لو دخل المصلي إلي أعماقها، وأدخلها إلي أعماقه، لأمكنه أن يكتفي بها دون أية صلاة أخري. هذا إذا صلاها بفهم وتأمل وعمق. أما إذا صلاها بسرعة روتينية، ولم يشعر بروحانية الصلاة، يكون العيب في السرعة والروتينية، وليس في هذه الصلاة..
يكفي أنها تسمي الصلاة الربية، لأن الرب علمنا إياها.
ففي عظته علي الجبل التي تعتبر دستورًا للمسيحية، قال "صلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السموات.." (مت 6: 9- 13). وفي إحدى المرات سأله واحد من تلاميذه قائلًا "علمنا يا رب أن نصلي، كما علم يوحنا تلاميذه. ولاشك أن التلاميذ كانوا يصلون، ويعرفون كيف تكون الصلاة. ولكن السؤال كان يحمل معني معرفة الصلاة المثالية. فقال لهم الرب "متى صليتم فقولوا: أبانا الذي في السموات.." (لو 11: 1 –4).
وعبارة "متى صليتم فقولوا.." جعلتنا نقول هذه الصلاة باستمرار..
بها نفتتح كل صلاة طقسية، وكل صلاة من صلوات الأجبية، وكل صلواتنا الخاصة. وبها نبدأ كل اجتماع، وبها نختمه. ولسنا نحن فقط الذين نستخدم صلاة "أبانا الذي"، بل كل كنائس العالم أيضًا..
مادام الله قد علمنا هذه الصلاة، إذن فهي توافق مشيئته.
كثيرًا ما نصلي صلوات نعبر فيها عن أفكارنا ورغباتنا ومشيئتنا الخاصة، ولا ندري هل توافق مشيئة الله أم لا.. أما في الصلاة الربية، فإننا نخاطب الله بكلماته هو، بطلبات علمنا هو أن نقدمها. فهي موافقة تمامًا لمشيئته الإلهية. وهكذا نصليها ونحن مطمئنون.. وواثقون أننا لا نطلب من الله إلا ما يريد هو أن نطلبه. هذه الصلاة تشتمل علي سبع طلبات. الثلاثة الأولي خاصة بالله، والباقية خاصة بنا. وكما أنه في الوصايا العشر التي كتبها الله بإصبعه (خر 31: 18) كان اللوح الأول خاصًا بالوصايا تجاه الله، وكان اللوح الثاني خاصًا بالوصايا المتعلقة بمعاملات البشر والبشر.. ذلك لأن العلاقة بالله أهم.. وإن استطعنا أن نكون في علاقة طيبة مع الله فإننا سنكون بالتالي وبالضرورة في علاقة طيبة مع الناس. وهكذا الصلاة التي علمنا إياها: الطلبات الثلاث الأولي منها خاصة بالله: ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك.. أما الطلبات الأربع الأخيرة فهي خاصة بنا: "خبزنا.. أعطنا". اغفر لنا ذنوبنا. لا تدخلنا في تجربة. نجنا من الشرير.
نحن نطلب قبل كل شيء من أجل أن يكون اسم الله مقدسًا بين الناس، وأن تكون مشيئته نافذة، وملكوته قائمًا. فهذا هو المهم. بغض النظر كانت طلباتنا أو لم تكن.. نطلب أولًا ملكوت الله وبره (مت 6: 33). إننا إن أحببنا اسم الله ومشيئته وملكوته، فلابد أن أمورنا الخاصة ستتحسن، وباقي طلباتنا تستجاب.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وكل هذه تُزاد لنا، حتى دون أن نطلب.. إن الله هو الأول في الوصايا العشر، والأول في الصلاة الربية. وكذلك هو الأول في الطاعة، لأنه " ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29). وإن كان هناك ما يرضي الناس علي حساب طاعة الله، فالله يفضل حتى لو غضب الناس. وفي ذلك يقول الرسول " إن كنت بعد أرضي الناس، فلست عبدًا للمسيح" (غل 1: 10) هذا الذي قال "مَن أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني.." (مت 10: 37). والله أيضاَ الأول في الحب. فقد قال " تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولي والعظمي" (مت 22: 37، 38). وطبيعي إن كان الإنسان يحب الله من كل قلبه، فلابد أنه بالتالي سيحب قريبه.. نحب الله ومشيئته وملكوته، ثم بعد ذلك نطلب لأنفسنا.
فقد قال الكتاب: [ملعون مَن يتكل علي ذراع بشر] (أر 17: 5). ويقول المزمور "الاتكال علي الله خير من الاتكال علي البشر. الرجاء بالرب خير من الرجاء بالرؤساء (مز 117). في كل احتياجاتنا نتجه إلي الله. نرفع إليه قلوبنا قبل أيدينا: "لأن كل عطية صالحة وكل موهبة تامة، إنما هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار" (يع 1: 17). الله مصدر كل خير. هو يريد أن يعطي، وهو قادر أن يعطي وهو وحده الذي يعطي وليس البشر وفي بعض صلوات الكنيسة نكرر عبارة "من الرب نطلب".
حتى العطايا التي نأخذها من الناس، إنما نأخذها من الله عن طريقهم..
هو الأصل. هو الذي أعطاهم ما يعطونه لغيرهم. وهو الذي وضع في قلوبهم أن يعطوا.. لذلك فنحن نطلب منه كل طلباتنا كذلك فإن العطية التي نأخذها من الله، نضمن أنها سليمة وصالحة.
ذلك لأن الرب قال لتلاميذه "كل ما طلبتموه من الآب باسمي يعطيكم. إلي الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي. اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملًا" (يو 6: 23، 24). وقال أيضًا".. لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي" (يو 15: 16). وكرر عبارة "تطلبون باسمي" في (يو 16: 26). فنحن لذلك نقدم كل طلباتنا باسمه.. ونختم هذه الصلاة الربية بتمجيد لائق بالله. هذا الله المعطي، نتجه إليه كأب ونقول له: "يا أبانا"..
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/fp8xghs