ربما يسير الشخص في طريق روحي سليم، ويستمر على هذا وقتًا، ثم تأتي محبة معينة أو شهوة ما، لكي تشغل قلبه ومشاعره، وتأخذ جزءًا من مكان الله ومكانته في داخله، فتفتر حياته.
ولأنه ترك محبته الأولى، تتركه الحرارة الروحية، فيقع في الفتور.
ابحث إذن، ما هو الدخيل الذي يحتل مكان الله في قلبك؟ وابحث ما هي الخطية التي زحفت إليك، سواء كانت واضحة أو غير واضحة، أو كانت خطية تلبس ثياب الحملان، وتأتيك في زي فضيلة لتخدعك!
ولعله من أنواع هذه الفضائل: الغيرة والدفاع عن الحق، ومحبة الإصلاح إن كان ذلك بغير إفراز وفهم!
وباسم الدفاع عن الحق، يخاصم الناس ويعاديهم، وينتهر ويوبخ في غير رفق، وفي غير حب، وربما في غير فهم. وباسم الإصلاح ينتقد ويدين وربما يشتم، ويقسو في أسلوبه، ويتحول إلى نار تلتهم كل ما أمامها. بل يتحول أيضًا إلى عين نقادة، لا ترى سوى السوء، ولا تري في الناس خيرًا، وتشك في الآخرين وتتهمهم اتهامات باطلة...
وفيما هو يدعي أنه ينزع أنه ينزع الزوان من الأرض، يتحول هو أيضًا إلى زوان، ويبحث عن روحياته فلا يجدها، وتصبح حياته فاترة، يقول له الرب فيها: "أنا مزمع أن اتقياك من فمي" ( رؤ3: 16).
ليس معني هذا، أن يبعد الإنسان عن الإصلاح والغيرة والدفاع عن الحق، وإنما ينبغي أن يكون ذلك بفهم وبحكمة، وبأسلوب روحي كما قال الكتاب: "لتصر كل أموركم في محبة" (1 كو16: 14) وأيضًا يقول الرسول: "من هو حكيم وعالم بينكم، فلير أعماله بالتصرف الحسن بالتصرف في وداعة الحكمة. ولكن إن كان لكم غيره مرة وتحزب في قلوبكم، فلا تفتخروا وتكذبوا على الحق. ليست هذه الحكمة نازلة من فوق..." (يع3: 13-15).
هذه هي روح الإصلاح: في محبة، في وداعة الحكمة، وهنا لا يخطئ الإنسان في غيرته ولا تفتر روحياته.
وما أجمل قول الرسول في طريقة إصلاح الآخرين: "أصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظرًا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضًا. احملوا بعضكم أثقال بعض" (غل6: 1، 2). نقول هذا لأن كثيرين يبدأون توبتهم بحرارة روحية، يعجب بها الناس، فيرشحونهم للخدمة. وفي الخدمة تتملكهم غيرة بغير معرفة (رو10: 2) فتفقدهم حرارتهم فيفترون!
حقًا إن التركيز على إصلاح الآخرين أضاع أناسًا كثيرين!!
يريد الشخص أن يصلح غيره. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ومن أجل هذا يفكر طول الوقت في خطايا الآخرين. وفي ذلك ينسى خطاياه فيفتر. وفيما كان في بدء توبته يركز على روحياته، ويهتم بخلاص نفسه، نراه في الخدمة قد نسي نفسه تمامًا، وأصبح مشغولًا بخلاص الآخرين أو بأخطاء الآخرين، أو بإصلاح المجتمع! وليته بفعل ذلك بطريقة سليمة إنما يسلك بأسلوب خال من الحب، وربما يحوي أيضًا كبرياء داخلية!
أيسأل مثل هذا عن أسباب الفتور؟ هي هذا السلوك الذي يحياه! ليته عاش في اتضاع، يبحث في انسحاق عن خلاص نفسه..
يا أخي، فكر في نفسك، أنك أنت أيضًا خاطئ تحتاج إلى إصلاح، بدلًا من انشغالك بالناس وأخطائهم مما تفتر معه روحياتك.
وكلمة أخرى اهمس بها في أذنك، ربما تكون هي السبب في فتورك، وهي السبب كذلك في أخطائك حينما تعمل في مجال الغيرة والإصلاح.
ربما تكون في طباعك قسوة أنت غير متنبه إليها. فلما دخلت في الحياة مع الله، انسلت هذه القسوة داخلة معك دون أن تشعر. وظهرت في معاملاتك حينما تشتغل بالغيرة والإصلاح باسم الله!
انظر إلى بولس الرسول، الذي قال لتلميذه تيموثاوس الأسقف: "وبخ. انتهر عظ" (2تي4: 2). كيف كان القديس بولس هذا يعظ؟ أنه يقول لكهنة أفسس حينما استدعاهم من ميليتس. يقول لهم عن أسلوبه: "متذكرين أنني ثلاث سنين ليلًا ونهارًا لم أفتر عن أن أنذر بدموع كل أحد" (أع20: 31).
لهذا لم يفتر القديس بولس وهو ينتهر الناس. لأنه كان ينذرهم بدموع. وفي دموعه كانت توجد رقة وحب..
إذن القسوة سبب من أسباب الفتور وإدانة الآخرين سبب آخر، لأن في كليهما تبعد النعمة عن الإنسان، لتشعره بأنه" تحت الآلام" (يع5: 17) مثل كل هؤلاء وإذ تبعد عنه النعمة يفتر.
لأن الحرارة الروحية ليست من مجهوده البشري، إنما من عمل الروح فيه. فإن بعد بالقسوة والإدانة عن عمل الروح، حينئذ يفتر...
هناك سبب مشابه، يقود إلى الفتور وهو الكبرياء:
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/f94nbps