ثم نأتي إلى القديس أُغسطينوس أسقف هيبو وشفيع التائبين ابن الدموع (354 – 430 م)، الذي كتب عن الاستشهاد وعن المسيح الناطِق في الشُهداء قائِلًا:
”من هم الشُهداء؟ أليسوا شُهود المسيح، الذين يحمِلون الشهادة للحق؟ فحينما ينطِق هؤلاء الشُهداء بالشهادة، يكون المسيح هو الذي يشهد لنفسه فيهم، إنه يحِل في الشُهداء ليجعلهم قادرين على حَمْل الشهادة للحق. إنه برهان المسيح المُتكلِّم في الشُهداء (2كو 13: 3)، فعندما يشهد يوحنا المعمدان، يكون المسيح الحال فيه هو الذي يشهد لنفسه وإذا شهد يطرُس أو بولس أو أي شهيد أو أي رسول أو إستفانوس فإنما المسيح فيهم جميعًا يشهد لنفسه، فهو بدونهم إله، أمَّا هم بدونه لا شيء“.
وأفاض القديس أُغسطينوس في التعليم عن قُوَّة الشهادة للمسيح، فقال:
”محبة الله التي تنسكِب في قلوبكم بالروح القدس الذي سيُعطَى لكم (رو 5: 5) سوف تمنحكم الجراءة الكافية لمِثل هذه الشهادة، تلك المحبة التي كانت تعوِز بطرُس عندما ارتعب أمام سؤال جارية، فقبل آلام الرب كُشِف عن خوف العبودية الذي كان عند بطرُس بواسطة عبدة جارية، وبعد قيامة الرب استُعلِنت محبته الحرة بواسطة رب الحرية نفسه (يو 1: 15).“
ففي مناسبة ملأهُ الرعب وفي أخرى شملهُ السلام، هناك أنكر الواحِد الذي أحبَّهُ، وهنا أحب الواحد الذي أنكره، وهكذا إذ شملهُ الروح القدس بمِلء النعمة ألهب قلبه الذي كان قبلًا بارِدًا خائِفًا محصورًا، حتى حَمَل تلك الشهادة للمسيح (أع 2: 5)، بعد أن تحوَّل من التهيُّب إلى الجراءة والقُوَّة، من الخوف إلى شجاعِة الأحرار، كل ذلك بعمل الروح القدس وتلك مواهبه الخاصة العُظمى والعجيبة.. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). إنها شهادِة الروح القدس نفسه مُؤازِرًا هذه الشهادة بشجاعة لا تُقهر فجرَّد أحِباء المسيح من خوفِهِم وحوَّل بُغضة أعدائِهِم إلى محبة وقبول.
وضَّح القديس أُغسطينوس كيف يُحارِب عنَّا الله، فقال:
”لن نصنع بأسًا بالسيف إذ هو ليس بأسًا خارِجيًا، بل هو قُوَّة داخلية، بالله نصنع بأسًا.. لقد سُحِقَ الشُهداء في آلام وصعوبات حتى النهاية، ولكن بالله صنعوا بأسًا، وهكذا داس الله أعداءِهِم“.
كشف القديس عن أعماق روحية مُذهِلة في الشُهداء، فاعتبر المسيح قائِد الشُهداء وهم جُنوده الذين يقتفون آثاره، واعتبر أنَّ كلمة ”نشهد“ معناها أننا نصير شُهداء نحتمِل العذابات بسبب شهادتنا.. وأشار إلى ديمومة الاستشهاد لكنيسة كل العصور، وإلى أنَّ الشُهداء في شَرِكَة مع القديسين، وقد أقر ذلك مُسبقًا بقوله:
”كل الأرض قد احمرت من دِماء الشُهداء، والسماء قد أزهرت من أكاليلهُم، والكنائِس قد تزينت برُفاتهِم، والفصول قد تميَّزت بأعيادِهِم، وصحة النَّفْس والجسد قد تشدَّدت بقُوَّتِهِم“.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/rnk264c