من قراءة الإصحاح الثالث والعشرين من إنجيل معلمنا متى البشير، نرى أن السيد المسيح يرفع الستار والأقنعة لتظهر بعض شخصيات الكهنة الحقيقية. ولم نجد السيد المسيح في كل كرازته بمثل هذا الحزم إذ يفضح أعمال وتصرفات هؤلاء الكتبة والفريسيين، لأنه في الواقع لم يوجد من يقاوم روح الإنجيل بقدر طباع وتصرفات هؤلاء الرؤساء، التي كانت مزيجًا من الرياء، والكبرياء، ومحبة العالم والمظالم تحت ستار الدين.
فنراه يكشف عن ريائهم بصفة عامة فهم يقولون ولا يعملون، فكانوا يظهرون للناس كأنهم قبور مبيضة تظهر من الخارج جميلة وهى من الداخل مملوءة عظام أموات وعندما يفعلون شيئًا يتعمدون أن يراهم كل أحد، فالرياء هي الخطية التي وبخهم لأجلها السيد المسيح.
وتظاهروا بالأكثر بالعظمة ومحبة الرئاسة وافتخروا بذلك أيما افتخار. وكانوا يحبون الكرامة من الجميع في جميع الأوقات، فقد تملكت عليهم خطية الكبرياء. ألم يسمعهم إشعياء النبي حينما كانوا يقولون: «قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ»(سفر إشعياء 65: 5). ومن عظم كبريائهم وتصلفهم لم يخجلوا أن يصنعون مقارنة بينهم وبين عامة الشعب. فها هو الفريسي عندما وقف يصلى قال في نفسه: اَللَّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ وَلاَ مِثْلَ هَذَا الْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ. (إنجيل لوقا 18: 11، 12). فهم كانوا يتظاهرون بالتدين الأمر الذي قد يعجز البشر عن الحكم عليه، لأننا نحكم بحسب الظاهر أما الله ففاحص القلوب والكلى (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 23).
فهم كانوا يدَّعون المعرفة وهم جهلاء (إنجيل متى 22: 45، 46 و23: 16،17) لأنه من الجهل أن ينكروا قيامة الموتى وهم رؤساء كهنة (إنجيل متى 22: 23)! نعم هم جهلاء لأنهم يفتخرون بأنهم أبناء قتلة الأنبياء (مت 23: 31)!
فهؤلاء الكهنة الذين يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل، هؤلاء المتمسكون بتقاليد الناس من غسل كئوس وأباريق، وسفر سبت (سفر سبت هي المسافة التي فرضها الكتبة لكي تمشى في يوم السبت) وما أشبه بذلك، وتركوا عنهم وصايا الله من حيث الرحمة والحق والإيمان، هؤلاء الذين همهم الأوحد جمع المال (إنجيل لوقا 16: 14)، وأن تكون لهم الكرامة في كل مكان (مت 23: 6، 7)، وأن يأخذوا الكرامة والمجد من بعضهم البعض ورفضوا عنهم مجد الله (إنجيل يوحنا 6: 44)، ليشبعوا غرورهم وكبريائهم.
نعم لقد كان إشعياء صادقًا حينما قال: كَيْفَ صَارَتِ الْقَرْيَةُ الأَمِينَةُ زَانِيَةً! مَلآنَةً حَقًّا. كَانَ الْعَدْلُ يَبِيتُ فِيهَا. وَأَمَّا الآنَ فَالْقَاتِلُونَ. صَارَتْ فِضَّتُكِ زَغَلًا وَخَمْرُكِ مَغْشُوشَةً بِمَاءٍ. رُؤَسَاؤُكِ مُتَمَرِّدُونَ وَلُغَفَاءُ اللُّصُوصِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحِبُّ الرَّشْوَةَ وَيَتْبَعُ الْعَطَايَا. لاَ يَقْضُونَ لِلْيَتِيمِ وَدَعْوَى الأَرْمَلَةِ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِمْ. (سفر إشعياء 1: 21-23).
فكيف كان السيد المسيح يتعامل مع هذه العينة من الناس وكيف كان يربحهم؟
كان السيد المسيح يكلمهم بلطف أحيانًا كما يظهر من حديثه مع الناموسي الذي أراد أن يبرر نفسه (إنجيل لوقا 10: 25-30)، وأحيانا بالحزم الشديد حتى التوبيخ (مت 23)، وأحيانا بالأمثال (مت 21: 23- 45). ولأن البعض منهم كانوا عقلانيين فكان دائما يحاججهم ويرتفع بمستوى المحاجة إلى قمة الإيمان والحق، وكان دائمًا يرفع عنهم البرقع لكي يروا أنفسهم كما هم دون أي تزييف للواقع الذي يعيشونه لكي يحيا ضميرهم، ويستجيبوا لعمل الروح القدس الذي يبكت ويوبخ على كل خطية (إنجيل يوحنا 16: 8).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/2vwvn3j