ليس الزواج مُجرَّد علاقة اجتماعية أو عاطفية بين رجل وامرأة، وإنما هو أيضًا مسئولية... إنه تكوين أسرة ورعاية لأطفال، يُربون في خوف اللَّه، وينشأون تنشئة صالحة، لتكوين مُجتمع صالح ووطن متماسك. فهو إذن أمانة توضع في أيدي الأزواج والزوجات لإعداد الجيل المقبل.
لذلك ينبغي أن يكون سن الزواج هو سن النضوج. ليس فقط النضوج الجنسي، وإنما أيضًا النضوج الفكري والاجتماعي، وسن القدرة على تحمل المسئوليات.
فهذان الخطيبان سيصيران بعد زواجهما أبوين لطفل أو أطفال، يتحمَّلان مسئولية تربيتهم. فيجب أن يكونا في سن النضوج الذي يسمح بتحمل مسئولية تربية الأطفال... كما ستكون لهما أعباء اجتماعية، ومسئوليات عائلية ومالية واجتماعية، يلزمهما الدراية بتصريف أمورها.
إن النضوج هو الذي يساعد على حُسن الاختيار قبل الزواج، وعلى استمرار الحياة الزوجية هادئة سليمة، والتغلب على ما يعترضها من مشاكل.. والنضوج هو الذي يساعد كلا من الزوجين على تحمل مسئولياته بنفسه، دون الحاجة إلى استشارة والديه، والسير حسب توجيهاتهما، وما يتبع ذلك أحيانًا من مشاكل عائلية نتيجة لتدخل الصهر أو الحماة في شئون العائلة الجديدة الصغيرة.
إن السن الصغيرة في الزواج هي عرضة للتقلب وسرعة الانفعال، وعرضه للتصرفات الطائشة. وما أكثر ما تشتد فيها الخلافات الزوجية. إنها سن تحتاج إلى رعاية، وليست سنًا تقدر على تحمل المسئوليات، وعلى تدبير شئون الأسرة بروح الأبوة أو الأمومة، وعلى تفهم الحياة الجديدة، وتفهم العلاقات مع الأولاد ومع العائلات المجاورة ومع الأقارب.
والأسرة المثالية ينبغي أن تُبنَى على أساس من التوافق. وكما يقول البعض إن الزواج عبارة عن نصف يبحث عن نصفه الآخر. فالزوجان وهما يعيشان معًا في بيت واحد، وفي حياة مشتركة طول العمر، ينبغي أن يكون التوافق بينهما تامًا. إنهما مثل جواديْن يجران عربة واحدة، ولا يمكنهما ذلك إلاَّ إذا كان سيرهما في اتجاه واحد، وبسرعة واحدة، وبقوة متكافئة. يسيران معًا، ويقفان معًا، ويتجهان نحو هدف واحد، ولا يضغط أحدهما على غيره. وقديمًا قال المثل: "من شروط المرافقة الموافقة".
ينبغي أن يوجد بينهما توافق في الفهم الديني، وفي الفكر وفي المبادئ والتقاليد، وفي طريقة الحياة... لأنه كيف يمكن أن يرتبط الاثنان بحياة واحدة إن لم يوجد هذا التوافق؟! وكيف يسلك الاثنان في المجتمع، وبل وفي محيط الأسرة، إن كان كل منهما له طريقه وله طريقته؟! كما أن الاختلاف بين الزوجين يكون له تأثيره على الأولاد. إذ يحتار الابن في أي طريق يسلك، وبأيَّة مثالية يقتضي، وأمامه متناقضات في حياة أبويه!!
وينبغي أن يوجد توافق في الطباع أيضًا، إذ كيف يمكن أن يعيش طرف جاد جدًا، مع طرف مرح جدًا؟! أو كيف يعيش شخص مُدقِّق جدًا، مع آخر في منتهى التساهل والتسامح والتهاون؟! وكيف يعيشان معًا إن كان أحدهما يميل إلى الهدوء الشديد، والآخر يميل إلى اللهو والصخب وكثرة الكلام؟! والمفروض أن يكون الاثنان واحدًا على قدر الإمكان.
وهنا نعرض لموقف الوالدين في خطبة ابنتهما أو ابنهما... إن وظيفة الوالدين تكمن في العرض وفي الإرشاد. ولا يمكن أن تصل إلى الفرض أو الإرغام. من حقهما أن يرفضا زوجًا لا يجدانه مناسبًا. ولكن ليس من حقهما أن يفرضا آخر. وحتى في الرفض، ينبغي أن يكون ذلك سببًا على أسس سليمة وأسباب تستحق ذلك. وليس لهما أن يغيظوا أولادهم لئلا يفشلوا...
بعض الآباء يفرضون خطيبًا عن طريق العنف والسيطرة، أو عن طريق الحزن والغضب والمرض، وإرغام الابن أو الابنة على القبول حرصًا على صحة أحد الوالدين (كأن يُقال للابن: أبوك سيُصاب بالسكر أو أمك ستُصاب بالضغط أو ستقضي على أحد والديك برفضك). أو قد يفرض الأبوان خطيبًا على ابنتهما عن طريق الشك في أخلاقها إذ يقولان لها: إن رفضك للخطيب الحالي يدل على علاقتك بشخص آخر!.. أو قد يفرضان شخصًا عن طريق الإلحاح المستمر، ورفض باقي العروض. أو قد يفرض الأبوان أحد أقربائهما أو أصدقائهما أو شخصًا ثريًا أو له وظيفة مرموقة.
ولكن فليتذكَّر الأبوان أنهما لا يختاران ما يناسبهما هما، وإنما ما يناسب الابن أو الابنة. فالزواج هو حياة الذي سيتزوج، وليس حياة أحد الأبوين الذي يختار. وكل أنواع الفرض لا يمكن أن تُنتج زواجًا ناجحًا. فالزواج الناجح هو الذي يُبنَى على التوافق والرضا والحُب.
على أنه على الخطيبين أن يعرفا أن فترة الخطبة هي فترة تعارف، وفترة ود وصداقة، وفترة إعداد للزواج، ومن الخطأ أن يفهم البعض أن الإعداد للزواج هو مُجرَّد الإعداد المادي، من حيث تجهيز الأثاثات، والبيت المناسب، والملابس. أو يدخل في هذا الإعداد اتفاقات مالية وانشغالات تلهيهم عن عنصر التوافق. بينما الإعداد السليم للزواج في فترة الخطبة هو إعداد الخطيبين لكي يصيرا فكرًا واحدًا، وقلبًا واحدًا واتجاهًا واحدًا. ولا يمكن أن يتم ذلك إلاَّ إذا كانت فترة الخطبة يتعارف فيها كل من الخطيبين على الآخر، ويفهمه ويتفاهم معه، ويتأكد من توافق طبعيهما. فيجب على كل من الخطيبين أن يكون مفتوح العينين، ذكيًا، مدركًا لأهمية معرفة مَن سيشاركه الحياة كلها.
وفترة الخطبة ليست فترة تمثيل، يحاول فيها كل من الخطيبين أن يبدو أمام الآخر في صورة مثالية غير حقيقتها، سرعان ما تنكشف بعد الزواج، وتبدو الخدعة، فيتصدَّع الزواج.
وفترة الخطبة ليست فترة عواطف سطحية تلهيهما عن معرفة جوهر كل منهما. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). كما أن هذه العواطف ينبغي أن تكون لها حدود لا تتجاوزها. فالخطيبة التي تبيح لخطيبها أن ينال منها ما لا يجوز له، يحدث أحيانًا أنه يفقد الثقة في عفتها بعد الزواج. وقد يؤول الأمر إلى فسخ الخطوبة وينتهي كل شيء. فلتكن إذن حريصة جدًا، وتدرك الفارق العظيم بين الحب والشهوة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/g837hgr