St-Takla.org  >   Full-Free-Coptic-Books  >   His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online  >   20-Makalat  >   2-Ahram
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام يوم الأحد 10 إبريل 2011

العنف

 

العنف منفر ومنذ خلق الله الكائنات الحية‏,‏ لم يكن فيها عنف‏,‏ كان يعيش وسط الحيوانات‏,‏ ولم يكن يخاف أحدًا منها‏,‏ حتى ما سمي منها بالوحوش‏,‏ لم يكن متوحشًا أيام أبينا آدم‏.‏

أول قصة في قدم الخليقة كانت حينما قام أخو هابيل عليه فقتله, وكان هابيل هو أول ضحية للعنف وقتذاك, أو هو أول ضحية للعنف علي مدي العصور, وفي قصة الطوفان والفلك, كانت كل الحيوانات معًا, لكي لا يفني احد منها حين الخروج من الفلك, فلا يحدث افتراس من متوحش لأليف, وإنما بدأ التوحش, حينما بدأت مهنة الصيد, حينما كان الناس يطاردون الحيوانات ليصيدوا هذه الحيوانات ويفتكوا بها, وكان رد الفعل من جهة الحيوانات هو التوحش, ومن هنا أتي اسم الحيوانات المتوحشة.

وبعد رسوّ الفلك, صرح الله للإنسان أن يأكل من اللحم, أي من لحم الحيوانات الطاهرة, وقال لهم: غير أن لحمًا بدمه لا تأكلوه.

وأصبح الله يطالب بدم كل إنسان يقتل بدم الإنسان أخيه, وكان أخوته هم كل أبناء نوح.. غير أن القتل تفرع كثيرًا بأنواعه, فصارت هناك أنواع من الحروب: الهجومية منها والدفاعية, وبعد الحرب العالمية, فصدرت قائمة بأسماء مجرمي الحرب, لأنهم رأوا أن البعض كانوا مجرمين في حق البشرية جمعاء لمسئوليتهم عن تلك الحروب التي تسببوا بها في قتل وتشويه وتشريد عدد كبير من الناس بدون مبرر ولا داع, وهناك قوانين عالمية لمنع أسلحة معينة قاتلة أو مشوهة أو مدمرة, وقوانين أخري لمنع الاعتداء علي المستشفيات وعلي المدنيين والمؤسسات الإنسانية والأطفال والنساء أثناء الحرب.

هناك أنواع أخرى من القتل يؤدي إليها الغضب المدمر, وهي القتل المعنوي, وان كانت لا تقتل الجسد المادي كله, إلا أنها تقتل الأعصاب ومنها عبارات التشهير وإضاعة سمعة الإنسان وقيمته الأدبية ومركزه الاجتماعي بين الناس, كل ذلك يمكن أن نسميه بالقتل الأدبي.

St-Takla.org Image: Light VS Dark, artwork by D. Mslaad. صورة في موقع الأنبا تكلا: النور ضد الظلمة، الفنان د. ميسلاد.

St-Takla.org Image: Light VS Dark, artwork by D. Mslaad.

صورة في موقع الأنبا تكلا: النور ضد الظلمة، الفنان د. ميسلاد.

نقطة أخرى يمكن بها لأب قاس أن يلغي شخصية ابنه أو يحطمها بحيث ينشأ معدوم الشخصية لا يستطيع أن يتصرف في شيء, ومثله مثل أيضًا زوج مستبد مرءوسيه مع امرأته, أو رئيس مستبد في العمل مع مرؤوسيه, يحدث ذلك عن طريق سوء المعاملة أو تثبيط الهمة باستمرار, أو أشعار الإنسان في كل مجال انه عاجز وفاشل ولا يصلح لشيء, مع عدم إعطائه فرصة لإنماء شخصيته حتى يفشل ويخور, كل هذا قتل معنوي.

في غضب الإنسان قد يدخل مع آخر في اعتداء جسدي, أو الضرب والإيذاء والتعذيب والتشويه, وقد يتطور الاعتداء إلى أحداث عاهة مستديمة, بأن يفقده عضو من جسده, أو يشوه وجهه.. الخ.

إن تطورنا مع مثل هذا الغضب قد نصل حتى إلى مجرد جرح شعور إنسان.. وفي هذا أيضًا يمكن أن تدخل كل أمثلة قتل الأعصاب أو الإغاظة, أو يغلي المعتدي عليه داخل نفسه وتظل الأفكار تتعبه من الداخل, والحزن والألم والغيظ وكل ذلك يعكر دمه وربما يمرض.

هناك أنواع من الغضب الخاطئ تدخل في إرغام فتاة مثلا علي زواج لا تقبله, ويدخلها في شكوك نفسية متعبة كأن تهددها الأسرة بأنها في موقف رفضها إنما تدخل في مجال تعذيب أبيها أو أمها أو أن رفضها يؤدي إلى غضبهما أو إلى الشك في سمعتها بأنها تحب أنسانا آخر, وهناك عنف آخر يدخل في كثرة الشكوى من الصغار, والتهديد من الكبار، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. وكل ذلك ضد الوداعة والمحبة, حيث قيل عن السيد المسيح إنه: كان "لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ, قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ" (إنجيل متى 12: 19، 20).

هناك نوع آخر من العنف هو عنف التشامخ والسيطرة وقيل عنه في سفر إشعياء النبي: إن لرب الجنود يوما علي هؤلاء فيخفض تشامخ الإنسان, وتوضع رفعة الناس, ويسمو الرب وحده في ذلك اليوم. ونص الآيات هو: "فَإِنَّ لِرَبِّ الْجُنُودِ يَوْمًا عَلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَعَال، وَعَلَى كُلِّ مُرْتَفِعٍ فَيُوضَعُ.. فَيُخْفَضُ تَشَامُخُ الإِنْسَانِ، وَتُوضَعُ رِفْعَةُ النَّاسِ، وَيَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ" (سفر إشعياء 2: 12، 17).

وقد يغضب البعض لأنه يريد أن يتمم كل شيء حسب هواه, ويتضايق من الذين يقفون ضد إرادته أو لا يسلكون حسب رأيه وطبيعي أن الإنسان كثيرا ما يختلف في الفكر والاتجاه وفي الشعور والإرادة, ولا يمكن لهذا الإنسان أن يجد كل الناس يوافقونه, فإن أصر البعض علي اتجاه آخر لابد أن يصطدم بهم ويغضب, وقد يغضب الإنسان لأنه له رغبة لم تحقق: مثال ذلك الابن المدلل الذي يقدم رغبات يصر علي تحقيقها مهما كان الأمر, وقد يكون ذلك غير ممكن, أو ليس في صالحه, أو ليس مناسبا من جهة الوقت, ولكنه يغضب, وقد يثور لان رغبته لم تتحقق.

وقد تغضب الزوجة أيضًا بالمثل لرغبات تطلبها من زوجها ولم تتحقق, ولنفس السبب قد يغضب المرءوس من رئيسه في العمل ويثور عليه.

هناك سبب آخر للغضب هو حب التسلط, وهو تعب نفسي وروحي يقع فيه كثيرون ولابد أن يقود إلى الغضب, مادام هذا التسلط يريد أن يفرض إرادته علي غيره, بحق أو بغير حق, وهذا التسلط يتدخل في شئون الغير ويقيم نفسه وصيًا أو رقيبًا عليه, مما يؤدي إلى غضب هذا الغير, والي غضب المتسلط الذي يريد خضوع غيره له, ربما في كل مكان يحل فيه!

وان لم يأخذوا برأيه أو بأوامره يغضب, وقد يعاند ويتشاجر ويعلو صوته, أو يفرض رأيه بالعنف وبالعناد وبتصلب الرأي!!

هناك نوع آخر من الغضب يمكن أن يسمي بالغضب القِبَلي, أي انه إذا غضب عليك واحد منهم تجد كل من حوله ينضمون إليه كما قال الشاعر.

إذا غضبت عليك بنو تميم        وجدت القوم كلهم غضابا

مثل هذا لا يغضب لسبب شخصي، إنما تضامنًا مع أفراد فرقته.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/His-Holiness-Pope-Shenouda-III-Books-Online/20-Makalat/2-Ahram/CopticPope-Articles-243-Violence-2.html

تقصير الرابط:
tak.la/w5n6g2w