1- قال السيد المسيح هذه العبارة في مجال نقده لكبرياء الكتبة والفريسيين، الذين "يعرضون عصائبهم، ويعظمون أهداب ثيابهم، ويحبون المتكأ الأول في الولائم، والمجالس الأولى في المجامع، والتحيات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي" (مت 23: 5-7). ثم قال بعد ذلك مباشرة: "وأما أنتم فلا تدعوا سيدي"..
قال لهم هذا، ليلغى قيادة الكتبة والفريسيين وسيادتهم، تمهيدًا لوضع نظام لقيادات كنسية جديدة، لا علاقة لها بهؤلاء السادة محبي الظهور..
2- وقال هذه العبارات لرسله القديسين، وليس لكل الشعب:
"لا تدعوا سيدي.. لا تدعوا معلمين. لا تدعوا لكم أبا على الأرض" (مت 23: 8-10). فالرسل وخلفاؤهم من رؤساء الآباء، ليس لهم على الأرض معلم أو أب أو سيد.. أما باقي الشعب فلهم..
وقد شرحنا هذه النقطة في الكلام عن رجال الكهنوت كمعلمين وكآباء. (انظر ذلك القسم هنا في موقع الأنبا تكلا). ونتكلم الآن عن كلمة "سادة"، فنقول:
3- إن السيادة منحها الله للإنسان منذ البدء، لأنه صورته ومثاله (تك 1: 26).
فقال لآدم وحواء: "أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض، وأخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء.." (تك 1: 28). بل قال الله قبل خلق الإنسان: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون.." (تك 1: 26).
وهذه السلطة ذاتها، وهذه السيادة، كما منحها الله لآدم وحواء، منحها أيضًا لنوح وأولاده، بعد الفلك (تك 9: 2).
الإنسان كصورة لله هو سيد، وكوكيل له على الأرض هو سيد. وسيادة الإنسان لا تتعارض مع سيادة الله إطلاقًا، ولا تنافسها.
إنها منحة من الله، وليس منافسة له، وتمارس باتضاع.
4- وأمامنا مثال هو يوسف الصديق، منحه الله ألقاب السلطة والسيادة والأبوة دفعة واحدة، وسلك في ذلك باتضاع.
يقول يوسف الصديق إن الله "جعلني أبا لفرعون، سيدًا لكل بيته، ومتسلطًا على كل أرض مصر" (تك 45: 8).
وما أكثر الأمثلة في الكتاب المقدس، التي منح فيها الله بعض أولاده أن يكونوا سادة بغير كبرياء..
5- هل تعجبون من أن الله جعل يوسف أبا لفرعون، وسيدًا لكل بيته؟! هوذا ما هو أكبر من هذه، أعنى قول الرب لموسى:
"أنا جعلتك إلها لفرعون" (خر 7: 1) وقوله أيضًا لموسى عن هرون: "هو يكون لك فمًا، وأنت تكون له إلها" (خر 4: 16).
طبعًا كلمة "إلهًا" هنا لا تعنى اللاهوت الذي هو طبيعة الله وحده -تبارك اسمه- إنما تعنى السيادة، بأسلوب فيه لون واضح من التمجيد.. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). فهل تتعجبون من هذا المجد الذي منحه الرب لعبده موسى، الذي قال عنه في مجال آخر لتمجيده: "إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا استعلن له في الحلم أكلمه. أما عبدي موسى، فليس هو هكذا، بل هو أمين على كل بيتي. فمًا إلى فم وعيانًا أتكلم معه.. وشبه الرب يعاين" (عد 12: 6-8).
6- نأخذ مثالًا للسيادة في البركة التي أخذها يعقوب أبى الآباء، حيث قال له فيها:
"ليستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل. كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك" (تك 27: 29).
إنها سيادة، وسجود. ومع ذلك كانت بركة. ولم تتعارض مع روح الاتضاع ولا مع سلطان الله وسيادته.
وطبعًا السجود هنا، هو سجود الاحترام، وليس سجود العبادة.
ونلاحظ أن السيادة التي منحها الله ليعقوب على أخوته، لم يستخدمها في كبرياء، ولا هي أفقدته اتضاعه. بل أنه -وهو السيد- سجد إلى أخيه سبع مرات إلى الأرض (تك 33: 3).
7- السيادة إذن في الكهنوت، لا تمنع الاتضاع. وهي نابعة من أن الأسقف هو وكيل لله (تي 1: 7). فكل احترام مقدم له، إنما هو مقدم لمركزه هذا.. ووضعه أليس هو الشخص الذي بوضع يُنال الروح القدس؟
والسيادة هنا ما هي إلا طاقة للتنظيم في الكنيسة، وليست مطلقا للتسلط، كما كان يحدث مع الكتبة والفريسيين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8zjhmam