصايا أدبية وطقسية (الناموس) يلزم ممارستها بكل دقة، والذي يخالف واحدة منها موتًا يموت... على أن هذا الناموس لم يستطع أن يُصلح ما فسد، إنما كل الذي فعله أنه كشف الفساد الذي في الداخل كما تدخل الشمس حجرة مظلمة مليئة بالأتربة فتكشف الغبار وتُوضح ما في الحجرة من أوساخ وهذا ما عبَّر عنه الرسول في رومیة "وَأَمَّا النَّامُوسُ فَدَخَلَ لِكَيْ تَكْثُرَ الْخَطِيَّةُ" (رو 5: 20)، وفي موضع آخر يقول الرسول "لَمْ أَعْرِفِ الْخَطِيَّةَ إِلاَّ بِالنَّامُوسِ. فَإِنَّنِي لَمْ أَعْرِفِ الشَّهْوَةَ لَوْ لَمْ يَقُلِ النَّامُوسُ: "لاَ تَشْتَهِ". وَلكِنَّ الْخَطِيَّةَ وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ أَنْشَأَتْ فِيَّ كُلَّ شَهْوَةٍ. لأَنْ بِدُونِ النَّامُوسِ الْخَطِيَّةُ مَيِّتَةٌ. أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ بِدُونِ النَّامُوسِ عَائِشًا قَبْلًا. وَلكِنْ لَمَّا جَاءَتِ الْوَصِيَّةُ عَاشَتِ الْخَطِيَّةُ، فَمُتُّ أَنَا" (رو 7: 7 – 9)، ومعنى هذا أن كل ما عمله الناموس الذي هو روحي وصالح ومقدَّس أنه كشف الفساد الذي في طبيعة الإنسان، فَوَصية لا تشته هي التي سلَّطت أضواء مقدسة على الطبيعة الفاسدة الكائنة في أعماق الإنسان، وبيَّنت رغبات القلب وتحركاته وميوله الرديئة، حتى التي لم تخرج إلى حيز التنفيذ.. وهكذا تنكشف الخطية بالوصية أنها خاطئة جدًّا، والرسول يشرح حالته أنه كان سابقًا قبل أن يتقابل مع الرب يسوع عائشًا حسب الناموس ولكنه كان له حَرفيّة الناموس، لم يكن له بر الله الذي نلناه فيما بعد في المسيح، فلما جاءت الوصية بقوتها ظهرت الخطية في فسادها ودنسها وعاشت أيامه ظاهرة بينما ماتت عنده كل أعماله وآراءه الطيبة التي احتفظ بها عن نفسه (البر الذاتي) وأكَّد له الروح القدس أنه كان بدون المسيح ميتًا، فعاشت الخطية ومات هو.. وهذا هو النفع الجزيل للناموس أنه كشَّاف كما أنه مؤدّب ومُربّي لكي يُهذّب النفس ويُعدّها لتتقبل الحياة حسب الروح، الحياة الجديدة التي يحيا فيها بر المسيح وليس بر الإنسان، وكثير من الناس يعيشون وفقا لروح التهوّد حتى ولو كانوا قد نالوا سر المعمودية وهم صغار، إلا أنهم لم يعيشوا حسب الحياة الجديدة والولادة الثانية التي وُهبت لهم مجانًا في هذا السر العظيم المقدس.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ويمكننا أن نصوّر مثل هذا التدين في النقاط الآتية:
1- الخوف من الله وممارسة العبادات، لا عن حب بل عن خوف ورعب.
2- اتباع مستوى الحرام والحلال.. فالإنسان هنا دائما يسأل هل هذا حرام أم حلال؟، لهذا يسعى وراء كل مَنْ يُعطيه فتوی تُحلل له أو تُحرم له؟ تمامًا كما كان يفعل الفريسيون في المجتمع الذي عاشه الرب يسوع في فلسطين. هذه المراهقة النفسية والروحية تظل ثابتة في حياة الإنسان لأنه لم يتجاوز هذه المرحلة إلى حياة النعمة، حياة حرية مجد أولاد الله.
وهذه المرحلة يُسميها الرسول بولس في غلاطية مرحلة الحياة عند أولاد الجارية العبدة وليس أولاد الأم الحرة، "قُولُوا لِي، أَنْتُمُ الَّذِينَ تُرِيدُونَ أَنْ تَكُونُوا تَحْتَ النَّامُوسِ: أَلَسْتُمْ تَسْمَعُونَ النَّامُوسَ؟ فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ أَنَّهُ كَانَ لإِبْرَاهِيمَ ابْنَانِ، وَاحِدٌ مِنَ الْجَارِيَةِ وَالآخَرُ مِنَ الْحُرَّةِ... وَكُلُّ ذلِكَ رَمْزٌ، لأَنَّ هَاتَيْنِ هُمَا الْعَهْدَانِ، أَحَدُهُمَا مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ، الْوَالِدُ لِلْعُبُودِيَّةِ، الَّذِي هُوَ هَاجَرُ. لأَنَّ هَاجَرَ جَبَلُ سِينَاءَ فِي الْعَرَبِيَّةِ. وَلكِنَّهُ يُقَابِلُ أُورُشَلِيمَ الْحَاضِرَةَ، فَإِنَّهَا مُسْتَعْبَدَةٌ مَعَ بَنِيهَا. وَأَمَّا أُورُشَلِيمُ الْعُلْيَا، الَّتِي هِيَ أُمُّنَا جَمِيعًا، فَهِيَ حُرَّةٌ... مَاذَا يَقُولُ الْكِتَابُ؟ «اطْرُدِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا، لأَنَّهُ لاَ يَرِثُ ابْنُ الْجَارِيَةِ مَعَ ابْنِ الْحُرَّةِ«. إِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَسْنَا أَوْلاَدَ جَارِيَةٍ بَلْ أَوْلاَدُ الْحُرَّةِ" (غل 4: 21 – 31).
3- وأما عن نوعية التدين فهو غالبًا ما يكون سطحيًّا وشكليًّا لأن الحياة كلها مصبوغة بالخوف ومتسمة بتأدية الفرائض والواجبات وممارسة الطقوس الشكلية مع إفراغها من كل مضمون روحي وُضعت لأجله.
كثيرًا ما نجد في كنائسنا أناس يعيشون على هذا المستوى، يؤدون كل الممارسات، ويحضرون كل العبادات بانتظام، ويتممون كل الطقسیات وأما قلبهم فبعيد عن الله. مثل هذه العبادة مكروهة عند الرب. ليس العيب في الطقس والشكل ولكن العيب كل العيب فيمَنْ تحجر عن الشكل وأفرغ الشكل من المضمون والجوهر والعمق الروحي. أما من جهة نظرة التهوّد إزاء الناس فهي تسير على مستوى السعي نحو إرضائهم أو إغضابهم لأن التدين في هذه المرحلة يخلو من أهم عمق له وهو "الحق" وهذه العلاقة تتناغم مع السطحية في التدين...
وأما نظرة الموسوي إزاء نفسه فهي تمتلئ من البر الذاتي والشعور بصلاحية أعماله.. فهو دائمًا يقول عن نفسه (اللهم إني أشكرك إني لست مثل باقي الناس الأشرار)، وهو كثيرًا ما يحرص على الإفادة من الدين لتضخيم ذاته وتفخيمها وتسمينها.. وهو لا يطيق إطلاقًا أن يدخل سيف الحق إلى الداخل ليجرح هذه الذات المنتفخة ويصلبها ويُميت أهواءها وميولها الرديئة إذ أن كثيرًا ما يكون التدين هنا غلافًا سميكًا وقبرًا جميلًا يُخفي عِظامًا نتنة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/anba-bimen/law-grace/moses.html
تقصير الرابط:
tak.la/n328sq3