تَكَلَّمنا في مقالٍ آخر عن هدف الصوم الوهمي، وكيف يتحوَّل الصوم إلى تمجيد للذات وإرضاءً لها، بل يتحوَّل إلى غِذاء شهي -ليس للجسد- بل للذات التي تَنْمو وتَعْظُم في عين الصائِم. فَيُعَذِّب نفسه بالمأكولات الغير مرغوبة لمذاقه -وذلك إذا صَحَّ التعبير أن الصوم يتحوَّل إلى تَعْذيب- لكي تَنمو هذهِ الذات المُدَمِّرة لكل عملٍ روحي.
ولكن، نتعرَّض هنا إلى سؤال مهم، وهو: ما هو الهدف السليم للصوم؟
* نحنُ نصوم من أجل مَحَبتنا لله، ونُصَلي من أجل محبتنا له، ونعمَل كل مُمارَسة روحية من أجل حُبنا لله، وللتقرُّب لهُ، ولِتَوثيق العِلاقة بيننا وبينه لكي نَشْعُر بِمحبتهُ الغير محدودة. "نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 4: 19). فالإنسان الروحي من أجل محبتهُ لله يريد أن تكون روحهُ مُلْتَصِقةٌ دائِمًا بالله؛ لأنهُ يشعُر بالشَبَع والدِّفء والارتواء عندما يشعر بِمَعيَّتهُ المستمرة مع الله. فكل عِبادتنا وممارساتنا يجب أن تكون بالروح؛ فالجسد يساعد الروح: "اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا" (إنجيل يوحنا 4: 24). لذلك نُخْضِع الجسد للروح بالصوم لكي يتمشِّى معها في عملها. فتَمَتُعنا بمحبة الله والعِشرة الدائِمة معهُ يجب أن يكون هو أسلوب حياتنا على الدوام؛ فكل ممارسة روحية خالية من الحُب لله تتحوَّل إلى رياضة جسدية، مثل لاعبي الكرة والباليه واليوجا وغيرهم.. يمتنعون عن بعض المأكولات من أجل الرياضة والرشاقة، والتألُّق فيها.
* وَيَجْدُر بنا أن نُوَجِّه النظر إلى أن مِن أهداف الصوم السليم أيضًا هو أن الصوم يُقَرِّبنا إلى الله، فبنموّ الروح نتقرَّب إلى الله، ويصبح العائِق الأساسي لهذه العلاقة غير موجود أو ضعيف؛ ألا وهو الجسد وملذاته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالصوم يساعِد الإنسان على قضاء فترات خلوة روحية، حتى ولو كانت في نفس المنزِل. فالاختلاء لا يرتبِط بمكان حتى لو كان عامِلًا مُساِعدًا، إن هدوء المكان عامل مساعد وليس أساسي؛ فالهدوء الأساسي هو هدوء النفس واختلائها بحبيبها، وهو خالِقها والمُعتني بها والمُحافِظ عليها في كل مكان، وهو الله الضابط الكل.
ومع الاختلاء يبدأ الإنسان في وضع تداريب وقوانين روحية مُتَّفَق عليها مع أب اعترافه في نواحي عِدة؛ مثل القراءة في الكتاب المقدس، الكتب الروحية، الثقافية.. وأيضًا مع إضعاف الجسد بِقِلة الأكل يبدأ في النشاط وتَرْك الكسل؛ فنجده يُكْثِر من السهر في الأمور المفيدة الروحية. ويساعده خِفة جسده على ضرب الميطانيات metanoia التي تقود فِكره إلى التوبة والانسحاق؛ ففي كل ميطانية metanoia يتذكَّر الإنسان خطية معينة مُسيطرة عليه، وعندما يُلاصِق جبينه الأرض يصرخ من أعماقه قائلًا: "يا ربي يسوع المسيح اغفر لي خطية (...)"، فَيُقَدِّم توبة يومية. وهذا يُوَلِّد داخله انسحاقًا، وتوبة، فيأخذ قوَّة إلهية تساعدهُ على الإقلاع عن ميلهُ للخطية والسقوط فيها باستمرار.. فَتَقوى إرادة الإنسان الضعيفة؛ فبعد أن كان يحكم لِجام الجسد في امتناعهُ عن بعض المأكولات، يستطيع أن يمتنِع عن بعض الخطايا وهو بكامِل إرادتهُ.
إذًا، فَلْنُراجِع أنفُسنا أيها الأحباء في هدف صومنا، هل نصوم من أجل أن الكل صائِم، أم نصوم من أجل محبتنا للسيد المسيح الذي صام عنا أربعين يومًا وأربعين ليلة، لكي يُخَلِّصنا ولكي يُعَلِّمنا كيف نصوم لكي تقوى أرواحنا، ونَتَمَتِّع بالمَعِيَّة الدائمة مع إلهنا ومُخَلِّصنا الصالح.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/articles/fr-botros-elbaramosy/a/fasting-right.html
تقصير الرابط:
tak.la/sg3x32k