* تأملات في كتاب
رسالة يهوذا الرسول: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23 - 24 - 25
ثانيًا: ثُلاثِيَّةُ لِمَنْ كتبَتِ الرسالة؟ - الدعوة - الْمُقَدَّسِينَ فِي اللهِ الآبِ
ثالثًا: ثُلاثِيَّة حفظ أولاد الله
رابعًا: ثُلاثِيَّة حفظ الأشرار للهلاك
خامسًا: ثُلاثِيَّة البركة الرسولية - هدف رسالة يهوذا
سادسًا: ثُلاثِيَّة المحبة - الجهاد والنعمة
سابعًا: ثُلاثِيَّة الخلاص المُشتَرك - الهراطقة
ثامنًا: ثُلاثِيَّة الهالكين
تاسعًا: ثُلاثِيَّة الدينونة: 1. دينونة بني إسرائيل
عاشرًا: ثُلاثِيَّة الخطايا القديمة: حرب في عالم الروح - التقليد مصدر للتعليم يعترف به الروح القدس - معركة أخرى في سفر الرؤيا
حادي عشر:
ثُلاثِيَّة هلاك الأشرار:
ثلاثة
أمثلة لهلاك الأشرار بين رسالتي يهوذا وبطرس الثانية:
قايين، بلعام،
قورح
تتميز رسالة يهوذا بِسَبْعِ ثُلاثِيَّات
يفتتح القديس يهوذا الرسول رسالته القصيرة المُكوَّنة من إصحاح واحد بتقديم نفسه في ثلاث صور هي:
صورته منفردًا كيهوذا، صورته مع المسيح كَعَبْد،
صورته مع المعتبَرين أعمدة كأخي يعقوب.
"يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ" (يهوذا1).
وحينما يتكلم الإنسان عن نفسه تنكشف حقيقته مُتَّضِعًا كان أم مغرورًا. وحينما يُلقِّب الإنسان نفسه نرى الصفات الحقيقية الكامنة في أعماقه والتي يُحبها أو يعشقها.
الصورة الأولي: صورته بِمُفردِه (يهوذا الرسول كاتب الرسالة)
يَهُوذَا:
هذا هو اسمه، فقد دُعِيَ بِاسم جَدِّه الأكبر الذي منه جاء المسيح حسب الجسد. ولعل
تسمية أبنائنا بأسماء القديسين أمرٌ مفيد، فنضع أمامهم شخصيات مثالية يتمثلون بهم
ويطلبون شفاعتهم، ولكن ليس معنى هذا أن نُهمل تربيتهم فهناك من لا يستفيد ببركة
الاسم مثل يهوذا الإسخريوطي. ويهوذا اسم عبري يعني
"هذا
الإله".
وقد حقق يهوذا الإسخريوطي الشرير اسمه بالمعنى الشرير فقد أشار إلى الرب و"صَارَ
دَلِيلًا لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ" (أع1: 16، يو18:
12)،
وحقق يهوذا الرسول القديس اسمه بالمعنى المقدَّس إذ كان كارزًا بِاسم الرب الإله
المتأنس في سوريا وبلاد ما بين النهرين وأرمينيا وكانت رسالته أن يشير إليه "هذا
هو الله" ليؤمنوا به، وهو يهتف "هذا هو الله" تسبيحًا
وتمجيدًا، فيحقق اسمه ثانيةً، فترجمة يهوذا تسبيح أو تمجيد.
ولابد أن نُفَرِّق بين يهوذا كاتب الرسالة والذين لهم نفس الاسم في
الكتاب المقدس...
يهوذا في العهد القديم
تسعة أشخاص بِاسم يهوذا في العهد القديم، أشهرهم يهوذا بن يعقوب إسرائيل، أحد الأسباط الاثني عشر، بل السِبْط الذي منه جاء السيد المسيح حسب الجسد. فقد أخذ الوعد "لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ" (تكوين49: 10)، ويهوذا المكابي وغيرهما.
يهوذا في العهد الجديد
خمسة أشخاص بِاسم يهوذا في العهد الجديد:
(1)يهوذا الرسول كاتب الرسالة: أخو الرب، هو ابن خالة السيد المسيح حسب الجسد من سبط يهوذا، وقد تساءل اليهود "أَلَيْسَ هَذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأَخَا يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ" (مت13: 55، مر6: 3، غل1: 19). هو أخو يعقوب الصغير كما قال عن نفسه (يه1)، وضمن إخوة الرب كما قيل عنه (أعمال14:1)، وضمن الرسل المتزوجين (1كو9: 5)، وأحد الاثني عشر(متى13: 5، لو6: 16)، وله:
ثُلاثِيَّة اسمه: يَهُوذَا لَيْسَ الإسخريوطي (يو14: 22)،
ولَبَّاوُسُ ويعني لبيب أو حليم،
وتَدَّاوُسَ (مت10: 3، مر3: 18) ويعني اعتراف ومديح.
ثُلاثِيَّة ألقابه: أخو يعقوب، وأخو الرب، أحد الاثني عشر.
ثُلاثِيَّة أشقائه: هم يَعْقُوبُ الصغير بن حلفى أسقف أورشليم (لو6: 16، أع1: 13، يه1)، وكاتب رسالة يعقوب، وَيُوسِي، وَسِمْعَانَ أحد الرسل السبعين، الذي يذكر له الإنجيل حَدَثًا واحدًا أثناء خميس العهد، بعد العشاء الأخير إذ قال الرب "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي وَأَنَا أُحِبُّهُ وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي، قَالَ لَهُ يَهُوذَا لَيْسَ الإسخريوطي يَا سَيِّدُ مَاذَا حَدَثَ حَتَّى إِنَّكَ مُزْمِعٌ أَنْ تُظْهِرَ ذَاتَكَ لَنَا وَلَيْسَ لِلْعَالَمِ؟"
(يو14: 22،21)
أُمُّه مريم شقيقة العذراء: (يو19: 25) قُدِّمَتِ العذراء للهيكل كنذيرة للرب ثم أنجب والداها يواقيم وحَنَّة بنتًا أخرى فسمياها مريم أيضًا قائلَين، إن مريم الأولى نذر للرب ومريم الأخرى لنا، فدُعيت مريم الأخرى أخت العذراء مريم، وهي زوجة كلوبا، وأبناؤها أبناء خالة المسيح حسب الجسد لُقبوا بإخوة الرب وهم (يعقوب الصغير ويوسي وسمعان ويهوذا)، ولذلك دُعيَتْ "مَرْيَم أُمّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي" وَكَانَتْ أَيْضًا نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ" (مرقس15: 40، مت27: 56)، كما دُعيَتْ "مَرْيَم أُمّ يَعْقُوبَ" (مر16: 1؛ لو24: 10). وقيل عنها "أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟" (مت13: 55) هذه التي تابعت رحلة الصليب حتى دَفْن الرب يسوع "وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ" (يو19: 25) وراقبت القديس يُوسُفَ الرامي حيثما "اشْتَرَى كَتَّانًا، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِالْكَتَّانِ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتًا فِي صَخْرَةٍ، وَدَحْرَجَ حَجَرًا عَلَى بَابِ الْقَبْرِ. وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ" (مر15: 46، 47).
· العذراء كانت قد نذرَتْ بتوليتها، ولذلك تعجبَتْ من بشارة جبرائيل الملاك بالحَبَل الإلهي، أمَّا دوام بتوليتها فتؤكده النبوة "هذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقًا، لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقًا" (حزقيال 44: 2)
· على الصليب سلَّم الرب أُمَّه للقديس يوحنا الحبيب "هُوَذَا ابْنُكِ... هُوَذَا أُمُّكَ" (يوحنا19: 26، 27) فإذا كان للعذراء أبناء بالجسد ما كانت الحاجة لتسليمها للقديس يوحنا الحبيب.
· تلقيب القريب بأخ تقليد سائد في العصور الأولى، فقد قال أبونا إبراهيم لِلُوط ابن أخيه "نَحْنُ أَخَوَانِ" (تك13: 8).
وأبوه حلفى أو كُلُوبا، فهو نسيب الرب؛ لأن حلفَى هو شقيق القديس يوسف النجار(يوسابيوس القيصري جزء3 فصل11). كما أن مريم العذراء ومريم زوجة كُلُوبا شقيقتان "أُمُّهُ وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا" (يو19: 25)، وحلفى الاِسمُ الأرامي وكُلُوبا الاسم اليوناني لشخص واحد (مت13: 55؛ مت12: 46؛ مر6: 3) وأُسرته متمسكة بالناموس والوصايا وتقاليد الشريعة، يذهبون إلى هيكل أورشليم في الأوقات المحددة لاسيما في عيد الفصح.
كرز في اليهودية والسامرة والجليل وفيما بين النهرين في بلاد فارس واشترك مع القديس سمعان القانوي، ثم في بلاد العَجَم حتى أن أوريجانوس عندما ذهب فيما بعد إلى بلاد العرب وجد لديهم نسخة من إنجيل متَّى مترجمة إلى العربية الفُصْحى.
وكانت الشياطين تتكلم في الأصنام فلما دخل الرسولان سمعان القانوي ويهوذا صمتَتِ الأصنام، فسألوها لماذا صَمَتُّم؟ فقال أحدهم أنه دخل المملكة رسولان أبكما أفواه الآلهة، ولذلك طلب كهنة الأوثان من برادش قائد ملك العجم أن يقتل الرسولين، ولكن عندما تكلم القائد معهما أحبهما، فسأل كهنة الأوثان هل يحارب جيوش الهند؟ فقالوا ستكون حرب طويلة تُسفَك فيها دماء كثيرة، أما الرسولان فقالا لِلْقائد إن هؤلاء الكهنة الوثنيين يتنبأون بالكذب، وسيَصِلُك غدًا في مثل هذه الساعة سُفَراء من جيش الهند يطلبون الصُلْح، وحدث هذا بالفعل، فآمن القائد بالمسيح هو وغالبية جيشه، وسمح للرسولين بالكرازة في المملكة، فآمن أكثر العجم بالمسيح.
استشهاده: فيما يكرز هو والقديس سمعان القانوي في إحدى بلاد الفُرْس ثار عليهما كهنة الأصنام وأثاروا الشعب عليهما، فنشروا القديس سمعان القانوي من وسطه، وقطعوا رأس القديس يهوذا، فنالا إكليلا الشهادة. وفي ساعة استشهادهما سقطت الأوثان وتهدمت هياكلها، وتُعَيِّد الكنيسة لهما في يوم 2 أبيب، بركة شفاعتهما تكون معنا.
ويجب أن لا نفقد بِجَهْل بركة وشفاعة القديس يهوذا بسبب شَرِّ يهوذا الإسخريوطي فننساه أو نتجاهله.
(2) يهوذا الدِمَشقي: وكان يسكن دمشق في زِقاق المستقيم (أرثوذكس)، وعنده التقى شاول الطرسوسي الذي أرسله الرب إلى حنانيا الأسقف فقابله في هذا المنزل، أما بولس فظل يُصَلِّي في هذا البيت بعد اهتدائه، مُستَخْدمًا إياه كنيسة يجتمع فيها المؤمنون (أع9: 11).
(3) يهوذا النبي المُلَقَّب برسابا: الذي قيل عنه مع سيلا (سلوانس)، أنهما رجلان متقدمان في الإخوة، وقد أُرسلا من أورشليم إلى أنطاكيا حامِلَين قرارات مجمع أورشليم الرسولي (أع15: 22-32).
(4) يهوذا الإسخريوطي: نسبة إلى اِسخريوط بلدته وهو أحد الاثني عشر، التلميذ الذي خان سيده وسلمه لليهود بثلاثين من الفضة. وقد اِئتُمِن على الصندوق وكان سارقًا له. وحينما دهنت المرأة الخاطئة قدمي المسيح بقارورة الطيب الكثيرة الثمن حزن على قيمتها وكان يريد أن تُبَاع ويحصل على ثمنها.
(5) يهوذا الجليلي: الذي ظهر في أيام الاكتتاب (سنة 6 بعد الميلاد)، وأزاغ وراءه شعبًا غفيرًا وأخيرًا قتله الرومانيون فتشتَّت أتباعه. (أع5: 37)
الصورة الثانية: صورته مع الرب يسوع كَعَبْد، وفيها يرسم الرسول صورته مع الرب يسوع فيُلَقِّب نفسه بكُل فرح وفخر "عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (يهوذا1).
ما أروع هذا الاتضاع الذي يتصف به مار يهوذا أخو الرب، فهو لا يفتتح رسالته بالقول "يَهُوذَا أَخْو يَسُوعَ الْمَسِيحِ". ولو قال هذا لكان له ما يُبَرِّرُه، بأنه يريد أن يؤكد صدق رسالته وأهميتها، وليجعلها مقبولة من القُرَّاء، لكنه في اتضاع قال "يَهُوذَا عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ". الاتضاع بالنسبة للمسيح هو تنازُل، إذ وهو الإله الواحد مع الآب في الجوهر أخذ صورة عبْد، وصار في الهيئة كإنسان، أمَّا الاتضاع بالنسبة للإنسان فهو معرفة النفس على حقيقتها، والقديس يهوذا الرسول إذ يقول "يَهُوذَا عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ" فهو مُتَّضِع يعرف ذاته على حقيقتها كَعَبْد لله، بل إنَّ أسمى شرف يصل إليه الإنسان أن يصير عبدًا لله. لقد سمع مار يهوذا ردَّ السيد المسيح على كلمات اليهود حينما قالوا له "هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ خَارِجًا يَطْلُبُونَكَ فَأَجَابَهُمْ... مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللَّهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي" (مرقس3: 32-35). وتعلَّم أنْ لا يفرح بالألقاب بل يعمل بالفضائل، واختار أن يصير مُتَّضعًا وعبدًا ليستحق اللقب حقًّا، مُفَضِّلًا علاقته الروحية بالرب كعبد، عن علاقته الجسدية كأخ الرب أو ابن خالة المسيح حسب الجسد، مُتَمشِّيًا مع فكر القديس بولس الرسول الذي قال "إِذَن نَحْنُ مِنَ الآنَ لاَ نَعْرِفُ أَحَدًا حَسَبَ الْجَسَدِ، وَإِنْ كُنَّا قَدْ عَرَفْنَا الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لَكِنِ الآنَ لاَ نَعْرِفُهُ بَعْدُ " (2كو5: 16).
ما أروعك إلهي... ترد على كبرياء الإنسان الذي أراد أن يصير إلهًا بأن تأنست وصرت مثلنا إنسانًا، أخليت ذاتك آخذًا صورة عبد.
الصورة الثالثة: صورته مع المعتبرين أعمدة كأخ ليعقوب
مار يهوذا أخو الرب يقدم نفسه في مقدمة رسالته مع أخيه يعقوب الصغير أخي الرب وكاتب رسالته، فيرسم نفسه بجانب أخيه يعقوب قائلًا "وَأَخُو يَعْقُوبَ" (يهوذا1).
كان الرسول يعقوب معروفًا في الكنيسة كأسقف أورشليم الذي رأس أول مجمع رسولي فيها (أع15)، وما أجمل اتضاع يهوذا رسول المسيح الذي يكتب مَسُوقًا من الروح القدس، فيشعر بِشُهْرة أخيه أكثر فيُعَرِّفُ نفسه للكنيسة بأنه أخو يعقوب، فهو واحد من أربعة إخوة يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا (مت13: 55، مر6: 3)، تربوا في الناصرة، وقصدهم داود النبي في نبوته "صِرْتُ أَجْنَبِيًّا عِنْدَ إِخْوَتِي، وَغَرِيبًا عِنْدَ بَنِي أُمِّي" (مز8: 69). وصاروا رُسُلًا، وكتب أحدهم وهو يعقوب الرسول رسالته ليُثْبِتَ أنَّ الأعمال الصالحة دليل على الإيمان الحي، بينما كتب يهوذا رسالته ليُعلِّمنا أن الأعمال الشريرة دليل على الارتداد عن الإيمان.
كُتِبَتِ الرسالة للمؤمنين عمومًا، يهودًا وأمميين، ولذلك فهي ضمن الكاثوليكون، وكُتبت قبل خراب أورشليم سنة 70م فهي لم تذكره رغم حديثها عن تأديبات الله للأشرار، وقبل استشهاد مار بطرس الرسول سنة 68م. فقد كُتبَتْ في زمن الرسالة الثانية للقديس بطرس الرسول؛ لأن موضوعًا واحدًا كان يشغل الاثنين هو التحذير من المُعَلِّمين الكذبة. وغالبًا بعدها لأنها اقتبستْ منها، فهي إذن كُتبت بين 68-70م. وكُتبت في فلسطين لذلك قال "وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَاذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (يه17).
ويصف الرسول المؤمنين الذين أرسل لهم رسالته بثلاث صِفات:
"إلَى الْمَدْعُوِّينَ، الْمُقَدَّسِينَ فِي اللهِ الآبِ، وَالْمَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (يهوذا1).
وهذا هو عمل الثالوث القدوس معنا، فنحن مدعوين بالروح القدس، مقدَّسين في الله الآب، ومحفوظين كَعَروس ليسوع المسيح حتى في زمن الارتداد. فالله دعانا إليه، وقدَّسنا فيه، ويحفظنا لِابْنِه.
"إلَى الْمَدْعُوِّينَ" (يهوذا1)
يتشابه مار يهوذا في افتتاحيته هذه مع القديس بولس في رسالته إلى روميه قائلًا "إِلَى جَمِيعِ الْمَوْجُودِينَ فِي رُومِيَةَ أَحِبَّاءَ اللهِ مَدْعُوِّينَ قِدِّيسِينَ" (رو1: 7)، وهناك نوعان من الدعوة:
1. الدعوة إلى الإيمان وحياة القداسة
وهي دعوة الله العامة لجميع الناس لأنه "يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (1تيموثاوس4:2)، ولعل الفضائل المسيحية التي اهتمت بها الرهبنة: وهي الخلوة أو الوحدة، والبتولية، والطاعة، والزهد أو الفقر الاختياري ضمن هذه الدعوة، فجميع الناس مدعوون إلى هذه الفضائل، ولكن ليس الجميع يقبلون، وبهذا يتضح أنَّ الرهبنة طريق روحي خاص، الجميع مدعوون إليه، فمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ، وهو طريق اختياري يمكن أن يختاره الإنسان لنفسه، ولذلك أشار الرب يسوع إليه فقال "وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ... مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ" (مت19: 12).
"فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ، أَنَا الأَسِيرَ فِي الرَّبِّ، أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا. بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ" (أفسس4: 1، 2).
هذه الدعوة العامة شرحها الرب في المَثَل الذي صنع فيه الملك عُرسًا لابنه، وأرسل ليدعو المدعوين فلم يأتوا. فكرَّر الدعوة ولكن المدعوين لم يكونوا مستحقين. فدعا الكُلَّ أشرارًا وصالحين. فالكُلُّ مَدْعُوْونَ لِلْعُرْسِ والحياة المقدسة والسماء، ولكن هناك شروط ينبغي أنْ يحيا بها الذين يَقبلون الدعوة. وهذا ما ظهر عندما أُخرِج الذي ليس عليه ثيابُ العُرس. هذه الدعوة قال عنها مار بطرس الرسول "لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ" (1بطرس2: 9)، وقال عنها مار بولس الرسول "مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإخوة الْقِدِّيسُونَ، شُرَكَاءُ الدَّعْوَةِ السَّمَاوِيَّةِ، لاَحِظُوا رَسُولَ اعْتِرَافِنَا وَرَئِيسَ كَهَنَتِهِ الْمَسِيحَ يَسُوعَ" (عبرانيين3: 1).
2. الدعوة الخاصة بالكهنوت
تلك قال عنها الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين
"وَلاَ يَأْخُذُ
أَحَدٌ هَذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ ألْمَدْعُّوُ مِنَ اللهِ،
كَمَا هَارُونُ أَيْضًا"
(عب5: 4).
ثلاثة تعبيرات ينبغي أن نُفَرِّق بينها وهي (القدوس، القديس، والمُقدَّس). تعبير "القدوس" خاص بالله فقط، فهو القدوس الأوحد في طبيعته، ولذلك من الخطأ أن نقول الثالوث المقدَّس كَاسْم مفعول، وكأنَّ هناك من قدسه، إنما الصحيح أن يُقال الثالوث القدوس والروح القدوس، كما نقول في مرد الشماس "واحد هو الآب القدوس واحد هو الابن القدوس واحد هو الروح القدوس".
كلمة "القديس" يوصف بها الإنسان الذي جاهد في طريق القداسة فتقدس قلبه وفكره وروحه وجسده وأصبح قديسًا، وهذا لا يتعارض مع أنَّه قُدِّسَ بالنعمة وعملها فيه.
التعبير الثالث "المقدَّس أو المقدَّسون" ويعني المفروزين والمُخصَّصين لله أو المدَشنين، فنحن نُدشَّن بِسِرِّ الميرون فنصير مقدسين في الله، وكما يُقدَّس الإنسان تُقدَّس المباني والأواني والأيقونات فتصبح مُقدسة ومُخصصة لله لا تستخدم إلا فيما لله.
المُقدَّسين في الله الآب: لأنَّ الله الآب منه انبثق الروح القدس الأزلي وأرسله لنا ليعمل فينا بسر الميرون لتقديسنا وتدشيننا.
وَالْمَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ (يهوذا1)
والصفة الثالثة لأبناء الله أنهم محفوظون ليسوع المسيح. فيهوذا إذ يوضح صورة الهراطقة وآثارهم المُفسِدة والمُهلِكة في العالم، ويذكر أمثلة مخيفة حدثت في الماضي وسيحدث مثلها في الأيام الأخيرة:
1. هلاك بني إسرائيل، الذين لم يؤمنوا بعد خلاصهم من أرض مصر.
2. سقوط الملائكة من أجل كبريائهم.
3. سقوط سدوم وعمورة وما حولهما، وهلاك بلعام من أجل الفساد الخُلُقي.
4. هلاك قايين وقورح لتعديهم على الكهنوت ونظام العبادة كما رسمها الله، وهو انحراف طقسي وعقيدي.
الرسول يريد أن يسبق فيُطَمئن أبناء الله بأنهم مَحْفُوظونَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أي محفوظون لأجله، ومن أجل صلاته "لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ" (يوحنا15:17). لقد قال الرب يسوع "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي" (يو10: 27-30) نعم أبناء الله محفوظون... فهل يُهمِلوا الجهاد الروحي والله يحفظهم؟ بالطبع لا، قال الله في سفر الرؤيا "لأَنَّكَ حَفِظْتَ كَلِمَةَ صَبْرِي، أَنَا أَيْضًا سَأَحْفَظُكَ مِنْ سَاعَةِ التَّجْرِبَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى الْعَالَمِ كُلِّهِ" (رؤيا3: 10).
وهذا الحفظ عِلَّةُ بقاء القديسين كَحُملان وسط الذئاب المفترسة، لماذا لم تفترس الذئاب الحُملان؟ لأنَّ الحُملان محفوظة ليسوع المسيح.
← (ستجد كذلك تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين).
ثلاث مرات وردت كلمة الحفظ في رسالة يهوذا: محفوظين بالجهاد، محفوظين بالنعمة، محفوظين كنتيجة.
"مَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (يه1)
"احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ... الْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ" (يه21، 24). هذه المرات الثلاثة تشرح لنا كيف أن أبناء الله محفوظون ليسوع المسيح بالجهاد والنعمة معًا، فيتكلم عن الجهاد طالبًا من المؤمنين أن يقوموا بدورهم قائلًا "احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ " (يه21)، أما دور الله أو عمل النعمة فيظهر في قوله "الْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ" (يه24).
بالجهاد "احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ"، والنعمة "الْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ" تخرج النتيجة فنكون "مَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ".
وكما قدمت الرسالة ثُلاثِيَّة حفظ المؤمنين بالجهاد والنعمة، هكذا من الناحية السلبية قدمت ثُلاثِيَّة حفظ الأشرار
1. "وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ" (يه6)
2. "حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَم" (يه6)
3. "نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ الظَّلاَمِ" (يه13)
فإهمال الجهاد يؤدى إلى تخلي النعمة فتحدث النقمة والهلاك.
"لِتَكْثُرْ لَكُمُ الرَّحْمَةُ وَالسَّلاَمُ وَالْمَحَبَّةُ" (يهوذا2)
لِتَكْثُرْ لَكُمُ: فالرحمة والسلام والمحبة موجودة في الكنيسة، أما الرسول يهوذا إذ يكتب لكنيسة مضطربة بالهرطقات والتعليم الغريب كما بانتشار الفساد يطلب لها لا رحمة بل مزيدًا من الرحمة: "لِتَكْثُرْ لَكُمُ".
إذا كانت "الرَّحْمَةُ وَالسَّلاَمُ وَالْمَحَبَّةُ" فضائل نسعى إليها، فطوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبَعون. والبر هنا هو الفضائل، وطوبى لمن نَمَا في الفضيلة، فلا يكتفي بسطحية الحياة الروحية بل يطلب العُمق.
الرَّحْمَةُ: ما أحوجنا إلى رحمة الله في كل وقت، ولكننا نحتاج إليها أكثر عندما تنتشر الهرطقات والفساد، وإذ يرى مار بولس احتياجنا للرحمة ينادينا قائلًا "فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً" (عب4: 16).
وَالسَّلاَمُ: هراطقة هذه الفترة هم الغُنوسيون الذين يُعَلِّمون:
· بأن يَصِلَ الإنسان إلى الله بالعقل والمعرفة وليس بالمسيح.
· بإنكار تجسد المسيح؛ لاعتقادهم بأن الجسد والمادة شَرٌّ في ذاته. فاعتبروا ناسوته خيالي، ولأن الجسد شر فسلوكه في النجاسة شيءٌ طبيعي.
وانتشار الغنوسية أنشأ بلبلة أخلاقية، وجدل حول وحدانية الله، ومساواة الابن للآب، وحقيقة تجسُّد الابن، والنعمة وهل هي سبب الخطيئة، وفَسَّر الغنوسيون نصوص الكتاب المقدس تفسيرات خاطئة، ومِن هُنا كاد شعبُ المسيح أن يفقد سلامه واحتاج إلى صوت الرسول "لِيكْثُرْ لَكُمُ السَّلاَمُ"، سلام الفِكر الذي بَلبَلَتْه الهرطقة، فما أحوجنا إلى سَلاَمِ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْلٍ.
والسلام الحقيقي، ليس على حساب الإيمان فَيُترَك كُلُّ واحد لعقيدته الخاطئة. ففي هذه الحال قال الرب "مَا جِئْتُ لِأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا" (مت10: 34).
وَالْمَحَبَّةُ: بدلًا من انتشار الخصومات التي تحدث من أجل الإيمان ليعطِنا اللهُ حُبًّا حقيقيًا. يقول مار بولس "الْمَحَبَّةُ... لاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ" (1كو13: 6). فالمحبة لا تفرح بالهرطقة والشر بل تفرح بالحق والإيمان المستقيم.
الرحمة تخص علاقتنا بالله فنحن ننظر إلى فوق طالبين رحمته، والسلام يخص علاقتنا بأنفسنا فنحن ننظر إلى داخلنا لنعيش في سلام مع أنفسنا، المحبة تخص علاقتنا بالآخرين ننظر إلى من حولنا لِنُحِبهم.
إنها رحمة المسيح، والسلام يعطيه الروح القدس، ومحبة الله الآب.
كتب القديس يهوذا الرسول رسالته بقلب ملتهب يدعو المؤمنين للجهاد من أجل الإيمان المستقيم المُسَلَّم مرة للقديسين، فإذ سمع بظهور الهراطقة الضالِّين والمُضِلِّين من جهة الإيمان، كتب رسالته مُحَذِّرًا وداعيًا إلى الاستمساك بالإيمان المستقيم والتسليم الآبائي، ونحن إذ نجد أن رسالة يهوذا قد كُتبَت للدفاع عن العقيدة السليمة نتعجب من قومٍ في جِيلِنا يدَّعُون أنهم لا طائفيون، فينادون بِتَرْك العقيدة جانبًا، والتفرغ للحديث عن الخلاص! والرد على هؤلاء أنَّ الروح القدس الذي قاد الرسول يهوذا ليكتب رسالته الوحيدة عن العقيدة والخلاص المشترك وجدناه مضطرًا أن يكتب عن الجهاد وعن الإيمان والتسليم الرسولي، كما اضطر للحديث ضد الانحرافات العقيدية، والأخلاقية معًا.
"أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ" (يهوذا3).
أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ: يتكرر هذا النداء ثلاث مرات في رسالة يهوذا
"أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ" (يهوذا3 )،
"وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَاذْكُرُوا الأَقْوَالَ" (يهوذا17)،
"وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ" (يهوذا20).
ما أعذب صوتك يا روح الله القدوس وأنت تنادينا "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ".
إنها كلمة مُشجِّعة أن يقول لنا رسول المسيح بالروح القدس "أَيُّهَا
الأَحِبَّاءُ"، وكلما يطلب منا طَلَبًا يُنادِينا بهذا النِّداء، فيَدْفَعَنا
لِلْعَمَل بِكلامه فيطلب منا أنْ نجتهد لأجل الإيمان المُسَلَّم مَرةً للقديسين (يه3)،
ويطلب مِنَّا أن
نذكُر أقوال رُسُل ربنا يسوع المسيح
(يه17)،
ويطلب مِنَّا أن نبني أنفسنا على إيماننا الأقدس (يه20-23).
إنها تشجيعات في طريق الوصية والعمل بكلمة الله، فمار يهوذا يتمثل بِرَبِّ المجد في سفر الرؤيا، إذ بدأ كُل رسالة من رسائله السبعة إلى الكنائس (رؤيا 2، 3) بالمديح، ثم التوبيخ المُتَدَرِّج، ثم عاد فختم رسالته بالمديح.
"إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ": هذا النص الكتابي يؤيد الجهاد الروحي كَدَوْرِ الإنسان (الرسول) في كتابة رسالته، التي هي جزء من الوحي الإلهي في العهد الجديد. وهذا يعني أن الكتاب المقدس ليس عملًا إلَهيًا صِرفا بل للإنسان دورٌ فيه. وبالجهاد والنعمة كُتِبَ الوحي الإلهي أو الكتاب المقدس. الله أعطى المعنى، والإنسان عَبَّر بِلُغَتِه وثقافته وأسلوبه، والله قادَهُ وعصَمَهُ من الخطأ.
فليس عملًا عَمِلَهُ الله يخص الإنسان (بعد خِلْقَتِه) دون أن يُشرِك فيه الإنسان. حتَّى الكتاب المقدس -كلمة الله- اشترك فيه الإنسان وقال:
"إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ".
هناك عِبارتان ينبغي أن نضعهما معًا
عِبارَة مار يهوذا "أَصْنَعُ كُلَّ الْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ"(يه3) (جهاد يهوذا)
عِبارَة مار بطرس "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ"(2بط1: 21) ß (نعمة الله) تبدو العبارتان وكأنهما متعارضتان، فعبارة مار يهوذا تُحدِّثنا عن الجهاد من أجل كتابة الرسالة، وعبارة مار بطرس تحدثنا عن النعمة وإرشاد الروح القدس في كتابة الرسالة. فالجهاد والنعمة يسيران جنبًا إلى جنب في كل شيء حتى في كتابة الإنجيل، وهذا هو الفرق بين الوحي والإنزال. الإنزال فيه يُعطي الله المعنى واللغة والتعبيرات، وأحيانًا يكتب بإصبَعِه، أما الوحي فيعطي المعنى ويترك الإنسان يُعَبِّر بأسلوبه ولُغَتِه، ولَكِنَّه يَعْصِمُه من الخطأ.
"لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ الْخَلاَصِ الْمُشْتَرَكِ" (يهوذا3)، وهي تُشابِه (تى1: 4)،
"إِلَى الَّذِينَ نَالُوا مَعَنَا إِيمَانًا ثَمِينًا مُسَاوِيًا لَنَا" (2بطرس1: 1).
الإيمان الثمين الْمُشْتَرَك المَبنِي على التعليم الرسولي المُسلَّم لهم من المُعَلِّم الأوحد "اذهبوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا" (مر15: 16) . فلا يمكن أن يكون الخلاص أمرًا تفهمه كل كنيسة بطريقتها الخاصة، ثم تأتي جماعة فتوافق على كل الطُرق قائلة الكُل في المسيح، بل أن الخلاص المشترك له مفهومه الثابت المشترك، والذي دفع الرسول إلى الحديث عن الإيمان والتسليم الرسولي والجهاد.
لقد سُلِّمَ الإيمان مرة واحدة للقديسين، وَهُم بِدَوْرِهم سلَّموه لِمَن بعدهم. وهنا ندرك أن الإيمان ثابتٌ لا يتغير، إيماننا في الكنيسة اليوم هو إيمان كنيسة الرسل لم ولن يتغير، إيمان واحد للمُعَلِّم الأوحد "مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ" (مت 23: 8، 10)، وهو رَدٌّ على انقسامات الجماعات البْرُوتِسْتَنْتِيَّة التي تَدَّعِي كُلٌّ منها أنَّها فسَّرت الكتاب المقدس حسب إرشاد الروح لها، ومِن هنا نشأت طوائف مختلفة التعليم مُتغايرة التفسير مُتعارضة الإيمان، وكل طائفة تجد في الكتاب المقدس نصوصًا تُفسِّرُها حسب أهوائها لِتَخْدِمَ فِكْرَها، ألا يجدر بنا أن نرجع إلى الكنيسة التقليدية القديمة التي تسلَّمتِ الإيمان من الآباء القديسين، وهُمْ تسلموه من الآباء الرسولين (تلاميذ الرسل)، الذين تسلموه من الرسل، وهؤلاء استقوا الإيمان من يَنبوعه الأصيل رَبِّ المجد مرة واحدة؟!
إننا ينبغي أن نَحذَرَ أي شخص أو جماعة تُغَيِّر الإيمان الرسولي، وتَدَّعي أنه إرشاد الروح القدس. إنما الإيمان واحدٌ سُلِّم مرةً واحدة، وعلينا أن نحافظ عليه كما هو، في صورته الأصلية والقديمة المُسَلَّمة لنا، "جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي الإِيمَانِ؟ امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ"(2كو13: 5).
"اِضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظًا
أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ" (يهوذا 3)
اِضْطُرِرْتُ: هل موضوع الخلاص هو الذي أَلزم الرسول أن يُحدِّثنا عن هذه الثُلاثِيَّة (الجهاد، الإيمان، التسليم)، أمْ أن قيادة الروح القدس[1] هي التي ألزمته أو اضطرته حينما تكلم عن الخلاص المشترك بأن يحدثنا عن "أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ"؟ أمْ أن سماعه عن وجود هرطقات هو الذي ألزمه أن يُحثَّهم على الجهاد لأجل سلامة الإيمان والحفاظ على التسليم الرسولي؟ أو أن الرسول اضطُرَّ أن يكتب عن الجهاد والإيمان والتسليم الرسولي لكل هذه الأسباب معًا؟
لقد ضاع في زمن الرسول موضوع الخلاص المشترك وأمسى بظهور بِدَعِ الهلاك طُرُقًا بشرية ومفاهيم خاطئة لهذا الخلاص، ولذلك أضطر الرسول أنْ يُحدِّثنا عن الموضوع من بدايته- من الإيمان المسلم مرة للقديسين- أو التعليم السليم الذي تسلمَتْه الكنيسة عن الآباء القديسين الذين تسلموه بدورهم عن المسيح نفسه.
"وَاعِظًا أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ الإِيمَانِ": فالحفاظ على الإيمان المستقيم أمر يحتاج إلى جَهْدٍ وجِهاد، ثم إلى دِفاع واحتمال للاضطهاد، وربما يحتاج إلى الاستشهاد. لقد وقف القديس العظيم أثناسيوس الرسولي ضد العالم في جهاده دفاعًا عن لاهوت المسيح ووحدانيته مع الآب في الجوهر، والقديس البابا ديسقورس في جهاده من أجل طبيعة المسيح الواحدة كُسِرَتْ أسنانه ونُتفَ شَعْر لِحْيَتِه. فالحفاظ على الإيمان يحتاج إلى جهاد. وحسنًا قال سليمان الحكيم "كُفَّ يَا ابْنِي عَنِ اسْتِمَاعِ التَّعْلِيمِ لِلضَّلاَلَةِ عَنْ كَلاَمِ الْمَعْرِفَةِ" (أم19: 27)، كما أن كسب الفضيلة في الحياة الروحية والحفاظ عليها يحتاج إلى الجهاد الحقيقي.
"الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ": أمام هذه الكلمات القوية والصريحة التي للرسول يهوذا بِوَحْي الروح القدس يضعف البْرُوتِسْتَنْت الذين يُنكِرون التقليد والتسليم الآبائي، ويضطروا أن يعترفوا به صراحةً. فَنَرى وليم باركلي أستاذ العهد الجديد بجامعة كلاسكو يقول صراحة "حقائق الإيمان المسيحي ليست من اكتشافنا أو تصنيفنا لكنها شيء تقليدي بكل ما في هذه الكلمة من معنى، بل إنها عقيدة تسلمناها خلفًا عن سلف، وترجع أخيرًا إلى المسيح نفسه الذي سلمها لِرُسُلِه وبدورهم
سلموها للكنيسة بأجيالها المتعاقبة في سلسلةٍ متصلة الحلقات".
"يُضافُ إلى هذا أنَّ التقليد المسيحي لم يُكتَبْ إلَّا في عصر مُتأخِّر، أما الأجيال الأولى فقد تناقَلَتْهُ شِفَاهًا جيلًا بعد جيل إلى أن تم تدوينه" (وليم باركلي في تفسير رسالة يهوذا ص285). ويكمل نفس الكاتب فيقول: "ولئن كان التقليد المسيحي قد انتقل لنا من خلال الأجيال المتعاقبة فهذا يعني أننا نحن بدورنا علينا أن نَصُونَهُ ثم نُسَلِّمَه للأجيال القادمة كما هو سليمًا بغير تبديل أو تعديل" (وليم باركلي ص286).
كتب القديس يهوذا الرسول رسالته العقائدية الصغيرة بسبب ظهور الهراطقة بين المؤمنين في الكنيسة ولذلك يقول:
"لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهَذِهِ الدَّيْنُونَةِ" (يهوذا4)
لأَنَّهُ: بسبب ظهور الهراطقة كتب الرسول رسالته، أليس هذا وَحْدَهُ خَيْرًا وبركة عظيمة، أنْ يُضيف الروح القدس سفرًا جديدًا إلى العهد الجديد هو رسالة يهوذا على الرغم من صِغَره، إلا أنه صار مُرشِدًا لجميع الأجيال منذ كتابته وإلى يوم القيامة. ليس معنى هذا أننا نوافق على ظهور الهرطقات من أجل الحصول على البركات، ولكننا نرى أن الهنا العظيم الخَيِّر بِرُوحِه القدوس العامل في الكنيسة يُحَوِّل الشَّرَ خيرًا؛ لأنه القادر على كل شيء "مِنَ الآكِلِ خَرَجَ أُكْلٌ، وَمِنَ الْجَافِي خَرَجَتْ حَلاَوَةٌ" (قضاة14: 14). فعلى الرغم من مساوئ الهرطقات وشَرِّها فهي انحراف عن تعليم المعلم الأوحد المسيح إلهنا، وتُسبِّب انقسامًا في كنيسة المسيح وبلبلة في أفكار المؤمنين لا سيما البسطاء منهم، كما تُسبِّب عثرة للمؤمنين ولغيرهم، إلا أن لها فوائد، فَبِسببِ الهراطقة انعقدت المجامع المسكونية، منذ مجمع أورشليم الرسولي الأول سنة 51م برئاسة القديس يعقوب الرسول بسبب التهود "وَانْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ الإِخْوَةَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا" (أع15: 1). وانعقد المجمع المسكوني الأول في نيقيه سنة 325 للميلاد، وحضَرَه 318 أسقف بسبب هرطقة أريوس التي فيها أنكر أزلية المسيح وبالتالي أنكر مساواته للآب في الجوهر ولاهوته. وانعقد المجمع المسكوني الثاني في القسطنطينية سنة 381 للميلاد، وحضره 150 أسقف بسبب هرطقة مقدونيوس الذي قال أن الروح القدس مخلوق وبالتالي أنكر مساواته للآب في الجوهر ولاهوته. وانعقد المجمع المسكوني الثالث في أفسس سنة 431 للميلاد، وحضره 200 أسقف بسبب هرطقة نسطور الذي أنكر طبيعة المسيح الواحدة وقال أن للمسيح طبيعتين مُنفصلتين وبالتالي أنكر تلقيب العذراء بوالدة الإله. تلك المجامع كانت بركة عظيمة؛ ففيها تحددَتْ الصيغة الدقيقة المُعَبِّرة عن الإيمان، حتى أن قانون الإيمان الذي نُرَدِّده في صلواتنا وقداساتنا واجتماعاتنا هو ثمرة مباركة لمجمعي نيقيه والقسطنطينية اللذين انعقدا للرد على بدعتي أريوس ومقدونيوس. وكانت أيضًا مُقَدمة قانون الإيمان (نعظمك يا أم النور) ثمرة مباركة لمجمع أفسس الذي انعقد بسبب ظهور هرطقة نسطور. أما هرطقة أوطاخي فكانت سببًا في ظهور التعبير الدقيق الذي نُرَدِّده في القداس الإلهي "وجعله– الجسد– واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير".
هكذا كانت الهرطقات سببًا في ظهور أبطال الإيمان. فَلَوْلا هرطقة أريوس لما كان جهاد أثناسيوس، ولَوْلا بدعة نِسطور لما كان كفاح كيرلس الأول عمود الدين.
وبسبب ظهور الهراطقة والهرطقات الإيمانية والأخلاقية كتب مار يهوذا الرسول رسالته. فهي إذن بركة عظيمة تُظهِر كيف أن الروح القدس حَوَّل شَرَّ الهراطقة إلى كتابة رسالة في العهد الجديد، كما هو مكتوب "كُلّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ" (رومية8: 28).
والرسول هنا يحدثنا عن الهراطقة فَيَصِفُهم بمجموعة صفات:
"دَخَلَ خُلْسَةً" (يهوذا4)
الهراطقة الذين هم أعداء الكنيسة المقدسة نَوعان، نَوعٌ ينقسم عليها ويخرج عنها ويحاربها في إيمانها وتعاليمها، وهؤلاء يقول عنهم الرسول مار يوحنا الحبيب "أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. مِنَّا خَرَجُوا، لَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مِنَّا، لأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مِنَّا لَبَقُوا مَعَنَا. لَكِنْ لِيُظْهَرُوا أَنَّهُمْ لَيْسُوا جَمِيعُهُمْ مِنَّا" (1يوحنا2: 19،18). وهذا النوع الأول أقل خطرًا لأنه واضحٌ وظاهر، فَهُم يُكَوِّنُون مَذْهبًا جديدًا مُنعَزِلًا.
أما النوع الثاني الأَشَد ضررًا فيصفهم مار يهوذا قائلًا "دَخَلَ خُلْسَةً"،
فهم لم يخرجوا بل دخلوا إلى صفوف المؤمنين، واندسوا بيننا خُلسة دون أن يشعر بهم أحد، ثُمَّ بدأوا حربهم الشريرة ضد الإيمان المستقيم من داخل الكنيسة. والكلمة اليونانية (παρεισέδυσαν) المستعملة تعني دخولهم عن طريق التَمَلُّق واللسان المعسول والمظهر الروحي المنافق دون الجوهر، يُؤّثرون تدريجيًا. بصفات جميلة، وجاذبية صورة التقوى يتسللون بِبُطْءٍ دون أن يُدرك أحد الفرق بين تعليمهم المُنَمَّق والتعليم الصحيح. حتى أن مار بولس الرسول قال عنهم "إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هَكَذَا سَرِيعًا عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيلٍ آخَرَ"(غلاطية1: 6). وقصدهم رب المجد حينما قال "يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا زَرَعَ زَرْعًا جَيِّدًا فِي حَقْلِهِ. وَفِيمَا النَّاسُ نِيَامٌ جَاءَ عَدُّوُهُ وَزَرَعَ زَوَانًا فِي وَسَطِ الْحِنْطَةِ وَمَضَى... فَقَالَ لَهُمْ إِنْسَانٌ عَدُوٌّ فَعَلَ هَذَا" (متى13: 24-30). وهذا العدو دخل خُلْسة والناس نيام، وزَرَعَ زوانًا، وهو المُعلِّم الكاذب الذي زرع تعليمًا خاطئًا. وقد وصفهم بولس الرسول بأنهم "الإِخْوَة الْكَذَبَةِ الْمُدْخَلونَ خُفْيَةً، الَّذِينَ دَخَلُوا اخْتِلاَسًا" (غلا2: 4). وقال عنهم مار بطرس الرسول "وَلَكِنْ كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا. وَسَيَتْبَعُ كَثِيرُونَ تَهْلُكَاتِهِمْ. الَّذِينَ بِسَبَبِهِمْ يُجَدَّفُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ" (2بط2: 1-3).
إنَّ أخطر ما في هؤلاء الهراطقة أنهم "دخلوا خُلْسة"، فليسوا هم الآن خارج الكنيسة بل في داخلها. ودُخولهم خلسة جعلهم غير واضحين بحيث يختلط الأمر على المؤمنين فيظن من يراهم أنهم مُعَلِّمُون حقيقيون غير أنهم "رُسُلٌ كَذَبَةٌ فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ" (2كو11: 13). وسواء كانوا يرتدون زِيَّ الكهنوت فيكونوا مُسَحاء كذبة أو عِلْمانيين فيصيروا أنبياء كذبة، قد حذرنا الرب منهم وقال "لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ وَيُعْطُونَ آيَاتٍ عَظِيمَةً وَعَجَائِبَ حَتَّى يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ" (مت24: 24، 25). وقال عنهم مار بولس "وَلَكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ" (1تي4: 1).
"أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهَذِهِ الدَّيْنُونَةِ" (يهوذا4)
لم يُعِدَّ الله أناسًا أشرار للدينونة والهلاك وإلا أمْسى عِلَّة الشر وسببه.
حاشا. فالله قدوس ليس فيه شر البتة، ولم يَكتُبْ أناسًا مُعَيَّنِين للدينونة والهلاك وإلا أمسى ظالمًا، بل إن الله هو العدل الكامل.
نقول باختصار بصورة مُحَدَّدة ومُحَدِّدَة:
الله لم يُعِدَّ منذ القديم أناسًا أشرارًا للدينونة والهلاك
بل أَعَدَّ الدينونة والهلاك للناس الأشرار.
فمار بولس الرسول يقول "فَمَاذَا إِنْ كَانَ اللهُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ
وَيُبَيِّنَ قُوَّتَهُ احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً
لِلْهَلاَكِ"
(رو9: 22).
فالله لم يُهَيِّئ آنِيةَ الغضب للهلاك، بل تركها بِحُرِّيَّتها فَهَيَّأَتْ نفسها
للهلاك. أمَّا الله فقد احتمل وجود هذه الآنية بأناة كثيرة، ولم يُظهِر غَضَبه ولا
بَيَّنَ قوَّته في الانتقام منها حتى يأتي الوقت للدينونة، مُعطِيًا لها فرصة
للتوبة. وعلى نحو ما بَنَى مار يهوذا الفِعْلَ لِلْمَجهول
"
كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ"،
فالأشرار هم الفاعل الحقيقي إذ بشَّرَهم جعلوا أنفسهم مكتوبين للدينونة من قِبَل
الله، ولذلك في
(رو9: 22)
بُنِيَ الفعل للمجهول
"مُهَيَّأة للهلاك"؛
لأن الإنسان هو الذي هيأ نفْسَه للهلاك.
أمَّا في حالة الآنية المُقدَّسة فقد سجَّل الرسولُ الفاعلَ الحقيقي وهو الله وقال "آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ" (رو9: 23)؛ لأنَّ الذي يَهلِكُ بِشَرِّهِ يُهلَكُ، أما الذي يحيا مع الله فبجهاده وبنعمة الله يتمجَّد.
"فُجَّارٌ، يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلَهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ" (يهوذا4)
فُجَّارٌ: هي درجة أشر من الخطاة فلا يخجلون من خطاياهم بل فَخْرُهم في خِزْيهم، وإذ تركوا مخافة الله وصفهم الرسول بنوعين من السقوط، سقوط روحي وسقوط إيماني.
2. السقوط الروحي: "يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلَهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ" (يه4)
الدعارة باليونانية (ἀσέλγειαν) وتعني النجاسة الإرادية عَلَنًا أمام الناس. والحقيقة إن الزُناة في إخفاء شرورهم يعترفون بأن ما يرتكبونه خطأ ويخجلون منه، فيُظهِرون أن ضمائرهم لا زالت يَقِظة تُبَكِّتَهم، ويُقِرُّون احترامهم لِأَعْيُن الناس، أما من يفعل الخطيئة على مرأى ومسمَع من الكل يدُلُّ على استباحته وفقدانه الإحساس بِشَرِّه مما يدل على موت ضميره.
والمشكلة هنا كيف يُحَوِّل هؤلاء الفُجَّار نِعْمةَ إلهنا إلى الدَّعارة؟
هؤلاء الفُجَّارُ من الغنوسيين وغيرهم يُفَسِّرون نصوص الكتاب المقدس تفسيرًا خاطئًا. فإذا قرأوا قَول الرسول بولس "لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ" (غلا5: 17)، يعتبرون أن الجسد شرٌ في ذاته، وأن ما يفعله الإنسان بهذا الجسد الشرير غير محسوب؛ لأن المادة كلها شر، والمُهِم أن يحتفظ بالروح طاهرة. ثم يشرحون قول مار بولس "وَلَكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيَّةُ ازْدَادَتِ النِّعْمَةُ جِدًّا " (رو5: 20) بأنَّ النعمة تُغَطي خطايانا، فما نفعله من خطايا لا يحتاج إلى توبة ودموع، بل النعمة تسبق فَتُغَطيه "وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا" (1يو2: 2،1).
وحيث كثُرَتْ خطايانا فإنَّ نصيبنا من النعمة يكون أكثر. لذلك نحن لنا حق في النعمة ينبغي أنْ نُطالِبَ به ونأخذه، وهكذا فالخطية ليست مَدْعَاةً للخجل والحزن، بل نعمةُ الله سوف تُغَطِّي خطايانا. ولذلك هُم يعيشون في فرح دائم. وهكذا تكون الخطية هي الطريق إلى النعمة. هذه الأفكار المسكينة يقول عنها مار يهوذا تجعل من النعمة سببًا للدعارة، حاشا.
هؤلاء ردَّ عليهم مار بولس، فاتهموه، فقال "كَمَا يُفْتَرَى عَلَيْنَا وَكَمَا يَزْعُمُ قَوْمٌ أَنَّنَا نَقُولُ لِنَفْعَلِ السيئات لِكَيْ تَأْتِيَ الْخَيْرَاتُ. الَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ عَادِلَةٌ" (رو3: 8).
ومفهومهم الخاطئ عن الحرية يُحذِّرنا منه
مار بولس الرسول
قائلًا:
"لاَ تُصَيِّرُوا
الْحُرِّيَّةَ فُرْصَةً لِلْجَسَدِ"
(غلا5: 13)
3. السقوط الإيماني:
"وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ" (يهوذا4)
هنا نرى ارتباط فساد التعليم بفساد الحياة، فالإيمان الصحيح يقود إلى السلوك الصحيح، أما الهراطقة "لاَ يَحْتَمِلُونَ... التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ
مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ،
فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ الَى الْخُرَافَاتِ"(2تي4: 3).
"يُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ": إنكار الله ليس نوعًا واحدًا، فكما يُنكِر إنسانٌ اللهَ بسبب الاضطهاد، ينكِرُ آخرُ اللهَ في سبيل التَّمَتُّع بِشَهْوَةٍ مُعيَّنة، وآخَرُ يُنكِر الله عمليًا في حياته فلا يُحِسُّ بوجوده فيكسِر وصاياه أمام عينيه، ويتفق هذا مع قول مار بطرس الرسول "يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ" (2بطرس2: 1).
"السَّيِّد الْوَحِيد الله وَرَبّنَا يَسُوع الْمَسِيح":
وهنا يصِفُ الهراطقة في سقوطهم الإيماني بأنهم ينكرون أن المسيحَ واحدٌ مع الآب في الجوهر. وهذا النص الكتابي من أروع النصوص التي تُثبِت ذلك. فاَلنَّصُّ يُمكِن أن يفهمَه البعض خَطَئًا أنَّ الرب يسوع المسيحَ غَيْرُ الله، وهذا بسبب حَرْفِ (الواو) الذي يشير عادة إلى الإضافة، لَكِنِ النص في حقيقته يشرح بقوة فكرة أنَّ ربنا يسوع المسيح واحد مع الآب في الجوهر. النص لا يقول أنهم ينكرون السيد الوحيد الله كما ينكرون ربنا يسوع المسيح، بل إنهم ينكرون السيد الوحيد ثم يشرح أن السيد الوحيد هو الله وربنا يسوع المسيح. فحرف الواو هنا توضيحية كما نقول بِاسم الآب والابن والروح القدس. فالواو هنا توضيحية، لذلك لم نقل بِأَسماء الآب والابن والروح القدس بل قُلْنا بِاسم. كما نقول "المُعلِّم والمُرَبِّي والقائد" ونحن لا نقصد ثلاث أشخاص بل شخص واحد له ثلاث صفات. هكذا عندما نقول ينكرون السيد الوحيد "الله، وربنا يسوع المسيح" فحرف الواو لإضافة صفات هذا السيد الوحيد، فهو الله وهو ربنا يسوع المسيح. والغنوسيون ينكرون أن ربنا يسوع المسيح واحد مع الآب في الجوهر، فَهُم يرون أن المادة أو الجسد شر، والله روح مُتَرَفِّع عن المادة الشريرة لا يتعامل معها. لذلك هم يُنكِرون تجسُّد ربنا يسوع المسيح تَجسُّدًا حقيقيًا، ويظنون أنه أخذ شَكْلًا فقط يظهر أو يتراءى به، وأنَّ هناك كائنات متوسطة مُتدَرِّجة بين الله المُتعَالي وبَيْنَ المادة. والرب يسوع المسيح في نظرهم الخاطئ كائن وسيط. لذلك قال عنهم مار يهوذا الرسول ينكرون السيد الوحيد الله وربنا يسوع المسيح.
وهنا مار يهوذا الرسول ينبري للقضاء على الهرطقة التي تسللَتْ خُلسة إلى الكنيسة خلال التفسير الخاطئ لنصوص الكتاب المقدس وتنطوي على:
1. فَهْمٌ خاطئ لنعمة الله يجعلها سببًا للخطية.
2. إنكار لوحدانية الله الآب والرب يسوع المسيح.
3. إنكار التجسد "عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ" (1تي3: 16)
← (ستجد كذلك تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين).
ثلاث فئات لأناس وملائكة عاشوا تحت قيادة الله ومحبته، وذاقوا نعمته ثم رجعوا إلى الوراء فهلكوا. قال عنهم الرسول "قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ الْقَدِيمِ لِهَذِهِ الدَّيْنُونَةِ" (يهوذا4)، ويُذَكِّرنا بهم القديس يهوذا كَعِبرة لمن يعتبر.
1. دينونة بني إسرائيل (يهوذا5)
2. دينونة الملائكة (يهوذا6)
3. دينونة سدوم وعمورة (يهوذا7)
"فَأُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ وَلَوْ عَلِمْتُمْ هَذَا مَرَّةً" (يهوذا5)
هذا هو هدف الوعظ في الكنيسة، الحَثُّ على التوبة والتذكير بالحياة المقدسة. الإنسان يعرف كثيرًا، ولكن مشاغل العالم تُنسِيه، ويحتاج إلى من يُذَكِّره، يحتاج إلى كلمة الله تُذَكِّره بالوصية الإلهية. من أجل هذا أعطانا الله سِفْر التثنية يَعِيد الشريعة مرة ثانية ويُذَكِّر بني إسرائيل بها. ولذلك دُعِي "تثنية الاشتراع". فالحياة الروحية تحتاج إلى دَفْع وتشجيع "عِظُوا أَنْفُسَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ" (عبرانيين3: 13)، حتى أن القديس بولس الرسول الذي قال للكورنثيين "أَشْكُرُ إِلَهِي... أَنَّكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ اسْتَغْنَيْتُمْ فِيهِ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ وَكُلِّ عِلْمٍ... وَأَنْتُمْ مُتَوَقِّعُونَ اسْتِعْلاَنَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1كو1: 4-7)، عاد وكَتب لهم رسالة ثانية يذكرهم بما عرفوه قائلًا لهم "نُنْهِضُكم بالتَذْكِرة".
"وَلَوْ عَلِمْتُمْ هَذَا مَرَّةً": فقد قرأتم هذه القصة في سفر الخروج.
"أَنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا خَلَّصَ الشَّعْبَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ" (يهوذا5).
كانت أرض مصر عند بني إسرائيل أرض الغربة والسبي، وفرعون مصر يرمز إلى الشيطان الذي يسبي النفس البشرية بعيدًا عن الله، فكانوا في مصر عبيدًا لفرعون، يحتاجون إلى الخلاص، وفعلًا خلَّصهم الرب بيد قوية وذراعٍ رفيعة، فَشَقَّ البحر الأحمر أمامهم ويَبَّس الماء تحت أقدامهم فصار طريقًا عبروه، ودخلوا أرض كنعان رمز السماء، واحتاجوا ليَعبُروا من عبودية فرعون إلى أرض الموعد، من عبودية الشيطان إلى السماء، أن يجوزوا البحر، وانشق البحر بالنعمة الإلهية، وسار الإنسان يحيطه الماء من كل مكان بمعجزة إلهية، يعلوه الماء من فوق في شكل سحابة وكأنه غاطسٌ في الماء بعمل إلهي يقوده رجل الله موسى النبي، وهكذا عبروا إلى كنعان، راسمين لنا طريق العبور إلى السماء باجتيازنا المعمودية تحيطنا مياهُها من كل جهة، بالتغطيس في الماء وعمل روح الله القدوس بواسطة كاهن الله العلي، فنعبر من عبودية الشيطان إلى بنوة الله كأبناء السماء، فيكون الخلاصُ من فرعون رمزًا للخلاص من الشيطان وعبوديته. واحتاج الخلاص إلى العمل الإلهي بالإضافة إلى جهاد موسى النبي قائدهم، وبالجهاد والنعمة يخلص الإنسان.
"أَهْلَكَ أَيْضًا الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا" (يهوذا5)
ولذلك لم يدخل أرض كنعان من كل شعب بني إسرائيل إلا يشوع بن نون وكالب بن يَفُنَّه، هكذا المسيحيون الذين خَلُصُوا بالمعمودية يمكن أن يهلكوا، إن لم يحيوا حياة الإيمان المُثمِر بِرًّا. فهذه القصة التي أشار إليها القديس يهوذا الرسول كتب عنها مار بولس "وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ وَجَمِيعَهُمْ أَكَلُوا طَعَامًا وَاحِدًا رُوحِيًّا وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا- لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ" ومع هذا يكمل قائلًا "لَكِنْ بِأَكْثَرِهِمْ لَمْ يُسَرَّ اللهُ" (1كو10: 2-5). فالإنسان عليه أن يقبل خلاص الله في المعمودية ثم يسلك بما يتوافق مع هذا الخلاص.
وهنا يأتي سؤال شهير هل يمكن أن يرتد المؤمن ويهلك؟ والإجابة: أَنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا خَلَّصَ الشَّعْبَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أَهْلَكَ أَيْضًا الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا، ولذلك قال الكتاب "لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ!" (رومية11: 20) وقال أيضًا "فَلْنَخَفْ، أَنَّهُ مَعَ بَقَاءِ وَعْدٍ بِالدُّخُولِ إِلَى رَاحَتِهِ، يُرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنَّهُ قَدْ خَابَ مِنْهُ!" (عب4: 1). لم يكن الشعب الإسرائيلي وهو تحت أَسْر المصريين يَشُكُّون في الله بل كان إيمانهم نظريًا عقليًا، ومع هذا أطلق الكتاب المقدس عليهم تعبير "الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا"، فالمقصود بالإيمان بالله الاتكال عليه والخضوع لوصاياه، والذين تمردوا على الله وعلى موسى مُفَضِّلين وجودهم تحت عبودية فرعون في مصر عند قدور اللحم أفضل من بقائهم في أورشليم حيث الهيكل والمذبح والذبيحة اعتُبروا "غير مؤمنين" الإيمان العملي، فالذين ينشغلون بما يأكلون وما يشربون عن الكنيسة والمذبح والافخارستيا هم أمام الله "غير مؤمنين"، وهؤلاء لابد أن يهلكوا حتى بعد أن خلصهم الرب من عبودية فرعون. "بَعْدَمَا خَلَّصَ الشَّعْبَ أَهْلَكَ... الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا".
"وَالْمَلاَئِكَةُ
الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ"
(يهوذا6).
هذه هي قصة سقوط الشيطان، سقوط
سطانائيل
وكل جنوده من الْمَلاَئِكَة الَّذِينَ لَمْ
يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ غير مُكْتَفين
بِمَكانتهم السامية، واشتهوا أعلى منها، ذكرها العهد القديم في
(حزقيال28، إشعيا14).
فَيَحكي حزقيالُ النبي القصة من بدايتها فيقول:
"هكَذَا
قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَنْتَ خَاتِمُ الْكَمَالِ، مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ
الْجَمَالِ. كُنْتَ فِي عَدْنٍ جَنَّةِ اللهِ. كُلُّ حَجَرٍ كَرِيمٍ سِتَارَتُكَ،
عَقِيقٌ أَحْمَرُ وَيَاقُوتٌ أَصْفَرُ وَعَقِيقٌ أَبْيَضُ وَزَبَرْجَدٌ وَجَزْعٌ
وَيَشْبٌ وَيَاقُوتٌ أَزْرَقُ وَبَهْرَمَانُ وَزُمُرُّدٌ وَذَهَبٌ. أَنْشَأُوا
فِيكَ صَنْعَةَ صِيغَةِ الفُصُوصِ وَتَرْصِيعِهَا يَوْمَ خُلِقْتَ أَنْتَ
الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ، وَأَقَمْتُكَ. عَلَى جَبَلِ اللهِ
الْمُقَدَّسِ كُنْتَ، بَيْنَ حِجَارَةِ النَّارِ تَمَشَّيْتَ، أَنْتَ كَامِلٌ فِي
طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ...
فَأَطْرَحُكَ مِنْ جَبَلِ اللهِ وَأُبِيدُكَ أَيُّهَا الْكَرُوبُ الْمُظَلِّلُ مِنْ
بَيْنِ حِجَارَةِ النَّارِ. قَدِ ارْتَفَعَ قَلْبُكَ لِبَهْجَتِكَ. أَفْسَدْتَ
حِكْمَتَكَ لأَجْلِ بَهَائِكَ. سَأَطْرَحُكَ إِلَى الأَرْضِ،... قَدْ نَجَّسْتَ
مَقَادِسَكَ بِكَثْرَةِ آثَامِكَ...
فَأُخْرِجُ نَارًا مِنْ وَسْطِكَ فَتَأْكُلُكَ، وَأُصَيِّرُكَ رَمَادًا عَلَى
الأَرْضِ أَمَامَ عَيْنَيْ"
(حزقيال28: 12-19) فماذا كانت النتيجة؟
"حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ" (يهوذا6). ولذلك رثاه إشعيا النبي وقال "اَلْهَاوِيَةُ مِنْ أَسْفَلُ مُهْتَزَّةٌ لَكَ، لاسْتِقْبَالِ قُدُومِكَ، مُنْهِضَةٌ لَكَ الأَخْيِلَةَ، جَمِيعَ عُظَمَاءِ الأَرْضِ... يَقُولُونَ لَكَ أَأَنْتَ أَيْضًا قَدْ ضَعُفْتَ نَظِيرَنَا وَصِرْتَ مِثْلَنَا؟ أُهْبِطَ إِلَى الْهَاوِيَةِ...غِطَاؤُكَ الدُّودُ. كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ...أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ، لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ" (إش14: 9-15).
حَفِظَهُمْ... تَحْتَ الظَّلاَمِ: مع أنهم ملائكة نور، لكن بسقوطهم انفصلوا عن الله فانفصلوا عن النور، وصاروا تحت الظلام.
"كَمَا أَنَّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَالْمُدُنَ الَّتِي حَوْلَهُمَا، إِذْ زَنَتْ عَلَى طَرِيقٍ مِثْلِهِمَا وَمَضَتْ وَرَاءَ جَسَدٍ آخَرَ" (يهوذا7).
هذه هي القصة الثالثة من ثُلاثِيَّة الدينونات. قصة سدوم وعمورة التي جاءت في العهد القديم، وأشار إليها الرب يسوع أثناء حديثه عن كَفر ناحوم وعدم توبتها "وَأَنْتِ يَا كَفْرَ نَاحُومَ الْمُرْتَفِعَةَ إِلَى السَّمَاءِ سَتُهْبَطِينَ إِلَى الْهَاوِيَةِ. لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي سَدُومَ الْقُوَّاتُ الْمَصْنُوعَةُ فِيكِ لَبَقِيَتْ إِلَى الْيَوْمِ. وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ أَرْضَ سَدُومَ تَكُونُ لَهَا حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا يَوْمَ الدِّينِ مِمَّا لَكِ" (مت11: 24،23؛ لو10: 12)
وَالْمُدُنَ الَّتِي حَوْلَهُمَا وهى المدن الخمسة، زَنَتْ على طريق مثلهما أي مثل سدوم وعمورة، ومضت وراء جسدٍ آخر[2] غير جسد الأُنثى، وهذا هو السبب في عبارة زَنَتْ على طريقٍ مثلهما أي "فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُورًا بِذُكُورٍ وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ" (رو1: 27). وهو ما حدث في قصة سدوم حيث "أَحَاطَ بِالْبَيْتِ رِجَالُ الْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ الْحَدَثِ إِلَى الشَّيْخِ، كُلُّ الشَّعْبِ مِنْ أَقْصَاهَا فَنَادَوْا لُوطًا وَقَالُوا لَهُ أَيْنَ الرَّجُلاَنِ اللَّذَانِ دَخَلاَ إِلَيْكَ اللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا" (تكوين19: 1-11)، وحدثت هذه المشكلة في
أيام خراب إسرائيل في أيام القضاة (قض19: 23،22)
"جُعِلَتْ عِبْرَةً مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ أَبَدِيَّةٍ" (يهوذا7)
هلاك سَدُومَ وَعَمُورَةَ والمدن الخمس عِبرة لنا، وتحذيرٌ يدفعنا للهروب من الشهوات الجسدية التي تحارب النفس. عجبًا هل اللذة الجسدية الوقتية فيها ما يجعل الإنسان يقبل النار الأبدية؟
والذين ينكرون النار الأبدية كَشُهود يهوه والأدڤنتست السَبْتِيين قائلين "لأَنَّ الرَّبَّ يَعْلَمُ طَرِيقَ الأَبْرَارِ، أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَتَهْلِكُ" (مز1: 6).
وهنا واضح أن طريق الأشرار هي التي تُباد أي الشر وليس الأشرار "فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلًا وَلاَ فَرْعًا. وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا" (ملا4: 1-3).
ولِلرَّدِّ نقول: إنَّ أهل سدوم وعمورة الأشرار يُقال عنهم "وَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يَكُونُ لِسَدُومَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ" (لوقا10: 12، مت11: 24). إذن سيأتي ذلِكَ الْيَوْم ويعاقَب أهْلُ سدوم بما يناسبهم. وفي (يهوذا7) يُحَدِّثُنا عن عقاب نار أبدية، إذن سيبقى الأشرار إلى الأبد في هذه النار الأبدية، التي يُنكرها السبتيون الأدڤنتست. ونحن نَرُدُّ بقصة الغني ولعازر (لوقا16: 19-25) التي فيها وجدنا أن لعازر البار والغني الشرير يتكلمان بعد الموت ويناقشان فكرة الجزاء الأبدي والعدل الإلهي. وقد قال ربُّ المجد لِلِّص التائب "الحق أَقُولُ لَكَ إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ" (لوقا23: 43).
"وَأَمَّا أَنَّ الْمَوْتَى يَقُومُونَ فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مُوسَى أَيْضًا فِي أَمْرِ الْعُلَّيْقَةِ كَمَا يَقُولُ اَلرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ وَإِلَهُ يَعْقُوبَ. وَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ" (لوقا20: 38،37).
"وَلكِنْ كَذلِكَ هؤُلاَءِ أَيْضًا، الْمُحْتَلِمُونَ يُنَجِّسُونَ الْجَسَدَ،
وَيَتَهَاوَنُونَ بالسِّيَادَةِ، وَيَفْتَرُونَ عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ" (يهوذا8)
ثلاث خطايا قديمة يذكرها يهوذا الرسول تزداد وتنتشر في الأيام الأخيرة قبل المجيء الثاني في زمن الارتداد وهى
1. الْمُحْتَلِمُونَ يُنَجِّسُونَ الْجَسَدَ كما فعل أهل سدوم وعمورة
2. يَتَهَاوَنُونَ بالسِّيَادَةِ كما فعل الملائكة الساقطون
3. يَفْتَرُونَ عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ كما فعل بنو قورح مع موسى وهارون.
ومار بطرس الرسول يُقدِّم نفس المعنى وربما بنفس الألفاظ:
"وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَذْهَبُونَ وَرَاءَ الْجَسَدِ فِي شَهْوَةِ النَّجَاسَةِ، وَيَسْتَهِينُونَ بِالسِّيَادَةِ جَسُورُونَ، مُعْجِبُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، لاَ يَرْتَعِبُونَ أَنْ يَفْتَرُوا عَلَى ذَوِي الأَمْجَاد، حَيْثُ مَلاَئِكَةٌ وَهُمْ أَعْظَمُ قُوَّةً وَقُدْرَةً لاَ يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِمْ لَدَى الرَّبِّ حُكْمَ افْتِرَاءٍ" (2بط 2: 10، 11)
1. "الْمُحْتَلِمُونَ يُنَجِّسُونَ الْجَسَدَ" (يه8)
الفرق بين الحالمين والْمُحْتَلِمينَ كالفرق بين الفاعلين والمُفتَعِلِين، وبين الكبار والمتكبرين. فالْمُحْتَلِمُونَ إذن من يتصنعون الحُلم بخيالاتهم الشريرة فتثير شهوتهم فيُنَجِّسُونَ الْجَسَدَ.
يقول مار بولس "وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ" (غلاطية5: 19) وحينما تكلم رب المجد عن ما ينجس الإنسان قال"لأَنْ مِنَ الْقَلْب تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ. هذِهِ هِيَ الَّتِي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ.
وَأَمَّا الأَكْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلاَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ" (متى15: 19).
2. "يَتَهَاوَنُونَ بِالسِّيَادَةِ" (يه8)
من صفات الهراطقة التهاون بسِيادَة الله علينا، فهم "يُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ" (يه4). وحينما يأتي ضد المسيح سيتهاون هو وأتباعه بسيادة الله، و"يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ اللهِ كَإِلهٍ" (2تس2: 4). ولعلنا نرى قدوة مِيخَائِيل رَئِيس الْمَلاَئِكَةِ الذي يُوَقِّر سيادة الله على خليقته، فلا يأخذ مكان الله في إدانة الشيطان بَلْ يتركه للرَّبّ.
هم أيضا يَتَهَاوَنُونَ بِالسِّيَادَةِ المدنية فلا يخضعون لِسَيِّدٍ أو رئيس، فيزداد العِصْيان المدني والثورات التي تخلع الرؤساء. ولقد علمنا مار بولس الرسول "لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً" (رو13: 1-2). كما أوصى القديس بولسُ الأسقفَ تيطس: "ذَكِّرْهُمْ أَنْ يَخْضَعُوا لِلرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينِ، وَيُطِيعُوا... وَلاَ يَطْعَنُوا فِي أَحَدٍ" (تي3: 1-2).
كما يَتَهَاوَنُونَ بِالسِّيَادَةِ الأبوية فيصيروا "غير طائعين لوالديهم" (2تى2:3).
وأخيرًا لا يخضعون لسلطان الكنيسة المأخوذ من الله. كما تهاون قورح وداثان وأبيرام بسُلطان موسى وهارون ذَوِي الأَمْجَادِ، واتهموهم بالتعالي على الشعب فابتلعتْهم الأرض لِتَطَاوُلِهم على الكهنوت.
3. "يَفْتَرُونَ عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ" (يه8)
ذَوُو الأمجاد مثل العذراء مريم دائمة البتولية، التي قالت بالروح القدس "فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي" (لوقا1: 48). فالذين لا يُطَوِّبون العذراء ويُمَجِّدونها، يَفْتَرُونَ عَلَى ذَاتِ المجدِ. والذين يُنكرون دوام بتوليتها وكرامتها وشفاعتها يَفْتَرُونَ أيضًا. ذَوُو الأمجاد هم القديسون الذين يطلب الرب إكرامهم قائلًا "حَاشَا لِي! فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي" (1صم30:2)،" لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي وَلاَ تُسِيئُوا إِلَى أَنْبِيَائِي" (مز105: 15). لقد قدَّم يهوذا الرسول تَصرُّف رئيس الملائكة مثلًا نَحتَذِي به إذ لم يُرِدْ أن يَحكُمَ حتى على الشيطان، فما بالُنا نحن نحكم على ذوي الأمجاد أو الذين أُوتُمِنوا على السلطان الروحي فيستبيح لنفسه الحُكْم عليهم.
كثير من البْرُوتِسْتَنْت في كبرياء وخيلاء يقولون ما الفرق بيني وبين العذراء ومار بولس ومار جرجس؟؟ إنه افتراء على ذَوِي الأَمْجَادِ القديسين الذين بجهادهم وتواضعهم وقداستهم وخدمتهم نالوا أكاليل المجد، وعلينا أن نطوبهم ونتمثَّل بإيمانهم ونطلب صلواتهم.
"وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجًّا عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ" (يه9).
أول مرة يُذكَر فيها مِيخَائِيلُ رَئِيسُ الْمَلاَئِكَةِ هي في (دانيال10: 13). عجيب هو ميخائيل رئيس الملائكة المُتَّضِع الذي لم يَدِنْ ملاكًا ساقِطًا هو إبليس. فماذا نفعل نحن الذين نتطاول بالحُكْم على كل أحد؟!
قصة جديدة من التقليد الشفاهي، قصة الحرب حول جسد موسى النبي العظيم. تناقلتْ بالتسليم من موسى النبي جيلًا بعد جيل إلى أن وصلت إلى يهوذا الرسول. واعترف الرسول بالتقليد وسجَّلها كَقِصة حقيقية معروفة لدى اليهود، ووافقه الروح القدس، فَسجَّلها الرسول ضمن العهد الجديد مع أنه لا توجد أية إشارة لهذه القصة في العهد القديم.
كما أنه توجد قصص أخرى مماثلة كان التقليد هو مصدرها، ودشَّنَها العهدُ الجديد، مثل قصة مقَاوَمَة يَنِّيس وَيَمْبِرِيس لمُوسَى النبي والتي أشار لها القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلى القديس تيموثاوس في (2تي3: 8) وقصة مُوسَى "لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلًا بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ" (عب11: 24-26). ويذكر مار بولس كلمات قالها السيد المسيح لم ترد في الإنجيل "مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِن الأَخْذِ" (أعمال20: 35). لقد استقى مار بولس هذه القصص من التقليد وأيَّدَه الروح القدس، ومع أنها لم تُذكَر في العهد القديم، صارت ضمن الوحي الإلهي في العهد الجديد، بِفَضْل حِفْظِها خلال التقليد الشفاهي. أيضًا يعقوب الرسول يقول "إِيلِيَّا... صَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ" (يع5: 17)، في حين أن القصة في (1ملوك17: 1، 18: 1) لا تذكُر أن الصلاة كانت بهذا السبب.
لماذا الحرب؟ كان موسى النبي محبوبًا جدًّا لدى الشعب الإسرائيلي، فهو القائد الروحي العظيم الذي أخرجهم من أرض مصر، أرض العبودية بذراع رفيعة. وإنْ كان الشيطان يومًا قد أثار هذا الشعب للتمرد على الرب وعلى موسى إلا أن الشعب بعد فترة عرف عظمة موسى النبي لا سيما بعد موته. والشيطان خبيث، في وجود موسى يثير الشعب ضده فلا يخضعوا لقيادته الروحية، وفى غيبته فوق الجبل مع الله يثيرهم لعبادة العجل الذهبي، وبعد موته يُقدِّم للشعب عظمة موسى النبي لعله يُدخِلهم في عبادة الأوثان فيعبدون جسد موسى. فأراد إبليس أن يُظهِر هذا الجسد بأن يُدفَن في جبل نَبُو (تث34: 1، 5، 6) أمام الشعب لِيَقودهم إلى عبادته، فيكون المَظهر إكرام موسى النبي الذي رأى الله وأنار وجهه كالشمس، أما الحقيقة إسقاطهم في الوثنية. ولذلك شاء الرب أن يُخفي جسد موسى فحدثت خصومة بين ميخائيل رئيس الملائكة الذي أراد أن يُخفِيَه وإبليس الذي أراد إظهاره.
وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رئيس الملائكة المتضع لم يشأ أن يحكم على إبليس أو يهزمهُ بِقُوَّتِه بل بقوة الله. لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ افْتِرَاءٍ فيضع نفسه أعلى من سطانائيل بَلْ قَالَ «لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ» (يه9)، فيغْلِبه لا بِقُوَّته الشخصية بل بقوة الرب.
عجيب أن رئيس الملائكة العظيم ميخائيل يتواضع أمام الشيطان، عجيب أن الأنبا أنطونيوس القديس العظيم يتواضع أمام الشيطان والبعض يتجاسرون ويدَّعون بأنهم أقوياء!
نعم. المتضعون يغلبون الشيطان، فالاتضاع يَغلِب الكبرياء والمتكبرين.
إن جسد موسى يرمز إلى كنيسة العهد القديم، كما ترمُز كنيسة العهد الجديد إلى جسد المسيح، وحرب إبليس الدائمة مع كنيستنا المقدسة، تَرمُز لها حَربُه بسبب جسد موسى. أَمَّا مِيخَائِيلُ رئيس الملائكة فكما دافع ضد الشيطان عن جسد موسى، هكذا يدافع عنا نحن جسد المسيح أي الكنيسة.
"وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي السَّمَاءِ مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا التِّنِّينَ، وَحَارَبَ
التِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ، وَلَمْ يَقْوَوْا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي السَّمَاءِ. فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ" (رؤ7:12-9)
"لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ" (يه9)
دفاعًا عن يهوشع الذي كان يمثل الكنيسة اليهودية قال ملاك الرب:
"لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ يَا شَيْطَانُ لِيَنْتَهِرْكَ الرَّبُّ الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ" (زك2:3)
كالحيوانات غير العاقلة.
"وَلكِنَّ هؤُلاَءِ يَفْتَرُونَ عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ" (يه8)
"وَلكِنَّ هؤُلاَءِ يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ" (يه10)
"يَفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ" (2بط2: 12)
"يَفْتَرُونَ عَلَيْكُمْ كَفَاعِلِي شَرّ" (1بط3: 16)
الكلمة اليونانية (οἴδασιν) التي تُرجِمت "يَعْلَمُونَ" تعني المعرفة العميقة. فالهراطقة يهاجمون ما يجهلونه من أسرار الإيمان، فينكرون مَا لاَ يَعْلَمُونَ مثل البتولية، وضرورة الأعمال الصالحة، والجهاد الحقيقي الروحي، والافخارستيا التي لم يدركوا أعماقها، والصلاة بالمزامير التي لم يتذوقوا سُمُوَّها. فَضِدُّ المسيح "فَتَحَ فَمَهُ بِالتَّجْدِيفِ عَلَى اللهِ، لِيُجَدِّفَ عَلَى اسْمِهِ، وَعَلَى مَسْكَنِهِ، وَعَلَى السَّاكِنِينَ فِي السَّمَاءِ" (رؤيا13: 6)، واليهود في ندائهم الشرير اِصلِبْه اِصلِبْه، دمه علينا وعلى أولادنا، انطبق عليهم القول "لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ" (1كو2: 8). فهؤُلاَءِ يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ، ولنلاحظ أنه في قصة الملاك ميخائيل والشيطان كان رئيس الملائكة متضعًا لا يَتَهَاوَن بِالسِّيَادَةِ، وَلا يَفْتَرِ عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ حتى بعد سقوطهم.
"وَأَمَّا مَا يَفْهَمُونَهُ بِالطَّبِيعَةِ كَالْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ النَّاطِقَةِ، فَفِي ذلِكَ يَفْسُدُونَ" (يه10).
الكلمة اليونانية (ἐπίστανται) تُرجِمَت "يَفْهَمُونَهُ"، وتعني المعرفة الحِسِّيَّة السطحية التي نشترك فيها مع الحيوانات غير الناطقة غير العاقلة. فيها يمارسون شهواتهم الجسدية ليس فقط في مجالها الطبيعي بل يُنَجِّسون أجسادهم، كما يقول مار بطرس الرسول "أَمَّا هؤُلاَءِ فَكَحَيَوَانَاتٍ غَيْرِ نَاطِقَةٍ، طَبِيعِيَّةٍ، مَوْلُودَةٍ لِلصَّيْدِ وَالْهَلاَكِ، يفْتَرُونَ عَلَى مَا يَجْهَلُونَ، فَسَيَهْلِكُونَ فِي فَسَادِهِم" (2بط2: 12).
ما أفضل أن يُحذر الإنسان نفسه كمعلمنا بولس الرسول، ويأخذ عِبْرة من سقطات الآخرين كيهوذا الرسول، فلا تسقط عليه الويلات.
ويُشَبه يهوذا الرسول الهراطقة بثلاث شخصيات شريرة من العهد القديم هم قايين الذي أراد أن يتحرر من طقس الذبيحة كما علمها الله، وبلعام النبي الكذاب، وقورح الذي تعدى على الكهنوت.
ويقدمهم كأمثلة العهد القديم لهلاك الأشرار:
1. "وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ"
2. "وَانْصَبُّوا إِلَى ضَلاَلَةِ بَلْعَامَ لأَجْلِ أُجْرَةٍ"
3. "وَهَلَكُوا فِي مُشَاجَرَةِ قُورَحَ"
"وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ" (يه11)
ما هو طريق قايين؟ إنها طَرِيق الْخُطَاةِ التي قال عنها سليمان الحكيم "تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ" (أم16: 25). طَرِيقٌ في مظهره ليس بعيدًا عن الدين إذ يُقدم تقدمة لله بفكره وطريقته الخاصة، وليس كالطقس الذي تسلمه من أبيه آدم الذي تسلم من الله الذبيحة الدموية، لذلك قال له الله "إِنْ أَحْسَنْتَ أَفَلاَ رَفْعٌ؟" (تك 4: 7) أي إن أحسنت اختيار التقدمة حسب التقليد الذي سلمه الله لآدم، وآدمُ لك، أفلا تُرفع الذبيحة ويتقبلها الله؟ وإلا "فَعِنْدَ الْبَابِ خَطِيَّةٌ رَابِضَةٌ" (تك4: 7)، إذ حسد وأبغض و"قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ" (تك4: 8) رغم إنذار الله. هكذا الهراطقة يسلكون طريق قايين فيقتلون إخوتهم أبناء الكنيسة قتلًا روحيًا بنشر هرطقاتهم وتعاليمهم الضالة والمُضِلَّة فينفصلون ويفصلون أتباعهم
عن الله مصدر الحياة فيموتون روحيًا وأبديًا.
"وَانْصَبُّوا إِلَى ضَلاَلَةِ بَلْعَامَ لأَجْلِ أُجْرَةٍ" (يه11)
ما هي ضَلاَلَة بَلْعَامَ؟ بَلعامُ ابْنِ بعور من فغور، نبِيٌّ كذَّاب أعطى مشورة شريرة لِبَالاق بعد أن أخذ منه أُجْرة دُعِيَت أُجرةَ الإثم. فَلِكَي يغلب شعبَ الله في الحرب، يضع أمامهم بناتِ موآب الجميلات الشريرات، فيُخطِئون معهم أمام الرب، وحينئذ يغضب الله على شعبه، فيغلب بالاقُ. وقد سمح الله أن الحِمار الأعجمي ينطق موبِّخًا بَلعام بعد أن رأى ملاك الرب حامِلًا السيف (عدد22: 1-25).
قال مار بطرس الرسول "قَدْ تَرَكُوا الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ، فَضَلُّوا، تَابِعِينَ طَرِيقَ بَلْعَامَ بْنِ بَصُورَ الَّذِي أَحَبَّ أُجْرَةَ الإِثْمِ. وَلكِنَّهُ حَصَلَ عَلَى تَوْبِيخِ تَعَدِّيهِ، إِذْ مَنَعَ حَمَاقَةَ النَّبِيِّ حِمَارٌ أَعْجَمُ نَاطِقًا بِصَوْتِ إِنْسَانٍ" (2بط 2: 15- 16). فَقَالَ اللهُ لِبَلْعَامَ "لاَ تَذْهَبْ مَعَهُمْ وَلاَ تَلْعَنِ الشَّعْبَ لأَنَّهُ مُبَارَكٌ". وعلى الرغم أن بلعام قال "وَلَوْ أَعْطَانِي بَالاَقُ مِلْءَ بَيْتِهِ فِضَّةً وَذَهَبًا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَاوَزَ قَوْلَ الرَّبِّ إِلهِي" (عدد22: 18). ثُمَّ قال "اَلْكَلاَمُ الَّذِي يَضَعُهُ اللهُ فِي فَمِي بِهِ أَتَكَلَّمُ" (عدد22: 38)، ولكنه بعد هذا قدَّم مشورته الشريرة، وأخطأ إسرائيل، وغضب الرب عليه، وانتصر بالاق عليهم.
"وَهَلَكُوا فِي مُشَاجَرَةِ قُورَحَ" (يه11)
فما هي مُشاجرة قورح؟ يقول سفر العدد "وَأَخَذَ قُورَحُ وَدَاثَانُ وَأَبِيرَامُ يُقَاوِمُونَ مُوسَى مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ذَوِي اسْمٍ. فَاجْتَمَعُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالُوا لَهُمَا كَفَاكُمَا إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ وَفِي وَسَطِهَا الرَّبُّ، فَمَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلَى جَمَاعَةِ الرَّبِّ؟" (عدد16: 1- 3)، ثُم تقدموا وأمسكوا مجامر وقدَّموا بخورًا مُتَعدِّين على الكهنوت، "فانْشَقَّتِ الأَرْضُ الَّتِي تَحْتَهُمْ، وَفَتَحَتِ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ وَبُيُوتَهُمْ فَنَزَلُوا أَحْيَاءً إِلَى الْهَاوِيَةِ، وَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمِ الأَرْضُ، فَبَادُوا مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ" (عدد16: 31 - 33). ولذلك سُمِّيَتْ مُشاجرة قورح؛ لأنَّ قورَح ومَن معه تشاجروا مع موسى وهارون مُطالِبين بالمُساواة بينهم وبين الكهنة، فيعملوا أعمال الكهنوت قائلين لهم كفاكم أن تعتبروا أنفسكم كهنة مقدَّسين للرب، كُلُّنا كهنة مقدَّسون، "كُل الجماعة مُقدَّسَة". وأنهى الرب هذه المشاجرة بأن أهلك بني قورح الذين تَعدُّوا على عمل الكهنوت. ولذا يُحَذِّر القديس يهوذا من يتعدى ويُنادِي "كُلُّنا كهنة"، ويرفُض وجود وُسَطاء عَيَّنَهم الله ليكونوا بينه وبين الشعب، فقد افتروا على ذوي الأمجاد المُختارين من الله (عدد 16: 33).
هذه الأمثلة الثلاثة:
1. جاءت في صيغة الماضي "سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ. وَانْصَبُّوا إِلَى ضَلاَلَةِ بَلْعَامَ. وَهَلَكُوا فِي مُشَاجَرَةِ قُورَحَ". فقد حُكِم عليهم بالهلاك قبل أن يحدُث. مثلما قال الكتاب "وَالَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ... فَهؤُلاَءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضًا" (رو8: 30). فمصير كل إنسان معروف ومحدد أمام الله. "وَكَمَا قَاوَمَ يَنِّيسُ وَيَمْبِرِيسُ مُوسَى، كَذلِكَ هؤُلاَءِ أَيْضًا يُقَاوِمُونَ الْحَقَّ" (2تي3: 8).
2. تدرُّج السقوط فقايين تجاهَلَ وصية الله لآدم أبيه، وبلعام اعترض على كلام الله مستخدمًا حِيَلَه ليأخذ أُجرة، أمَّا قورح فَتَمرَّدَ على كلام الله.
1. دينونة بني إسرائيل في البرية (يه5)
مثل دينونة العالم القديم بالطوفان "وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، بَلْ إِنَّمَا حَفِظَ نُوحًا ثَامِنًا كَارِزًا لِلْبِرِّ، إِذْ جَلَبَ طُوفَانًا عَلَى عَالَمِ الْفُجَّارِ" (2بط2: 5).
2. دينونة الملائكة الساقطين (يه6)
"لأَنَّهُ إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ" (2بط2: 4).
3. دينونة سدوم وعمورة (يه7)
"وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالانْقِلاَبِ، وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا، وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ، مَغْلُوبًا مِنْ سِيرَةِ الأَرْدِيَاءِ فِي الدَّعَارَةِ، إِذْ كَانَ الْبَارُّ، بِالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ، يُعَذِّبُ يَوْمًا فَيَوْمًا نَفْسَهُ الْبَارَّةَ بِالأَفْعَالِ الأَثِيمَةِ" (2بط2: 6-8).
← (ستجد كذلك تفاسير أخرى هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت لمؤلفين آخرين).
صور يرسمها القديس يهوذا للأشرار في الارتداد العظيم
1. "صُخُورٌ فِي وَلاَئِمِكُمُ الْمَحَبِّيَّةِ" (يه12)
2. "غُيُومٌ بِلاَ مَاءٍ تَحْمِلُهَا الرِّيَاحُ" (يه12)
3. "أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلاَ ثَمَرٍ مَيِّتَةٌ مُضَاعَفًا، مُقْتَلَعَةٌ" (يه12)
4. "أَمْوَاجُ بَحْرٍ هَائِجَةٌ مُزْبِدَةٌ بِخِزْيِهِمْ" (يه13)
5. "نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ" (يه13)
هؤُلاَءِ...
1. "صُخُورٌ فِي وَلاَئِمِكُمُ الْمَحَبِّيَّةِ، صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعًا بِلاَ خَوْفٍ، رَاعِينَ أَنْفُسَهُمْ" (يه12).
في الكنيسة الأولى كان الشعب بعد سر الافخارستيا يجتمعون حول مائدة الأغابي (المحبة)، أمَّا هؤلاء الأشرار عَزَلوا أنفسهم عن ولائم المؤمنين، وصار لهم ولائمهم الخاصة التي ليس فيها مخافة الله؛ لِيُمَتِّعوا ويرعوا أنفسهم بما يشتهون، فيأكلون في ولائمهم بِشَراهة بلا خوف بلا توبة راعين أنفسهم وأجسادهم. وصاروا صخورًا ثابتة في هذه الولائم، "آخِذِينَ أُجْرَةَ الإِثْمِ. الَّذِينَ يَحْسِبُونَ تَنَعُّمَ يَوْمٍ لَذَّةً. أَدْنَاسٌ وَعُيُوبٌ، يَتَنَعَّمُونَ فِي غُرُورِهِمْ صَانِعِينَ وَلاَئِمَ مَعَكُمْ" (2بط2: 13). هم أنانيون يتمسكون بملذاتهم كالصخور وهم مُرتَدُّون عن صخرة إيماننا.
2. "غُيُومٌ بِلاَ مَاءٍ تَحْمِلُهَا الرِّيَاحُ" (يهوذا12)
حينما تظهر السُّحُب ننتظر المطر الذي يروي الأرض ويأتي بالثمر، أما الهراطقة هُم غيوم ليس فيها مياهُ النعمة التي تروي النفوس العطشانة إلى الله. فتعليم الهراطقة غيوم كثيرة لها مظهر رائع بلا جوهر، طقس بلا روحانية، عبادة شكلية بلا توبة وحياة مقدسة، إيمان بلا أعمال صالحة كثمر للإيمان، لهم صورة التقوى وهم ينكرون قوتها، مثل شجرة التين المورقة التي لما اقترب منها رب المجد لم يجد فيها ثمرًا فلعنها، لأنَّ "كُلّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى في النَّارِ" (مت10:3، لو9:3). سحابة لا تحمل ماءًا أو مطرًا فلا تسقي زرعًا ولا تروي عطشًا. والغيوم التي لا تحمل ماء تكون خفيفة تَحْمِلُهَا الرِّيَاحُ وتحركها كيفما تشاء، كالنفس التي لا تملأها النعمة ولا كلمة الله، لذلك تحذرنا كلمات الله "كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالًا مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ" (أفسس4: 14). "هؤُلاَءِ هُمْ آبَارٌ بِلاَ مَاءٍ، غُيُومٌ يَسُوقُهَا النَّوْءُ. الَّذِينَ قَدْ حُفِظَ لَهُمْ قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ" (2بط2: 17). غيوم تبدو للناس مرتفعة في السماء في كبرياء ولكنها بلا ماء، وهذا هو الرياء، بلا نعمة ولا ثمر، ولا تجلب الخيرات للأرض. فالهراطقة يصعدون على منابر الوعظ، ويظهرون كأنهم مرتفعون في السماء متعظمون، ولكنهم كالغيوم الخالية من ماء النعمة الحقيقية.
وفي إيمانهم يُحمَلون بكل ريح تعليم فليست لهم عقيدة ثابتة غيوم يسوقها النوء، ولذلك حُفِظ لهم قتام الظلام إلى الأبد. وحُكِم عليهم بأنهم أبناء الظُّلمة وليسوا أبناء النور. هم "آبار مُشَقَّقَةً لاَ تَضْبُطُ مَاءً" (إرميا 2: 13 ). ليسوا بِئرًا واحدًا يحتفظ بماءٍ واحد أي كنيسة واحدة ذات تعليم واحد ونعمة حقيقية، إنما آبار كثيرة أو كنائس كثيرة لكل واحدة تعليم مختلف عن الآخر. يزعمون أنه حسبما يرشدهم روح الله، ولكن الحقيقة تحتاج إلى الماء الواحد الذي يعطيه الله الواحد.
3. "أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلاَ ثَمَرٍ مَيِّتَةٌ مُضَاعَفًا، مُقْتَلَعَةٌ" (يه12)
هذه الأشجار على الرغم من أنها مغروسة في كَرْمِ الرب في كنيسة الله، لكنها أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلاَ ثَمَرٍ، هؤلاء هم الهراطقة.
مَيِّتَةٌ مُضَاعَفًا، مُقْتَلَعَةٌ: هذه الأشجار مَيِّتَةٌ؛ لأنها اقتُلِعَتْ من أُصولِها. ثم مَيِّتَةٌ أيضًا؛ لأنَّ أغصانها قد ماتت ولم تأتِ بثمر. والهراطقةُ أشجارٌ انفصلتْ من أصلها الكنيسة المقدسة فيبسَتْ وصارت عديمة الثمر، لذلك نهايتها تُقْطَعُ وَتُلْقى في النَّارِ.
4. "أَمْوَاجُ بَحْرٍ هَائِجَةٌ مُزْبِدَةٌ بِخِزْيِهِمْ" (يه13)
هذه هي نفوس الهراطقة والمُعَلِّمين الكذبة... أمواجُ بحرٍ هائجةٌ، تَرَاهُم في عظاتهم وصلواتهم وعباداتهم يثورون ويفورون بأصوات عالية، تصفيق وضوضاء وحركات هوجاء في كبرياء، يُخَبِّطون صخرة الإيمان الراسخة بتعاليمهم الخاطئة كما قاله إشَعْيا النبي "أَمَّا الأَشْرَارُ فَكَالْبَحْرِ الْمُضْطَرِبِ لأَنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْدَأَ، وَتَقْذِفُ مِيَاهُهُ حَمْأَةً وَطِينًا" (إشعيا57: 20).
مُزْبِدَةٌ بِخِزْيِهِمْ: حينما تكون الأمواج في اتجاهات متضادة تُزبِدُ المياه وتُظهِر(رِيمًا وفُقَّاعات)، هكذا المُعَلِّمون الكذبة ينقسمون على أنفسهم في اتجاهات كثيرةٍ مختلفة وعقائد متعارضة. فالبْرُوتِسْتَنْت وحدهم في العالم أكثر من مئة طائفة تختلف كلُّ واحدة عن الأخرى. ولعل هذا راجِعٌ إلى قول زعيمهم لوثر الذي قال إنَّ كُلَّ أحَدٍ يقدر أن يُفسِّر الكتاب المقدس حسب ما يرشده روح الرب، ولذلك ظهرت عشرات المذاهب المتعارضة، وكل واحد يزعم أن روح الله أرشده إلى هذا التعليم أو التفسير.
أما الكنائس التقليدية تضع حدًّا، وكل دارسٍ ومُعلِّم عليه أن يرجع إلى الأجيال الأولى، وكيف فهم آباؤنا الأولون أقوال الكتاب واستلموا معانيها من الآباء الرسل، ثم الآباء الرسوليين في أجيال المسيحية الأولى. وهكذا رأينا الكارز العظيم الذي تعب أكثر من جميعهم الذي كرز في ثلثي العالم المعروف في ذلك الوقت. أعلن أنه رجع إلى المعتَبَرين أعمدة (بطرس ويعقوب ويوحنا) يعرِضُ عليهم الإنجيل الذي كَرَزَ به؛ لئلا يكون قد سعى أو يسعى باطلًا.
نعم هذا هو النَّجم الذي لا يَتُوه؛ لأنَّه يعرف كيف يسأل ويطمئن إلى صحة تعليمه، ويحتفظ بوحدانية التعليم المستقيم، ولا يزعم أن الله أرشده إلى هذا، وغيره يزعم أن الله أرشده إلى عكس ذلك، حتى يتوه الإنسان بين هذا وذاك، كلٌ يزعم أنه الحق والله أرشده إليه.
5. "نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ" (يه13)
"الَّذِينَ قَدْ حُفِظَ لَهُمْ قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ" (2بط 2: 17)
نُجُومٌ تَائِهَةٌ: لِلنُّجوم مساراتها، تتحرك خلالها بطريقةٍ محددةٍ رسمها الله، ثابتةٍ لا تتغير، مرتبطةٍ بالقوانين الطبيعية التي وضعها الله. وتخيل أنَّ هذا النجم يُعلِن أنه "حيث روح الرب هناك حرية" فيسلك "في حرية مجد أولاد الله" فلا يخضع لمسارٍ محدد ماذا يحدث؟! تُمسِي نجومًا تائهة. نهايتها أن تفقد كَوْنَها نجوم، وتُمسي مظلمة، وتَهلِك بعد أن تكونَ قد حطمَتْ الكثيرين أمثالها. وهذا ما يحدث مع الهراطقة.
الهراطقة نُجُومٌ تَائِهَةٌ: كان نِسطور نجمًا ساطعًا، فقد كان بطريركًا للقسطنطينية. ولم يكن أريوس بسيطًا ساذجًا بل كان نجمًا دارسًا نشطًا قويًا، أراد أن يُقدِّم نظريةً سهلة في الثالوث، اعتمد فيها على الفلسفة، ورجع فيها إلى عقله، فسقط في الهرطقة وضل الطريق...
ولما أرادت الكنيسة أن تُرجِعَه وتُعَلِّمَه، أراد أن يحتفظ بنفسه مُعَلِّمًا لا تلميذًا، نجمًا عاليًا، ولم يتضع ليتعلم لا من البابا ألكسندروس ولا من القديس أثناسيوس. كان شخصًا مؤثِّرًا قاد الجماهير وأقنع الألوف بِخَطئِه حتى قِيلَ للقديس أثناسيوس العالم كله ضدك.
نعم. الهراطقة نجومٌ ساطعة في كبريائهم، صاروا نجومًا تائهة فقدت الطريق الصحيح المستقيم، ولم يقبلوا أن يُرشِدَهم أحدًا، على النقيض مما فعل مار بولس الرسول الذي التقى بالمسيح شخصيًا، وكلَّمه فمًا لِأُذُن، وقَبَلَ منه الدعوة الرسولية حتى قال "وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ... وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ... لِلْوَقْتِ لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْمًا وَدَمًا وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِي... صَعِدْتُ بِمُوجَبِ إِعْلاَنٍ وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الإِنْجِيلَ الَّذِي أَكْرِزُ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، وَلكِنْ بِالانْفِرَادِ عَلَى الْمُعْتَبَرِينَ لِئَلاَّ أَكُونَ أَسْعَى أَوْ قَدْ سَعَيْتُ بَاطِلًا"
(غلاطية1: 11، 12، 15-17؛ 2: 1-2).
نُجُومٌ تَائِهَةٌ لا نِظامَ ثابت لها. لا يعترفون بالطقس الذي يُنَظِّم حياة الكنيسة والمؤمنين، ولا عقيدة ثابتة تربِط المؤمنين كمجموعة واحدة.
"مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ":
الله قرر قَتَامَ الظَّلاَمِ إِلَى الأَبَدِ للأشرار، وفي النهاية سَيَقول لِكُلِّ إنسان عاش في الشر "خُذُوهُ وَاطْرَحُوهُ فِي الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ. هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ" (متى22:13)، في جَهَنَّم النار الأبدية، كَجَزاء أبدي لما فعلَتْه في خليقة الله. محفوظ لها النار المُعَدَّة لإبليس وجنوده إِلَى الأَبَدِ. إذن جهنم أبدية وعذابها أبدي.
نُبُوَّة أخنوخ (يه14- 15) (تك5)
"وَتَنَبَّأَ عَنْ هَؤُلاَءِ أَيْضًا أَخْنُوخُ السَّابِعُ مِنْ آدَمَ قَائِلًا" (يه14)
لم تُسَجَّلْ هذه النبوة في العهد القديم. فمن أيْن أتى بها القديس يهوذا الرسول؟ مِنَ التقليد الشفاهي المُسَلَّم للأجيال المُتَعَاقِبة، وهكذا يكون التقليد الشفاهي أحد مصادر العهد الجديد. وقد قَبَلَ الوَحْيُ الإلهي والروح القدس هذا التقليد واعتمده.
"هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ" (يه14).
هذه نبوة عن المجيء الثاني كما جاء في (متى16: 17).
هذه صورة رآها أخنوخ النبي منذ القديم كنبوة ستحدث في نهاية الأيام. فرأى المستقبل وكأنه حادِثٌ أمامه. وعجيب أن النبوة بالمجيء الثاني الذي سيحدث في نهاية الأيام عندما يكتمل الزمان، وتكتمل فرصة الإنسان المعطاة له على الأرض فتبدأ الأبدية، يتنبأ بها أخنوخ السابع من آدم (عدد الاكتمال)، الذي فيه تتحول البشرية الأرضية الزمنية إلى الأبدية، ويتم قول الكتاب "وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ" (تك5: 24) لا على أخنوخ السابع فحسب بل على البشرية كُلِّها، يتنبأ عن صعود البشرية إلى سحاب السماء والدخول في الأبدية.
وصورة المجيء الثاني التي رآها أخنوخ بعين النبوة وصفها القديس بولس الرسول قائلًا "ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ الْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعًا مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ الرَّبِّ فِي الهَوَاءِ، وَهَكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ" (1تس4: 17).
"لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ" (يه15)
وهذا معناه أن المجيء الثاني سيكون للدينونة، والدينونة ستكون للجميع الأحياء الذين سيتغيرون في لحظة في طرفة عين والراقدين منذ آدم، دينونة للأبرار والأشرار، دينونة على الجميع.
"وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمُ الَّتِي فَجَرُوا بِهَا، وَعَلَى جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الصَّعْبَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ خُطَاةٌ فُجَّارٌ" (يه15) ففي الدينونة العامة سيحكم الله بالعقاب الأبدي على كل الخطاة، عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِهم، وَعَلَى جَمِيعِ كَلِمَاتِهم؛ "لأن كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ. لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ" (متى12: 36، 37).
"هَؤُلاَءِ هُمْ مُدَمْدِمُونَ مُتَشَكُّونَ، سَالِكُونَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ، وَفَمُهُمْ يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ، يُحَابُونَ بِالْوُجُوهِ مِنْ أَجْلِ الْمَنْفَعَةِ" (يه16)
1- فُجَّارٌ (يه4)، 2- يُحَوِّلُونَ نِعْمَةَ إِلَهِنَا إِلَى الدَّعَارَةِ (يه4)،
3- وَيُنْكِرُونَ السَّيِّدَ الْوَحِيدَ اللهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ (يه4)،
4- يُنَجِّسُونَ الْجَسَدَ (يه8)، 5- يَتَهَاوَنُونَ بِالسِّيَادَةِ (يه8)،
6- يَفْتَرُونَ عَلَى ذَوِي الأَمْجَادِ(يه8)،
7- يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لاَ يَعْلَمُونَ (يه10)،
8- مَا يَفْهَمُونَهُ بِالطَّبِيعَةِ كَالْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ النَّاطِقَةِ فِي ذَلِكَ يَفْسُدُونَ(يه10)،
9-مُدَمْدِمُونَ (متذمرون)(يه16)،10-مُتَشَكُّونَ (غير مكتفين بنصيبهم)(يه16)، 11- سَالِكُونَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ (يه16)،
12- وَفَمُهُمْ يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ (يه16)،
13- يُحَابُونَ بِالْوُجُوهِ مِنْ أَجْلِ الْمَنْفَعَةِ (يه16)،
"فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ إِنَّهُ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ سَيَكُونُ قَوْمٌ"(يه18)
14- مُسْتَهْزِئُونَ(يه18)، 15- سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ فُجُورِهِمْ (يه18)،
16- مُعْتَزِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ (يه19)، 17- نَفْسَانِيُّونَ لاَ رُوحَ لَهُمْ (يه19).
هؤلاء الهراطقة يتذمرون على رُعاة الكنيسة، ويسلكون بحسب شهواتهم الشريرة، وفمهم يتكلم بعظائم قائلين في أنفسهم الَّذِينَ قَالُوا "بِأَلْسِنَتِنَا نَتَجَبَّرُ. شِفَاهُنَا مَعَنَا. مَنْ هُوَ سَيِّدٌ عَلَيْنَا؟" (مز12: 4).
فيتكلمون بكبرياء وعظمة. مع أنهم يُحابُون بالوجوه،
يتملقون العظماء من أجل الكسب المادي أو طلبًا في امتداحهم.
"وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ" (يه17، 20)
عبارة انتقالية تكررت مرتين، تفصل بين الأشرار والأبرار، بين المُستقيمين والمُضَلِّلين "وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ" (تك1: 4).
بعدما وصف الرسول الهراطقة الضالين والمُضَلِّين انتقل إلى الحديث مع الأحباء الخاضعين للإيمان السليم والحياة المقدسة، يُذَكِّرهم بالتعليم الرسولي المستقيم، اُذكروا أقوال رُسُل ربنا يسوع المسيح التي قالوها وتنبأوا عن ظهور الهراطقة وحذَّروا من تعاليمهم. رَسَمَ مار يهوذا الرسول طريقةَ الإقناع الفُضْلَى وهي: اِفرش بُسَاطًا من الحُب ثم قُلْ ما تريد"، فقال "وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ"، ثم قدَّم تعليم الآباء الرسل "فَاذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ". وهكذا يخضع الإنسان الذي تحدثه لمحبتك وتعليمك الرسولي، "فنَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا" (1يو4: 19).
"فَاذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (يه17)
"أُنْهِضُ بِالتَّذْكِرَةِ ذِهْنَكُمُ النَّقِيَّ، لِتَذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ" (2بط3: 1).
"فَاذْكُرُوا" التي قالها القديس يهوذا قالها القديس بطرس الرسول بأكثر إلحاحًا "أُنْهِضُ بِالتَّذْكِرَةِ ذِهْنَكُمُ النَّقِيَّ، لِتَذْكُرُوا"، فالإنسان دائمًا ينسى ويحتاج إلى مَن يُذَكِّره بل يُنهِضه ويُشَجِّعه ليتذكر، ونحن نعرف أن سفر التثنية (تثنية الاشتراع) هو عبارة عن الشريعة مرة ثانية؛ ليتذكر شعب الله شريعة الله التي أمره بها سواء في سفر الخروج أو اللاويين، والذِّهن النقي هو الذِّهن الذي يتذكَّر دائمًا الأمور الروحية ووصايا الله، الأمر الذي جعل داود النبي يقول"أَنْتَ أَوْصَيْتَ بِوَصَايَاكَ أَنْ تُحْفَظَ تَمَامًا... ِبفَرَائِضِكَ أَتَلَذَّذُ. لاَ أَنْسَى كَلاَمَكَ... تَذَكَّرْتُ أَحْكَامَكَ مُنْذُ الدَّهْرِ يَا رَبُّ فَتَعَزَّيْتُ" (مزمور119: 4، 16، 52).
"الأقوال التي قالها سابقًا" (يه17، 2بط3: 1):
عبارة مشتركة بين القديسين الرسولين بطرس ويهوذا، وتعني أننا ينبغي أن نرجع ونتذكر الأقوال المقدسة التي قيلت لنا سابقًا. فكلام الله سواء في العهد القديم أو الجديد لا ينبغي أن نقرأه مرة واحدة، بل نلهج فيها نهارًا وليلًا، نذكره في كل وقت، نسترجعه لنتأمل فيها. ما أروع ما قيل عن مُعَلِّمَتِنا العذراء "وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا" (لوقا2: 19). لذلك ينبغي أن نذكر "لِتَذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ، وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ" (2بط 3: 1، 2).
يوصينا الرسولان بأن نتذكر دائمًا تعليم آبائنا الرسل سواء ما قالوه شفاهةً أو في رسائلهم، محذِّرين إيانا من التعليم الخاطئ. وكأن الرسالتين تقدمان لنا أن التعليم في كنيسة المسيح في العهد الجديد ينبغي أن يُبنَى على العهدين القديم والجديد معًا. فقد قال رب المجد "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ" (متى5: 17). ولذلك علَّمنا الرسول مار بطرس "لِتَذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ" (2بط3: 1)، "وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ" (2بط1: 19)، "وَوَصِيَّتنَا نَحْنُ الرُّسُلَ"(رُسُل رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ) (يه17)، "وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ" (2بط3: 1).
ما أروع ما قدَّمَه مار بطرس الرسول أن يُوَحِّد بين وصية الآباء الرسل ووصية المسيح له المجد فقال "وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ"؛ لأنَّ الآباء الرسل لم يُعَلِّموا شيئًا من عندهم بل علَّموا ما تعلموه من الرب يسوع. نعم. تعلموا من الرب شفاهةً وتسليمًا عمليًا. تعلموا من الرب نحو ثلاث سنوات ونصف ليلًا ونهارًا. تعلموا من الرب تعليمًا كثيرًا لم يُدَوَّن في الإنجيل حتى قال أحدهم بعدما سَجَّل آخِرَ سِفْرٍ في العهد الجديد نحو سنة 100 م.، كآخر آية خُتم بها العهد الجديد (عندما يرتب زمنيًا) "وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ" (يوحنا21: 25) (الإنجيل الأخير، الإصحاح الأخير، العدد الأخير).
ولذلك قال مار بولس الرسول "لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ" (1كو11: 23)
"وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ، وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ" (2بط3: 1)
جيد أن نتعلم أن كلام الله يُنسَب لله، فنقول وصية الرب. وفى نفس الوقت يُنسَبُ لِلرُّسل القديسين فيُقال وصيتنا نحن الرسل، والحقيقة هي وصية الرب على فَمِ الرُّسل ولكن من الصحيح أن تُنسَب لهم "وَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ". ولذلك يمكن أن نقول إنجيل ربنا يسوع المسيح كما دوَّنه القديس مرقس ونقول إنجيل مرقس، نقول هيكل الرب ونقول هيكل سُليمان، نقول كنيسة الله ونقول كنيسة مار جرجس ومار مرقس. إنما في كل هذا نعني كنيسة الله على اسم القديس مار مرقس مثلًا.
"رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (يه17)
عبارة تُثْبت أن يسوع المسيح هو ربنا، فَهُوَ الله الواحد. أما عبارة "يَسُوعَ الْمَسِيحِ" تعني الإله المُتأنِّس؛ لأن يسوعَ الاسمُ الإنساني والمسيح هو اللقب الإلهي.
"فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ إِنَّهُ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ سَيَكُونُ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ فُجُورِهِمْ" (يه18)
وهذا ما قاله القديس بطرس الرسول "عَالِمِينَ هذَا أَوَّلًا أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي آخِرِ الأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ، وَقَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟ لأَنَّهُ مِنْ حِينَ رَقَدَ الآبَاءُ كُلُّ شَيْءٍ بَاق هكَذَا مِنْ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ" (2بط3: 2-4)، وقاله أيضًا القديس بولس الرسول "وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ" (1تى4: 1)، "وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ ِللهِ، لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا" (2تى3: 1-3).
"هؤُلاَءِ هُمُ الْمُعْتَزِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ" (يه19)
هؤلاء هم المُنشقُّون عن الكنيسة منفصلون من الأصل الذي هو المسيح، متمركزون حول أنفسهم وشهواتهم التي يُغَذِّيها الشيطان والعالم والجسد، "نَفْسَانِيُّونَ لاَ رُوحَ لَهُمْ" (يه19)، يعتمدون على التأثير النفسي بتأثيرات صوتية وموسيقية وعاطفية فيجعلون اجتماعاتهم ذات تأثير نفساني قوي وانفعالي.
"لاَ رُوحَ لَهُمْ" (يه19) يعتمدون أنَّ الناس لا تميز بين هذه التأثيرات النفسانية والتأثير الروحي العميق والهادئ، ولعلي أُعطي مثلًا (نار الشورية ونار القَش)، فالتعليم الروحي المستقيم يؤثر في الناس ببطء، قليلًا قليلًا والناس نيام، تأثيره كنار الفحم شكله من الخارج هادئ، فكثيرًا ما يَظُنُّ الشمَّاس المبتدئ أن الشورية مطفأة فيقال له اُنفخ فيها قليلًا تكتشف قوة حرارتها، هذا هو التعليم الأرثوذكسي. أما التأثير النفساني فنار مشتعلة عالية تراها بلدة بأكملها، ولكن تأثيرها الحقيقي ضئيل لا ترفع حرارة كوب ماء وسرعان ما تنطفئ، فهي صورة مُكبَّرة للنار دون قوتها.
"وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ
فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ
وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ اللهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ" (يه20، 21)
وَأَمَّا أَنْتُمْ: سبق شرحها في (يه17).
يد تبني ويد تحمل السلاح
"فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ" (يه20)
فَابْنُوا فالبناء الروحي الصحيح يؤسَّس على الإيمان الصحيح، قيل عنه: إِيمَانكُمُ الأَقْدَس، مُصَلِّينَ.
الحياة الروحية والصلاة والدفاع عن صحة الإيمان في نفس الوقت هذا ما رمز إليه نَحَمْيَا النبي ورجاله عندما كانوا يبنون أسوار أورشليم "بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ يَعْمَلُونَ الْعَمَلَ، وَبِالأُخْرَى يَمْسِكُونَ السِّلاَحَ. وَكَانَ الْبَانُونَ يَبْنُونَ، وَسَيْفُ كُلُّ وَاحِدٍ مَرْبُوطٌ عَلَى جَنْبِهِ" (نح4: 18،17).
العقيدة والحياة الروحية معًا كمجدافين لمركب واحدة، بأحدهما يدور المركب حول نفسه دون تقدُّم، وبالاثنين بالتساوي يسير للإمام مستقيمًا.
"فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ... وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ" خُطْوَتان متتاليتان في الجهاد، وعندما يقول الروح القدس على فم يهوذا الرسول "فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ... وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ" فهذا معناه أن للجهاد الإنساني دور في بناء الحياة الروحية، فدور الإنسان أن يبني نفسه بالجهاد الروحي مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ، ثُمَّ يحفظ نفسه في هذه الحياة الروحية بمحبة الله.
ومحبةُ الله هي الصلاة التي بها نُكلِّمه، وقراءة الكتاب المقدس فنسمع صوته، والعناية بالفقراء بها نتعامل معه إذ يقول "لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي، عَطِشْتُ... كُنْتُ غَرِيبًا" (متى25: 35)، فالأعمال الصالحة هي أعمال المحبة، وإذا جاهدنا في ممارستها سنحفظ أنفسنا في محبة الله بعيدًا عن الشر، فتأتينا النعمة، ونستمر إلى المُنتَهَى.
"عَلَى إِيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ" (يه20)
"الَّذِينَ نَالُوا مَعَنَا إِيمَانًا ثَمِينًا مُسَاوِيًا لَنَا" (2بطرس1:1):
هذا هو الإيمان المستقيم الأَقْدَس والثَمِين. الحياة الروحية الصحيحة تُبنَى على العقيدة الصحيحة، لأن العقيدة والحياة الروحية معًا مجدافين يعملان لتحريك السفينة إلى الأمام فإذا اهتممنا بأحدهما وتركنا الآخر تدور السفينة حول نفسها دون أن تتقدم خطوة واحدة، وكذلك اهتمامنا بالعقيدة أكثر من الحياة أو بالحياة الروحية أكثر من العقيدة يجعل السفينة تسير بانحراف، ولا تستقيمُ حركةُ السفينة نحو
الله إلا إذا كان اهتمامنا بالمجدافين بدرجة واحدة.
"مُصَلِّينَ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ" لأن الصلاة هي أنَّات الروح فينا "بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا" (رو26:8)، وهذا هو طلب النعمة، وبالجهاد والنعمة تُبنى الحياة الروحية الصحيحة التي هي "بناء الله".
"مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يسوع المسيح" (يه21) التي تَهِبُنا الحياة الأبدية.
يظن البعض أنهم يستحقون، ويطالبون بِحَقِّهم في الحياة الأبدية، أما الرسول فيُعلمنا أن الحياة الأبدية نَصِلُ إليها بأننا ننتظر رحمة ربنا يسوع المسيح لا استحقاقنا.
"وَارْحَمُوا الْبَعْضَ مُمَيِّزِينَ" (يه22)
"وَخَلِّصُوا الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّار" (يه23)
كانت الوصايا الثلاثة الأولى خاصة بنا "فَاذْكُرُوا... فَابْنُوا أَنْفُسَكُمْ... وَاحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ". أما بالنسبة للآخرين فلا تَقُلْ مع قايين الشرير "أَحَارِسٌ أنَا لِأخِي" (تك9:4). نعم. نحن حُرَّاسٌ لِإخوتنا لِنُنْقِذَهم ونخْتَطِفَهم مِنَ النَّار. فكما أن حياتنا الروحية احتاجت إلى جهاد ونعمة فحياة الآخرين تحتاج إلى جهادنا وطلبنا للنعمة لخدمة الآخرين.
"وَارْحَمُوا الْبَعْضَ مُمَيِّزِينَ" (يه22)
علينا أن نتعامل مع الآخرين أولًا بالرحمة ، حتى المخطِئون والمُرْتدون نُعاملهم بالحُب والشفقة. كما ينبغي أن يكون لنا الإفراز؛ فنميز بين القوي والضعيف، لِنُعامل كل أحدٍ حسب إمكاناته. فهناك من نَرْبَحُه بالرحمة، وهناك من يحتاج إلى الشدة والحزم.
"فلا تكن أسدًا وقتما ينبغي أن تكون حملًا، ولا تكن حملًا وقتما ينبغي أن تكون أسدًا ، تعلم كيف تُرَتِّبُ وداعتك وشجاعتك".
ليت آباء الاعتراف يتعلموا هذا الدرس. فهناك النفوس التي تحتاج إلى الرِّقة والحُب، قال عنهم الرسول "ارْحَمُوا الْبَعْضَ". فلا نُحَمِّلُ الناس أكثر من طاقتهم بل نكون شفوقين رُحَماء، وهناك نفوس تحتاج إلى الحزم "فالرَّخَاوَةُ لاَ تَمْسِكُ صَيْدًا" (أمثال27:12)، لذلك قال الرسول مُمَيِّزِينَ. وأب الاعتراف والخادم عليه أن يُميّز بين أنواع الناس وطبائعهم وطريقة رِبْحهم وقيادتهم إلى الفضيلة.
"وَارْحَمُوا.... وَخَلِّصُوا الْبَعْضَ بِالْخَوْفِ" (يه22، 23):
هذا هو التمييز بين "البعض... والبعض". البعض يحتاج إلى رحمة، والبعض الآخر يحتاج إلى الخوف والإنذار، ونحن نميز بين هؤلاء وأولئك لِنَصِلَ إلى خلاص النفس البشرية. من يحتاج إلى الخوف لأن "بَدْء الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ" (أمثال9: 10)، و"رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ الرَّبِّ" (مزمور111: 10). لازلنا نحتاج إلى المِنبر الذي يهُزُّ أعماق الناس فيحُثَّهم على التوبة، ويهابون الدينونة ويشمئزون من الخطية.
نحتاج إلى روح يعقوب أب الآباء الذي صارع الله وغلب ومع هذا قال "مَا أَرْهَبَ هذَا الْمَكَانَ مَا هذَا إِلاَّ بَيْتُ اللهِ، وَهذَا بَابُ السَّمَاءِ" (تك28: 17)، فنقول مع داود النبي "أَمَّا أَنَا فَبِكَثْرَةِ رَحْمَتِكَ أَدْخُلُ بَيْتَكَ. أَسْجُدُ فِي هَيْكَلِ قُدْسِكَ بِخَوْفِكَ" (مزمور5: 7). نحتاج إلى روح يوحنا الحبيب "الَّذِي اتَّكَأَ عَلَى صَدْرِهِ" (يو21: 20) فهو "التِّلْمِيذُ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ" (يو21: 7)، والذي صعد إلى السماء ورأى الجالس على العرش الكِرُوبيمي، ولكنه يقول "سَقَطْتُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ كَمَيِّتٍ" (رؤيا1: 17). نحتاج أن نسمع صوت "لاَ تَسْتَكْبِرْ بَلْ خَفْ" (رو20:11).
عجيب أننا نحفظ عبارة "لاَ خَوْفَ فِي الْمَحَبَّةِ، بَلِ الْمَحَبَّةُ الْكَامِلَةُ تَطْرَحُ الْخَوْفَ إِلَى خَارِجٍ" (1يوحنا4: 18)، وكأننا جميعًا وصلنا إلى محبة الله الكاملة، دون أن نسمع صوت الرب يقول لنا "إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي" (يو14: 23)، "اَلَّذِي لاَ يُحِبُّنِي لاَ يَحْفَظُ كلاَمِي" (يو14: 24).
"مُخْتَطِفِينَ مِنَ النَّار" (يه23):
حينما نقود الأشرار إلى التوبة نختطفهم من نيران شهواتهم.
وحينما نقود الهراطقة إلى الإيمان المستقيم نختطفهم من نار جهنم. وحينما نقود المساكين المندفعين وراء الأشرار في سلوكهم الشرير، والمندفعين وراء الهراطقة دون أن يدركوا خطورة انحرافهم إلى إيمان خاطئ بجهل، ونُرجِعهم إلى حِضْن الكنيسة المقدسة نختطفهم من نار غضب الله.
لكن الخدام الذين يختطفون الساقطين من نيران شهواتهم يحتاجون إلى حكمة ونعمة لئلا يشتعلوا هم بهذه النار.
"مُبْغِضِينَ حَتَّى الثَّوْبَ الْمُدَنَّسَ مِنَ الْجَسَد" (يه23)
الأمر الوحيد الذي يبغضه الله، ويجِب أن نبغضه نحن هو الشر، نُبغض الشر، وشِبه الشر، وطريق الشر، والثوب المدنس من الشر.
في (لاويين13: 52) "فَيُحْرِقُ الثَّوْبَ... الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الضَّرْبَةُ لأَنَّهَا بَرَصٌ مُفْسِدٌ. بِالنَّارِ يُحْرَقُ".
"وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ،
وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ،
الإِلهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا،
لَهُ الْمَجْدُ وَالْعَظَمَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسُّلْطَانُ، الآنَ وَإِلَى كُلِّ الدُّهُورِ. آمِينَ."
(يهوذا24، 25)
يختم مار يهوذا- واسْمُه يعني التسبيح- رسالته بتسبيح الله وتمجيده بِسَبْعِ صفات.
1 2 3 4 5 6 7
القادر، الإله الحكيم ، الوحيد مخلصنا ، له المجد ، والعظمة والقدرة ، والسلطان
هذه مجموعتان من صفات الله، مجموعة ثُلاثِيَّة تُمثِّل الثالوث القدوس
1. الآب الْقَادِرُ على كل شيء ضابط الكل. قادرٌ أن يحفظنا ويحمينا من الأشرار، وقادر أن يوقفنا أمامه بلا عيب في يوم الدينونة.
2. الإِلهُ الْحَكِيمُ روح الحكمة الروح القدس الذي يعطي كل أحد وزناته بحكمة.
3. الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا أو الابن الوحيد وحينما يقال "الإِلهُ الْحَكِيمُ الْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا" فهو إثبات للاهوت المسيح. فالتعبير مخلصنا يعني يسوع، وعندما يوصف المسيح مخلصنا أنه الإله الحكيم الوحيد يكون هذا إثبات صريح بأن الرب يسوع هو الله الواحد.
ومجموعة رباعية تمثل كمال المكان من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب.
فالمسيح هو الإله الوحيد في كل مكان وزمان،
في كل مكان من الوصف الرباعي
" له الْمَجْدُ، وَالْعَظَمَةُ، وَالْقُدْرَةُ، وَالسُّلْطَانُ"،
وفي كل زمان من عبارة "الآنَ وَإِلَى كُلِّ الدُّهُورِ. آمِينَ."
"وَالْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ" (يهوذا24)
من الجهة الإيجابية، الله يعمل فينا بنعمته فيحفظنا من العثرات، فكثيرًا ما يبدأ الإنسان حياة التوبة بل يبدأ في نُموه الروحي، ولكنه لا يستمر، نحتاج إلى نعمة الله القادر، لتحفظنا إلى النهاية، إلى أن يوقفنا أمام عرش مجده في يوم الدينونة، "وَلَكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهَذَا يَخْلُصُ" (مت10: 22، 24: 13، مر13: 13).
فكثيرون بدأوا بالروح وأكملوا بالجسد (غل3: 3)، فديماس بدأ طريق الروح وفرح به مار بولس الرسول ثم قال في حزن "دِيمَاسَ قَدْ تَرَكَنِي إِذْ أَحَبَّ الْعَالَمَ الْحَاضِرَ" (2تي4: 10)، وهناك من كان يذكرهم مار بولس بفرح ثم الآن بحزن "لأَنَّ كَثِيرِينَ يَسِيرُونَ مِمَّنْ كُنْتُ أَذْكُرُهُمْ لَكُمْ مِرَارًا، وَالآنَ أَذْكُرُهُمْ أَيْضًا بَاكِيًا، وَهُمْ أَعْدَاءُ صَلِيبِ الْمَسِيحِ" (فيلبي3: 18).
"يَحْفَظكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ": نعم قال رب المجد "وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ" (مت18: 7).
"وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي الابْتِهَاجِ": فإذا استمر الإنسان في جهاده تحفظه النعمةُ الإلهية حتى يقف أمام عرش مجده في الدينونة، فَلَهُ كل الحق أن يحيا فِي الابْتِهَاجِ بل في السعادة اللانهائية.
_____
[1] "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللَّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2بط1: 21).
[2] عبادة الأوثان هي زِنَى روحي، والزِنَى المِثلي هو التصاق بجسد آخر.
← تفاسير أصحاحات يهوذا: مقدمة | 1
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
الفهرس |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص يوحنا فايز زخاري |
مقدمة رسالة يهوذا |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/bible/commentary/ar/nt/fr-youhanna-fayez/jude/chapter-01.html
تقصير الرابط:
tak.la/h9wk3v6