ج- كيف أصير آنية للكرامة (رو 9: 20- 21)
هناك آمران لافتان للانتباه في تفسير أوريجانوس لهذا الجزء. الأول هو الربط مع (2تي2: 21): ”إِنْ طَهَّرَ أَحَدٌ نَفْسَهُ مِنْ هذِهِ، يَكُونُ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ، مُقَدَّسًا، نَافِعًا لِلسَّيِّدِ، مُسْتَعَدًّا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ“.[113] يقول أوريجانوس هنا إن بولس يفسر بوضوح لماذا توجد بعض الآنية للكرامة والبعض الآخر للهوان. فهو يؤكد أن الإنسان بأعماله هو مَن يحدد أي نوع من الآنية سيكون. كما أنه يؤكد علم الله السابق بالأعمال. فالله رأى أن يعقوب سيطهر نفسه فجعله إناء للكرامة بينما ”من نفس الكتلة جعل عيسو إناء للهوان، إذ رأى نفسه غير طاهرة وغير بسيطة أيضًا“. [114]
هذا يتسق مع فكر أوريجانوس بشكل عام في تفسير رومية، فهو يقول إن سبب أن يفرز بولس من أجل الإنجيل (رو 1: 3) هو أن الله رأى ”أسباب ذلك.. والاستحقاقات التي خولته ليُفرز لهذا الغرض“.[115] وأخذ يعدد أن الله رأى أن بولس سيتعب أكثر من الرسل إلى آخره من أتعاب بولس في خدمته. وبالتالي ينطبق بالمثل على هذه الآيات وأن الله حدد نوع الآنية، وكذلك أحب يعقوب وأبغض عيسو، بناء على علمه السابق بالأعمال.
يتعرض أوريجانوس لنفس النقطة في كتابه ”عن الصلاة“ في سياق (أف 1: 4) واختيار بولس من قبل تأسيس العالم. ويقول إن الله عرف مسبقًا مستقبل بولس وغيرته الدينية ولذلك رتب الله مسار حياته وسمح له في بداية حياته أن يكون مضطهدًا للكنيسة وعرف أنه سيندم على ذلك، وبالتالي فقد أحكم الله تدبير حياة بولس بعنايته. ويقر أوريجانوس بالقول: ”ما دام الله يعرف الإرادة الحرة لكل إنسان، وبالتالي سبق فرآها، فهو يرتب بعنايته الإلهية ما يستحقه كل واحد بعدل...“. حجة أوريجانوس في كتابه ”عن الصلاة“ أن الله يرتب بعنايته كل ما يلزم لأن يحقق الإنسان بإرادته ما يريد، وذلك بفضل أن الله يعلم هذه الإرادة من قبل تأسيس العالم.[116]
الشيء اللافت الآخر، هو تغيير نوعي في فكر أوريجانوس عن كتاب المبادئ؛ لأن أوريجانوس ينسب اختيار الله ليعقوب ورفضه لعيسو إلى ”فضائل حياة سابقة“ وهو الأمر ذاته الذي يفسر فيه ارتكاض يوحنا المعمدان وهو جنين في بطن أليصابات، وكذلك الرضعان الذين تسكنهم الأرواح الشريرة، وكذلك يُبني عليه -بحسب جيروم- اعتقاده في وجود عوالم متعددة غير متزامنة سابقة ولاحقة.[117] وبالتالي في ”المبادئ“ رأى أوريجانوس أن ما رآه الله من استحقاق لبولس ويعقوب وعدم استحقاق لفرعون وعيسو مستمد من معرفة إلهية لطباعهم في حياة سابقة. لذلك يرى Mark Scott أن ”سبق المعرفة الإلهية ليس معناه رؤية ما سيحدث في المستقبل بقدر ما يعني رؤية ما حدث في الماضي“.[118] هذا إن اتبعنا رأي أوريجانوس في المبادئ، لكننا نجد في تفسير رومية تغيرًا ملحوظًا في موقفه. فينسب اختيار الله ليس لمعرفة سابقة بحياة سابقة وإنما سبق علم بالأعمال في هذه الحياة. فهل عدَّل أوريجانوس من موقفه؟ أم أنها تعديلات روفينوس؟
_____
[113] هذا ما فعله أوريجانوس في المبادئ أيضًا في المبادئ 2: 9: 8 ولكن كتفسير لاستحقاق في حياة سابقة؛ إذ يقول: ”يمكن أن نفهم ان هذه الآنية العاقلة قد تنقت قديمًا، أو أنها لم تتنقَ“. لكن في تفسيره لرومية لم يتحدث عن الوجود السابق للنفوس، وهذه النقطة شرحاناه سابقًا.
[114] أوريجانوس، تفسير رومية 7: 17: 7.
[115] أوريجانوس، تفسير رومية 1: 3 : 2.
[116] Rowan A. Greer, Origen: An Exhortation to Martyrdom, Prayer, and Selected Works, p 94.
[117] أوريجانوس، المبادئ 2: 9: 7. هذا الأمر أكده أيضًا القديس جيروم في ترجمته التي زعم أنها صحيحة بخلاف ترجمة روفينوس. راجع أيضًا (راجع خطابات القديس جيروم، ج 5، ترجمة القمص يوحنا عطا، مدرسة الإسكندرية).
[118] Mark S. M. Scott, Journey Back to God: Origen on the Problem of Evil (Oxford University Press, 2015), 89.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/origen-free-will/vessel-for-dignity.html
تقصير الرابط:
tak.la/rsj6bk4