الفصل (6)
(13) نؤمن أنه صعد إلى السماء، إلى عالم النعيم الذي وعدنا به قائلاً: ”يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاءِ“ (مت 22: 30)، في تلك المدينة التي هي أم لجميعنا، أورشليم الأبدية في السماء.[27] لكن اعتقادنا بصعود جسد أرضي إلى السماء عادة ما يسبب عثرة لبعض الناس الملحدين والوثنيين والهراطقة على حد سواء.[28] الوثنيون في معظمهم شغوفون باستدراجنا إلى نقاش بحجج مستقاة من الفلاسفة تزعم أنها تبرهن على أنه لاشيء مصنوع من التراب يمكن أن يوجد في السماء. هؤلاء ليسوا على دراية بكتابنا المقدس ويفشلون في استيعاب المعنى الصحيح للكلام التالي: ”يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا“ (1كو 15: 44).
هذه الآية لا يُقصد بها أن الجسد سيتحول ويصبح روحًا، لأنه حتى الآن جسدنا لم يتحول إلى نفس، برغم أنه يُقال إنه يتحرك بالنفس. وإنما نعني بـ”الجسد الروحاني“ جسدًا طيعًا للروح، وبالتالي ملائم للمسكن السماوي، بالنظر إلى أن كل ضعفه وكل عيوبه الأرضية قد تغيرت وتحولت إلى ثبات وطهارة سماوية. هذا هو نوع التغيير الذي يشير إليه الرسول حين يقول: ”لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ“ (1كو 15: 51). وحين يقول نفس الرسول أن ”كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ“ فهو يعلمنا أن هذا ليس تغييرًا للأسوأ بل للأفضل.
لكنه فضول محض ومضيعة للوقت أن نبحث في ”أين“ و”كيف“ يوجد جسد الرب في السماء. علينا فقط أن نؤمن أنه موجود في السماء. ليس لقدراتنا الواهية أن تستقصي الأمور السمائية المحتجبة. لكن دور الإيمان أن نفكر بأفكار سامية وجديرة عن رفعة جسد الرب.
_____
[27] قارن (غل 4: 26).
[28] من بين هؤلاء كلسُس وهو أحد المثقفين اليونانيين الذي انتقد فكرة قيامة الجسد، حيث يوجه كلسوس نقده الحاد إلى فكرة أن الله يعكس عملية التحلل الطبيعية التي تحدث للجسد الإنساني أو أن الجسد يمكن أن يُقام ثانية بعد تعفنه: ”لأنه أي نوع من الأجساد، بعدما تفسد تمامًا، يمكن أن تعود إلى طبيعتها الأولى، وإلى نفس الحالة التي كانت له قبل أن يتحلل؟ ولأنه ليس لهم ما يجيبون به على ذلك، فإنهم يهربون إلى أكثر ملاذٍ غريب بقولهم ’كل شيء مستطاع عند الله‘. لكن في الواقع لا يستطيع الله أن يفعل ما هو مخزٍ، ولا يستطيع أن يرغب فيما هو مخالف للطبيعة.“ (ضد كلسُس 5: 14). ويتشابه رد العلامة أوريجانوس مع ما يقوله القديس أغسطينوس هنا؛ فأوريجانوس يرد على هذه الفكرة بالتأكيد على أننا لا نقول بأننا نقوم بنفس الجسد الذي يتحلل ويتعفن، بل بجسد آخر يناسب الحياة الأخرى، أي سيطرأ على الجسد تغيير للأفضل. ثم يقتبس من 1كو 15 مؤكدًا أن الجسد الذي يُزرع يختلف عن الجسد الذي يقوم. كان كلسوس قد قال إن رجاءنا في قيامة نفس الجسد المتعفن هو ”رجاء الديدان“، لأن الديدان تشتهي الجسد المتعفن؛ لكن أوريجانوس أوضح بهذا أن رجاءنا ليس رجاء الديدان لأن نفوسنا تشتهي جسدًا مكرمًا وممجدًا وليس جسدًا متعفنًا. (راجع العلامة أوريجانوس ”ضد كلسُس“، الجزء الثاني، الكتاب 5: 14- 20، ترجمة القس بولا رأفت عزيز، ص 219- 226). (المترجم).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/adel-zekri/augustine-faith/ascension-of-christ.html
تقصير الرابط:
tak.la/xm768nh