يؤكد على الناحيتين بهذا الأسلوب حتى لا تظن أن عظمة إنجازاته بسبب طبيعة خارقة للبشرية، مما يسبب لنا اليأس، أو من ناحية أخرى لا تشك في أن ضعفه ينقص من قداسته وهذا يعبر بك من اليأس والشك حول الخلاص فهو أيضًا يؤكد أهمية نعمة الله بتفضيل دقيق ومعرفة جيدة حتى لا تظن أنه نجح من خلال جهوده وإمكانيته فقط.
فهو يذكر الجزء الخاص به حتى لا نترك كل شيء لله ونجلس في تخاذلٍ وكسلٍ بلا عمل أي شيء.
سنجد قوانين وقواعد وضعها بولس الرسول لكل شيء بدقة كبيرة هذا؟ كانت كلماته تصحبها الألم والحزن وليس الغضب مظهره اهتمامه بالحق فقط، لم تكن تلك مشاعره الداخلية التي جُرحت بل شعوره بأنه يقاوم التعليم: "لأنه قاوم أقوالنا جدًا" (2تيموا 15:4) لم (يقاومني) بل (التعليم). فتوبيخه عن حبه للحق واهتمامه بتلاميذه لأنه من الواضح افتضاح أمرهم بعد إعلان الحقائق وهروبهم بعد ذلك أكد ضرورية كلمات بولس الرسول.
وأيضًا صلى ضد آخرين: "إذ هو عادل عند الله إن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقًا" (2تس6:1) وليس عن رغبة في الانتقام -حاشا- بل لجلب تعزية للمتألمين وبالتالي يضيف:" وإياكم الذين تتضايقون راحة" (2تس 7:1) وحينما تألم من أي تجربة لاحظ فلسفته في تحويل كل شر للخير:" نشتم فنبارك نضطهد فنحتمل يفتري علينا فنعظ" (1كو12:4،13). لو قلت أن ما عمله أو قاله ناتج عن غضبه فهل باريشوع الساحر أصابه العمى بسبب غضب بولس (أع11:13) وحنانيا وسفيرة ماتا بسبب غضب بطرس (أع4:5،5) فلا يوجد أحد بمثل هذه الحماقة أو الغباوة حتى يظن ذلك.
سنجد بولس الرسول يقول ويفعل أشياء أخرى تبدو مساقة بذراع عالية فتلك المواقف خاصة تكشف عظم تواضعه، حينما سلم زاني كورنثوس للشيطان فعلها بكل الحب والمشاعر الصادقة وكشف عن ذلك في رسالته الثانية.
وحينما هدئ أعدائه بكلماته: "ولكن قد أدركهم غضب إلى النهاية" (1 تس 16:2) لم تحمل كلماته الغضب (لأنك تسمع صلاته الدائمة من أجلهم) بل هو يشتاق أن يردعهم ويجعلهم أكثر حرصًا وتهذيبًا.
ولكنك ستقول أنه وبخ الكاهن قائلًا: "سيضربك الله أيها الحائط المبيض" (أع 3:23) نحن نعلم أن بعض الدارسين يقولون أن هذه الكلمات كانت نبوية، فلا أجد خطأ فيما يقوله هؤلاء، لأن هذا ما حدث بالفعل في موت الرجل. ولكن ربما يعترض ناقد آخر يبحث بعمق في هذا القول أنه لو كانت هذه الكلمات نبوية فلماذا يعتذر عنها بولس: "لم أكن أعرف أيها الإخوة أنه رئيس كهنة" (أع 5:23) في رأيي أن كلماته كانت نوع من النصح والتحذير للطاعة للرؤساء كما فعل المسيح. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). لأن المسيح نفسه كان لديه كثير من الأقوال عن التوراة والفريسيين ولكنه لم يقلها، بل حدثهم قائلًا: "على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه افعلوه (مت 2:23، 3). هنا أيضًا قام بولس بدور النبي وتنبأ بما سيحدث.
لقد فصل مرقس عنه (أع 38:15) من أجل اهتمامه بالكرازة، فالذي يحمل نير هذه الخدمة لا يمكنه التخاذل أو الضعف، لكنه يجب أن يكون شجاعًا جريئًا. فلا يجب الاقتراب من هذا الخدمة المقدسة ما لم يكن على استعدادٍ تامٍ لمواجهة الخطر والموت مرات عديدة. يقول المسيح نفسه: "من يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت 24:16) فالإنسان الذي ليس على هذا المستوى يخدع الآخرين، والأفضل له لو التزم الصمت وبقي مع نفسه. فمتى صعد إلى خدمة الكلمة يتحمل ثقل مسئولية أعظم من إمكانية قوته، لأن خلاص سامعيه وخلاصه يكونان في خطر. من السخرية لو أن إنسانًا لا يعرف كيف يدير سفينة أو يواجه الأمواج يرفض أن يلتزم في المؤخرة مهما حثه الآخرون على فعل ذلك، ولكن نجد واعظًا يباشر عمله في الخدمة بلا هدف ولا ترتيب ولا إعداد، هذا يتعرض لكل أنواع مخاطر الموت.
فلا يوجد قرصان بحري أو مصارع وحوش يحتاج إلى إعداده فكريًا لما يقابله من موت ومخاطر مثلما يحتاجه الكارز الذي يقوم بالخدمة، فالمخاطر هنا أكبر، والمقاومون أكثر ضراوة، لأن الذبح هنا لا يختص بالتفاهات. فالسماء هي المكافأة والجحيم هو العقاب للذين يُفقدون. فهنا إما خلاص أو هلاك للنفس، هذا هو أساس ليس خادم الإنجيل فقط بل يخص كل إنسان علماني لأن يلزم كل شخص أن يحمل الصليب ويتبعه...
إذ يشير لوقا عن النزاع بينهما فلا نظن أنه يستحق اللوم. فالغضب في حد ذاته ليس خطية، ولكن الغضب بفقدان السيطرة بلا حساب وبلا أي سبب خطية، "الغضب الغير عادل لا يبرر؟؟" (سيراخ 1: 28) وأيضًا يقول المسيح: "كل من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم" (مت 22:5) وهذا لا يعني الغضب المجرد. "اغضبوا ولا تخطئوا" (مز 5:4، أف 26:4)
لأنه لو لم يرتد الغضب حتى لو تطلب الموقف لذلك فهو بلا نفع أو فائدة. ولكنه لا يمكن أن يكون بلا فائدة لأن العناية زرعته فينا لتصحيح الخطاة والحث على ترك الكسل الروحي والجمود وإيقاظ النائمين ألا مبالين. فحد الغضب أعطي لنا كحد السيف لاستخدامه عند الضرورة.
ولذا فلجأ بولس أحيانًا للغضب بالرغم من أن محبته أكثر من الذين تكلموا برفق فقام بعمل كل شيء من أجل نشر الإنجيل حسبما تهيأت الفرصة.
الترفق ليس دائمًا صحيحًا ولكنه ضرورة حينما يقتدي الأمر لذلك فقط لأنه لو كان في غير وقته لصار مرفوضًا وصار الغضب والحزم مطلوبين.
في قولي هذا لا أقدم اعتذارًا على لسان بولس لأنه لا يحتاج إلى كلماتنا، لأن مدحه ليس من الناس بل من الله (رو 29:2) فهدفي هو إرشاد السامعين لي لاستخدام مشاعرهم حسبما يتطلب الموقف كما قلت سابقًا. وبالتالي نكسب مهارة من كل مصدر ونبحر آمنين بمصادر غنية كثيرة حتى نصل الميناء بسلامة ونحصل على أكاليل غير مضمحلة التي نستحقها أجمعين بواسطة نعمة ورحمة ربنا يسوع المسيح الذي له المجد والقوة الآن وإلى الأبد وإلى دهر الدهور آمين.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/ka28dky