وبهذا نقسم نقاوة القلب إلى نوعين: نوع يمكن أن نناله هنا على الأرض، وهو ما قد ذكرناه. ونوع لا نناله إلا في الأبدية في العالم الآخر، نذكره هنا لكي نشتهيه ونطلبه، ولكي نعرف مقدار عمق النقاوة التي ستكون لنا هناك...
إن الذي أفقدنا نقاوتنا الأولى، هو أكْلِنا من شجرة المعرفة.
كنا لا نعرف إلا الخير فقط. فلما أكلنا من شجرة معرفة الخير والشر، صرنا نعرف الشر أيضًا. ودخلنا في ثنائية الخير والشر، البر والإثم، الحلال والحرام.
أقصى ما نصل إليه حاليًا، هو أنه مع معرفتنا للخير والشر، نختار الخير ونسير فيه. أما إننا لا نعرف الشر إطلاقًا، فهذه درجة عالية لن نصل إليها على الأرض. إنما ستوهب لنا في الأبدية، حينما نلفظ الثمرة التي أكلناها. وحينئذ:
لا نعرف سوى الخير فقط. ونتخلص من ثنائية الخير والشر.
تصبح لها صفة البساطة والبراءة التي لا تعرف شرًا.
مثل الطفل البريء الذي لا يعرف شيئًا من المكر والتدابير والحيل والشرور التي يقدمها له المجتمع فيما بعد، فتفقده براءته.
نقاوة مثل نقاوة آدم وحواء قبل الأكل من ثمرة الشجرة، تلك التي أدخلت في عقله أفكارا لم تكن فيه من قبل، وأفقدته بساطته، وتفتحت عيناه على أمور، لعله يقول: "ليتني ما كنت قد عرفتها"... ثم تطور الإنسان من معرفة الشر إلى اختباره.
فإن كنت قد عرفت أشياء عن الخطية، لا تُكْمَل المسيرة.
ما دامت معرفة الخطية تضرّك، فلا تُضِف إليها شيئًا جديدًا. وحاول أن تنسى ما عرفته بعدم استعماله، وعدم الحديث عنه. ولا تُفكّر في تلك المعلومات. وإن تذكرتها، حاول أن تستبدلها بغيرها.
ولا تجعل معرفة الخطية تتحول من معرفة سطحية إلى معرفة عميقة. ولا تجعلها تتحول من معلومات إلى اختبار، إلى مذاقة، إلى قبول أو صراع معها.
أوقف هذه المعرفة عند حد، على قدر إمكانك.
واطلب من الله أن ينقي أفكارك، ويطهر عقلك الباطن وذاكرتك، من كل ما ترسب فيها وما تسجل فيها...
واسرح في إكليل الرب الذي سيهبه الرب لنا، في ذلك اليوم (2 تي 4: 8). حينما تنزع منا كل معرفة للخطية، ولا توجد خطية فيما بعد. وتصبح كل خبراتنا مع الخطية في هذا العالم، كأنها حلم مزعج قد استيقظنا منه في الأبدية، وقد نسيناه تمامًا... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). حقًا ما أجمل هذا!
ولكن ما دامت النقاوة من معرفة الخطية، ليست في هذا العالم، فماذا نفعل؟
دربوا أنفسكم على حياة البساطة الروحية.
لا تجعلوا عقلكم وحده هو الذي يعمل، في تعقيدات الفكر والجدل، إنما أضيفوا إليه بساطة الروح. ولتكن لكم العين البسيطة النيرة. ولا تختلطوا بالخطية ولا بأفكارها وقصصها، حتى لا تتدنس أذهانكم بتذكار الشر المُلبِس الموت.
واصبروا على النقاوة، مهما تأخر وصولها. واطلبوها كهبة من الله لكم. واجعلوا الشر دائمًا خارجكم، مهما كثرت حروبه.
وليكن الرب معكم(1).
_____
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/6q2mxab