1 قرأت في أحد الكتب فقرة يقول فيها قائلها:
,, شاول الملك عندما مسحه صموئيل النبي، قال له: (يحل عليك روح الرب.. وتتحول إلى رجل آخر) (1صم 10: 6). وقد تم هذا القول لشاول في لحظة. إذ يسجل الكتاب قائلًا: (وكان عندما أدار كتفه لكي يذهب من عند صموئيل، أن الله أعطاه قلبًا آخر) (1صم 10: 9) ولاحظ تعبير الكتاب أنه (عندما أدار كتفه) وإدارة الكتف لا تستغرق وقتًا (أه).
وفى الواقع لست أجد في هذه القصة دليلًا على الخلاص في لحظة، إنما أرى فيها دليلًا على عكس هذا!!
شاول الملك تغير فعلًا، وتغير في لحظة، وأعطاه الله قلبًا آخر، وعمل روح الرب فيه، فتنبأ مع الأنبياء، حتى قال الناس في تعجب: (أشاول أيضًا بين الأنبياء؟!)
كل هذا حدث حقًا. ولكن ماذا كانت نهاية شاول؟
2 إن شاول الذي تغير في لحظة، وحل عليه روح الرب وتنبأ، لم يخلص أبدًا، بل هلك!
فقد ختمت حياة هذا الإنسان بمأساة، قال فيها الوحي الإلهي: (وفارق روح الرب شاول، وبغته روح رديء من قبل الرب) (1صم 16: 14) وكان يحتاج إلى داود، لكي يضرب له على العود فيهدأ. (والرب ندم لأنه ملك شاول على إسرائيل) (1صم 15: 35) ولما ناح عليه صموئيل النبي، قال له الرب: (حتى متى تنوح على شاول، وأنا قد رفضته؟!) (1صم 16: 1)
3 حقًا إن التغير شيء، والخلاص شيء آخر.
ولا يجوز أن نأخذ الكلام عن التغير، كلامًا عن الخلاص.
إن شاول الملك لم ينل الخلاص بتغيره، ولا بحلول روح الله عليه، ولا بموهبة النبوة التي منحت له، ولا بالمسحة المقدسة التي نالها من صموئيل النبي!! وكانت نهايته إلى الهلاك. ولهذا فإن الكتاب لا يعطى الأهمية الكبرى، ولا اسم الخلاص للتغيرات التي تحدث حتى للقديسين، وإنما يقول: (أنظروا إلى نهاية سيرتهم) (عب 13: 7)
4 وما أسهل أن التغير إلى أفضل، يعقبه تغير آخر إلى أسوأ. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وحياة الإنسان دائمة التغير. والمهم هو كيف تنتهي أيام غربته في العالم.
ومثال شاول الملك هذا، عن التغير اللحظي، لا يخدم بدعة الخلاص في لحظة، بل هو ضدها تمامًا.
ونفس الكلام نقوله أيضًا إن التغير في حياة التوبة، حتى لو تم في لحظة..!
5 وقد يتغير إنسان في لحظة، من خاطئ إلى تائب!
ولكن ذلك لا يعنى أنه قد خلص، فقد يفقد توبته.
توبته قد تنقله من الموت إلى الحياة! ثم يعود إلى الموت مرة أخرى، إن لم تستمر معه التوبة، وعاد إلى الخطية، وأجرة الخطية موت (رو 6: 23)
وقد تكون التوبة قوية جدًا، وعمل النعمة قويًا جدًا.
6 ويتحول في التوبة من خاطئ إلى قديس، ثم يفقد قداسته ويسقط ولا يكون قد خلص في لحظة!
وبغض النظر عن أن كلمة قديس، أطلقت في الكتاب في أحيان كثيرة على عموم المؤمنين، كما قال بولس الرسول: (سلموا على قديس في المسيح يسوع) (فى 4: 21) (ساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لأجل جميع القديسين) (أف 6: 18) وأرسل القديس بولس رسائله إلى (جميع القديسين في المسيح يسوع الذين في فيلبي مع أساقفة وشمامسة) (فى 1: 1) وإلى (القديسين أجمعين الذين في أخائية) (2كو 1: 1) وإلى (القديسين الذين في كولوسي) (كو 1: 2) (انظر أيضًا في 4: 22، 13: 24، 1 كو 1: 2، 2 كو 13: 13).
بغض النظر عن كل هذا، نقول: كم من قديسين سقطوا، وفقدوا الدفعة الأولى في حياتهم التي حولتهم إلى قديسين، واحتاجوا إلى تكرار التوبة والتغير من جديد..
داود النبي كان قديسًا، وسقط، واحتاج إلى توبة ودموع. وشمشون كان قديسًا، ومن رجال الإيمان (عب 11: 32 ) ومع ذلك سقط، واحتاج إلى توبة لكي يخلص. وسليمان كان قديسًا، وتحدث مع الله أكثر من مرة وتراءى له في جبعون، ومنحه قلبًا حكيمًا مميزًا لم يكن مثله من قبل ولا من بعد (1مل 3: 5 12) وتراءى له ثانية بعد تدشين الهيكل، وأخبره أنه سمع صلاته (1مل 9: 2، 3) ومع ذلك سقط سليمان (1مل 11: 4) وأحتاج إلى توبة.
ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن قديسين في التاريخ سقطوا، واحتاجوا إلى توبة لخلاصهم، ومن أمثلتهم يعقوب المجاهد، وموسى السائح، وبائيسة.. وغيرهم.
إذن الوصول إلى القداسة شيء، والوصول إلى الخلاص شيء آخر، إذ يمكن فقد القداسة. والإنسان دائم التغير.
7 يمكن أن يتغير الإنسان من خاطئ إلى قديس، ولا يكون قد خلص بعد، لأنه محتاج إلى الثبات في القداسة، وليس إلى مجرد التحول إليها..
وهوذا الرسول يقول: (فإذا لنا هذه المواعيد أيها الأحباء، لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح، مكملين القداسة في خوف الله) (2كو 7: 1) ويقول: (يثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة) (1تس 3: 13).
8 لذلك نقول إن الخلاص هو قصة العمر كله، يمر فيها الإنسان على الإيمان والتوبة والمعمودية والقداسة، ويحتاج إلى أن يثبت.
إنه يتغير في سلوكه في حالة إلى أخرى. ولكن عليه أن يثبت في الحالة الفضلى التي يصل إليها. ولا يظن أن مجرد التغير هو الخلاص..
9 وهناك من يتغير ويخلص، ولكنه لا يخلص في وقت تغيره.
شاول الطرسوسي مثلًا: تغير قلبه من مضطهد للكنيسة إلى مؤمن بالرب يسوع وصار أناء مختارًا (أع 9) ولكنه لم يخلص في لحظة لقائه بالرب، وفي لحظة هذا التغير.
بل أرسله الرب إلى حنانيا الذي قال له: (أيها الأخ شاول.. لماذا تتوانى؟ قم اعتمد واغسل خطاياك) (أع 22: 16) إذن خطاياه لم تكن قد غسلت حتى ذلك الوقت. فلما اعتمد اغتسل منها وخلص (مر 16: 16).
إذن ساعة التغير، ليست هي ساعة الخلاص
كما أن كثيرين يحتاجون إلى مدة طويلة للتغير..
10 ما أكثر نواحى التغير في حياة الإنسان. ولكن ليس كل تغير خلاصًا. إنك قد تتأثر بعظة أو بقراءة معينة، فتغير شيئًا من حياتك، أو تغير حياتك كلها. ولكن هذا التغير ليس هو الخلاص ربما مزمور واحد يغير حياتك، أو آية تغير حياتك، أو معجزة تغير حياتك. تغيرها إلى التوبة أو التكريس مثلًا.
11 ولكن تكريس الحياة شيء، والخلاص شيء آخر
إن آية واحدة سمعها الأنبا أنطونيوس، استطاعت أن تغير حياته فذهب وباع كل ماله وأعطاه للفقراء، واتجه إلى حياة الرهبنة. أيجرؤ أحد أن يقول إن الأنبا أنطونيوس نال الخلاص، حينما سمع هذه الآية وتغير؟!
حقًا إنه تغيير. ولكن الرهبنة شيء، والخلاص شيء آخر.
إذن لا يجوز أن نأخذ كل تغيير على أنه خلاص!
12 حدث أيضًا أن القديس أوغسطينوس جلس جلسة روحية مع نفسه، قادته إلى التوبة وتغيير الحياة. وكانت جلسة تاريخية حاسمة، ولكنه لم ينل الخلاص في تلك الجلسة. ولقد قرأ كتاب حياة الأنبا أنطونيوس، وتأثر به جدًا. ولكن هذا التأثر وما تبعه من تغيير لم يكن هو الخلاص، إنما كان خطوة في الطريق.
إن الجلسة مع النفس هامة، وقد تكون نتيجتها تغيرًا أو سعيًا إلى التوبة. ولكنها مجرد خطوات إلى الله.
ليست هذه الخطوات هي الخلاص، إنما تقود إليه.
قد تأخذ من الجلسة قوة من الله ونعمة تعينك في حياتك. وقد تنتهي إلى تصميم داخلي على التوبة. كل هذا حسن ومفيد، ولكن ليس هو الخلاص. إنها مجرد وسائل.. هكذا كان القديسون يجلسون إلى أنفسهم، أو يدخلون داخل أنفسهم. ولكنهم لم ينالوا الخلاص في تلك اللحظات، إنما نالوا نعمة وبركة.
بعض من الذين تغيروا، ونالوا خلاصًا بالإيمان والتوبة والمعمودية، تعرضوا لتغيير عكسي أوصلهم إلى الردة.
وقص هذه الردة كثيرة في الكتاب المقدس: منها قصة ديماس الذي كان أحد مساعدي القديس بولس الرسول في الكرازة (كو 4: 14) والذي ذكره في إحدى المرات قبل القديس لوقا (فل 24) هذا تغير وارتد وقال عنه القديس بولس: (ديماس قد تركني إذ أحب العالم الحاضر ) (2تى 4: 9).
ومن أمثلة ديماس، أولئك الذين قال عنهم الرسول: (لأن كثيرين ممن كنت أذكرهم لكم مرارًا، والآن أذكرهم أيضًا باكيًا، وهم أعداء صليب المسيح) (فى 3: 18).
إن الردة رد على من يضعون عبارة (التغير) في موضع كلمة (الخلاص) وما أسهل أن يتغير الإنسان في لحظة، من خاطئ إلى تائب، إلى قديس. وينتقل من ظلمة إلى نور، ومن موت إلى حياة، وينال قوة.
ثم يتغير إلى العكس مرة ثانية، وقد يهلك أخيرًا!
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/dpx449c