St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   church-encyclopedia  >   ecclesiastes
 
St-Takla.org  >   bible  >   commentary  >   ar  >   ot  >   church-encyclopedia  >   ecclesiastes

تفسير الكتاب المقدس - الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم: كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة

الجامعة 2 - تفسير سفر الجامعة

 

* تأملات في كتاب جامعة:
تفسير سفر الجامعة: مقدمة سفر الجامعة | الجامعة 1 | الجامعة 2 | الجامعة 3 | الجامعة 4 | الجامعة 5 | الجامعة 6 | الجامعة 7 | الجامعة 8 | الجامعة 9 | الجامعة 10 | الجامعة 11 | الجامعة 12

نص سفر الجامعة: الجامعة 1 | الجامعة 2 | الجامعة 3 | الجامعة 4 | الجامعة 5 | الجامعة 6 | الجامعة 7 | الجامعة 8 | الجامعة 9 | الجامعة 10 | الجامعة 11 | الجامعة 12 | الجامعة كامل

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح

← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25 - 26

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الأَصْحَاحُ الثَّانِي

بطلان اللذات والحكمة

 

(1) بطلان اللذات الحسية (ع 1 -11)

(2) بطلان الحكمة (ع 12-17)

(3) بطلان التعب (ع 18-23)

(4) الفرح الحقيقي (ع 24-26)

 

(1) بطلان اللذات الحسية (ع 1 -11):

1- قُلْتُ أَنَا فِي قَلْبِي: «هَلُمَّ أَمْتَحِنُكَ بِالْفَرَحِ فَتَرَى خَيْرًا». وَإِذَا هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ. 2- لِلضَّحْكِ قُلْتُ: «مَجْنُونٌ» وَلِلْفَرَحِ: «مَاذَا يَفْعَلُ؟». 3- اِفْتَكَرْتُ فِي قَلْبِي أَنْ أُعَلِّلَ جَسَدِي بِالْخَمْرِ، وَقَلْبِي يَلْهَجُ بِالْحِكْمَةِ، وَأَنْ آخُذَ بِالْحَمَاقَةِ، حَتَّى أَرَى مَا هُوَ الْخَيْرُ لِبَنِي الْبَشَرِ حَتَّى يَفْعَلُوهُ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِمْ. 4- فَعَظَّمْتُ عَمَلِي: بَنَيْتُ لِنَفْسِي بُيُوتًا، غَرَسْتُ لِنَفْسِي كُرُومًا. 5- عَمِلْتُ لِنَفْسِي جَنَّاتٍ وَفَرَادِيسَ، وَغَرَسْتُ فِيهَا أَشْجَارًا مِنْ كُلِّ نَوْعِ ثَمَرٍ. 6- عَمِلْتُ لِنَفْسِي بِرَكَ مِيَاهٍ لِتُسْقَى بِهَا الْمَغَارِسُ الْمُنْبِتَةُ الشَّجَرَ. 7- قَنَيْتُ عَبِيدًا وَجَوَارِيَ، وَكَانَ لِي وُلْدَانُ الْبَيْتِ. وَكَانَتْ لِي أَيْضًا قِنْيَةُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا فِي أُورُشَلِيمَ قَبْلِي. 8- جَمَعْتُ لِنَفْسِي أَيْضًا فِضَّةً وَذَهَبًا وَخُصُوصِيَّاتِ الْمُلُوكِ وَالْبُلْدَانِ. اتَّخَذْتُ لِنَفْسِي مُغَنِّينَ وَمُغَنِّيَاتٍ وَتَنَعُّمَاتِ بَنِي الْبَشَرِ، سَيِّدَةً وَسَيِّدَاتٍ. 9- فَعَظُمْتُ وَازْدَدْتُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي فِي أُورُشَلِيمَ، وَبَقِيَتْ أَيْضًا حِكْمَتِي مَعِي. 10- وَمَهْمَا اشْتَهَتْهُ عَيْنَايَ لَمْ أُمْسِكْهُ عَنْهُمَا. لَمْ أَمْنَعْ قَلْبِي مِنْ كُلِّ فَرَحٍ، لأَنَّ قَلْبِي فَرِحَ بِكُلِّ تَعَبِي. َهذَا كَانَ نَصِيبِي مِنْ كُلِّ تَعَبِي. 11- ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ، وَإِلَى التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ، وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ.

 

ع1: هلم: هيا.

فكر سليمان في داخله هل يا ترى أفراح العالم، ولذاته، وشهواته تشبع نفسه أم لا؟ وكانت النتيجة أن كل شيء باطل، ولم يستفد من هذه اللذات شيئًا.

 

ع2: حاول سليمان أن يفرح نفسه بكل ما يجعله يضحك، سواء لذات طعام، أو شراب، أو ملابس... وأيضا امتحن نفسه بأن يرى أمورًا غريبة تسعده، فضحك كثيرا، ولكن شعر في النهاية أنه لم يأخذ شيئًا، لأن الضحك الذي ضحكه كان خارجيًا من شفتيه، وليس من قلبه، بل شعر أن هذا جنون أن يوهم الإنسان نفسه بالسعادة، وهي بعيدة تمامًا عن قلبه. وهكذا شعر أن أفراح العالم الحسية ليس لها أي تأثير على مشاعره الداخلية، بالإضافة إلى أن هذه الأفراح الخارجية، لا يمكن أن تزيل وجع الضمير من أية خطية.

 

ع3: أعلل جسدي: أشغله وألهيه.

يلهج: يتلو ويكرر.

فكر سليمان مع نفسه في فائدة الخمر. فقال أشغل نفسى وأمتعها بشرب الخمر، بالإضافة إلى كل طعام يمكن أن يمتع نفسى. واستخدمت هذا بحكمة، أي في حدود معينة دون أن تفقدنى وعيى، أو أضر جسدي، فلم أجد خيرا، أو فائدة من هذه اللذات الحسية. ثم قلت لنفسى فلأستخدم الخمر والأطعمة بحماقة، أى أشرب حتى السكر، وآكل فوق طاقتى، لأمتع نفسي بكل ما يمكن من هذه اللذات، ولكنى لم أحصل على سعادة حقيقة، ووجدت أن كل هذه اللذات الحسية التي جربتها لا تفيد شيئا، وأنه لا خير منها للبشر، ولن يحصلوا منها على السعادة الدائمة.

 

St-Takla.org Image: The riches of Solomon: "I made my works great, I built myself houses, and planted myself vineyards. I made myself gardens and orchards, and I planted all kinds of fruit trees in them. I made myself water pools from which to water the growing trees of the grove" (Ecclesiastes 2: 4-6) - from "The Forecourt of the Soul" book, by Frans van Hoogstraten, Romeyn de Hooghe, Engelbertus Solmans, Hendrik van Puer, 1698. صورة في موقع الأنبا تكلا: ثراء سليمان: "فعظمت عملي: بنيت لنفسي بيوتا، غرست لنفسي كروما. عملت لنفسي جنات وفراديس، وغرست فيها أشجارا من كل نوع ثمر. عملت لنفسي برك مياه لتسقى بها المغارس المنبتة الشجر" (الجامعة 2: 4-6) - من صور من كتاب "حصن الروح"، تأليف: فرانس فان هوجستراتن، رومين دي هوغ، إنجيلبيرتوس سولمانز، هندريك فان بيور، إصدار 1698 م.

St-Takla.org Image: The riches of Solomon: "I made my works great, I built myself houses, and planted myself vineyards. I made myself gardens and orchards, and I planted all kinds of fruit trees in them. I made myself water pools from which to water the growing trees of the grove" (Ecclesiastes 2: 4-6) - from "The Forecourt of the Soul" book, by Frans van Hoogstraten, Romeyn de Hooghe, Engelbertus Solmans, Hendrik van Puer, 1698.

صورة في موقع الأنبا تكلا: ثراء سليمان: "فعظمت عملي: بنيت لنفسي بيوتا، غرست لنفسي كروما. عملت لنفسي جنات وفراديس، وغرست فيها أشجارا من كل نوع ثمر. عملت لنفسي برك مياه لتسقى بها المغارس المنبتة الشجر" (الجامعة 2: 4-6) - من صور من كتاب "حصن الروح"، تأليف: فرانس فان هوجستراتن، رومين دي هوغ، إنجيلبيرتوس سولمانز، هندريك فان بيور، إصدار 1698 م.

ع(4-6):

جنات: جمع جنة، وهي حديقة جميلة تتميز بوجود النخيل والأشجار المتنوعة.

فراديس: جمع فردوس، وهو بستان يحوى أشجارا كثيرة وخاصة الكروم.

المغارس المنبتة الشجر: جمع غرس وهو النبات الصغير الذي يزرع في الأرض لتخرج منه شجرة كبيرة.

فكر أيضا سليمان في المباني التي يمكن أن تسعد الإنسان، فبنى بيوتًا عظيمة متنوعة، وزينها من الداخل بالذهب والفضة، والأخشاب الثمينة، ليتمتع بمنظرها الجميل، ولكى يصير بها عظيما، ويمتع نفسه، ولكنه لم يجد فيها السعادة الداخلية التي يحتاجها الإنسان.

كانت بلاد اليهود مشهورة بأشجار الكروم، فغرس سليمان لنفسه كرومًا كثيرة، ليتمتع بمنظرها، ويأكل منها، ويشرب خمرًا، بل وغرس أيضا جنات وفراديس تحوى أشجارًا متنوعة، ليتمتع برؤية منظرها، ويشم رائحتها، ويأكل من ثمارها. وعمل برك ماء وسط هذه الجنات والفراديس، ليسقى بها الأشجار التي غرسها. وهكذا تفنن في عمل حدائق وبساتين عظيمة جدا، ليتلذذ بها، وكلها لم تسعد قلبه، لأن الإنسان لا يسعد إلا في بناء بيت الله في داخله، ويعطى مكانًا لله في قلبه، فتصير الجنة والفردوس هما وجود الله في حياته.

 

ع7: قنيت: امتلكت

قنية: ممتلكات

من الأمور التي حاول سليمان أن يمتع ويعظم بها نفسه، اقتناء العبيد والجوارى الذين استخدمهم في خدمة البيوت العظيمة التي امتلكها، وزراعة الجنات التي غرسها. بالإضافة إلى أن هؤلاء العبيد والجوارى أنجبوا في بيوته ولدان، أي أبناء وبنات صاروا هم أيضا عبيدًا له، فتعاظم سليمان جدًا بكثرة ما يمتلكه من العبيد، ولكن هذا أيضا لم يوصله إلى السعادة التي يطلبها.

اقتنى أيضا سليمان أعدادًا كبيرة من البقر والغنم التي اعتاد الملوك، والرؤساء اقتناءها، فهذه الثروة الحيوانية كان يتباهى بها جميع من قبله في أورشليم، ويقصد داود أباه، أو أي رئيس من رؤساء الأمم الذين سكنوا في أورشليم قبله.

 

ع8:اهتم سليمان باقتناء كل ما هو ثمين في نظر الناس، فاقتنى فضة وذهبًا كثيرًا جدًا، حتى صارت الفضة في أورشليم كالحجارة (أمل 10: 27). ولعظمة سليمان أقتنى ممتلكات خاصة بالملوك، لا توجد عند باقي الناس، سواء التي حصل عليها بنفسه، أو أهداها إليه ملوك، لكيما يرضى عليهم، أو ينالوا فرصة زيارته، والتمتع بحكمته، مثل هدايا ملكة سبأ (أمل 10: 10).

واقتنى أيضا سليمان مغنيين ومغنيات، ليتمتع بسماع أصواتهم الجميلة في الحفلات التي يقيمها لنفسه. وهذا عكس ما فعله أبوه داود، الذي أحب الموسيقى، واستخدم الآلات الموسيقية في تسبيح الله، وتمجيده، مع مزاميره العميقة، ولكن سليمان هنا استخدم الموسيقى والغناء العالمى، ليسعد بها نفسه، فلم يحصل على سعادة.

سعى سليمان لاقتناء أمور كثيرة متنوعة، ليتمتع بها، ولكن هذه التنعمات المختلفة لم تعطه ما يتمناه من سرور وابتهاج حقيقي. وتعاظم سليمان في اقترانه بزوجات كثيرات، ولعل المقصود بسيدة، إبنة فرعون، والمقصود بسيدات، الزوجات الكثيرات اللاتي اقترن بهن، واللاتي بلغ عددهن ألفا من النساء (أمل 11: 3). وحتى هذا الأمر لم يعطه الفرح الحقيقي، ولكن مجرد لذات مؤقته.

 

ع9: الخلاصة، أن سليمان تعاظم جدًا أكثر من كل من قبله في أورشليم في اللذات والمقتنيات، وكل ما يمتلكه. واستمرت حكمته البشرية، وذكاؤه معه، ولكن لم يستفد من كل هذا، لأنه سقط في خطايا كثيرة، بإقامة عبادة للأوثان إرضاء لزوجاته الأجنبيات، فابتعد عن الله.

 

ع10: وهكذا حقق سليمان كل ما اشتهاه، وتمنته نفسه من شهوات العالم، إذ أن ظروفه كانت تساعده على ذلك، فهو يتمتع بصحة جيدة، وله أموال كثيرة، فاستطاع أن ينال كل شهواته مهما كانت تحتاج إلى جهد، أو مال. وكل ما تمناه قلبه من لذات العالم تلذذ وفرح به، خاصة وأنه لم يسرق، أو ينال شيئا بطريقة غير شرعية، أو خاطئة، ولكن كان هذا التلذذ المؤقت والفرح هو نصيبه وما حققه من كل هذه الشهوات، أما إشباع قلبه، وتمتعه الدائم فلم يصل إليه، لأن هذا لا يتم إلا بسكنى الله فيه.

 

ع11: النتيجة النهائية التي وصل إليها سليمان من محاولته إسعاد نفسه بلذات العالم، وكل ما بذل جهدًا فيه، أو أنفق عليه أموالًا كثيرة، كل هذا وجده في النهاية لا فائدة منه، ولم يصل لما يتمناه من فرح حقيقي دائم، فرأى أن كل هذه الأمور باطلة، ويشبهها بمن يقبض على الريح، ولم يحقق منها منفعة.

لا تتكل على ذكائك، أو قدراتك المتميزة للوصول إلى السعادة التي تحتاجها، لأن سعادتك هي في وجود الله داخلك، فتب عن خطاياك، واتصل به من خلال الصلاة والقراءة، واثبت في الكنيسة، فتنال الفرح الدائم.

وستجد تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

(2) بطلان الحكمة (ع 12-17):

12- ثُمَّ الْتَفَتُّ لأَنْظُرَ الْحِكْمَةَ وَالْحَمَاقَةَ وَالْجَهْلَ. فَمَا الإِنْسَانُ الَّذِي يَأْتِي وَرَاءَ الْمَلِكِ الَّذِي قَدْ نَصَبُوهُ مُنْذُ زَمَانٍ؟ 13- فَرَأَيْتُ أَنَّ لِلْحِكْمَةِ مَنْفَعَةً أَكْثَرَ مِنَ الْجَهْلِ، كَمَا أَنَّ لِلنُّورِ مَنْفَعَةً أَكْثَرَ مِنَ الظُّلْمَةِ. 14- اَلْحَكِيمُ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَسْلُكُ فِي الظَّلاَمِ. وَعَرَفْتُ أَنَا أَيْضًا أَنَّ حَادِثَةً وَاحِدَةً تَحْدُثُ لِكِلَيْهِمَا. 15- فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: «كَمَا يَحْدُثُ لِلْجَاهِلِ كَذلِكَ يَحْدُثُ أَيْضًا لِي أَنَا. وَإِذْ ذَاكَ، فَلِمَاذَا أَنَا أَوْفَرُ حِكْمَةً؟» فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: «هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ». 16- لأَنَّهُ لَيْسَ ذِكْرٌ لِلْحَكِيمِ وَلاَ لِلْجَاهِلِ إِلَى الأَبَدِ. كَمَا مُنْذُ زَمَانٍ كَذَا الأَيَّامُ الآتِيَةُ: الْكُلُّ يُنْسَى. وَكَيْفَ يَمُوتُ الْحَكِيمُ كَالْجَاهِلِ! 17- فَكَرِهْتُ الْحَيَاةَ، لأَنَّهُ رَدِيءٌ عِنْدِي، الْعَمَلُ الَّذِي عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ، لأَنَّ الْكُلَّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ.

 

ع12-13: بعد أن تكلم سليمان عن بطلان اللذات الحسية في الآيات السابقة من هذا الأصحاح، يلتفت إلى الحكمة البشرية، ليفحص فائدتها، ويقرر لنا مايلى:

1- "فما الإنسان الذي يأتي وراء الملك" هذا تعبير كان معروفًا وقتذاك، والمقصود به من هو الإنسان الذي يأتي بعد سليمان، ويحقق إقتناء كل هذه الشهوات الحسية السابق ذكرها. فظروف سليمان سمحت له أن يحصل على كل هذه الشهوات، ومع هذا لم يجد فيها سعادته.

ويلاحظ تعبير "الذى قد نصبوه منذ زمان" وهذا يعنى أن سليمان قد ملك مدة طويلة، وهي أربعين عامًا. فاستطاع أن يتمتع باللذات الحسية مدة طويلة، ومع هذا لم يحقق منها فرحه الحقيقي.

2- "الحكمة منفعة أكثر من الجهل"

والمقصود، الحكمة البشرية أفضل من الجهل، مثلما نعلم كلنا أن النور أفضل من الظلام، فسليمان لا يقصد رفضه اللذات الحسية، والحكمة البشرية كسبيلين للسعادة، أنه ليس ضد الحكمة البشرية، وكذا أيضا اللذات الحسية فهي من نعم الله، إذا شكر الإنسان الله عليها، واستخدمها بالمقدار الذي يحتاجه، معتمدًا أساسًا على الله الساكن فيه. فالحكمة كالنور، أي وسيلة نافعة في يد الله. وكذا كل الماديات هي وسيلة لإسعاد الإنسان المتكل على الله. أما المشكلة فهي الاعتماد، والإنغماس في اللذات المادية، والحكمة البشرية بعيدًا عن الله.

 

ع14-16: إن الحكيم يتميز بالفهم والتمييز، لأن معنى "عيناه في رأسه" أنه مستنير، ويستطيع أن يسلك حسنًا في الحياة، ويبتعد عما يضر. كل هذا عن الحكمة البشرية، أما الجاهل فيسلك في الظلام، بمعنى أنه يتعرض لتصرفات خاطئة تضره، ولكن حكمة الحكيم لا تستطيع أن تبعد عنه الموت، فسيموت مثل الجاهل، وتنتهي حياته مثله. ولهذا يشعر سليمان أن الحكمة البشرية لم تنفعه، ومصيره مثل الجاهل، فبالتالى الحكمة البشرية باطلة، لا منفعة منها. وبموت الحكيم ينسى الناس كل ما فعله، وتميز به في الحياة، كما ينسون الجاهل ايضا. كل هذا يؤكد بطلان الحكمة.

كل هذا الكلام السابق عن الحكمة البشرية، أما الحكمة الروحية، المعطاة من الله، فتعطى صاحبها الإيمان بالحياة الأبدية، فلا ينزعج من الموت، لأنه يعبر به إلى حياة أفضل، ولا يهتم بتذكر الناس له بعد موته، لأنه متعلق برأى الله فيه، وليس رأى الناس، فهو يحيا لله طوال حياته، وقلبه متعلق بالسماء.

 

ع17: الخلاصة، أن سليمان كره الحكمة البشرية التي لم تعطه السعادة. وبهذا يظهر الحاجة الشديدة إلى الحكمة الروحية، التي يهبها الله لأولاده. ونفس هذا المعنى أكده أبوه داود النبى في (مز 49: 10) وكراهية سليمان للحياة يقصد بها كراهية الإنشغال بالحكمة، وتميزه بها، وما تعطيه من مجد زائل، فكل هذا سينتهى.

إن كان لك حكمة وفهم، فاطلب من الله أن يثبتها فيك بنعمته، ويهبك أن تراه أمامك، فتقتنى الحكمة الروحية التي تظهر لك حلاوة الأبدية، فهي التي ستفرح حياتك وترفع عنك أتعاب العالم، وتحتمل كل شيء برضا وشكر، بل وتبذل حياتك لأجل الله، لتنال أمجاد السماء.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

(3) بطلان التعب (ع 18-23):

18- فَكَرِهْتُ كُلَّ تَعَبِي الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ حَيْثُ أَتْرُكُهُ لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدِي. 19- وَمَنْ يَعْلَمُ، هَلْ يَكُونُ حَكِيمًا أَوْ جَاهِلًا، وَيَسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ تَعَبِي الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ وَأَظْهَرْتُ فِيهِ حِكْمَتِي تَحْتَ الشَّمْسِ؟ هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ. 20- فَتَحَوَّلْتُ لِكَيْ أَجْعَلَ قَلْبِي يَيْئَسُ مِنْ كُلِّ التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ. 21- لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ إِنْسَانٌ تَعَبُهُ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَبِالْفَلاَحِ، فَيَتْرُكُهُ نَصِيبًا لإِنْسَانٍ لَمْ يَتْعَبْ فِيهِ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَشَرٌّ عَظِيمٌ. 22- لأَنَّهُ مَاذَا لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ، وَمِنِ اجْتِهَادِ قَلْبِهِ الَّذِي تَعِبَ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ؟ 23- لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِهِ أَحْزَانٌ، وَعَمَلَهُ غَمٌّ. أَيْضًا بِاللَّيْلِ لاَ يَسْتَرِيحُ قَلْبُهُ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ هُوَ.

 

ع 18-20: إذ فكر سليمان في أنه سيموت، ويترك كل ما عمله بحكمته البشرية، قال في نفسه: لماذا كل هذا التعب، وأنا لا أضمن من يأخذ تعبى، سواء كان حكيمًا أو جاهلًا، لأن الحكيم سيأخذ ثمارًا لم يتعب فيها، وكيف سيستخدمها، هل للخير، أم للشر؟ أما الجاهل فمن المتوقع أن يضيعها. وهذا ما حدث فعلًا عندما ملك رحبعام ابن سليمان مكانه، فبجهله انقسمت المملكة التي حافظ عليها، ومجدها أبوه سليمان.

ولأجل ما شعر به سليمان من بطلان التعب، فكر في نفسه، وراجع قلبه، لييأس من أي تعب يتعب فيه في هذا العالم، سواء في التقدم الاقتصادى، والغنى، والمجد، والكرامة، وكل ما يشمله العالم من أعمال. وقرر أن يجعل قلبه لا يميل إلى هذا التعب، الذي بلا فائدة. إذ أن الإنسان الذي تعود العمل يحبه، حتى لو لم يجد عائدًا كبيرا، أو ثمارًا منه.

كل هذا الكلام الذي يشرحه سليمان هو عن التعب الذي ليس هدفه إرضاء الله، أو الامانة فيه من أجل الله. فهو يتكلم عن حالته الأولى وهو بعيد عن الله، منشغلا بالغنى، وكثرة النساء، وكثرة الخيل، والقوة الحربية، ولكن عندما عاد لله بالتوبة - كما يظهر في نهاية هذا السفر - سيعلن حقيقة مختلفة، وهي أهمية الحياة مع الله التي تعطى لكل أتعاب الحياة معنى جديد، ولذة، فتفرح قلب الله، وتفرح كل من حول الإنسان، ومن يحيا بعده.

 

ع21-23: الفلاح: النجاح.

إن تعب سليمان كان في أرقى الأتعاب، وهو استخدام حكمته ومعرفته، ليجعل مملكته ناجحة، ومتقدمة أكثر من جميع الدول. وقد استطاع فعلا أن يفعل هذا. وهذا العمل أرقى بكثير من الأعمال البدنية، مثل أعمال الفلاحين، أو العمال، ولكن جميع الأتعاب لا فائدة منها، بل على العكس كلما صار الإنسان غنيًا ووصل إلى مجد كبير، يملًا قلبه الغم والحزن، إذ يخاف على أمواله ، وكرامته فلا يستريح في النهار، لأنه يجرى وراء الغنى والكرامة، ولا ينام في الليل قلقًا على ما يملكه، أو يتمتع به. فيقول سليمان: فلماذا كل هذا التعب إنه باطل. ويقول أيضا: أنه "سر عظيم" لأن سليمان يفكر كإنسان أنانى، لماذا يتعب وغيره يأخذ تعبه.

وبالطبع الإنسان الذي يتعب من أجل الله يكون في سلام، وفرح أثناء عمله، لأنه يقدمه لله الذي يحبه، وفى الليل يكون مطمئنًا، لأن الله يحرسه، ويحفظه، فيرفع قلبه بالصلاة والشكر لله، وينام مطمئنًا بين يديه.

أطلب الله ليكون معينا لك قبل أي عمل تعمله، وكن منتبها إلى أنك تقدمه لله، فتعمله بدقة وأمانة لإرضاء الله قبل إرضاء الناس، فيمتلئ قلبك سلامًا، وتتمتع بكل ما تعمله.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

(4) الفرح الحقيقي (ع 24-26):

24- لَيْسَ لِلإِنْسَانِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيُرِيَ نَفْسَهُ خَيْرًا فِي تَعَبِهِ. رَأَيْتُ هذَا أَيْضًا أَنَّهُ مِنْ يَدِ اللهِ. 25- لأَنَّهُ مَنْ يَأْكُلُ وَمَنْ يَلْتَذُّ غَيْرِي؟ 26- لأَنَّهُ يُؤْتِي الإِنْسَانَ الصَّالِحَ قُدَّامَهُ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً وَفَرَحًا، أَمَّا الْخَاطِئُ فَيُعْطِيهِ شُغْلَ الْجَمْعِ وَالتَّكْوِيمِ، لِيُعْطِيَ لِلصَّالِحِ قُدَّامَ اللهِ. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ.

 

ع24، 25: يرى نفسه: يعطى نفسه.

يلتذ: يتلذذ .

في نهاية هذا الإصحاح يقدم سليمان نصيحة روحية لكل إنسان يهمه أن يحيا حياة سعيدة، وهي أن يتمتع الإنسان بكل عطايا الله من الأكل، والشرب، وجميع هبات الله، ويشكر الله عليها، فهذه كلها عطايا من يده تستحق الشكر.

ويؤكد سليمان أنه يتلذذ بخيرات الله، وكل عطاياه، لأنه يؤمن بالله الذي أعطاه كل الغنى والمجد الذي يحيا فيه.

 

ع26: يؤتى: يعطى.

يبين سليمان نعمة الله لأولاده الصالحين، إذ يعطيهم أن يعرفوه، ويتمتعوا بحكمته، فيصيروا في فرح بكل عطاياه، ولإحساسهم بوجود الله معهم، سواء كانوا يملكون القليل، أو الكثير.

أما الأشرار البعيديون عن الله، فيتعبون أنفسهم في جمع الأموال، خوفًا من المستقبل، ولا يتمتعون بالله، لأنهم ابتعدوا عنه. ثم يتركون هذه الأموال، ليتمتع بها الصالحون. وهذه الاعمال بالطبع باطلة، أي ياليت الأشرار يتوبون، ويرجعون إلى الله، فيتمتعون بأعمالهم، وكل حكمتهم، ويشكرون الله الذي أعطاهم نعمة العمل، ووهبهم الثمار التي يحصلون عليها.

 

يفهم من هذه الأيات الثلاثة ما يلى:

  1. من الصالح أن يتلذذ الإنسان بعطايا الله، فيأكل ويشرب، وينظر إلى الطبيعة، وكل عطايا الله، ويشكر عليها. فقد وهبه الله كل هذا ، ليتمتع به.

  2. دعوة للعمل وليس للكسل، ولكن يكون هذا العمل من أجل الله، فيشعر الإنسان براحة، وفرح أثناءه.

تعود أن تشكر الله في نهاية كل يوم على كل عطاياه، ليملأ هذا الشكر قلبك بالفرح، ويعطيك قوة لمواصلة حياتك بنشاط، وعندما تستيقظ صباحًا أشكر الله، وأطلب معونته، فيمتلئ قلبك حماسًا للتمتع بيومك الجديد.

St-Takla.org                     Divider

← تفاسير أصحاحات جامعة: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12

 

الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/bible/commentary/ar/ot/church-encyclopedia/ecclesiastes/chapter-02.html

تقصير الرابط:
tak.la/p5pzwg3