متى نخرج من المشغوليات، ونعطى وقتًا لله؟!
متى يستريح اللسان من الكلام ؟ ومتى تستريح القدمان من الجري، واليدان من الشغل ويتفرغ الإنسان إلى الله، ويهدأ ويجد وقتًا لروحه..؟ متى يعتبر الوقت الذي يقضيه مع الرب ربحا له، ومتعة لنفسه، وليس اقتطاعًا من أمور العالم التي يحبها. إن الله إنقاذا للناس من مشغولياتهم، قال لهم: إنني أريد أن أريحكم. ولكنكم لا تريدون أن تريحوا أنفسكم، لأنكم دائما في مشغولية. ماذا أفعل إذن من أجلكم؟
أعطيكم يوما في الأسبوع، تتحررون فيه من مشغولياتكم.
يكون يومًا مقدسًا لي: (عملًا من الأعمال لا تعملون فيه) (لا 30:23) إنه يوم لأرواحكم. حتى إن غفوتم طوال الأسبوع، تستيقظون فيه. ولكن هل استجاب الناس لبركة يوم الرب؟! إنهم ما زالوا مشغولين في يوم الرب أيضًا. الأعمال الخاصة التي لم يستطيعوا أن ينجزوها في أيام العمل الرسمي، يعملونها في يوم الرب. وإن استطاعوا أن يتفرغوا، يقضون هذا اليوم في ملاهيهم ومتعهم. وبدلا من يسموه اليوم المقدس holiday يسمونه week-end أي نهاية الأسبوع وقد تكون مشغولياته وعثراته أكثر من أيام الأسبوع. وتستمر الكرة تتدحرج فيه، ولا يكون مجال للروح!
الله يريد أن يقضي وقتًا معنا، ونحن لا نريد!
كإنسان خطب فتاه. وكلما يزورها لكي يقضى معها وقتًا، من فرط محبته لها، يجدها مشغولة في ترتيب أمور البيت، في الكنس والمسح، وغسل الملابس وكيها، وأمور الطهي والتنظيف ويحاول جاهِدًا أن يقنع خطيبته بأن تجد وقتًا تجلس معه، ولا فائدة، أنها مشغولة باستمرار! هل تظنون مثل هذه الخطيبة تستحق عريسها الذي يحبها؟ أليس من الحكمة أن تغير أسلوبها؟
ماذا يفعل هذا الخطيب، إن كان في كل مرة يأتي إلى خطيبته، يجدها مشغولة عنه لا تلتفت إليه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى).
عجيب أن الله يريدنا، ونحن لا نريده، عجيب أن ننشغل عن أخلص حبيب. يكلمنا، ونحن لا نجيب. يدعونا إليه، فلا نستجيب عجيب هذا حقا عجيب..
شاب يسأل: أنا مشغول في دروسي، فهل أترك الخدمة؟!.. كيف تترك الخدمة يا ابني أليس هناك يوم في الأسبوع هو يوم الرب، تخدم فيه؟ أنت لا تملك هذا اليوم، حتى تشغله بالدروس أو غيرها. إنه ملك للرب. سمح الله أن كل دول الإدارات والمصالح والمؤسسات، تمنح العاملين فيها يوم عطلة في الأسبوع. إنه يوم الرب. لا يجوز أن ننشغل فيه بغير الرب. وإلا كانت هذه المشغولية تحمل اعترافًا ضمنيًا، بأن الله ليست له أهمية في قلبك وفي تقييمك لمشغولياتك!
وعجيب أننا ننشغل عن الرب، ونلوم المنشغلين به!
مثال مرثا أخت مريم، انشغلت عن السيد المسيح بأعمال البيت وأمور الضيافة. ولم تكتف بهذا، إنما بكل تأثر وَجَّهَت لومها إلى مريم، لأنها جلست عند قدمي الرب تستمع إليه! وكأنها تقول عن أختها: لماذا تجلس في هدوء؟ لا تنشغل مثلي ومعي؟ هل جلوسها مع الرب أهم من عملها معي؟ لذلك وبخها السيد المسيح على مشغوليتها هذه، وقال لها: أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، والحاجة إلى واحد (لو10:40، 41). وأصبحت مرثا مثالًا للمشغولية التي تُعَطِّل عن الجلوس مع الرب.
ومثال هذا أيضًا الذين تجرفهم أمور العالم، حتى ما يجدون وقتًا للصلاة. فإن وجدوا راهبًا متوحدًا قد تفرغ للجلوس مع الرب، في صلاة وتأمل، يصيحون قائلين: فلينزل ليخدم معنا! ويتهمون الرهبان بحياة الكسل، وعدم الاهتمام بالكنيسة، وعدم المبالاة بخلاص الأنفس المحتاجة!!
إنهم لا يجدون وقتًا للصلاة، ويلومون الذين يصلون. ويصيحون فيهم كما صاح فرعون في الشعب الذي أراد أن يخرج ليعبد الله (متكاسلون أنتم متكاسلون، لذلك تقولون نذهب ونذبح للرب) (خر 17:5).
المشغولية عن الرب زحفت، حتى دخلت مجال الخدمة أيضًا!
فترى مثلًا خادمًا كبيرًا، مسئولًا عن فرع هام من فروع الخدمة، ومع ذلك لا يجد وقتًا للصلاة والتأمل والجلوس مع الله. فتلومه على ذلك. ولكنه يصيح: ألعلك لا تعرف مدى المسئولية المُلقاة عليَّ، ومدى المشغولية التي أنا فيها: أمامي كراسات التحضير، وفصول أعداد الخدام والمكتبة، والنادي، والصور، ووسائل الإيضاح، وتنظيم الأنشطة المتعددة والافتقاد، واجتماع الشبان، ومشكلة المتكلمين.. من أين أجد وقتًا للصلاة؟! اعذرني.
وبهذا تَجِف روح الخادم، بينما يظن أنه في عمق الخدمة!
وتصبح الخدمة لونًا من النشاط، خالية من الروح، كل تنظيماتها تدخل في حدود الأوامر والنواهي. وتصبح الكلمات التي تُلْقَى عن الصلاة والتأمل والعمل الروحي، مجرد كلمات من الكتب، بلا خبرة روحية، وبلا ممارسة، وبدون تَذَوُّق لله نفسه.
وقد ينطوي تحت هذا المثال أيضًا كثير من العاملين بنشاط كبير في المجال الديني! حتى أن الله يبحث عمن بقى له إن كان الكل، داخل بيته وخارجه، منشغلين عنه؟!
هنا و أتذكر بعض أبيات شعرية، قلتها في هذا المجال:
دخلت البيت لا مرثا بساحته ولا مريم
فمن للرب في البيت وكيف إذا أتى يخدم؟
ومن يهفو لمقدمه ومن يجرى ومن يبسم؟
ومن يرنو لطلعته ومن يصغى ومن يفهم؟
ومن بكلامه يشدو طوال الليل أو يحلم؟
إنها حقًا مأساة، أن العالم كله منشغل عن الله.. حتى بعض الذين كرسوا أنفسهم له!.. بالكاد يجاهد الناس لكي يحصلوا على وقت يقضونه معه! وأي وقت؟! وقت تتنازعه أفكار العالم واهتماماته.
لذلك جميلة جدًا هي صلاة نصف الليل، التي يصليها الآباء الرهبان في الأديرة، لو أمكن أن يصليها أحباء الله في المدينة.. يرفع الإنسان يديه إلى السماء، ويقول للرب: هوذا الكل نائم، والجو ساكن، يمكنني يا رب أن أنفرد بك، في هدوء هذا الليل، وبدون عائق من أحد، قبل أن يصحو الناس، وتعود الضوضاء إلى المدينة، ويعود الصياح والضجيج. أنا هنا أخلو بك، وأفتح لك قلبي.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). كما قال المزمور (في الليالي ارفعوا أيديكم أيها القديسون، وباركوا الرب).
حسنٌ أن يفعل أحد هكذا، ولكن في الواقع نادرا ما نجد.. تسأل زميلا لك (هل تصلى صلاة باكر؟ ) فيقول لك: ما أن استيقظ حتى أستعد بسرعة للذهاب إلى العمل، قبل زحمة المواصلات..! وتسأله عن صلاة النوم، فيقول لك أرجع إلي بيتي متأخرًا، متعب الجسد جدًا ألقى بجسمي على فراشي لأنام!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2kgy3hf