وفي البند الثالث الخاص بالكتًاب أستطيع أن أقول:
أشترك في الكتابة أكثر من أربعين كاتبًا، منهم ثمانية كتَّاب سجلوا لنا العهد الجديد وهم متى، ومرقس، ولوقا، ويوحنا، وبولس، ويعقوب، وبطرس، ويهوذا.
وجميع الكتَّاب هم قديسون أرضوا الرب بحياتهم الصالحة بدون استثناء، وكثير منهم صنعوا معجزات، وتمسكوا جميعهم بالمبدأ حتى النفس الأخير.
نادر: وما رأيك يا منير في سقطات هؤلاء الكتَّاب؟
ألم يسقط داود في الزنا والقتل، وبطرس في الشك والإنكار، وشاول في اضطهاد الكنيسة بإفراط.. إلخ؟!
منير: فعلًا كان لهؤلاء سقطاتهم، ولكنهم قدموا توبة قوية.. لماذا نركز علي خطية داود ولا نلتفت إلي ندمه ودموعه؟! لقد أخطأ في لحظات ضعف وظل نادمًا العمر كله وهو يقول "خطيتي أمامي في كل حين".
بيتر: وأيضًا لم يتهاون الله مع هؤلاء. إنما نال كل منهم عقابًا عادلًا، فموسى لمجرد أنه ضرب الصخرة في المرة الثانية ولم يمجد اسم الله أمام الجماعة حُرم من دخول أرض الموعد، وداود النبي لم يفارق الزنا والسيف بيته، وشاول بعد أن صار بولس الرسول كم تألم من أجل اسم الله؟!
الأخ زكريا: نحن لا نعترف بعصمة أحد من الأنبياء، إلاَّ في حالة واحدة، وهم يكتبون الأسفار المقدسة، فالروح القدس يحيط بهم يعصمهم من الخطأ تمامًا، وباستثناء هذه الحالة فهم من نفس عجينة البشرية، فلهم ضعفاتهم وسقطاتهم، ولكنهم أحبوا الرب من كل قلوبهم، وعاشوا حياة التوبة التي أهلتهم لمرتبة القداسة.
منير: أريد أن أستكمل البند الثالث الخاص بالكتَّاب:
لقد عاش هؤلاء الكتَّاب في أزمنة مختلفة، وبيئات مختلفة، وكانت لهم أعمالهم ووظائفهم وثقافاتهم المتباينة، فمثلًا وُلِد موسى في أرض مصر، وتربي في قصر فرعون، وتحكَم بكل حكمة المصريين لمدة أربعين سنة، ثم أشتعل بالرعي لمدة أربعين سنة أخرى، وأخيرًا صار كليمًا لله ورئيسًا للأنبياء، وقاد شعبه للحرية في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ووُلِد داود في أرض فلسطين في بيت رجل بسيط وهو يسّى البيتلحمي، وعمل برعي الغنم، ثم صار ملكًا عظيمًا علي إسرائيل في القرن العاشر قبل الميلاد، أما سليمان فهو ملك ابن ملك، وقد حاز علي حكمة عظيمة، فلم يكن قبله مثله ولم يقم بعده نظيره، وعاش أشعياء في القصر الملكي في القرن السابع قبل الميلاد، وعاش دانيال في أرض السبي ووهبه الله حكمة في تفسير الأحلام، وصار رئيسًا للوزراء في القرن السادس قبل الميلاد، وكان عزرا كاتبًا ماهرًا في شريعة الرب، وكان نحميا ساقيًا للملك في أرض بابل، وعاد إلي أورشليم وبني أسوارها، وعاش عاموس رجلًا بسيطًا جانيًا للثمار، وكان بولس الرسول فيلسوفًا عظيمًا وعالمًا بالناموس ويجيد صُنع الخيام، أما لوقا الإنجيلي صديقه فقد كان طبيبًا وفنانًا، وبطرس الرسول كان صيادًا للسمك ولديه مركب للصيد وهلم جرًا... (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ومع أن هؤلاء الكتًاب عاشوا في أزمنة مختلفة، وبيئات مختلفة، وحالتهم الاجتماعية المختلفة، وأيضًا كان لهم أعمال مختلفة، فمنهم المتزوجين ومنهم البتوليين.. إلخ فإن كتاباتهم جاءت متناسقة تمامًا، بلا أدنى تناقض ولا تضارب ولا تضاد.. فما السر وراء هذا يا نادر؟!.. تصوَّر لو جمعنا أربعين شخصًا بعضهم لم يحصل إلاَّ علي المرحلة الابتدائية، والبعض حصل علي أعلي الدرجات العلمية من دكتوراه وأستاذية، بعضهم من بيئة متواضعة وربما كان يعاني من الفقر، وبعضهم كان غنيًا وسيدًا، بعضهم في مقتبل الشباب وبعضهم يتحلى بشيبة صالحة،.. إلخ وطلبنا منهم أن يكتبوا جميعًا في موضوع اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي واحد.. هل تظن أن كتاباتهم ستأتي منسجمة تمامًا، وكأن فكرًا واحدًا يجمعهم؟!.. هذا ضرب من الاستحالة.. إذًا ما هو السر العظيم وراء وحدة الكتاب المقدس يا نادر؟
نادر: نعم يا منير.. لقد سألتك سؤالًا خاص بسقطات الأنبياء وأنت أجبتَ عليه، والآن تسألني وعليَّ أن أجيب، وليس معنى هذا أن واحدة بواحدة، وعين بعين، وسن بسن:
الحقيقة أن السر وراء هذه الحقيقة هو الروح القدس الذي كان يهيمن على الكتَّاب، ويعصمهم من الخطأ، ويُعرّفهم ما لا يعرفونه، ويساعدهم حتى علي انتقاء الألفاظ المناسبة، ولذلك تجد كتابنا المقدَّس يتناول أصعب المواضيع حساسية بأسلوب مهذب وراق جدًا، عالمين أن الحياء كل الحياء في الدين، فالروح القدس هو الذي جعل كتابات كل هؤلاء متناسقة تمامًا بدون أي تضارب ولا تناقص ولا تضاد، وهو الذي جعل كلماتهم حية وفعَّالة تقودنا للملكوت.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/tk3856z