ثانيًا - الأوطاخية: كان أوطيخا (378-454 م.) راهبًا مسنًا، ورئيسًا لدير بالقرب من القسطنطينية، وكان عالمًا وطبيبًا، وكان من المؤيدين جدًا للبابا كيرلس الكبير، وخصمًا شديدًا للنسطورية التي نادت بطبيعتين وأقنومين وشخصين منفصلين في السيد المسيح.
وتمسك أوطيخا بعبارة القديس كيرلس السكندري: "طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة μία φύσις τοῦ θεοῦ λόγου σεσαρκωμένη" ولكن في خضم صراعه مع النسطورية ومغالاته في الدفاع عن الأرثوذكسية سقط في بدعة إنكار ناسوت المسيح، فقال إن جسد المسيح لم يكن جسدًا حقيقيًا من لحم ودم وعظام مثل جسدنا، بل هو جسد خيالي، وقد مرَّ في أحشاء العذراء مريم مثل مرور الماء من القناة، وشبه هذا الجسد الخيالي بنقطة الخل التي تلقى في المحيط فتتلاشى فيه تمامًا، فالطبيعة البشرية في نظر أوطيخا قد أُبتلعت تمامًا وتلاشت في الطبيعة اللاهوتية، وقام أوطيخا بحذف كلمة " متجسدة " من عبارة القديس كيرلس، وأخذ يعلم بطبيعة واحدة لله الكلمة قاصدًا بهذا طبيعة وحيدة أي الطبيعة الإلهية فقط.
وغفل أوطيخا أقوال الإنجيل التي تظهر ناسوت المسيح مثل "والكلمة صار جسدًا" (يو 1: 14) وقول السيد المسيح "أنظروا يديّ ورجليَّ إني أنا هو. جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي" (لو 24: 39) وقال بولس الرسول "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما" (عب 2: 14).. ولو كان جسد المسيح جسد خيالي فكيف جاع (مت 4: 1)؟ وكيف عطش (يو 4:7)؟ وكيف نام (مر 4: 38)؟ وكيف تألم؟ وكيف صار عرقه يتصبب كقطرات دم نازلة على الأرض (لو 22: 44)؟ وكيف خرج من جنبه دم وماء عندما طُعِن بالحربة (يو 19: 34)؟ وكيف مات (مت 27: 50)؟ وكيف دُفِن (مر 15: 46)؟ ولو كان هذا الجسد خيالي فكيف حدث الفداء الذي يستحيل أن يحدث بدون سفك دم (لا 17: 11، عب 9: 22)؟
ويرد القديس ساويرس على الأوطاخيين في تعليقه على قول بولس الرسول مولودًا من إمرأة قائلًا "هذه الكلمة {من امرأة} تبين أن عمانوئيل وُلِد في الجسد من جوهر العذراء. لم يقل {بامرأة} حتى لا يعطي فرصة لذوي الأفكار الرديئة أن يسموا ميلاده عبور بطريقة رمزية، ويؤكدوا انه عبر في قناة ومثل البرق. كذلك نفهم انه كان هناك حبل تام ، لكي نبين أن التجسد حقيقي وليس وهمًا، وبينما هما هناك {تمت أيامها لتلد} (لو 2: 6)" (1).
وفي الختام نؤكد أن جسد السيد المسيح لم ينزل من السماء، وليس هو جسدًا خياليًا. (انظر المزيد عن مثل هذه الموضوعات هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). إنما هو جسد حقيقي أُخِذ من لحم ودم العذراء مريم بفعل الروح القدس، وهذا ما تذكرنا به الكنيسة في كل قداس إذ يصرخ الآب الكاهن في سر الاعتراف قائلًا "آمين آمين آمين. أؤمن أؤمن أؤمن. أن هذا هو الجسد المحيي الذي لابنك الوحيد، ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. آخذه من سيدتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم، وجعله واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير... إلخ".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/mbkmr63