St-Takla.org  >   articles  >   fr-botros-elbaramosy  >   a
 

مكتبة المقالات المسيحية | مقالات قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات الراهب القمص بطرس البراموسي - تاريخ المقال:

 129- الأنبا شنودة رئيس المتوحدين بين البرية والمجتمع

 

محتويات: (إظهار/إخفاء)

الأنبا شنوده وثقافة عصره
اهتمام الأنبا شنوده بقضايا مجتمعه
اهتمام الأنبا شنوده بالراهبات ودورهن في الخدمة
طريقة إدارة الأنبا شنوده لأديرته
الكتاب المقدس والحياة الديرية
التعاليم اللاهوتية عن ”النعمة” في كتابات الأنبا شنوده

الأنبا شنوده وثقافة عصره:

لقد كان الأنبا شنوده من بين هؤلاء النساك الذين سعوا إلى تأصيل المفاهيم الروحية العميقة في نفوس رهبانه، لم يكن الأنبا شنوده فقط ناسكًا مدققًا ومجاهدًا روحيًا عظيمًا، ومعلمًا واعيًا وراعيًا أمينًا لأبنائه، بل كان أيضًا الأب الواعى بقضايا كنيسته وقضايا وطنه.

فلقد تثقف بثقافة عصره بطريقة عميقة، وكان قارئًا مدققًا للفلسفة بما له من دراية كاملة باللغة اليونانية وقواعدها وأصولها، كما سنرى لاحقًا، مما مكنه من قراءة كثير من كتب الفلاسفة والشعراء اليونانيين، ونقد منها ما إستحق النقد وأثنى على ما إستحق الثناء. فنجده يرفض نظرية أفلاطون عن النفس حيث يقول أفلاطون إن النفس سقطت وعندما سقطت حُبست في الجسد، وصاغ رفضه في النقاط التالية:

1- أين أخطأت النفوس قبل أن تُحبس في الجسد؟

2- من أي جزء دخلت النفوس إلى الأجساد؟

3- هل الأجساد وجدت بدون نفوس والنفوس بدون أجساد؟

4- هل من المقبول والمعقول أن تخطأ الأجساد بدون نفوس والنفوس بدون أجساد؟

5- الإنسان الكامل هل هو نفس بلا خطية؟

6- كيف يمكن أن تخطئ النفوس قبل أن تأتى داخل الجسد؟

7- كيف يمكن للنفوس أن تتجنب الخطية قبل أن تدخل في الجسد؟

8- لو أن الإنسان من وقت ميلاده وحتى وفاته هو خاطئ (بسبب أن نفسه حُبست في الجسد)، فكيف يحدث أن البعض هم أشرار والبعض أبرار؟

9- لو أن النفوس أخطأت في مكان ما، كيف يمكن أن تصير نقية في العالم المملوء بالشرور؟

ولهذا فقد استطاع برؤيته اللاهوتية المتميزة أن يستخدم بعضًا من الفكر الفلسفى لكي يكشف عمق الحقيقة. فنجده في وصفه للنفس -بالرأى والمعرفة- يقترب من الرؤية الأفلاطونية في وصف النفس بذات التعبير -الرأى والمعرفة- وهو في هذا لم يبتعد عن خط آباء الكنيسة في وصف النفس.

 

لكن يُعتبر الأنبا شنوده هو الوحيد من آباء الكنيسة الذي أضاف إلى وصف النفس بالمعرفة تعبير "الرأى".

كان الأنبا شنوده علي دراية كاملة بكل قواعد اللغة اليونانيه ومع كل هذه المعرفة للغة اليونانية ودرايته الكاملة بها فقد رفض استخدامها في أديرته وتبنى استخدام اللغة القبطية كلغة حديث ولغة كتابة، وكان لهذا الأمر بُعد قومى أيضًا لأن اللغة تمثل أسلوب تواصل بين الناس. إذ أن رفض استخدام اللغة الأوسع انتشارًا في هذا العصر كان يعنى وبشكل مباشر رفض التواصل مع العنصر الأجنبى المحتل لوطنه والذي مارس كثيرًا من المظالم ضد أبناء هذا الوطن. فنشاطه الاجتماعي كان له بُعد قومى. وتوجهه القومى كان له نتائج اجتماعية متعددة.

 

لقد ساهم الأنبا شنوده إذكاء روح جديدة في الحياة الرهبانية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. إذ رأى أن الدير له دور اجتماعي هام ولهذا عمل على إزدياد نشاط الدير الاجتماعي والروحي من أجل خدمة المظلومين والفقراء والمحرومين ومقاومة الهرطقات والوثنية.

ولهذا فقد ارتفع عدد رهبان الدير إلى 2200 راهبًا و1800 راهبة. وبطبيعة الحال كل هذا تطلب جهدًا طويلًا على المستوى الروحي والاجتماعي والقومى.

لقد كان الأنبا شنوده رئيس المتوحدين نموذجًا لكاهن الله المتنوع المواهب - أب روحي مختبر يقود بحكمة روحية جموع المؤمنين وراعٍ يقدم خدماته للمجتمع الذي ينتمى إليه. وفي هذا الأمر يقول البروفيسور ديمترى تسامس [ إن كاهن الله هو الراعى الذي يقود النفوس نحو الله، ولكي ينجح في عمله الصعب يجب أن يمتلك بالإضافة إلى إيمانه العميق ودعوته من الله جوانب أخرى؛ أن يكون له علاقة شخصية مع المؤمنين ليساعدهم في حل مشاكلهم. ولهذا يجب أن يكون هو أيضًا -على قدر الإمكان- شخصًا يعرف كيف يتعامل مع الآخرين، وأن يقدم لهم تعليمًا مناسبًا ومفيدًا].

لم يكن اهتمام الأنبا شنوده منصبًا فقط على الاهتمامات الروحية لأبنائه داخل الأديرة وخارجها، بل إنه إهتم أيضًا بقضايا وطنه وكذلك بقضايا كنيسته العقائدية، وكانت له كتابات لاهوتية عميقة ساهم بها مع آباء كنيستنا العظام في مواجهة الهرطقات التي هددت حياة الكنيسة وسلام المؤمنين، مثل:

1- أزلية الله الكلمة.

2- سر تأنس كلمة الله من العذراء.

3- دقة مصطلح والدة الإله (ضد نسطور).

4- حقيقة تحول الخبز والخمر (ضد الأوريجانيين).

 

St-Takla.org Image: Saint Shenouda the Archimandrite (details). صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين (تفاصيل).

St-Takla.org Image: Saint Shenouda the Archimandrite (details).

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين (تفاصيل).

ولقد إعتمد في كتابة موضوعاته هذه على نصوص الكتاب المقدس مفسرًا إياها تفسيرًا صحيحًا، وأيضًا على كتابات آباء الكنيسة وخاصة كتابات القديس أثناسيوس والقديس كيرلس الكبير.

ويقول LEFORT أن هذه الموضوعات كشفت عن جانب هام للأنبا شنوده كمفسر دقيق للكتاب المقدس من خلال اختياره للنصوص بعناية شديدة وبشكل أساسى من خلال الربط الدقيق بين مقدمة إنجيل يوحنا والإصحاحات الأولى من سفر التكوين. وفي هذا يكون سابقًا للشراح المعاصرين الذين يرون في مقدمة إنجيل يوحنا شرحًا لهذا الجزء من سفر التكوين

 

ويؤكد LEFORT أن هذه الكتابات تُكذّب تلك المقولة التي تَدّعى أن الأنبا شنوده -في اهتمامه بالحياة العملية والاجتماعية- لم يهتم بالتفاصيل اللاهوتية التي تخص الموضوعات الخريستولوجية.

 

وبسبب العلاقات الوثيقة بين الأنبا شنوده والقديس كيرلس الكبير، فقد إستعان ببعض ردود القديس كيرلس على نسطور، وهذا واضح من استخدامه لنفس المصادر التي إستخدمها القديس كيرلس فيما يتعلق بموضوع أزلية الإبن.

ولقد احتل اهتمامه بإستقامة الإيمان ونقاوة العقيدة، مكانة أساسية في عظاته، وكان يؤكد بإستمرار على أن هؤلاء الذين يفكرون بأسلوب غير مستقيم، هم أشر من أولئك الذين يجهلون الله.

تُظهر كتاباته أيضًا اهتمامه الكبير بمشاكل المجتمع، حيث ارتبط جهاده في الدفاع عن حقوق الفقراء بشكل مباشر بجهاده ضد الوثنيين، لأنه في ذلك الوقت كانت الطبقات اليونانية والرومانية الغنية في مصر هي السند القوى للديانات القديمة.

وبسبب ممارسات القهر والعنف من قِبل الحكام الأجانب فقد رفض الأنبا شنوده إستقبال غير المصريين في أديرته وهو الأمر الذي يشرح غياب المعلومات الخاصة بالمراكز الرهبانية للقديس أنبا شنوده من المصادر اليونانية، ولذلك ظلت أعماله مجهولة لفترة طويلة في العالمين اليونانى والرومانى.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اهتمام الأنبا شنوده بقضايا مجتمعه:

خلال القرنين الرابع والخامس تزايد التواجد العسكرى للإمبراطورية الرومانية في منطقة جنوب مصر، ولذا انحصر الإنتاج الزراعي وزادت الضرائب، مما أدى إلى زيادة الأعباء على جموع المواطنين الفقراء. هذا الوضع، مع إنتشار العبادات الوثنية وظهور الهرطقات كان سببًا في إثارة حالة من القلق والتشكيك بين المؤمنين. في هذا المناخ كانت أديرة الأنبا شنوده تمثل الرجاء لتغيير اجتماعي، وهذا التغيير كان تغييرًا نوعيًا للمجتمع كله، إذ كان من ثمار خدمة الرهبان الروحية للمجتمع بكل طبقاته. هذا البعد الاجتماعي للرهبنة، خلق آمالًا جديدة لحياة أفضل ليس فقط في الدهر الآتى ولكن أيضًا في الحياة الحاضرة.

 

فمن البداية وبسبب عوامل أثرت في بنية المجتمع مثل الإضطهادات والهرطقات والعبادات الوثنية وفرض الضرائب وازدياد حالة الفقر، أدرك الأنبا شنوده ضرورة خروج الرهبنة إلى المجتمع لتشاركه مشكلاته وتساهم في تقديم حلول لها. لأن الديانات القديمة حتى ذلك الحين إما أنها كانت تبرر عدم المساواة، إما أنها كانت لا تبالى بعدم المساواة. لذلك كانت نشاطات وخدمات أديرة الأنبا شنوده هامة جدًا، حيث لم تكن مشاكل المجتمع فقط سببًا في إضعاف المناخ الروحي والأخلاقى للمجتمع بل أيضًا وضعت حياة الناس أنفسهم في خطر. لهذا فإن القديس الأنبا شنوده أعطى للدير بُعدًا آخر تجاوز ما وضعه من نظم تهدف لتتميم القوانين الروحية الخاصة بالرهبان.

فلقد أحس بالدور الاجتماعي للأديرة وإهتم برعاية الفقراء والمحرومين والأيتام ورأى في الدير ملجأ لكل هؤلاء.

وكتب عنه R. Walls [ الراهب يعيش بمفرده ولكنه ليس وحده، بل يسعى نحو جميع المتألمين والخطاة واليائسين، كما يسعى نحو المبتهجين ونحو الإنسانية التي تهمس بصلواته السرية]

ويخبرنا تاريخ الرهبنة المصرية أن آباء البرية لم يهملوا قط رعاية الفقراء والاهتمام بهم وكانوا بإستمرار يرسلون قمح وملابس لفقراء الأسكندرية، فقد [ كان أمرًا نادرًا أن نرى فقير يعيش بجوار الأديرة] وهذا يعكس المستوى الروحي والإنسانى، ويظهر الدور الذي لعبته الرهبنة في هذا المجال.

ويؤكد المؤرخون على أن مؤسسات الخدمة الإنسانية للعالم المسيحي كانت لفترات طويلة موجودة داخل الأديرة. لقد كانت خدمة المجتمع عند الأنبا شنوده تنبع من إيمانه العميق ورغبته الأكيدة لتتميم الوصية الإنجيلية نحو محبة القريب.

لقد أشار Tim Vivian إلى أن [ الحياة الروحية للرهبنة أدركت أن التأمل والعمل هو ثوب واحد ينسجه الراهب من حياته الخاصة]

إن الهدوء الروحي لم يكن حلًا بديلًا عن العمل والخدمة، لكنه كان أفضل سند للخدمة والعمل، بمعنى خدمة الآخرين وتغطية إحتياجاتهم. وهكذا إستطاع الدير الأبيض أن يحقق هذا الحضور المتوازن بين الحياة الروحية والحياة الاجتماعية. فتح أبوابه لإطعام الشعب وتسديد إحتياجاته، وكانت لديه الإمكانية لرعاية 20 ألف شخص، وصار ملجأً لكل المظلومين والضعفاء وللذين هم بلا مورد.

من هذا الدور الاجتماعي لأديرة الأنبا شنوده نستطيع نستنتج أن القديس الأنبا شنوده سعى نحو حضور اجتماعي فعّال ومنتج، حتى يستطيع مواجهة التأثيرات اليونانية والرومانية على سكان المنطقة، وأيضًا مواجهة المشكلات التي خلقها النظام الإدارى الرومانى بسبب سياسة التمييز العنصرى بين طبقات الشعب. وفي نفس الوقت فقد مارس نشاطه الروحي لتأمين الشعب من خطر التعاليم المُضلة، حيث إن هذه المنطقة كانت مركزًا للعبادات الوثنية القديمة، وكانت المعابد الوثنية منتشرة في كل مكان، وممارسة هذه العبادة كانت علانية مما كان له تأثير على الإنسان المسيحي غير الحَذِر والبسيط في إيمانه مما جعل حياته الروحية في خطر. وبسبب عدم النضج اللاهوتي لدى الشعب وجد آباء الأديرة لزامًا عليهم تكثيف الخدمة الروحية لحماية المؤمنين البسطاء من هذه الأخطار.

هكذا تنوع النشاط الروحي للأنبا شنوده فإهتم بأمور الكنيسة وأمور الرهبان والراهبات، وكتب رسائل روحية، منها رسالة للبابا تيموثاوس ورسالة للإمبراطور ثيؤدوسيوس والبعض الآخر لعلمانيين والبعض لإكليروس.

مجموعة كبيرة من عظاته كانت ضد الوثنيين، عظات أخرى كانت في مجال العقيدة والإيمان والأخلاق. اهتم أن ينقى اللغة القبطية والأدب الدينى من التأثيرات اليونانية. ونمت اللغة القبطية والأدب القبطى في عصره، ورغم هذا فإننا لا نستطيع أن نتحدث بنفس القدر عن نمو الشعور القومى ولكن نستطيع أن نؤكد على بداية استعلان الضمير القومى. ولهذا فإن الأنبا شنوده لم يكن فقط الأب الروحي الساهر على رعاية أبنائه ولكنه أيضًا كان وطنيًا صميمًا، هاجم كل أشكال الظلم التي كانت تقع على أبناء وطنه.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

اهتمام الأنبا شنوده بالراهبات ودورهن في الخدمة:

وبقدر اهتمامه بأديرة الرهبان فقد إهتم أيضًا بأديرة الراهبات وخدمتهن الروحية والاجتماعية. إن إحساس الراهبات بأن الحياة الرهبانية تتطلب تكريسًا كاملًا لله، قاد كثيرات منهن نحو هذه الحياة الصعبة. وبحثهن عن الكمال الروحي والرغبة في النُسك لم يقف عند حدود القرى لكن تمامًا -مثلما فعل الرهبان- ذهبوا إلى عمق الصحراء دون خوف من قسوة الطبيعة أو هجمات للإنسان أو للشيطان.

ومن المبادئ الأساسية عند القديس الأنبا شنوده مبدأ المساواة بين الرجال والنساء وهذا واضح من أن كثير من الأمور الخاصة بالجماعات الرهبانية النسائية لم تختلف عن تلك الخاصة بأديرة الرهبان. ولذلك كانت القوانين المُطبقة في أديرة الرجال هي ذاتها المُطبقة في أديرة النساء، وكانت فترة الإختبار واحدة للرجال والنساء. وعندما تكتمل فترة الإختبار كان يجب على طالبى الرهبنة أن يتمموا مطلبين آخرين لكي يصيروا بشكل رسمى مقبولين بالدير:

1- هجرة ثرواتهم وتقديم نذر الطاعة أمام المائدة المقدسة معلنين بهذا الخضوع للقوانين التي وضعها الأنبا شنوده لكل الأديرة التي تحت قيادته ورعايته.

2- أن يحفظوا أجسادهم عفيفة وأن يتجنبوا السرقات والكذب.

وقد أعطى الأنبا شنوده دورًا أساسيًا لرئيسة الدير في توجيه أمور الدير، وكان يطلب منها أن تزور -بشكل منتظم- التجمعات الرهبانية النسائية لتعرف احتياجاتها، كما كانت منوطة أيضًا بحفظ النظام في هذه التجمعات بالاشتراك مع الأب المعيّن من قِبل الأنبا شنوده لرعاية هذه التجمعات الرهبانية روحيًا. وأكد مرارًا في عظاته على مساواة الرجل والمرأة فيما يتعلق بخلاص النفس والتمتع بخيرات ملكوت الله. وأيضًا أن وراثة الملكوت ليس إمتيازًا فقط، ولكنه ثمار جهاد روحي طويل يستطيع الجميع أن يخرجوا منه منتصرين رجالًا ونساءً وأولادًا.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

طريقة إدارة الأنبا شنوده لأديرته:

بعض الباحثين قد أشاروا إلى أن الأنبا شنوده كان يتسم بالشدة في معاملة رهبانه وراهباته وأن قوانينه كانت تشبه قوانين العقوبات. وفي الواقع هذا الرأى ينافى الحقيقة، لأنه كان مُحبًا للجميع وراعيًا أمينًا لكل أبنائه، وكان يسعى بإستمرار لتسديد إحتياجات الكل، وفي نفس الوقت كان يتسم بالجدية - لأنه كان يريد أن يحفظ النظام في أديرته التي كانت تضم هذا العدد الكبير من الرهبان والراهبات (2200 راهب و1800 راهبة)، هذا الكم يتطلب رعاية خاصة ونظام خاص من أجل قيادة روحية أفضل، وأن يُؤّمن معاملة متساوية تجاه الجميع، رهبانًا وراهبات.

وجدير بالذكر أن كثير من آباء الكنيسة وآباء الرهبنة وضعوا قوانين شديدة، لا بهدف عقاب الجسد ولكن لخلاص النفس.

وهكذا نجد القانون رقم 18 من قوانين القديس باسيليوس يشير إلى أنه [ يعاقب أي نقض لنذر العذراوية من قِبل أي راهبة، وذلك لأنها تعتبر إناء قد كُرّس للرب ].

والقانون رقم 19 يؤكد على أنه [ يُفضل أخذ الوعد واضحًا من هؤلاء الذين ينذرون حياتهم لله، فلو أنهم عادوا للاهتمامات الجسدية وحياة الشهوة يوقع عليهم عقوبة الزنا]

هكذا أيضًا وضع الأنبا شنوده قوانينه لتنظيم الحياة الرهبانية وتأمين مسيرتها من أي إنحراف، ومن أجل قيادة روحية منضبطة وصحيحة. ولهذا كان شديدًا فيما يتعلق بالخطايا الروحية مثل عدم الطاعة والكذب والمجد الباطل أكثر من تشدّده فيما يخص الخطايا الجسدية.

ولقد أكَّد الأب أفلوجيوس على هذا البعد قائلًا [ إن لم تُنقوا أولًا داخلكم لن تستطيعوا أن تقتربوا من نعمة الله]

وهناك إشارة لمثل هذه المخالفات وهي عدم الطاعة من قبل رئيسة إحدى التجمعات الرهبانية وتدعى الأم تاخوم والتي تجاهلت وجود الأب الشيخ الذي كان يقيم هناك لرعاية شئون الراهبات وإحتياجاتهم وقيادتهم الروحية وممارسة الأسرار. وقد أرسل لها الأنبا شنوده الرسالة رقم 7 والتي قال فيها: [عندما لا تُظهر الايغومانى (الأم الرئيسة) طاعة للأب الشيخ المنوط به أعمال كثيرة هناك ستوجد راهبات ليس لديهن نية الخضوع والطاعة لكِ].

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

الكتاب المقدس والحياة الديرية:

كان للكتاب المقدس مكانة أساسية في الحياة الروحية لرهبنة الأنبا شنوده تمامًا مثل بقية الأنظمة الرهبانية، لأن قوانين الرهبنة كانت تُلزم كل من يريد أن يدخل الحياة الرهبانية أن يعرف القراءة وإن لم يعرفها كان عليه أن يتعلمها.

فأهم ما يميز الحياة الرهبانية في أديرة الأنبا شنوده رئيس المتوحدين، هو تلك المكانة الخاصة جدًا التي كان يحتلها الكتاب المقدس في حياة الرهبان. وكان الأنبا شنوده في تعاليمه الروحية واللاهوتية يؤكد على الأهمية القصوى للكتاب المقدس في الحياة اليومية، فقد شكّل الكتاب المقدس بالنسبة له المصدر الرئيسي الذي إستقى منه هذه التعاليم. ويتضح هذا من خلال الغنى الكتابي الذي كان يتمتع به، إذ كان يحتفظ برصيد وافر جدًا من نصوص العهدين القديم والجديد، الأمر الذي مكّنه بأن يتجول بإنسيابية بين هذه النصوص، ويستدعى منها ما يُعينه على تقديم التعاليم الروحية النقية لمنفعة الجميع. هكذا كان حريص كل الحرص على أن يحث رهبانه على الاهتمام بقراءة الكتاب المقدس، وترجمة كلماته إلى واقع.

وكان على الراهب أن يحفظ ويردد أجزاء مختلفة من الكتاب المقدس، وكان على الراهب الجديد أن يحفظ 20 مزمورًا ورسالتين من العهد الجديد.

وقد أكد D. Burton على أن [ القداسة في البرية قد اُختبرت من خلال الأسلوب الذي به يسمح الراهب لنفسه أن تؤثر فيه كلمات الكتاب المقدس بعمق ].

إن اهتمام آباء البرية بأهمية ومكانة الكتاب المقدس في الحياة اليومية للرهبان والتأثير الذي يمكن أن يمارسه النص المكتوب على حياتهم الروحية، قاد إلى ظهور ما يسمى "مختصرات الكتاب المقدس" التي كانت تحوى أجزاء مختلفة من الكتاب المقدس. وهذه المختصرات قد ساهمت بشكل فعال في دراسة وفهم الكتاب المقدس.وبسبب صغر حجمها (15×11سم، 7×5سم) كان لها إنتشار واسع بين الرهبان، وكان يسهل حملها معهم سواء في الكنيسة أو القلاية أو في العمل.

لقد كان الكتاب المقدس بالنسبة للأنبا شنوده هو المصدر الدائم الذي إستقى منه تعاليمه. ولقد أشار *.*. Crum إلى أن [ الدارسون للعهد الجديد سيجدون في إشارات الأنبا شنوده التي لا تنتهى من العهد الجديد، شهادة لا تقدر بثمن والتي لا زالت خارج نطاق البحث..]

واستخدام الأنبا شنوده للكتاب المقدس وطرق تفسيره، يرجع إلى تفضيله نمطًا للتعليم له علاقة مباشرة بالحياة اليومية للإنسان داخل أو خارج الدير.

وهكذا إستطاع الأنبا شنوده أن يحقق التوازن بين العمل الروحي وتتميم القوانين الرهبانية، وبين العمل الاجتماعي والاهتمام بقضايا الوطن.

لقد كانت لحياة آباء البرية صدى لتعاليم المسيحية الحقيقية التي تحمل روح الرغبة في التغيير من أجل حياة أفضل، والبرية كانت ساحة لهذا الروح الذي لم يخبو نوره حتى الآن. إن الحاجة ماسة لهذه القلوب الطيبة الوديعة والثائرة على الظلم والقهر الاجتماعي ومصادرة حق الإنسان في الحياة. هذه الخبرات هي أفضل ما يُقدم اليوم على موائد الأحداث الأسرية والاجتماعية والعملية والعلمية. هي الرائحة الطيبة والنغم المريح لكل الناس.

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

التعاليم اللاهوتية عن ”النعمة” في كتابات القديس الأنبا شنوده:

يشدّد القديس الأنبا شنوده على أهمية عمل النعمة المحيي، فيؤكد على أن نعمة الروح القدس تمثل قناة إتصال بين الخالق والمخلوق، وتمنح المؤمنين إمكانية أن يكتسبوا قوةً مُجددةً لنفوسهم. وهذا يرجع إلى أن نعمة الروح القدس لا تعمل فقط على الإرتقاء الأخلاقى للإنسان لكنها تعمل على تغييره تغييرًا جذريًا. وهذا بالطبع يتطلب مشاركة من الإنسان وإستجابة للدعوة الإلهية. ولهذا يقول: [إن نعمة الروح القدس لا تثمر في الإنسان، ما لم يكن مستعدًا لحفظ الوصايا الإلهية بكل نقاوة وطهارة]. فنعمة الروح القدس هي تلك النسمة الإلهية المُحيية التي عملت ولا تزال تعمل في الكنيسة، فهي التي تهب القوة والحرية، وتجعل الحضور الإلهي في الخليقة أمرًا محسوسًا. وهذا كله يعلن عن الدور والفاعلية والقوة والتأثير الذي مارسته ولا زالت تمارسه النعمة الإلهية في حياة البشر. ومن أجل هذا يشدّد القديس الأنبا شنوده على أهمية قيادة نعمة الروح القدس لكل ما يقوم به البشر من أعمال، إذ يقول: [ لنعمل كل عمل صالح ونعمة الروح القدس ستقودنا في كل أعمالنا طوال أيام حياتنا، سواء كانت هذه الأعمال كبيرة أم صغيرة]. هذه الرؤية اللاهوتية بشأن نعمة الروح القدس وأهميتها في حياة المؤمنين نجدها سائدة في كتابات القديس الأنبا شنوده. وهذا المسار الذي إتبعه في تعليمه اللاهوتي بخصوص عمل النعمة يبيّن التزامه بالتقليد والتعاليم الآبائية التي ركّزت على هذا الموضوع. فعلى سبيل المثال يقول القديس يوحنا ذهبى الفم: إن [ نعمة الروح القدس هي نبع للحياة لا ينضب] وأيضًا يقول القديس أثناسيوس: [إنه يُدعى الروح المحيى وروح الحياة في المسيح لأنه منه تنال المخلوقات الحياة].

والأنبا شنوده يصف نعمة الروح القدس كهبات يمنحها الله للبشر من أجل خلاص نفوسهم. في هذا الإطار يقول القديس غريغوريوس النيسّى تعليقًا على الآية: "وأنا أعطيتهم المجد الذي اعطيتنى" (يو12:17) قائلًا: [ أنا أعتقد أن الحديث عن المجد هنا هو حديث عن الروح القدس الذي أعطاه المسيح للتلاميذ حين نفخ في وجوههم. لأنه بكل تأكيد من غير الممكن أن تحدث وحدة فيما بين أولئك الذين تفرقوا، إن لم يتحدوا بواسطة الروح القدس]. هذا هو عمل النعمة الذي يجمّع ويوّحد حتى وإن تفرق المؤمنون. ولذلك -حرصًا منه على الحفاظ والتمسك بهذه النعمة الغنية- يطلب الأنبا شنوده من شعبه الثمر اللائق بعطية النعمة قائلًا: [لنصنع الثمار التي تليق بالنعمة التي منحنا الله إياها] وفي نفس الخط الروحي يحث المؤمنين على الإبتعاد عن الخطية، لأن الحفاظ على نعمة الروح القدس، يتطلب النقاوة الداخلية، فيقول: [ إن نعمة الصلاح هي في أن يحفظ الإنسان جسده طاهرًا، وإلاّ يكون غير مستحق للنعمة الإلهية].

ثم يضيف قائلًا: [ كل من هو أمين في حفظ وصايا الله، يُظهر نقاوة تتفق مع فعل النعمة الإلهية في النفس].

ولعل معرفة الأنبا شنوده بالنتائج المدمرة للخطية، وتفهمه الكبير لطبيعة المنطقة التي كانت توجد به أديرته، وإدراكه الكامل لأهمية عمل النعمة الإلهية من أجل خلاص النفس، هو ما جعله يشدّد الحرب ضد الخطية، وينبه إلى نتائجها المدّمرة. ولذلك يقول: [ إن الذي يجعل مكانة في نفسه للروح النجس بعد النعمة، بعد الإسم الحسن، بعد الثوب الذي لبسه، يقع بين أيدى أشرار عديدين]. ويقول أيضًا: [نحن المغمورين دائمًا في خطايانا لا نشعر بخزينا ولا نعلم أننا أصبحنا متعرين من النعمة التي كنا نكتسى بها قبل أن نخطئ]. وفي إشارته لنبوة حزقيال النبي (37:14) إذ يؤكد الأنبا شنوده على إمكانية إعادة الحياة للأعضاء الميّتة بواسطة الروح القدس فقط، وبدون نعمة الروح القدس المحيّية، يبقى الإنسان محصورًا في الخطية. إذن من الواضح أن القديس الأنبا شنوده كما سبق وأسلفنا لإدراكه بأهمية عمل النعمة في خلاص النفس، وبسبب إجتيازه لهذه الخبرة الروحية فائقة الوصف والمملوءة غنى لا يُعبّر عنه، فقد أكد مرارًا على أن كمال الإنسان ونموه الروحي وإطلاعه على أسرار ملكوت السموات هو أمر ممكن فقط من خلال عمل النعمة الإلهية. فهو الضامن للمسيرة الروحية المستقيمة من أي إنحراف قد يعتريها.

وبدون هذه النعمة سيبقى الإنسان في صغر النفس، وفي وضاعة، وفي فساد ومُقيد بهموم هذا العالم الحاضر التي تحصره من كل جانب. فتجلى الإنسان من حالة الوضاعة إلى حالة السمو، ومن حالة الفساد إلى حالة الخلود، يمكن أن يتحقق فقط من خلال حلول نعمة الروح القدس في النفس. هذا ما كان يشدّد عليه القديس الأنبا شنوده في كتاباته.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/st-shenouda-2.html

تقصير الرابط:
tak.la/a7bfdm4