تدخل الأباطرة في المناقشات اللاهوتية واستخدامهم العنف في حلها، مع انشغال الشرقيين في هذه المناقشات لأنها تمس عقيدتهم وحياتهم خلق في الإمبراطورية جوا من التوتر، إذ وجد ثلاث فرق رئيسية لا يستهان بها.
1- الفريق غير الخلقيدوني، وهو فريق لا يحمل سلطانًا. لكنه يمثل قوة لاهوتية لم يكن ممكنًا مقاومتها، وكما يقول الأستاذ ميندورف لم يكن في الفريق الخلقيدوني من اللاهوتيين القادرين على مجادلتهم... هذا وقد كسب هذا الفريق شعبية قوية خاصة في مصر وسوريا، واحتمل الشعب مع رعاته مرارة الاضطهاد، فخلق توترًا ضد بيزنطة واتجاها قوميا لتحرر البلاد على الأقل في اختيار البطاركة والأساقفة.
2- فريق خلقيدوني... يمثل السلطة، يسنده البلاط والولاة.
3- فريق ثالث، وهو فريق يريد بالكنيسة العودة إلى ما قبل خلقيدونية، فلا يطالب بقبول قرارات خلقيدونية ولا أيضًا بحرمانها وإنما بتجاهلها.
أمام هذا الجو المتوتر كان الأباطرة حتى الخلقيدونيين منهم يميلون إلى وجود حلول لأجل وحدة الإمبراطورية والسلام الداخلي، من بين هذه الجهود منشور زينون "هينوتيكون"، والذي التزم به أيضًا أنسطاسيوس... أما يوستنيان (جستنيان) الأول فظن أنه قادر على تهدئة أذهان المسيحيين وإعادة الوحدة للإمبراطورة بإدانته للثلاثة فصول Tria Kephalaia، وهي كتابات المؤلفين شبه النساطرة، والتي كانت ضمن مستندات مجمع خلقيدون [كتابات تيؤدور أسقف المصيصة، وثيؤدورت أسقف قورش، وهيبا أسقف الرها].
وفى سنة 553 انعقد مجمع بالقسطنطينية يؤكد إدانة هذه القصور الثلاثة، كما يؤكد حرمان الإمبراطور للأوريجانيين وكتابات أوريجانوس.
1- ربما شعر الفريقان الخلقيدوني والغير الخلقيدوني أن الإمبراطور يحمل وجهين. يقول فاسيلييف Vasiliev: [انتهج جوستنيان سياسة كنسية بوجهين، فكان بين الرهبان السوريين والمصريين](104). ويرى الأب صموئيل الهندي(105) إن هذا القول ربما يحمل مبالغة. إنما كان يسعى لكي يسر روما ليجد عونًا في إعادة النصرة على الغريب لحساب الإمبراطورية، وفي نفس الوقت أراد توحيد الفرق في الكنيسة دون التخلي عن خلقيدونية.
2- حقًا أن إدانة الفصول الثلاثة قد أعطت شيئًا من الراحة لغير الخلقيدونيين، فلأننا نجد نواب روما يعلنون أرثوذكسية رسالة هيبا الرهاوي إلى ماريس أسقف أردشير بفارس التي حرمها مجمع أفسس سنة 449 م.... وها هو مجمع للخلقيدونيين يحرمها ككتابات نسطورية... لكن غالبية غير الخلقيدونيين كانوا يطلبون نصا صريحا برفض قرارات المجمع الخلقيدوني وطومس لاون. وفي نفس الوقت لم يسترح بعض الخلقيدونيين للمجمع، لأنه وإن كان قد اعترف بمجمع خلقيدونية كمجمع مسكوني رابع، لكنه في نفس الوقت أجمع بإدانة هذه الفصول الثلاثة رغم إقراره بالمجمع السابق.
3- لم يكن لمثل هذه المجمع أن يعطي راحة لشعب الإسكندرية بينما يقضي باباهم الشرعي غالبية مدة باباويته في سجن بالقسطنطينية، حتى عندما مات بولس التينسي البطريرك الدخيل سيم آخر بالقسطنطينية بأمر الإمبراطور، يدعى أبوليناريوس. هذا دخل الإسكندرية في زى قائد حربي، ثم أصدر أمره بأن يجتمع الناس في الكنيسة، عندئذ خلع ثياب الجندية وارتدى ثياب الكهنة وإذ قرأ عليهم المرسوم الإمبراطوري علت الاحتجاجات، فأصدر أمره للجند حتى استشهد كثيرون، وأطلق الناس على هذا اليوم "المذبحة"... كان ذلك في الوقت الذي يفارق فيه الإمبراطور الحياة.
يؤكد بعض المؤرخين أن يوستينيان كان حسن النية... لكن ما حدث للأقباط أثارهم ضد بيزنطة.
_____
(104) Vasiliev: Hist. of Byzantine Empire, p.149.
(105) V. C. Samuel: Council of Chalcedon Re-examined, page 130.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/a5zfbf3