← اللغة الإنجليزية: The sundial of Ahaz.
إن رجوع الظِّل عشر درجات كعلامة من الرب على أن حزقيا سيشفى من مرضه، يعتبر واحدة من الحالات المذهلة التي سجلتها الأسفار المقدسة عن كَسْر قانون من قوانين الطبيعة. والقصة كما وردت في الأسفار المقدسة هي أن الله أرسل إشعياء النبي إلى حزقيا في مرضه يقول له: "ارجع وقل لحزقيا رئيس شعبي، هكذا قال الرب إله داود أبيك قد سمعت صلاتك. قد رأيت دموعك. هأنذا أشفيك. في اليوم الثالث تصعد إلى بيت الرب... وقال حزقيا لإشعياء ما العلامة أن الرب يشفيني فاصعد في اليوم الثالث إلى بيت الرب؟ فقال إشعياء هذه لك علامة من قبل الرب، على أن الرب يفعل الأمر الذي تكلم به. هل يسير الظل عشر درجات أو يرجع عشر درجا؟ فقال حزقيا: إنه يسير على الظل أن يمتد عشر درجات، لا بل يرجع الظل إلى الوراء عشر درجات. فدعا إشعياء النبي الرب، فأرجع الظل بالدرجات التي نزل بها، بدرجات آحاز - عشر درجات إلى الوراء (2مل 20: 5-11). وأيضًا: هأنذا أُرجع ظل الدرجات الذي نزل في درجات آحاز بالشمس عشر درجات إلى الوراء فرجعت الشمس عشر درجات في الدرجات التي نزلتها" (إش 38: 8).
إن أول وأهم نقطة يجب ملاحظتها هي أن هذه العلامة -رجوع الظل- لم تكون ظاهرة فلكية عادية، كما لم تكن نتيجة لقوانين فلكية طبيعية لم تكن معروفة آنذاك، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. بل كانت علامة خاصة بذلك المكان بعينه، وبذلك الوقت ذاته، وإلا لما كنا نقرأ عن "رؤساء بابل الذين أرسلوا إليه (إلى حزقيا) ليسألوا عن الأعجوبة التي كانت في الأرض" (2أخ 32: 31). ومن ثم فمن المستحيل أن نقبل الزعم القائل بأن مزولة آحاز (أو مقياس درجات الظل) كانت مركبة بطريقة خاطئة بحيث تعكس حركة الظل في أوقات معينة، لأن خطأ التركيب كان لا بُد أن يؤدي إلى تكرار نفس الظاهرة كلما عادت الشمس إلى نفس الموقع بالنسبة للمزولة. لكن القصة تقول لنا إن هذا الأمر لم يحدث نتيجة لقانون من قوانين الطبيعة المعروفة أو غير المعروفة، حيث أن حزقيا كانت له حيرة الاختيار، بكامل إرادته الشخصية الحرة، في أن يسير الظل عشر درجات إلى الأمام أو يرجع إلى الخلف - عكس الاتجاه الطبيعي. وليس في قوانين الطبيعية حلول بديلة. "فإن توفرت مجموعة من الظروف بنفس التفاصيل، فلابد أن تؤدي - بكل دقة - إلى نفس النتائج "فلا يمكن لنفس القانون أن يؤدي إلى نتيجة وعكسها، لذلك كانت حركة الظل على ساعة آحاز -المزولة- معجزة بأدق معاني الكلمة، ولا يمكن تفسيرها على أساس عمل أي قانون من القوانين الفلكية، المعروفة أو غير المعروفة، وليس لدينا أي فكرة أو معلومات عن الظروف والأحوال الفلكية في ذلك الوقت، ولكن يمكننا دراسة الموضوع في إطار معجزة.
الكلمة العبرية المترجمة بـ"درجات" في العربية هي "معالوت" (درجة: معلة מַעֲלָה)، وليس ثمة دليل على أن الكلمة تشير إلى جهاز صُمِّم ليكون مِزولة حقيقية وليس مجرد درجات سلم هي "درجات آحاز". ولعلها كانت ذات صلة "برواق السبت الذي بنوه في البيت ومدخل الملك من خارج، غيَّره (آحاز) في بيت الرب من أجل ملك آشور" (2مل 16: 18). فلعل هذه الدرجات -المنسوبة إلى آحاز بسبب التغيير الذي أحدث- قد حلت محل "مصعد الدرج إلى الغرب مع باب شلكة" (1أخ 26: 16)، أو الأرجح محل الدرجات التي كان يصعد بها سليمان إلى بيت الرب.
في أوقات معينة من النهار كان ظل أحد الأشياء يسقط على الدرجات. ونعلم من سفري الملوك الثاني ونبوة إشعياء أن هذا الظل كان قد نزل -على الأقل- عشر درجات، كما نعلم من نبوة إشعياء أيضًا أن الشمس كانت في طريقها إلى المغيب، فمن ثم لا بُد أن المعجزة قد حدثت بعد الظهيرة حين كانت الشمس في طريقها إلى المغيب، وعندئذ تمتد الظلال نحو الشرق. ولسنا نعلم ما هو الشيء الذي كان يلقي بظلاله على "الدرجات"، ولكن لا بُد أن ذلك "الشيء" كان يقوم إلى الغرب من الدرجات، ولابد أن الظل وقع أولًا على قمة الدرجات، وأن قاعدة الدرجات كانت آخر ما يصل إليه الظل، حيث تظل أطول فترة في ضوء الشمس. ومن المفهوم أن قصر الملك كان يقع إلى الجنوب الشرقي من الهيكل، ومن ثم فمن الأرجح أن جزءًا من أبنية الهيكل كان يلقي بظله على الدرجات على مرأى من الملك المحتضر الراقد في فراشه. وإذا كان الوقت - آنذاك - بعد الظهيرة بكثير فإن الشمس تسرع الخطى نحو الغرب، أو بعبارة أخرى، كان الظل ينزل إلى أسفل الدرجات بأسرع معدل له، لكنه يتحرك ببطء نحو شمال من يصعدون عليها، وبالتالي يحتمل أنه في ذلك الميعاد كان الكهنة يأتون من القلعة ورجال الحاشية من القصر ويصعدون الدرج إلى بيت الرب لتقديم الذبيحة المسائية، عابرين من الشمس المشرقة عند الدرجات السفلى إلى الظل الذي كسا الدرجات العليا، وكانت الشمس آنذاك تهبط خلف الأبنية، وأصبح الظل الساقط على الدرجات أكثر قتامه، ولن يسفر عن النور مرة أخرى إلا عند بزوغ شمس يوم جديد.
يمكننا -إذًا- أن نفهم طبيعة الاختيار الذي قدمه النبي إشعياء للملك المحتضر: هل يختار أن ينزل الظل عشر درجات أخرى في نفس الاتجاه الطبيعي لسير الظل، أو يختار أن يتراجع الظل عشر درجات ليكشف هذه الدرجات العشر لضوء الشمس من جديد؟ وكان أي من الاختيارين يكفي علامة على أن الملك حزقيا سيقوم من مرضه ويشفى بعد ثلاثة أيام ويذهب إلى بيت الرب. إلا أن أحد هذين الاختيارين كان يتفق مع التطور الطبيعي للأوضاع، أما الآخر فكان على العكس من ذلك تمامًا. إنه أمر يسير -حسب رأي حزقيا- أن يتقدم الظل عشر خطوات أو درجات، فإن سحابة صغيرة خلف الهيكل يمكنها أن تحجب الشمس وتضيف إلى الظل عشر درجات، وهكذا يحدث التغيير المطلوب، إلا أنه لا يمكن لأي سحابة أو أي شيء آخر أن يجعل الظل يتراجع إلى الوراء عشر درجات، ليكشف هذه الدرجات العشر لضوء الشمس مرة ثانية، وكان التغيير الأول -في رأي وتقدير العقل البشري- أيسر حدوثًا، "أمرًا يسيرًا" أما التغيير الثاني فكان أمرًا مستحيلًا. فاختار حزقيا التغيير المستحيل، واستجاب الرب له. ولسنا في حاجة إلى السؤال عما إذا كان اختيار الملك للعلامة المستحيلة دليلًا على إيمان أقوى أو أضعف، وقد سبق أن أبدى أبوه... آحاز الملك - عدم إيمانه برفضه أن يجرب الرب فيطلب علامة، سواء في السماء من فوق، أو على الأرض من تحت. وقد ظهر إيمان حزقيا عند طلبه العلامة التي كانت في نفس الوقت في السماء من فوق وعلى الأرض من تحت، وكانت العلامة التي اختارها أنسب علامة، فقد كان حزقيا يحتضر - سواء من الطاعون أو من السرطان - فلسنا نعلم سوى أن مرضه كان مميتًا ولا علاج لهن وكان قد دخل في دائة ظلال الموت. وكانت كلمة الرب له أكيدة: "هأنذا أشفيك في اليوم الثلاث تصعد إلى بيت الرب، وأزيد على أيامك خمس عشرة سنة (2مل 20: 5، 6).
لكن ماذا عن العلامة؟ هل سيبتلعه ظل الموت، وهل ستنتهي حياته سريعًا إلى الظلام وتختفي فيه، إلى أن يشرق فجر يوم جديد ويبزغ نور حياة جديدة، هي حياة القيامة؟ (انظر يوحنا 11: 44). أم ينسحب الظل ويتراجع بسرعة لتضاف سنوات جديدة إلى عمر حزقيا، قبل أن يرى الموت؟ لقد كان الموت العاجل هو التطور الطبيعي للأحداث، وكان استرداده لصحته أمرًا يبدو مستحيلًا، لكن حزقيا اختار أن تتراجع الظلال وأن يسترد صحته، واستجاب الرب لإيمانه وصلاته.
ولا نستطيع المضي قدمًا في التفصيلات، فقد تهدم القصر الملكي والهيكل الأول ودرجات آحاز، عندما تهدمت أورشليم على يد نبوخذ نصر ملك بابل، ولم تعد هناك وسيلة نتأكد بها من الموقع الدقيق لدرجات آحاز بالنسبة للهيكل أو لقصر الملك، أو من عدد الدرجات التي كانت هناك، أو في أي وقت من النهار، وفي أي فصل من فصول السنة حدثت هذه العلامة، ولعلنا لو عرفنا شيئًا من هذه التفاصيل -أو جميعها- لأمكن أن يصبح للقصة مغزى أعمق وأكبر من الناحيتين الروحية والفلكية.
لقد أضيفة خمس عشرة سنة إلى حياة حزقيا. وعند إقامة هيرودس للهيكل الثاني، بنوا خمس عشرة درجة بين فناء النساء وفناء إسرائيل، وعلى هذه الدرجات الخمس عشرة، كان اللاويون يقفون -في عيد المظال- لينشدوا ترانيم المصاعد الخمس عشرة [المزامير من (مز 120-134)]. وعلى أعلى هذه الدرجات كان الأبرص الذي يبرأ من مرضه، يعرض نفسه على الكاهن. ويرجح البعض أن حزقيا نفسه هو كاتب هذه الترانيم الخمس عشرة التي يطلق عليها "ترانيم المصاعد" كنوع من الشكر والعرفان بالجميل والامتنان لله على الخمس عشرة سنة التي أضافها الله إلى عمره. وتنسب خمس ترنيمات من ترانيم المصاعد إلى داود وسليمان. ولكن الترانيم العشر الباقية، لا يعرف كاتبها، إلا أن موضوعات هذه الترانيم العشر -على أي حال- تتفق مع الأزمات الكبرى التي مر بها حزقيا، وأهداف حياته، فالفصح الكبير الذي أقامه ودعا إليه كل الأسباط، ومن ثم حضره الكثيرون جدًا من كل إسرائيل، وتجديف ربشاقي، وخطاب التهديد الذي أرسله له سنحاريب، وخطر الغزو الأشوري والنجاة منه، ومرض حزقيا حتى الموت، واسترداده لصحته بطريقة معجزية، وحقيقة أنه لم يكن له -حتى ذلك الوقت- ابن يرث العرش من بعدهن كل هذه الموضوعات يتردد صداها في المزامير الخمسة عشر الملقبة بترانيم المصاعد.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/hsw4g4g