وهنا يتحمس البعض من الذين لا يمسهم ما جاء في الرواية بل والذي جاءت على هواهم ويقولون لنا أن هذا أبداع فني والإبداع الفني حر يكتب كما يشاء! وهو لم يقل شيئًا بل أبطال الرواية هم الذين تكلموا وقالوا! ومع ذلك فلم ينكر هؤلاء ما قصده الكاتب من إساءة للمسيحية بل أيدوه في ذلك معللين موقفهم بأن الكاتب كشف عن المستور الذي لا تريد الكنيسة كشفه، حسب زعمهم! وكأن الكنيسة كيان سري تعتمد على تاريخ سري! ونقول لهؤلاء أن المسيحية ليست جماعة واحدة بل على الأقل ثلاث جماعات رئيسية، هي؛ الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية بل والأنجليكانية التي اتخذت طريقا وسطا بين الكاثوليك والبروتستانت، ولو أن جماعة منهم أخفت شيئًا لكشفته الأخرى! ولم تقل أحداهما بمثل ما قاله د. زيدان وما تأثر به عن مدارس الغنوسية الحديثة أو الإلحادية الحديثة! ومع ذلك فقد أعترف هؤلاء الذين تحمسوا لهذه الرواية وقالوا عن المسيحية مثلما قاله د. زيدان بل وبينوا أنه قال وعبر عما يريدون أن يقولونه هم! فيقول أحمد عبد الحميد في شبكة إخباريات للإعلام والنشر: "عندما تقرأ الرواية تلاحظ أنها تقترب من "التابوهات"[38] وتحللها وتكشف عن فترة من التاريخ القبطي المبهم والغامض للكثيرين، وتكشف عن مجموعة من الرؤى والأفكار الصادمة للبعض، والمستفزة للبعض الآخر"! وهو يحاول أن يوحي بوجود ما هو غامض وسري في تاريخ المسيحية!
أما كمال زاخر فيعطينا درسًا في كيفية قراءة مثل هذا العمل زاعمًا أننا لا نفهم سوى في العظات الروحية التي نلقيها من على منابر الكنائس! وكأن ما نقوله على منابر الكنائس ليس سوى عظة روحية خالية من كل مفاهيم الأدب والثقافة! فقال: "يقول جناب القمص (القمص عبد المسيح بسيط) أيضًا أن الرواية تشكك في وجود الله وفي طبيعة الشيطان، وهو معذور في قوله هذا، ربما لأنه لم يسبق له أن قرأ عملًا أدبيًا، وربما لم يعرف في حياته غير العظات التي يلقيها على المؤمنين، ليرشدهم إلى الطريق القويم، بما يعني أن كل ما يجيء بالعظة من جمل ومعان لابد وأن تقود الإنسان إلى الهدف المحدد للعظة، ولا يعرف أن الأعمال الأدبية تختلف عن هذا تمامًا"! وهنا نستغرب نظرته لرجال الدين ونتعجب من كيفية إصداره الأحكام دون أن يحاول أن يتعرف على الشخص الذي يتكلم عنه؟! فهو لا يرى إلا رجل دين فقط، ورجل الدين بالنسبة له لا يعرف سوى العظات الدينية فقط، ولا صلة له ولا معرفة بالعلم والأدب! وأؤكد له أنه لم يحاول أن يتعرف على تعليم وثقافة من يسيء إليه! وأقول له لا داعي لهذه الأحكام التي تصور بها رجال الدين المسيحيين بهذه الصورة، فمن تحدثت في حقه وأسأت إليه هو واحد من رجال الدين المثقفين والذي يملك من أدوات النقد الأدبي أكثر مما تملك أو تتصور بكثير[39].
أما الكاتبة سلوى بكر، والتي ترى أن ما كتبه د. زيدان هو الحق اليقين، فقد كتبت في دار الحياة الصادرة في 3 أغسطس 2008 م. تقول: "غير أن ضراوة كنيسة الإسكندرية في محاربة كل ما هو فكر وثني، وتفصح عنه الرواية في الكثير من مشاهدها تفصيليًا، سيؤول في النهاية إلى تعديل مسيرة الفكر الإنساني وتواصله، وضياع كثير من إنجازاته حتى ذلك الوقت، ثم إدخال العالم في عصور مظلمة غاب عنها العلم، وخاصمت الفلسفة على مدى قرون. رواية "عزازيل" ليست إلا سجلًا حافلًا لما فعلته المسيحية المتعصبة بعلم وفلسفة، بل بثقافة العالم الذي كان قبلها. فالبرزخ الذي انتقل العالم عبره وعنوة من منجزه الحضاري إلى المسيحية كان حافلًا بالمآسي والفواجع التي طالت معظم الذين عاشوا فيه بمن فيهم هيبا نفسه، الذي شهد بأم عينيه مقتل أبيه صياد السمك الوثني على يد غلاة المسيحيين في بلدته الصعيدية الأولى. فالقتل البدني والحرق والتنكيل الجسدي وحرق الكتب وتحريم الأناجيل التي لا تعترف بها الكنيسة كإنجيل مريم، وإنجيل المصريين وإنجيل سيناء، وتحريم آريوس وكتبه ومنها كتاب ثاليا الذي أحرق، كل ذلك كان من أفعال الكنيسة بعد تسيدها وتسلطها. ومن خلال جولان كاتب الرقوق وبطلها هيبا في الكثير من مراكز العالم القديم كأنطاكية وأُورشليم والإسكندرية، تفتح ملفات عدة وعلى مستويات متباينة لأدوار مسكوت عنها للكنيسة، لعبت لعبها في تعطيل مسيرة العلم الإنساني والفلسفة القديمة.
الرواية المعرفية لعل "عزازيل" مثلها في ذلك مثل روايات أخرى تمت الإشارة إليها آنفًا، تنسج نوعًا من الرواية تعتمد لحمته وسداه، وطرائقه السردية على كل ما هو معرفي، وهي تؤسس في ذلك مثلما أسست "البشموري" و"أدماتيوس الألماسي" نوعًا جديدًا من الرواية هي رواية المعرفة والتي يمكن تعريفها بأنها الرواية التي تستند إلى إعادة تصنيف أو ترتيب الثبوت والمواد التاريخية، لتنتج أسئلتها الروائية. فهي تجعل معرفة قارئها وإدراكه للعالم مُغايرين لما كانا عليه قبل قراءة العمل الروائي، وهي لا تزحزح الثوابت المعرفية أو تهزها فقط، بل تزيح هذه الثوابت تمامًا في كثير من الأحيان، وتحل محلها ثوابت معرفية أخرى، وحتى إشعار آخر. ولذلك فهذه الروايات تتعامل مع التاريخ كمادة أولية يجب الشك فيها حتى يتم البحث فيها وفحصها ضمن سياق مواد تاريخية أخرى".
وكما هو واضح من هذه التعليقات لا نجد فرقًا بين ما هو أدبي وما يحاولون أن يصوروه على أنه الحقيقة! الدكتور زيدان يتباكي وينكر في الكثير من أقواله وأحاديثه أنه لا يقصد الإساءة للمسيحية ويؤكد أن روايته هي فقط مجرد عمل روائي، ثم نفاجأ به يقدم لنا، في مؤتمر القبطيات الأخير، بحثا يحمل نظرياته الخاصة التي يريد أن يفرضها على التاريخ وعلى المسيحية وكنيسة الإسكندرية، وهي نظرية اللاهوت العربي، التي لا أساس لها ولا وجود، مؤكدا أن كل حرف كتبه في الرواية يقصده تمامًا! والذين يدافعون عنه يقولون لنا أن ما كتبه هو مجرد عمل روائي فلماذا لا تقبلونه؟! وفي نفس الوقت يؤكدون أن ما كتبه هو ما حدث في التاريخ بالفعل! بل ويبذلون قصارى جهدهم لتشويه صورة الكنيسة والمسيحية زاعمين أنها هي التي أظلمت العالم لأنها قضت على الديانات الوثنية والفلسفات الوضعية! وقد نسى هؤلاء أو تناسوا أن أصحاب هذه الفلسفات والديانات تحول معظمهم إلى المسيحية برغبتهم الخاصة وكان من الطبيعي أن يتمسكوا بحقائق دينهم المسيحي الذي انضموا إليه وفلسفته الإلهية التي آمنوا بها وينبذون ما تركوه من فكر وثني وفلسفة وأساطير وثنية. وكان من الطبيعي بالنسبة للكنيسة أن تتمسك بإيمانها وتفخر به، وأن ترفض كل فكر جاءها من خارج التسليم الرسولي الذي تسلمته الكنيسة من تلاميذ المسيح ورسله والذي تسلموه بدورهم من المسيح نفسه، وترفض كل كتاب كتب خارج دائرة تلاميذ المسيح ورسله، وترفض كل فكر هرطوقي كفكر آريوس وتحذر من كتاباته وخاصة كتابة الثاليا الذي دس فيه فكره الهرطوقي من خلال ترانيم يحفظها البسطاء وتحتوي على فكر خارج عن التسليم الرسولي، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. كما تناسى د. زيدان ومن سار على دربه الاضطهاد المرير الذي عانى منه الأرثوذكس على أيدي الآريوسيين لمدة 49 سنة والذي أذاقوهم فيها كل صنوف العذاب وجعلوا البطريرك الأرثوذكسي القديس أثناسيوس الرسولي يعيش هاربا في الصحاري والجبال عشرين سنة متقطعة؟! كما نسأل هؤلاء ونقول لهم هل كان مطلوبًا من الكنيسة أن تؤمن بالإيمان المسيحي وتحتفظ في نفس الوقت بأفكار وفلسفات وأساطير أسطورية وثنية جاءت المسيحية لتوضح عدم صحتها؟! هل كان على المسيحية أن تؤمن بالإله الواحد وتؤمن معه بمئات من الآلهة الوثنية الأسطورية، سواء التي لم يكن لها وجود من الأصل ثم أوجدها الفكر البشري وحولها إلى أسطورة، أم الذين وجدوا بالفعل كبشر وتحولوا مع الزمن إلى شخصيات أسطورية؟! وهل كان على المسيحية أن تؤمن بفلسفتها المسيحية الإلهية المبنية على الكتب الموحى بها وتنبذ الفلسفات الوضعية؟! أم تؤمن بهذا وذاك؟! الشيء ونقيضه؟! وهنا نسألهم ونقول لهم أن كنتم مسلمين فهل تقبلون أن يوضع الكتاب المقدس مع القرآن مع كتب البوذية والهندوسية وكتب فلسفات وأساطير اليونان والفرس والمصريين في مجلد واحد وتعتبرونه كتابًا مقدسًا واحدًا؟! وأن كنتم ملحدين أو لا دينيين فهل تقبلون هذا المجلد أيضًا وتعملون منه كوكتيل أديان وتصيغونه ككتاب لديانة موحدة؟! أما ما تتهمون به كنيسة الإسكندرية من قتل ومذابح فهذه أوهام وأكاذيب لم توجد إلا في كتب ملحدي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر التي تأثرتم بها وتنقلون عنها متصورين أنها هي الحقيقة في حين أنه عندما تمس ديانتكم تصرخون وتقلبون الدنيا رأسًا على عقب! بل أنكم لم تكونوا محايدين بل متحيزين وتجاهلتم لفترة استمرت أكثر من 300 سنة عاني فيها المسيحيون أقسى أنواع الاضطهادات المريرة التي راح ضحيتها مئات الألوف من الشهداء والمصابين وهدمت كنائسهم وأحرقت كتبهم لدرجة أن غالبية الأساقفة الذين حضروا مجمع نيقية سنة 325 كانوا ما بين مقطوع اليد أو الرجل أو فاقد عين أو عينين أو مصاب في احد أجزاء جسده! وبرغم أن هذا لا يبرر الاضطهاد المضاد إلا أنه لا يمكنكم أن تثبتوا أن كنيسة الإسكندرية قتلت شخصًا واحدًا بسبب دينه أو هرطقته. وسنبين تفصيليا في الفصول التالية كذب ما أدعاه الكاتب ضد الكنيسة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/9xbjj49