1- السيد المسيح وهو علي الصليب، يشفع في صالبيه ويقول: "يا أبتاه اغفر لهم لا يدرون ماذا يفعلون" (لو 23: 34).
2- والمثل الثاني، الذي هو إنسان عادي مثلنا، القديس اسطفانوس أول الشمامسة، الذي أثناء ما كان اليهود يرجمونه كان "يدعو ويقول: أيها الرب يسوع، لا تقم لهم هذه الخطية" (أع 7: 59). ولأن الشهيد اسطفانوس كان علي هذه الدرجة من المغفرة لراجميه، لذلك استحق أن يبصر "السماء مفتوحة، وأبن الإنسان قائم عن يمين الله" (أع 7:55). وهكذا استحق هذا القديس العظيم أن يدخل إلي السماء، وليس في قلبه شيء ضد أعداءه بل كل صفح بل وشفاعة فيهم.
3- المثل الثالث هو يوسف الصديق، الذي أساء إليه أخوته وألقي في البئر، ونزع عنه قميصه، وبيع كعبد.. ومع ذلك - لما وقعوا في يديه وقد صار الثاني بعد فرعون.. غفر لهم، وطمأنهم قائلًا "لستم أنتم أرسلتموني إلي هنا، بل الله" (تك 45: 8). وأسكنهم في أرض جاسان في أفضل أرض، واعتني بهم وعالمهم. ولما خافوا أن يبطش بهم بعد موت أبيهم يعقوب، طمأنهم مرة أخري وقال لهم "لا تخافوا.. أنت قصدتم لي شرًا، أما الله فقصد به خيرًا. فالآن لا تخافوا. أنا أعولكم وأولادكم. فعزاهم وطيب قلوبهم" (تك 50: 19- 21). بل أنه من تأثيره بكي لما قالوا له نحن عبيدك (تك 50: 17). هذا مثل من العهد القديم، لئلا يظن أحد أن المغفرة للمسيئين هي فقط من سمو العهد الجديد. وهو مثل منفذ عمليًا.
إن كنت لا تغفر، فأنت تكذب في صلاتك.
تقول للرب "كما نغفر نحن أيضًا".. بينما أنت لا تغفر وإذ تكذب في صلاتك التي تطلب بها مغفرة الخطية هي نفسها تحوي خطية!! فيجب أثناء وقوفك للصلاة، أن تصفي قلبك أمام الله..
فأنت لست فقط تصفي قلبك لكي تتقدم للتناول من الأسرار المقدسة، وإنما تصفي قلبك لمجرد أن تصلي.
لكي لا تكذب علي الله، حينما تقول "كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا." وإن لم تستطيع ذلك، فعلي الأقل أطلب إلي الله أن يصفي قلبك أثناء الصلاة.
يقول القديس أوغسطينوس: إن السيد المسيح هو شفيع ك أمام الآب (1 يو 2: 1). فإن كنت تكذب في صلاتك، يصير هو شاهدًا ضدك. وأن لم تصلح نفسك، يكون هو القاضي عليك..
لذلك قل عبارة "كما نغفر". وأعمل بها.
فأنت لا تستطيع أن تجد وسيلة للإفلات بها من هذا النص.. أتراك تستطيع أن تحذف هذه العبارة من صلاتك؟! إن حذفت هذه الطلبة، فأنك تكون في هذه الحالة لا تطلب المغفرة، وتظل خطيتك قائمة محسوبة عليك..
يقول القديس أوغسطينوس إنه اتفاق وعهد أمام الله.
علينا شرط، وعلي الله عهد. الشرط الذي علينا هو أن نغفر للمسيئين. والعهد الذي يقدمه الله هو أن يغفر لنا علي هذا الأساس. إنه اتفاق بيننا وبين الله. فأن أخللنا بالشرط، ماذا يحدث؟ يقول السيد الرب " إن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم" (مت 6: 15). أنه اتفاق مع الله. إن أخللنا به تصبح صلاتنا عديمة الجدوى.
فهل بعد هذا، سوف تصطلحون مع بعضكم البعض.
علي اعتبار أن الكتاب يقول "اغفروا، يغفر لكم" (لو 6: 37). يقول البعض: أيًا كان الأمر.. فلان بالذات لن أصالحه، ولن أغفر له، ولو أتاني الملاك ميخائيل يطلب مني ذلك!! الجواب بسيط. إن لم تصالحه وتغفر له، تكون أنت الخاسر، لأنك أنت الذي سوف تفقد المغفرة التي تأتيك من الله إن غفرت له.
اغفر إذن لغيرك. ولتكن المغفرة من كل قلبك.
لأن البعض قد يقول بفمه "لقد سامحته" بينما يحزن في قلبه الخصومة، وكأنه لا يخشي عين الله التي تفحص القلوب. وحتى هذه الكلمة التي يقولها بلسانه، والتي لا تنبع من قلبه، يبدو من هذه الكلمة التي يقولها بلسانه، والتي تنبع من قلبه، يبدو من لهجته ونبرة صوته، أنه غير صادق.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فيها إذن اغفر، ولو تجاهد نفسك في ذلك وتنتصر عليها. ولا تستبق في قلبك شيئًا من العداوة أو من الحقد.
الجواب، هو أن تعود مرة أخري فتغفر له.. وان اخطأ إليك مرة ثالثة، تغفر له للمرة الثالثة. وهكذا دواليك وهذا الأمر قد أوضحه السيد الرب، حينما سأله بطرس الرسول قائلًا "كم مرة يخطئ إلي سبع مرات؟" فأجاب الرب "لا أقول لك سبع مرات بل إلي سبعين مرة سبع مرات" (مت 18: 21، 22). والمعروف أن رقم 7 يدل علي الكمال، وكذلك رقم عشرة. إذن فالذي يقصده الرب، هو ما لا نهاية له من المرات.. أي كلما أخطأ اغفر له. فلماذا؟
ذلك لأن الله قد غفر لك أكثر بكثير مما يطالبك به من المغفرة.
مهما كانت عدد الخطايا التي أخطأ بها إليك أخوك، ومهما كانت شدتها.. فالله قد غفر لك ما هو اشد وأكثر منها. فأغفر وأجعل قلبك صافيًا، لكي تستحق أنت أيضًا مغفرة خطاياك..
انظروا، كيف أننا نبدأ القداس الإلهي بصلاة الصلح.
ويقول الأب الكاهن: اجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا، أن نقبل بعضنا بعضًا بقبلة مقدسة، لكي ننال بغير انطراح في الحكم من موهبتك غير المائتة السمائية".. والقبلة هي أشارة للحب. والشماس يصيح قائلًا "قلبوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة..
وعبارة " قبلة مقدسة " تعني أنها غير مخادعة، مثل قبلة يهوذا.
قبلة حقيقة صادقة، عن حب صاف طاهر.. وليست مثل قبلة الخائن يهوذا، الذي كان يقبل بالفم، بينما القلب يدبر مؤامرات!! فهل أنت في حضورك للقداس، يكون قلبك فيه هذا الحب نحو الكل، ونحو المسيئين إليك. أم أنك إن دخلت الكنيسة، وكان فيها أحد المسيئين إليك، تتعمد الجلوس في مكان بعيد جدًا عنه، حتى لا تحرج بالسلام عليه. وإن سلمت اضطرارًا، لا يكون ذلك من قلبك.
كيف إذن تصطلح مع أخيك، وتغفر له، وتسلم عليه من قلبك؟ يقول مار اسحق:
اصطلح مع نفسك، أي أن العيب في داخلك أنت، وليس في أخيك. في داخل نفسك أخطاء تحتاج أن تصلحها فيك، قبل أن تصطلح مع أخيك. وبذلك يكون الصلح سهلًا. يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: نحن سنصلي. وفي صلاتنا سوف نقترب إلي الله. فإلي أي إله سوف نقترب في صلاتنا؟ سنقترب من الله صانع الخيرات الغفور الرحيم.. فلابد أن نكون صانعي خير مثله، غفورين مثله، رحومين ومحتملين مثله.. في كل هذه الصفات وغيرها مما نراه في الله، ينبغي أن نشابهه بحرية إرادتنا. أنت في صلواتك تطلب من الله أن يحبك ويغفر لك. فيقول لك مثلما تطلب مني أن أحبك وأغفر لك، ينبغي أن تكون أنت أيضًا محبًا وتغفر لغيرك..
وإلا فأنت تطلب طلبات لا تطبقها علي نفسك.
وكما يقول القديس غريغوريوس: حينئذ ينطبق عليك المثل القائل: أيها الطبيب اشف نفسك" (لو 4: 23).. فأنت تتقدم إلي الله، وتطلب منه أن يكون غفورًا رحومًا. فيقول لك: هذه الطلة التي تطلبها مني، لماذا لا تطبقها علي نفسك..
هنا ونعود لنتأمل عبارة: اصطلح مع نفسك:
أي أن نفسك فيها فكران، كل منهما ضد الآخر يصارعه: فكر يقول: أسامحه وأنفذ الوصية، وأصلي بقلب صاف. وفكر آخر يقول: لا يمكن أن أسامحه، فقد أساء إلي. ومسامحته ضد كرامتي وضد حقوقي. ويجب أن ألقنه درسًا. وهذان الفكران يتصارعان داخل نفسك. وأنت محتاج أن تصالح هذين الفكرين داخلك، فتصطلح مع نفسك. إن كنت لا تستطيع أن تغفر، فماذا تفعل؟
اعتبر هذه الطلبة عظة لك وصل من أجل تحقيقها.
اعتبر أن صوت الله يناديك وأنت تصلي ويقول لك: "اغفر لأخيك لكي اغفر لك أنا أيضًا". وفي صلاتك قل من أعماق: أعطني يا رب أن أغفر امنحني الحب الذي أنسي به أخطاء غيري.. وعلي أية الحالات تكون وصية المغفرة ماثلة أمام عينيك. هنا ونسأل:
ما علاقة المغفرة بطلبة الخبز السابقة لها؟
أن كنا نطلب الخبز السماوي، أي سر الافخارستيا اللازم لحياتنا الأبدية، فإننا ما أن نطلبه، حتى نذكر أننا محتاجون للمغفرة لكي نتناول باستحقاق لذلك نقول اغفر لنا. ثم إننا يجب أن "نقبل بعضنا بعضًا بقبلة مقدسة، لكي ننال بغير وقوع في دينونة من هذه الموهبة السماوية، لهذا نقول: كما نغفر نحن أيضًا. إذن يلزم لنا أن نغفر لغيرنا، وأن يغفر الرب لنا، لكي نستحق أن نتناول من السرائر الإلهية. وأن كنا في طلبة الخبز، نطلب كل الأغذية الروحية اللازمة لنمونا الروحي ولحياة الأبد، فأننا نقول للرب: هذا عن المستقبل الذي نريده معك. أما من جهة الماضي فأغفر لنا. أو نقول في اعتذار: علي الرغم من كل ما تعطينا من غذاء روحي، ما زِلنا يا رب نخطئ فاغفر لنا.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/j5fv4ys