موضوع محاضراتنا اليوم "اغفروا".
أول نقطة أود أن أقولها لكم في هذا الموضوع، إننا كلنا خطاة ونطلب المغفرة. نحن نخطئ إما بالعمل أو بالفكر أو باللسان أو بالحواس أو بطرق أخرى. والذي يقول أنه لا يخطئ، يكون محاربًا بالبر الذاتي.
في الجنازات من الصلوات المشهورة يقال: "ليس أحد بلا خطية ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض". وفي رسالة يوحنا الأولى يقول الكتاب المقدس: "إِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا" (رسالة يوحنا الرسول الأولى 1: 8). كلنا نخطئ.
القديسين أيضًا يقولون عن أنفسهم "نحن خطاة" لأنهم يقارنون أنفسهم بالكمال المطلوب منهم. فالله يقول: "كُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (إنجيل متى 5: 48). فعندما يقارنون أنفسهم بهذه الآية يجدون أنفسهم خطاة. كما يقول الرب لنا: "كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ" (رسالة بطرس الرسول الأولى 1: 16) أيضًا القديسين عندما يقارنون أنفسهم بهذه الآية يقولون عن أنفسهم أنهم خطاة.
والقديس الأنبا أنطونيوس يقول: "إن ذكرنا خطايانا ينساها لنا الله، وإن نسينا خطايانا يذكرها لنا الله".
وبالنسبة للقديسين نجد مثلًا إشعياء النبي عندما رأى السيرافيم يسبحون قائلين "قدوس، قدوس، قدوس." قال: "وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ" (سفر إشعياء 6: 5). بالرغم من أن إشعياء نبي عظيم.
والخطية بالنسبة للماضي والحاضر أيضًا، يعني مثلًا بولس الرسول وهو قديس عظيم صعد إلى السماء الثالثة يقول من جهة الماضي: "أنا اضطهدت الكنيسة" ونص الآية: "أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلًا مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا. وَلكِنَّنِي رُحِمْتُ، لأَنِّي فَعَلْتُ بِجَهْل فِي عَدَمِ إِيمَانٍ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 1: 13). ومن جهة الحاضر يقول: "لست أحسب أنني أدركت أو نلت شيئًا، بل أسعى لعلي أدرك" ونص الآيات: "لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلًا، وَلكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا الْمَسِيحُ يَسُوعُ. أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 3: 12، 13). فكما قلت لكم أول نقطة: أننا كلنا خطاة.
النقطة الثانية هي: أننا نطلب المغفرة، نطلبها كل يوم في الصلاة الربانية ونقول: "اغفر لنا كما نغفر نحن أيضًا".
ولكي يغفر لنا الله هناك شروط للمغفرة، منها التوبة، ومنها المغفرة للمسيئين ومنها الصلح مع الناس. وأن يصنع الإنسان ثمارًا تليق بالتوبة. وأنا أريد أن آخذ من كل هذه الشروط شرطًا واحدًا وهو "اغفروا".
السيد المسيح عندما قال لنا الصلاة الربانية "أبانا الذي...."، لم يعلق على شيء منها سوى أمر واحد، "إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم، وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم السماوي زلاتكم". إذًا مسألة المغفرة للآخرين شرط تكلم عليه الآباء والإنجيليين وهو شرط موجود في كل الأناجيل:
إنجيل متى: "فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ" (إنجيل متى 6: 14).
إنجيل مرقس: "وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لاَ يَغْفِرْ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضًا زَلاَتِكُمْ" (إنجيل مرقس 11: 26).
إنجيل لوقا: "فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ. «وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ. أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلًا جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ»" (إنجيل لوقا 6: 36-38).
فإذا أردت أن يغفر لك الله، اغفر لغيرك. أنا أقول هذا الكلام لأن هناك من يحضروا الكنيسة ويتناولون، ويسمعوا العظات، ومع ذلك لا يغفروا لبعضهم البعض، ويتكلمون على بعضهم البعض. ويحرضوا الناس على غيرهم. فما هذا؟ الدين ليس مجرد معلومات، إنما الدين هو حياة عملية وروح.
عليكم يا أحبائي أن تهتموا بقول الرب: "اغفروا يغفر لكم". فهو يقول: "اغفروا يغفر لكم"، إذن بمغفرتك للناس يغفر لك الله أيضًا، وإن لم تغفر تؤذي نفسك وتكون خطيئتك ثابتة عليك. لأن هذا شرط.
وأيضًا إن كنت لا تغفر، فأنت ترتكب خطيئة الكذب على الله أثناء الصلاة. لأنك تقول لله: "اغفر لنا كما نغفر نحن أيضًا" وأنت لا تغفر، إذن أنت تكذب على الله أثناء الصلاة.
والله يقول في موضوع المغفرة، بالكيل الذي به تكيلون، يكال لكم ويزاد، إن كنت تكيل للناس بالطيبة يعاملك الله بالطيبة، وإن كنت تكيل لهم بالقسوة إذًا فأنت تحتاج إلى نفس الكيل.
مثل العبدين المديونين:
لذلك أعطانا الله في متى 18 مثل المديونين: كان شخص مديون بعشرة آلاف وزنة، وذهب للسيد قائلًا: "أنا غير قادر وتعب أرجوك أعفني" فسامحه في العشرة آلاف وزنة. وأثناء خروجه التقى بشخص آخر كان مدين له بمائة دينار، فقال له: "أين المائة دينار"؟ فقال له: "ليس لدي" فأخذه وألقاه في السجن. فعندما سمع السيد بما حدث، ناداه قائلًا: "تعالى أيها العبد الشرير، أنا سامحتك في الدين الكبير الذي عليك، وأنت لم تسامح أخوك في هذا الدين البسيط؟! وسلمه للمعذبين". ونص المثل كما ورد في الكتاب المقدس:
"لِذلِكَ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَانًا مَلِكًا أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. فَلَمَّا ابْتَدَأَ فِي الْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ، وَيُوفَي الدَّيْنُ. فَخَرَّ الْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلًا: يَا سَيِّدُ، تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ، وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ. وَلَمَّا خَرَجَ ذلِكَ الْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِدًا مِنَ الْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ، كَانَ مَدْيُونًا لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ، فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ قَائِلًا: أَوْفِني مَا لِي عَلَيْكَ. فَخَرَّ الْعَبْدُ رَفِيقُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلًا: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَلَمْ يُرِدْ بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ حَتَّى يُوفِيَ الدَّيْنَ. فَلَمَّا رَأَى الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ، حَزِنُوا جِدًّا. وَأَتَوْا وَقَصُّوا عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى. فَدَعَاهُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ، كُلُّ ذلِكَ الدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟. وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ. فَهكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَلاَتِهِ»." (إنجيل متى 18: 23-35).
هكذا أنت. ربنا غفر لك الكثير، الكثير، الكثير، من أمس ومن قبل أمس وفي الماضي الطويل، وأنت تتحامل على أخوك الذي يسيء إليك إساءة لا تقارن إطلاقًا بخطاياك، وتفضحه، وتقول لن أسامحه. وبهذا تكون قد فعلت كما فعل هذا العبد الشرير.
وبعد أن قال الله مثل هذين العبدين، المدين بالكثير والمدين بالقليل، قال: "هكذا أبي السماوي يفعل بكم إن لم تتركوا بقلوبكم كل واحد لأخيه زلاته"، ويقول: "من قلوبكم" لأنه قد يقول شخص لآخر: لقد سامحتك بينما يكون قلبه من الداخل مملوء بالغليان منه. وتكون مغفرة من الظاهر ولكنها ليست من القلب، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. وهناك من يسامحوا مسامحة ظاهرية بينما هم يخزنون في داخل القلب.
وهذا يشبه من يمسك بزجاجة بداخلها سائل يظهر صافيًا من الخارج، بينما هناك ما هو مترسب في القاع. وعندما ترج الزجاجة تجد أن هذه الرواسب صعدت وعكرت هذا السائل الصافي.
المغفرة يجب أن تكون من قلبك وتكون بسرعة وبدون إبطاء وبدون تخزين ومهما كانت الإساءة. الإبطاء في المغفرة يدل على أن الذات موجودة. (ذاتي، وكرامتي، وسمعتي، ومن هذا الذي يهينني؟! وغضب).
والغضب يعني أن الخطيئة تبدأ بأن تحزن بسبب الإساءة ثم تغضب ثم يطول الغضب ثم يتحول الغضب إلى حقد، ثم يتحول إلى كراهية أو بغضة. ولا تقف مشاعرك عند حد كراهية الشخص فقط بل أنك تريد أن يكرهه جميع الناس. فتقول لكل من حولك احترسوا من هذا الشخص ففيه من الصفات السيئة كذا وكذا.....وتستمر في الزن على أذن من حولك حتى تجعلهم يكرهون هذا الشخص. وبعد ذلك نقول عن أنفسنا أننا مسيحيين. هل لمجرد أننا نعلق صليب على صدرنا أو ندقه على أذرعنا نكون مسيحيين؟!! المسيحية حياة وليست ألفاظ.
والكتاب يقول: "لاَ تُجَازُوا أَحَدًا عَنْ شَرّ بِشَرّ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 17)، "لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 19).
ولعلاج عدم القدرة على المغفرة للمسيئين سأذكر لكم 15 نقطة، حاولوا أن تتذكروها. ومن الممكن أن أزيد عليها نقطتين في الآخر.
1- درب نفسك على فضيلة الاحتمال.
2- لا تترك الغضب يستمر في داخلك وينمو. حاول أن تصرف الغضب. ولا تتركه يعمل في داخلك. يقول الكتاب: "لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 4: 26). أي الذي تغضب منه اليوم لا تتركه بداخلك للغد، لئلا يتحول إلى أسوأ.
3- عندما يسيء إليك أحدهم، قل لنفسك: "ليس العيب في هذا الإنسان أنه أساء إلي، إنما العيب فيَّ أنا لأني لا أحتمل". فعندما تلوم نفسك أفضل مما تلوم غيرك.
4- حاول أن تنسى الإساءة ولا تظل تذكرها ليلًا ونهارًا، ويوم بعد يوم. بل حاول أن تنساها. وكما يقول المثل الإنجليزي:
"It is important not only to forgive but rather to forget".
أي ليس من المهم فقط أن تسامح بل بالأكثر أن تنسى الإساءة.
5- أيضًا ابتعد عما وعن من يسبب لك الإساءة، أي سواء كان ما يسبب لك الإساءة أشياء أو أشخاص، وابتعد عمن ينقل إليك الإساءة. أي ليس فقط أن تبتعد عن الإساءة وما يسببها ومن يسببها لك، بل ابتعد عمن ينقلها إليك. فلا تعطي أذنك لمن ينقل إليك كلامًا قيل عنك. ابتعد عن هذا النوع من الناس. قل له لقد نسيت هذا الأمر ولا تذكرني به.
6- لا تكرر الكلام المسيء في قلبك لئلا تزداد غيظًا.
7- درب نفسك أن يكون لك القلب الواسع والطبع البحبوح. فيوجد إنسان لا يداوم على الصوم. ولكنه بحبوح، فعندما تكلمه تجده إنسان بسيط حتى لو أهنته تجده يرد عليك بضحك، أو كأنك لم تقل له شيئًا. شخص بحبوح.
8- لا يكن لك الطبع أن تحاسب على كل صغيرة وكبيرة ولا تعاتب كثيرًا. فهناك شخص عندما تكلمه يمسك عليك كل كلمة وتفاجأ برده: "لا أنا لا أقبل أن تقول لي هذا، ولا أقبل هذا الأسلوب، ولا أقبل هذه التكشيرة، أنا إنسان لي كرامتي، .....إلخ"....حاضر يا صاحب الكرامة.
9- لا تكن سريع الغضب. وإن دخل الغضب إلى قلبك لا تجعله يصعد إلى لسانك. لأن الذي تقوله بلسانك قد يجلب عليك المشاكل. فلا تنسى أن للناس آذان.
10- أذكر دائمًا الآيات التي ضد الغضب التي يقول فيها الكتاب: "غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ" (رسالة يعقوب 1: 20)، "لاَ تُسْرِعْ بِرُوحِكَ إِلَى الْغَضَبِ، لأَنَّ الْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حِضْنِ الْجُهَّالِ" (سفر الجامعة 7: 9). وعندما يتحول الغضب إلى اللسان، يقول معلمنا يعقوب الرسول عن اللسان: "هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُوٌّ سُمًّا مُمِيتًا. بِهِ نُبَارِكُ اللهَ الآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللهِ" (رسالة يعقوب 3: 8،9). ومن هذه الجهة أحب أن أقول للبنات الصغار: "إن كانت البنت قبل الزواج سريعة الغضب وقليلة الاحتمال، وتتعب وتشتكي وتنتقم، فماذا ستفعل عندما تتزوج؟! ماذا تفعل مع الزوج الذي يريد أن يحتفظ بكرامته؟! وماذا تفعل مع حماتها التي تريد أن يكون ابنها في منتهى الكرامة ولا تسيطر عليه هذه البنت الصغيرة التي دخلت البيت حديثًا؟! فإن كنت أقول مثل هذا الكلام للرجال فأنا أقوله بالأكثر للبنات الصغار اللاتي لم يتزوجن بعد. أقول لهم: "أنتم في خطر".
11- إن لم تستطع أن تغفر للمسيء فعلى الأقل لا تدعو عليه.
12- على الأقل إن لم تستطع أن تغفر، وإن لم تستطع أن تحتمل، فعليك أن تصلي قائلًا: "يا رب امنحني الاحتمال لأني لا أحتمل، امنحني أن أغفر لغيري لأني لا أغفر، امنحني اللسان الطيب لأني كثيرًا ما أعاتب وأشتم، علمني ألا أنتقم لنفسي، وإن كنت غير قادر على التوبة "تَوِّبْنِي فَأَتُوبَ" (سفر إرميا 31: 18)، ساعدني على عدم الغضب وساعدني على عدم الانتقام". كل هذه صلوات تساعدك.
13- إذا أساء إليك شخص وأتى ليعتذر لك، اقبل منه الاعتذار ببساطة. لا تذله قائلًا مثلًا: "ألا تعرف ماذا فعلت؟! وتريد أن تعتذر؟! هل أهنتني أمام الناس وتأتي لتعتذر لي سرًا؟! وتظل تثبت له خطيئته بأدلة وبراهين من عندك وتكثر في العتاب!
بطرس الرسول سأل السيد المسيح قائلًا: "يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ." (إنجيل متى 18: 21،22). سبعين مرة أي عدد كامل لا يحصى.
14- في كل مرة تصلي وتقول "اغفر لي يا رب" سواء في الصلاة الربانية أو في صلواتك الخاصة، تذكر عبارة "اغفروا يغفر لكم".
15- إذا حوربت بعدم المغفرة قل لنفسك "أنا أيضًا خاطئ. فإن كان هذا الأخ قد أخطأ فيَّ، فأنا أيضًا كثيرًا ما أخطئ".
في أحد المرات عقد مجمع الرهبان اجتماع لكي يحاسب راهب أخطأ، فحمل الأنبا موسى الأسود على ظهره زمبيل (شوال) مملوء بالرمل وبه ثقب يتساقط منه الرمل خلفه. فسأله الرهبان: "ما هذا؟!" فقال لهم: "هذه خطاياي، وراء ظهري تجري وأنا قادم الآن لأشترك في محاكمة أخي" أي خطايا كثيرة ورائي تجري. فعليك أن تتذكر أنك أنت أيضًا خاطئ.
هناك نقطتين إضافيتين سأقولهما في آخر المحاضرة.
1- أن تغفر للمسيء ونطلب من الله أن يسامحه.
2- النقطة الأخيرة أن تحب الذي يسيء إليك. فالكتاب المقدس يقول: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ" ويقول: "أحسنوا إلى المسيئين إليكم". ونص الآيات:
"وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (إنجيل متى 5: 44).
"لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ" (إنجيل لوقا 6: 27).
ولكن قد تكون هذه الآيات بالنسبة للكثيرين مجرد كلام في الكتب!!
ويذكرني هذا بقصة زوجة كاهن جاءها رجل فقير وقال لها أنه يحتاج إلى جلابية، وكان لدى الكاهن أكثر من جلابية، فأعطته واحدة. فعندما جاء الكاهن وجد جلباب ناقص، فسأل زوجته عنها، فقالت له أنت كثيرًا ما تعظ قائلًا: "من كان له ثوبان فيعطي الذي ليس له"، فأنا أعطيت الذي ليس له. فقال لها: "يا بنتي هذا كلام في الكتب، نقوله للناس ولكن لا نطبقه على أنفسنا".
الديانة ليست معلومات، الديانة حياة وعمل وتطبيق.
الله في مغفرته للخطاة يمحو الخطايا، ولا يحاسب عليها، ولا يعود يذكرها. وكل هذا وراءه آيات كثيرة تدل عليه. فكن أنت هكذا كما فعل الله بك وغفر لك خطاياك ومحاها ولم يعد يذكرها عليك، اعمل أنت هكذا مع غيرك.
افعل كما فعل المسيح مع تلاميذه. تلاميذ المسيح يوجد بينهم من أنكره ولعنه قائلًا: "لا أعرف الرجل"، وفيهم الذي شك، وفيهم الذي هرب، وظهر المسيح بعد القيامة ولم يعاتبهم لأنه يعلم ضعف بشريتهم. الذي خاف نتيجة ضعفه، قال عنه: "أنا أقويه وأجعله لا يخاف فيما بعد". والذي هرب قال عنه: "أنا أقويه وأجعله لا يهرب فيما بعد"، والذي شك به قال: "أملأه باليقين والثقة وأجعله لا يشك في". قال السيد المسيح عن نفسه: أنا ما جئت لكي أدين العالم بل لكي أخلص العالم "لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ" (إنجيل يوحنا 12: 47).
إذًا قواهم وشددهم ومنع عنهم الخوف والهرب، وظل 40 يوم يقويهم، ولذلك استطاعوا فيما بعد أن ينشروا اسمه بين الناس كلها قائلين: "يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ" (سفر أعمال الرسل 5: 29).
16- حاول أن تعذر غيرك. وتفكر فيه على أنه مسكين صغير، مسكين يخطئ عن ضعف، مسكين غير قادر على أن يتخلص من طبعه، مسكين يخطئ عن جهل، غدًا يتغير إلى الأحسن ويتخلص من هذه الضعفات.
17- حاول أن تكسب المسيء إليك لا أن تخسره، ولا تعامله بالمثل.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/a2dts7y