"وصُلِبَ عنا على عهد بيلاطس البنطي".
عبارة "صلب عنا" تعني نيابة عنا أو بدلًا منا.
نحن الذين كنا مستحقين الموت، لأننا أخطأنا و"أجرة الخطية هي الموت" (رو6: 23). "بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت. وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع" (رو 5: 12).
ثم جاء المسيح الذي بلا خطية تستحق الموت، لكي يموت عن الخطاة الذين هو تحت حكم الموت.
بهذه الشهادة دافع عنه اللص اليمين، فقال لزميله المجدف "أما نحن فبعدل (جوزينا) لأننا ننال استحقاق ما فعلنا. وأما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محله" (لو 23: 41) وأيضًا بيلاطس الذي حكم أخيرًا بصلبه، قال لرؤساء اليهود الذين قدموه للموت "إني لم أجد علة للموت" (لو 23: 22،14). وقال أيضًا "إني بريء من دم هذا البار" (مت 27: 24) وهكذا صلب هذا البار، نيابة عنا نحن المستحقين الموت.
"كلنا كغنم ضللنا. مِلنا كل واحد إلى طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا" (أش53: 6).
إذن مات عنا لكي يفدينا بموته. والفداء يعني أن بارا يموت عن مذنب. فالخاطئ يموت بسبب خطيئته. أما البار -في الفداء- فيموت عن خطيئة غيره، ليفدى هذا الغير من حكم الموت. ولم يكن هناك بار ولا واحد. بل المسيح هو الوحيد البار "الجميع زاغوا معًا وفسدوا. وليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (مز 14: 3).
أما المسيح فهو القدوس، الذي يمكنه أن يموت عن غيره.
في البشارة بميلاده، قال الملاك جبرائيل للقديسة العذراء "القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو1: 35). والقديس بطرس الرسول لما وبخ اليهود على صلب المسيح، قال لهم "أنتم أنكرتم القدوس البار، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل" (أع 3: 14). وقال عنه القديس بولس الرسول "كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا، قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السموات" (عب 7: 26). إنه قدوس، ولكنه حمل خطايانا.
في صلبه: لم يكن خاطئًا، إنما حامل خطايانا.
حامل خطايا غيره خطايا العالم كله، خطايا الماضي والحاضر والمستقبل. قال القديس يوحنا الرسول".. إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب: يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضًا" (1 يو 2: 1، 2). وقال عنه القديس يوحنا المعمدان: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يو1: 29).
إنه يذكرنا بذبائح ومحرقات العهد القديم التي كانت ترمز إليه:
في العهد القديم، كان الخاطئ يأتي بذبيحة كفارة عن خطاياه. يأتي بحيوان بريء ويضع يده عليه. ويقر بخطاياه على رأس الذبيحة. وكان وضع يده على رأس الذبيحة، إشارة إلى قبوله لأن تنوب عنه وأيضًا إشارة إلى انتقال خطاياه إليها، حتى تحملها وتموت نيابة عنه. وهذه الحيوانات البريئة التي كانت تذبح وتموت، لم تكن خاطئة، وإنما حاملة خطايا، تحمل خطايا الذين يؤمنون بالكفارة والفداء، ويقبلونها عنهم.
قيل عن ذبيحة الخطية إنها قدس أقداس (لا 6: 25).
وتكرر هذا التعبير أيضًا "إنها قدس أقداس" (لا6: 29). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ولذلك كانت تذبح في المكان الذي تذبح فيه المحرقة، وقيل عن المحرقة أنها "رائحة سرور للرب" (لا1: 9، 13، 17). كذلك قيل عن تقدمة الدقيق أنها "رائحة سرور للرب" قدس أقداس من وقائد الرب" (لا2: 2، 3، 9، 10). كذلك قيل عن ذبيحة الإثم قدس أقداس. في المكان الذي يذبحون فيه المحرقة، يذبحون ذبيحة الإثم" (لا7: 1، 2).
وهكذا كان المسيح: ذبيحة خطية وذبيحة إثم، وقدس أقداس فيما يحمل خطايا العالم، وكان رائحة سرور للرب.
كانت هذه الذبائح التي تحمل الخطايا، "تحرق أجسادها خارج المحلة" (عب13: 11). وهكذا المسيح أيضًا "لكي يقدس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب"، صلبوه خارج المحلة، لأننا نحن كخطاة، كنا معتبرين خارج المحلة..
فخرج هو خارج المحلة نيابة عنا، لكي بذلك يدخلنا إلى داخل المحلة.
صلب عنا ومات عنا، لكي نحيا نحن بموته. لقد تحدوه قائلين "لو كنت ابن الله، انزل من على الصليب" ( مت27: 40) "فلينزل الآن على الصليب فنؤمن به" (مت27: 42) (مر15: 32).. ولكنه لم يفعل ذلك لأنه أراد أن يموت عنا، لكي نخلص نحن بموته.
ولكن لماذا اختار الموت مصلوبًا.
أولا: لأنه كان أكثر أنواع الموت آلامًا. تنزف فيه كل دمائه وتتمزق فيه كل أعصابه إلى جوار الآلام بسبب احتكاك المسامير بجسده.
ثانيا: لأن آلام الصلب تستمر مدة أطول. ربما قطع الرأس لا يأخذ سوى لحظة. وكذلك آلام الحرق تستمر لحظات، وأيضًا الشنق. وباقي أنواع الإعدام قد لا تقضي سوى دقائق. أما صلبه فقد استمر ثلاث ساعات. من السادسة إلى التاسعة، يضاف إليها عملية الاستعداد لصلبه.
ثالثا: لأن الصليب فيه تشهير به وإعلان لعقوبته. فالصليب في مكان مرتفع يراه الجميع. وكثير من أهل المدينة وخارجها يرونه.
رابعا: لأن الموت صلبًا، كان يعتبر لعنة في العهد القديم، في ناموس موسى (تث21: 22، 23). "لأنه مكتوب: ملعون كل مَنْ عُلِّقَ على خشبة" (غل 3: 13). فالسيد المسيح بصلبه "افتدانا من لعنه الناموس" باحتماله لها بدلًا منا.. ولأن موت الصليب موت وعار، لذلك قيل عنه "وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب" (في 2: 8).
لقد ناب في الصلب والموت والعار واللعنة. وليس في هذا كله فقط:
عندما صام، صام عنا. وما كان محتاجًا مثلنا إلى الصوم. وحينما دخل في معمودية التوبة، إنما دخلها نيابة عنا لأنه ما كان محتاجًا إلى المعمودية، ولا إلى توبة. وكذلك في طاعته لكل وصايا الناموس "لكي يكمل بر" (مت3: 15)، إنما خضع للناموس نيابة عنا. حيث قدم لله الآب صورة عملية للإنسان الكامل، في وقت لم يوجد فيه الكمال على الأرض. إذ الجميع ضلوا وزاغوا، وأعوزهم مجد الله. قدم له ناسوتًا كاملًا بلا خطية يفعل في كل حين ما يرضيه (يو8: 29).
لقد صلب المسيح عنا. ولكن لماذا قيل قانون الإيمان:
صلب عنا بيلاطس البنطي.
إنها حادثة تاريخية، أراد قانون الإيمان أن يثبت زمنها أيضًا من الناحية التاريخية بالضبط، في عهد أي وال من ولاة الرومان. وذكر أيضًا إنه "صلب عنا وتألم".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/dwwhj79