باستمرار يدافع عن نفسه. لا يحب مطلقًا أن يبدو في صورة الخاطئ. هو دائمًا "بار في عيني نفسه". ويريد أيضًا أن يكون بارًا في أعين الناس. وإن نبهه أحد إلى خطأ واضح، ربما يحاول أن يغطيه بالكذب أو بالأعذار، بعيدًا عن الاعتراف والتوبة.
أبونا آدم لم يعترف بخطيئته، بل حاول أن يبرر ذاته. وهكذا فعلت أيضًا أمنا حواء (تك 3). ونحن ورثنا عنهما تبرير الذات.
الخاطئ يضيف إلى خطيئته التي يبررها، خطيئة التبرير.
وما أكثر الحيل التي يلجأ إليها المتكبر في تبرير ذاته: منها إلقاء التبعة على غيره، أو على الظروف المحيطة. ومنها الإنكار، أو وادعاء القصد السليم، أو الناس لم يفهموه على حقيقته. وغير ذلك من الأسباب التي تخرج جميعها عن النطاق الروحي...!
ما أصعب كلمة "أخطأت" على المتكبر... إنها تجرحه...
وقد يقولها أحيانًا إن كانت تجلب له مديحًا! أو إن كانت صورة الاتضاع الزائف ترضي كبرياءه... ولكنه في داخله لا يشعر إطلاقًا بأنه قد أخطأ. تخرج الكلمة من فمه وليس من قلبه. وقد يقول كلمة "أخطأت" -إن قالها- بلون من السياسة، وليس بروح الاتضاع...
المتكبرون لا يعترفون، وإنما يدينون غيرهم، ليستروا أنفسهم.
لابد أن يكون غيرهم هو المخطئ، إذ ليس من المعقول أن يكونوا هم المخطئين! كما لو كانوا معصومين في كل تصرفاتهم!
لذلك فالمتكبر كثير الجدل والنقاش لتبرير ذاته.
التعامل معه ليس سهلًا. والتفاهم معه ليس سهلًا.
التفاهم عنده ليس معناه أن يفهم رأي غيره أو يقبله. إنما تفاهمه مع الغير، معناه أن يقبل هذا الغير رأيه ويقتنع به...
وإن لم يقتنع غيره برأيه، قد يثور ويغضب. ويعالج الموضوع بأعصابه، ما دام لم يستطع معالجته بالرأي والفكر والإقناع.
لهذا فإن الغضب زميل للكبرياء، يلازمها كثيرًا وتلازمه.
وفي كل ذلك يفقد المتكبر وداعته. بعكس الإنسان المتواضع، فإنه إنسان رقيق لطيف وديع، سهل التعامل مع الآخرين. لذلك فهو محبوب من الكل. يخضع لهم بروح الحب فيكسبهم. وإن صادفته مشكلة يحلها بوداعة الحكمة (يع 3: 13).
أما المتكبر، فإنه لا يخطئ فقط من الناحية الروحية، بل من الناحية الاجتماعية أيضًا، إذ يفقد محبة الكثيرين بسبب كبريائه.
والمتكبر في تبريره لذاته يبعد عن حياة التوبة.
لأنه كيف يمكن أن يتوب إنسان، إن كان باستمرار بارًا في عيني نفسه؟! فهل يحتاج الأصحاء إلى طبيب؟! (مت 9: 12). أو كيف يستطيع هذا المتكبر أن يصلح أخطاءه، إن كان باستمرار يبررها؟! وكأنه بلا خطية!
أنت لا تترك خطأ من الأخطاء، ما لم تعترف أولًا بينك وبين نفسك أنه خطأ، أما إذا اعتقدت أنك على صواب، فسوف تبقى حيث أنت، لا تغير في نفسك شيئًا...
إن مشكلة العزة بالنفس والكرامة والكبرياء الذاتية، هي التي تعوق الإنسان عن الاعتراف بأخطائه، حتى أمام أب اعترافه!
قد يعترف ببعض الخطايا التي لا يخجله ذكرها، ويخفي الباقي، أو يمر عليه مرورًا عابرًا، أو يشير إليه من بعيد، أو يقوله دمجًا، أو يقوله ويبرره... وقد لا يعترف إطلاقًا، ويتحول اعترافه إلى شكوى ضد غيره. وكأنه أمام أب الاعتراف يعترف بخطايا غيره وليس بخطاياه هو!
وفي تبرير الإنسان لذاته، قد يُسَمِّي خطاياه بأسماء فضائل!
فقد يسمي ما يقع فيه من خبث ومكر ودهاء، بأنه لون من الحكمة! وقد يسمي تدليله الخاطئ لأطفاله بأنه حب وحنان، بينما يسمي قسوته بأنها حزم وتربية، ويسمي إدانته للآخرين وثورته الخاطئة على الأوضاع، بأنها غيرة مقدسة ورغبة في الإصلاح... وهكذا مع باقي التصرفات...
على أن أخطر ما في تبرير الذات وما في المكابرة، أن يبدأ المتكبر المخطئ في أن يفلسف أخطاءه ويبررها فكريًا ليقنع الناس بها!
وهنا يوجد جوًا من البلبلة الفكرية، حتى يحار البعض أين هو الحق؟! إن تبرير الذات في تصرفاتها هو تبرير سلوكي يتعلق بالشخص نفسه وحده، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. أما تبريرها فكريًا، فهو يتعلق بالقيم والمبادئ، ويأخذ اتجاهًا عامًا... لذلك فإن التبرير الفكري للأخطاء له خطورة كبيرة. فإن الحق ليس هو الهدف فيه، وإنما الذات. ويندفع الشخص فيه متأثرًا بعوامل نفسية.
المتكبر -في تبريره لذاته- كل ما يهمه هو رأي الناس فيه، ولا يهمه مصير هذه الذات في الأبدية، مركزًا على توقير الناس لها!
فهو يدافع عن نفسه، ويدافع عن أفكاره وتصرفاته. ويشرح، وقد يعثر الغير في شرحه. وهو لا يهتم بشيء من ذلك. إنما المهم عنده هو أن تخرج ذاته بريئة سليمة بعيدة عن اللوم.
وقد يؤدي تبريره لذاته ودفاعه عنها، إلى اتهام الغير أو تجريحه ولا بأس لديه من ذلك، ما دام ذاته هو تصل إلى تبرير يرضيها...
وفي تبرير الذات في أخطائها الفكرية، وقع البعض في البدعة أو في الهرطقة وأصروا على ذلك، إذ منعتهم كبرياؤهم من الاعتراف بالخطأ.
في تبرير أخطاء الذات، يفقد المتكبر كل سلطان عليه، ويتولى قيادته روح الكبرياء وعزة النفس.
والعجيب أن الذين يبررون ذواتهم، قد يصلون طالبين مغفرة خطاياهم. وهم في داخل أنفسهم لا يرون أنهم خطاة في شيء!!
في الحقيقة أن تبرير الذات لا يفيدها، إنما تفيدها التوبة.
لأن التوبة تنقي الذات، بينما التبرير يعمل على تغطية الذات مع بقائها في أخطائها. والتوبة تعني كشف الذات ومعرفة أخطائها، وتبكيتها على هذه الأخطاء. ولكن المتكبر للأسف الشديد، ترفض ذاته أن تنكشف وأن تعترف بالخطأ. فيبقى بعيدًا عن التوبة.
إن الذي يظن في نفسه أنه شيء، يكبر في عيني نفسه، ويريد أن يكبر في أعين الناس. وربما يكبر في علاقته مع الله، ويقع بذلك في التجديف! كما حدث مع الشيطان وكثير من الملحدين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/kawr7c4