كلمة النجاح كلمة مُفرحة. والإنسان الناجح يكون فرحًا بنجاحه وسبب فرح لأسرته وأحبائه وللمجتمع المحيط به. وهناك أنواع من النجاح تكون فرحة للوطن كله. كما أن نجاح الإنسان روحيًا يكون سبب فرحة للملائكة وأرواح القديسين. ونتكلَّم حاليًا عن الفرح بمناسبة النتائج الدراسية وما تعلنه من نجاح كثير من التلاميذ.
* والنجاح كما يضم هؤلاء الصغار يضم أيضًا مَن حصلوا على جائزة نوبل، مثل الأديب نجيب محفوظ، والعالِم أحمد زويل، وكل مَن قدموا بحوثًا ناجحة، أو اختراعات تمَّ الاعتراف بها. كل أولئك كانوا سبب فرح لبلدهم ووطنهم.
فلا يكفي إذن مُجرَّد النجاح، إنما أيضًا التفوق والذَّكاء والنبوغ والعبقرية الذي يرفع رأس الجميع ويكون أيضًا سببًا للفخر وللإعجاب.
* ونحن لا نقصد بالنجاح مُجرَّد النجاح العلمي فقط، وإنما كل نجاح في كل الميادين: كنجاح المحامى إذا كسب قضية مُعيَّنة، ونجاح الطبيب في علاج مريضه، ونجاح العامل في إتقان عمله، ونجاح الفنان في إتقان دوره، ونجاح الوالدين في تربية أبنائهم، ونجاح فريق الكرة في كسب المباراة. وقد رأينا كيف أن بعض رؤساء الدول يرقصون فرحًا في نجاح فريقهم بالمونديال... كذلك يكون الفرح بأي اقتراح ناجح، أو أية فكرة ناجحة، أو أي مشروع يُلاقى نجاح.
* وكما يكون الفرح بالنجاح، يزداد الفرح أكثر بدرجة النجاح. فهناك فرق بين تلميذ ينجح نجاحا عاديًا، وبين آخر ينجح بتفوق وبامتياز. وأكثر منهما في سبب الفرح الأوائل حيث يكونون سبب فرح عميق لكل مُن يتصل بهم.
وعكس ذلك كله الفشل والرسوب وما يُسبِّبه من حزن ومن انهيار أحيانًا.
* والنجاح هو صفة من صفات الإنسان الروحي، الذي يكون ناجحًا في كل شيء، وكل ما يعمله ينجح فيه. فإن مقومات النجاح تكون في شخصيته لا تفارقه في كل ما يمارسه من أعمال. فيكون ناجحًا في وظيفته، وناجحًا في كسب احترام وثقة مَن يتعامل معهم. ويكون ناجحًا في أخلاقيته، وناجحًا في حياته العائلية، وناجحًا في رسالته وفي مهمته. ناجحًا أيضًا في ملاقاة الصعاب وفي حل المشاكل التي يتعرَّض لها، وناجحًا في النجاة من المكائد والمؤامرات. ولا يؤثِّر عليه شيء، بل يجتاز كل ذلك في نجاح.
* والتاريخ يعطينا يوسف الصديق كمثال، إذ كان ناجحًا ومحبوبًا في كل وضع: كان ناجحًا كابن في أسرة نال محبة والديه، وناجحًا كخادم في بيت ذلك المصري، وناجحًا كسجين يلتف حوله زملائه ويستشيرونه في مشاكلهم. كما كان ناجحًا كوزير ائتمنه فرعون على إدارة البلاد أيام المجاعة.
بلا شك أن هناك أمثلة كثيرة للناجحين في كل مراحل التاريخ: من القادة الناجحين في الحروب الذين أنقذوا بلادهم ورفعوا شأنها. ومن الفلاسفة والكُتَّاب الذين خلدت أسماؤهم وحفظ التاريخ تراثهم، ومن العُلماء الذين انتفع العالم بعلمهم على مر الأجيال وحتى الآن. ولا ننسى أيضًا المصلحين الاجتماعيين ومؤسسي الجامعات، وأصحاب الأنشطة المتعددة في مجالات كثيرة.
* على أننا في موضوع النجاح لا تهمنا كثيرًا البداية، إن كانت فاشلة أحيانًا. إنما تهمنا النهاية التي يحصل عليها الإنسان الناجح. فالإنسان الناجح كثيرًا ما تُقابله صعاب ومشاكل تعطله. لهذا كله لا تتعب مطلقًا، إن لم تحصلوا على النجاح في بداية الطريق. فالنجاح يحتاج إلى صبر وإلى مثابرة. أمَّا الإنسان الذي يدركه الملل والضجر والضيق، فهذا لا يستطيع أن ينجح. أمَّا الإنسان الروحي فلا يقلق، وإنما ينتظر ثمرة كفاحه حتى تنضج.
* والإنسان الروحي يكون ناجحًا أيضًا في داخل نفسه: يكون ذا نفسية قوية لا تتزعزع ولا تضطرب ولا تخاف. يكون ناجحًا في قلبه وفي أعصابه وفي إرادته. وقبل كل شيء يكون ناجحًا في علاقته مع الرب خالقه. ويسير في حياته كسهم نحو هدف، يصل إلى غايته بدون انحراف. ومهما هاجت الأمواج على سفينته، لا يضعف ولا يفشل من الداخل. ولا يلين إيمانه في إمكانية النجاح على الرغم من كل العراقيل التي تحاول أن تسد الطريق أمامه. بل يجد لذة في الانتصار على تلك العقبات، بنعمة من اللَّه. ونجاحه على الرغم من الصعاب يكون له فرح أكبر، ويعطى خبرة روحية عميقة في عمل اللَّه معه.
* والنجاح أيضًا يحتاج إلى حكمة وذكاء. فكثيرون يفشلون في حياتهم الروحية أو المادية أو العائلية أو في معاملتهم، كل ذلك بسبب نقص في الحكمة وفي حُسن التَّصرُّف، أو بسبب عدم وضوح الطريق أمامهم. فأمثال هؤلاء يحتاجون إلى إرشاد من مرشدين، لهم عقلية واعية حكيمة. ويحتاجون إلى صلاة لكي يرشدهم اللَّه في طرقهم.
* والنجاح يحتاج إلى عمل دؤوب. لأن الذي يزرعه الإنسان إيَّاه يحصد. ويحتاج النجاح أيضًا إلى صمود حتى النهاية. والإنسان الناجح إن فاتته فرصة يلتمس غيرها. وهو لا ييأس أبدًا. بل على العكس إن فشل في الخطوات الأولى، يعود فيقوم. وهو باستمرار يضع أمامه قصص الناجحين لكي يكونوا مُثلًا عليا يقتدي بهم، ويعرف وسائل نجاحهم في الحياة. وهو يحتاج في نجاحه أيضًا إلى بركة من اللَّه، وبركة من والديه.
وفي موضوعنا هذا لابد أن نُفرِّق بين النجاح الحقيقي والنجاح الزائف. فنجاح فتاة في إغراء أحد الشبان، هو نجاح زائف ومثله نجاح شاب في إسقاط فتاة. ومن أمثلة النجاح الزائف أيضًا نجاح شخص ماكر خبيث يخدع إنسان بسيط، ويفرح قائلًا: "قد نجحت اللعبة". وهنا تقف أمامنا مشكلة منذ القديم وهى: "لماذا تنجح أحيانًا طرق الأشرار؟ وقد اطمأن الغادرون غدرًا؟! "، هنا ونذكر مثالًا ذكره القديس أغسطينوس إذ قال: "إن نجاح الأشرار كالدخان الذي يرتفع إلى فوق وتتسع رقعته وفي كل ذلك يتبدد. أمَّا النار فتبقى تحت لا تعلو مثل الدخان. ولكنها تظل في قوتها وحرارتها وفاعليتها، لا تتبدد مثله في الارتفاع". لذلك فنجاح الأشرار هو نجاح زائف ومؤقت، وبطُرُق شريرة.
المهم إذن هو النجاح الحقيقي الذي يُباركه اللَّه ويفرح به الناس.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/bwyt79x