إذ كان البابا السكندري الكسندروس يتطلع من نافذة البطريركية بالإسكندرية شد انتباهه مجموعة من الأطفال يلعبون على شاطئ البحر. وكان أحدهم في شيءٍ من الجدية يقوم بتغطيس الأطفال طفلًا طفلًا ثلاث مرات، ممارسا طقس العماد بدقة. لم يقف البابا متفرجًا لما يفعله هذا الطفل الصغير، لكنه كأبٍ مملوء حبًا نحو أولاده، يشتاق أن ينمي مواهب كل أولاده استدعى الأطفال.
في البداية اضطرب الأطفال قائلين في أنفسهم: "لماذا يدعونا أبونا البابا البطريرك؟ ألعله يوبخنا لأننا نمارس طقس العماد على شاطئ البحر؟ أم ماذا؟" لكن إذ التقى البابا بالأطفال ببشاشة وحب فرحوا جدًا، وشعروا بأبوة أبيهم الحانية.
سألهم عما كانوا يفعلون، فخافوا في البداية، لكنهم إذ اطمأنوا لنظرات البابا وسلوكه نحوهم، اعترفوا بأن الطفل أثناسيوس قد أعجب بما يفعله البابا عند تعميده الأطفال، وأنه قام بدور أسقفٍ يعمد الأطفال.
فرح البابا بالأطفال، خاصة بالطفل أثناسيوس، فاستدعى والدته وطلب منها أن تهتم بتربيته، لأنه سيكون له دور عظيم في الكنيسة. أما هي فسألته أن يقبله تلميذًا له.
كان للمسات الحنو والاهتمام التي قدمها البابا الكسندروس دورها في حياة القديس أثناسيوس كما في سلوكه، بل وفي أفكاره اللاهوتية.
ما تمتع به القديس من أبوة حانية فتح عينيه على أبواب السماء، ليرى الله الحاني نحو كل البشرية، الذي يشتهي خلاص كل بشرٍ، فصار لاهوت البابا أثناسيوس يدور كله حول "خلاص الإنسان".
مزج هذا الحنو اللاهوتيات عند القديس أثناسيوس بالعمل الأبوي الرعوي، فلا فصل بين اللاهوت والرعاية. وأعطى هذا الحنو اللاهوتيات لمسات عذوبة فائقة.
أقول أن العالم يحتاج إلى التمتع بالأبوة الكنسية كانعكاس لأبوة الله ، حتى يختبر اللاهوتيات لا كأفكارٍ فلسفيةٍ جافةٍ، بل كخبرة حب إلهي فائق.
ما تعانيه الكنيسة في العالم بسبب عزل اللاهوت عن الحب الأبوي، فصار اللاهوت فلسفة فكرية جافة، وتسابق على درجات علمية، وصارت الخدمة عملًا اجتماعيًا بحتًا بلا فكر لاهوتي، وهكذا فقد اللاهوت كما فقدت الخدمة كيانهما وطعمهما الإنجيلي الحقيقي بسبب عزلهما عن بعضهما عزلًا يكاد يكون تمامًا!
يليق بالراعي ألا يتجاهل حنو الرعاية وفي نفس الوقت جدية الخلاص الذي من أجله مات السيد المسيح. يقول القدِّيس أمبروسيوس[3] [في هذه الوظيفة لا يليق بالراعي أن يكون قاسيًا وعنيفًا، ولا يكون متساهلًا جدًا، لئلاَّ يكون في الحالة الأولى كمن له سلطان جائر، وفي الحالة الثانية كمن يهين بلا سبب وظيفته التي نالها.] ويقول القدِّيس يوحنا الدرجي: [مَنْ يرعى الخِراف لا ينبغي أن يكون أسدًا ولا نعجة.]
قيل إن الطفل أثناسيوس أظهر جدية عجيبة وهو يمارس العماد، مع شوق حقيقي للعمل. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). حتمًا هذه السمة المشتركة بين الجدية واللطف في اعتدال هي امتداد لحياة أسرية تحمل ذات المنهج في سلوكها والعلاقات المتبادلة بين أعضاء الأسرة.
فأحتضن في أعماقي كل طفل.
حقا أن أصغر طفل هو أثمن من العالم كله.
ليتني لا أحتقر طفلًا ما،
بل أراك عاملًا في الكل.
أنت تقيم من الصغار قادة عظماء،
وكلاء عنك، وسفراء عن سماواتك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/8wjr35c