تبرز كتابات القديس أثناسيوس الفكر السكندري الخلاصي، بمعنى أن الإيمان يمس حياة الإنسان وخلاصه أي التمتع بالمجد الأبدي. كان القديس أثناسيوس في كل حواراته اللاهوتية مهتما بخلاص الإنسان[33]، فكان يؤكد بحرارة أن الله وحده يقدر أن يخلص الجنس البشري الساقط[34]. ففي كل مقالاته ضد الآريوسيين ما يشغل ذهنه هو تجديد طبيعتنا بواسطة ابن الله المتجسد.
في معالجته لموضوع لاهوت السيد المسيح يقدم لنا الفكر التالي:
1. إذا سقط الإنسان في التعدي بكامل حرية إرادته، سقط تحت الناموس "موتًا تموت"، أي يبقى إلى الأبد في فساد الموت. هذا قانون العدالة الإلهية.
2. لا تستطيع التوبة أن ترده إلى حالته الأولى بأمر عفو إلهي؟
أ. التوبة تعجز عن حفظ أمانة الله، ولا يستطيع أن تغير طبيعة الإنسان التي فقدت قيامتها على صورة الله، ولن تهبه الشركة مع الله.
ب. بأمر إلهي خُلق الإنسان من العدم حاملًا طبيعة صالحة. أما وقد صار موجودًا وخضع لفسادٍ أبدي فيحتاج إلى تدخل حاسم لكلمة الله من جديد. فما هو غير موجود لا يحتاج إلى الخلاص، إنما يكفيه مجرد صدور أمر فيكون له وجود، أما الذي صار فاسدًا إلى فصار محتاجًا إلى تدخل إلهي.
3. ما هو التدخل الإلهي، ومتى كان في ذهن الله؟ الله غير متغير ويعرف المستقبل، فتدخله كان في فكر الله قبل خلقتنا. كان في خطة الله أن الكلمة الخالق يتجسد فهو وحده دون الخليقة السماوية أو الأرضية قادر أن يجدد طبيعة الإنسان ويرده على الصورة الإلهية. ما كنا نخلص لو لم يصر الله الكلمة (اللوغوس) إنسانًا، فإن الإنسان في حاجة إلى الخالق ليُخلّص طبيعته الساقطة ويردها إلى أصلها، واهبًا إيّاها صورة الله، ومصلحًا إيّاها من الفساد إلى عدم الفساد، فيه تغلب البشرية الموت ويُعاد خلقتها[35].
4. صار الإنسان في فساد عاجزًا عن رفع عينيه إلى فوق، بل صار يشخص إل أسفل. ولكي يتحقق الكلمة الخالق خلاصه، محولًا الفاسد إلى عدم فساد، والمائت إلى الخلود، فهو الحياة ذاتها.
5. قبل السقوط كان الإنسان يتعرف على الخالق خلال الخليقة، أما وقد فسدت بصيرته فعبد الأوثان، احتاج إلى نزول الكلمة إليه ليخبره عن الآب. التجسد قدمنا لله، كلمة الله المتجسد يعلن الآب لنا، والآب يجتذبنا نحو الابن (يو26:17؛ 44:6).
6. لا يمكن أن يحقق الفداء والخلاص إلا الكلمة الواحد مع الآب فهو إلهي في جوهره. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). قدّم نفسه ذبيحة قادرة على الإيفاء بدين خطايانا وتحقيق العدالة والرحمة الإلهية في نفس الوقت.
7. اللوغوس هو كلمة الله غالب الشيطان ليس لأجل نفسه فقط وإنما لأجلنا جميعًا.
8. بكونه الله الحق أعاد لنا كرامتنا، واهبًا إيّانا البنوة للآب فيه بالروح القدس. يقول القديس أثناسيوس: [صار إنسانُا لنصير نحن آلهة[36].]، [وإن كان يوجد ابن واحد بالطبيعة، ابن حقيقي وحيد الجنس، صرنا نحن أبناء ليس بالطبيعة والحق بل بنعمته التي تدعونا، وإن كنا بشرًا على الأرض لكننا دُعينا آلهة[37].]
فنحن لا نعرف مسيحًا لا يقدر على خلاص البشرية. فلاهوت السيد المسيح أمر حتمي، لتحقق خلاصنا. بهذا فإن لاهوت السيد المسيح أعلن الثالوث القدوس، وعقيدة الثالوث مرتبطة بعقيدة فدائنا الأبدي.
إذن من ينكر عقيدة الثالوث، ينكر لاهوت المسيح، ومن ينكر المسيح ينكر أمكانية الخلاص.
7. الابن الوحيد وحده قادر أن يهبنا البنوة للآب بروحه القدوس..
[إن كان من أجلنا قدَّس نفسه (يو 18:17، 19)، وقد صنع هذا إذ صار إنسانًا، فمن الواضح أن حلول الروح عليه وهو في الأردن كان حلولًا علينا إذ يحمل جسدنا[38].]
[عندما قيل أنه مُسح بطريقة بشرية (مز 7:45، 8)، فنحن الذين مُسحنا فيه، وهكذا عندما اعتمد فنحن الذين اعتمدنا فيه[39].]
[لم يكن إنسانًا صار إلهًا، بل هو الله صار إنسانًا ليؤلهنا[40] (أي نحمل عمله فينا).]
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/cn9nk3h