أعياد العذراء في السنكسار | عقيدة العذراء مريم عبر الأجيال | العذراء في القداس | من فضائل العذراء | فضائل العذراء وإيمانها | العذراء والطهارة | الشفيعة المؤتمنة | ظهورات العذراء في القرن العشرين | رموز السيدة العذراء في العهد القديم | الصوم وتكريم العذراء | زنار السيدة العذراء | المستحيلات العشرة للقديسة العذراء
"طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما... بل طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه" (لو 27:11،28).
"طوبى التي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (لو 45:1).
طوبى لمريم العظيمة التي "كانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها" (لو 19:2).
طوبى لمن تكلمت بالروح القدس معلنة "فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوِّبني" (لو 48:1).
نطوبك يا ذات كل التطويب لأنك بالحقيقة ارتفعت على كل السمائيين وصرت سماء ثانية تحمل القدوس كالشاروبيم وأبهَى.
يا للعجب.. الأم الأعجوبة.. الأم والعذراء.. الأم والأمة.. الملكة العبدة كيف لعقلي الصغير أن يستوعب هذه الأعجوبة.
فتاة صغيرة يهودية تحمل في حضنها (يهوه).. أخبرني يا أمي كيف استوعب الخبر.. وكيف احتملت الخبرة.. من تخافه الملائكة وترتعب أمامه القوات.. من يقف الكهنة أمامه بكل احتشام ويتطهرون عندما يكتبون اسمه.. كيف حملتيه أنت في بطنك وحضنك وكف رضع من لبن ثدييك.
أخبريني يا عروس المسيح الباهرة كيف كان (يحبو) يسوع.. ومتى تكلم.. وكيف نطق الحروف الأولى.. أخبريني عن أسرار الملك إذا أنه (شابهنا في كل شيء) وكان مثلنا "يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو 52:2) ولكنه كان "ينمو ويتقوى بالروح ممتلئًا حكمة وكانت نعمة الله عليه" (لو 40:2).
أحكى يا أم النور عن النور والهاء الذي كان يحيط بطفلك العجيب.. وخبرينا عن المجد والوقار والرزانة والنعمة المنبعثة من شخصه القدوس طوباك يا مريم لأنك عاينت ما لم تره عين.. وخبرت ما لم يختبره إنسان وصدقت ما يفوق العقل.. وعقلت ما يصيب بالذهول.
إنني أقف من بعيد يحجبني الزمان السحيق والمكان البعيد... أقف مذهولًا من الأمر نفسه الذي استوعبته أنت وعِشته.
قلبي ولساني وعقلي وحواسي يتيهون.. وقلمي يسبق الكلمات.. ومشاعري مختلطة ولا أستطيع الكلام أن أرتب العبارات.. لأنني مأخوذ ومشدود بسبب بهائك الكامل يا أم كل طهر واصل البتولية.
"ها أنت جميلة يا حبيبتي. ها أنت جميلة عيناك حمامتان" (نش 15:1)، "كلك جميل يا حبيبتي ليس فيك عيبة" (نش 7:4)، "قد سبيت قلبي يا أختي العروس.. قد سبيت قلبي ما أحسن حبك يا أختي العروس.. شفتاك يا عروس تقطران شهدًا، تحت لشانك عسل ولبن ورائحة ثيابك كرائحة لبنان، أختي العروس جنة مغلقة عين مقفلة، ينبوع مختوم" (نش 9:4-12).
لم تكن العذراء فقط أم الله "طوبى البطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما" (لو 27:11)، بل هي أيضًا عروس الله وصديقته(1) التي كانت "تحفظ كلامه في قلبها" (لو 51:2)، لذلك فقد نالت الطوبتين "إن القديسة مريم استحقت التطويب من أجل إيمانها بالمسيح أكثر من كونها حبلت به، إن صلة أمومتها بالمسيح لم تعطها أي ميزة.. الميزة الحقيقية التي للقديسة مريم، هي في كونها حملت المسيح في قلبها ولى في بطنها" (أغسطينوس).
لقد خضعت العذراء في حي وفرح "هأنذا أمة الرب ليكن لي كقولك" (لو 38:1). واحتملت سيوفًا كثيرة "وأنت يجوز في نفسك سيف لتعلن أفكا من قلوب كثيرين" (لو 35:2).
ولكنها في هذه كانت أنموذجًا رائعًا للاحتمال والهدوء والوداعة.. صم صاغت هبرتها هذه في عبارة نصيحة لكل الأجيال "مهما قال لكم فافعلوه" (يو 5:2).
نعم يا أمي الطاهرة سأطيع أبنك واخضع لتدبيره.. هوذا أنا عبد للرب ليكن لي كقولك وكتدبيرك لحياتي وكخطتك لي قبل أن أولد وليتمجد اسمك القدوس في وفي كنيستك.
وأنت يا أمي المحبوبة..
أتوسل إليك يا حبيبتي العروس.. اسنديني بعطفِك لكي أتمم مشيئة ابنك في.. ولكي اخضع لصوته الإلهي. دون تردد أو تذمر أو إحجام.
وأتمم عمله في دون عائق أو مانع.. مجدًا وإكرامًا للثالوث القدوس وسلامًا وبنيانًا لكنيسة الله. العذراء صديقة الإنسان.
لقد فشلت حواء أن تكون "أم كل حي" (تك 20:3) لأنها جلبت علينا حكم موت فصار كل مولود منها ومن نسلها ابنًا للموت ووقودًا للهلاك، ولن مريم العذراء صارت وسيلة وسلمًا ينزل عليه الله الحي.. لكي يحيى جنس البشر.. يحينا عندما نتحد به في تجسده بواسطة المعمودية والافخارستيا فنصير أيضًا أعضاء فيه.. ونصير أيضًا أبناء لمريم بسببه.. وهكذا تصير العذراء مريم (أم جميع الأحياء) وتصير بالحق (حواء الثانية) ورفعت من شأن جنسنا (أنت بالحقيقة فخر جنسنا) وصارت لنا شفيعة ترفع احتياجاتنا لابنها الحبيب، "ليس لهم خمر" (يو 3:2) وتتوسط لديه لغفران خطايانا ولكي يسندنا في جهادنا وتوبتنا وفي خدمتنا ونمونا.
إن العذراء عندما رفعت احتياج الناس لابنها (ليس لهم خمر) لم تكن تلفت نظره إلى حدث فاته ولم تكن تحاول الحصول على موافقة صعبة ولكن وساطتها تكون بسبب اتحاد قلبها الرقيق برحمة ابنها وشفقته وموقفها النبيل يعبر عن محبة ابنها وحنانه غير المحدودين إنها وهي الأم التي تعرف قلب الابن تفجر فيه ينابيع الحب تجاه البشر وتشفع فينا لتستجلب مراحم الله الصادقة ولكنها أيضًا فيما تشفع فينا توجهنا أن نطيعه "مهما قال فافعلوه" (يو 2:5). فرسالة العذراء لنا أن نطيع ونخضع وننفذ مشيئة الله فيا ونحن دائمًا الرابحين لأن إرادة الله لحياتنا هي دائمًا للخير والبنيان.
"ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده" (رو28:8).
فطوبى للنفس التي تخضع للمسيح، ستستفيد بشفاعة العذراء. وطوبى للقلب الذي يعشق المسيح، ستكون العذراء سنده. وطوبى لمن جعل المسيح منتهى أمله، ستحضر العذراء إليه عند انفصال نفسه من جسده.
لقد صارت العذراء أمًا لكل البشرية عندما قرر المسيح على الصليب مخاطبًا إياها بخصوص يوحنا الحبيب "يا امرأة هوذا ابنك" (يو 26:19) وليوحنا "هوذا أمك" (يو 27:19) لم يكن يوحنا هنا إلا نموذجًا للبشرية المخلصة المحبوبة والتي ترافق السيد حتى في آلامه.. إن كل نفس تشارك المسيح صليبه وترافقه في آلامه تنصير ابنًا للعذراء إن مكان لقاء العذراء مع يوحنا وارتباطها برباط الأمومة والبنوة كان أمام الصليب يا سيدي هبني صليبًا يجعلني ابنًا لأمك.. إن كل آلام الصليب تهون واستخفت بها... في مقابل أن أكون ابنًا لأمك البتول آخذها إلى خاصتي (يو 27:19) وتصير معي في مسكني تشاطرني الأكل والصلاة... النوم والسهر الخدمة والخلوة... كأم معينة ومنقذة في الشدائد.
"هؤلاء كلهم (الكنيسة) كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته" (أع 14:1) إن العذراء مريم هي عضو أساسي ومشارك مع الكنيسة حتى اليوم في الصلاة والطلبة واقتبال الروح القدس ولكن عضوية أم النور عضوية متميزة فهي نموذج ومثال رائع لما ينبغي أن تكون عليه النفس البشرية التي هي اللبنة الصغيرة في بناء الكنيسة الكبير.
1- فكما أن العذراء ولدت المسيح الذي هو رأس الكنيسة فإن الكنيسة في كل يوم تلد أعضاء جددًا للمسيح في الجسد بالمعمودية "أما أورشليم العليا فهي حرة وهي أمنا جميعًا فهي حرة" (غل4:26).
2- وكما أن ولادة العذراء للمسيح كانت بالبتولية بسبب اتحادها بالروح القس فكذلك تلدنا الكنيسة بفعل الروح القدس بالأسرار.
3- وكما أن العذراء بقيت عذراء بعد الولادة كذلك الكنيسة تحفظ عذراوية كيانها المقدس بالرغم من وجودها في العالم بكل إغراء أته فالكنيسة للعالم هي نور وملح ولكنه نور لا ينبغي أن ينطفئ وملح لا يجب أن يفسد.
4- والعذراء وقد صارت أمًا لله نظرت إلى نفسها كأمة متواضعة وكذلك الكنيسة تسلك بروح الوداعة والاتضاع والمسكنة بالروح والأسرار التي كثرة المواهب والأسرار التي تمتلكها بقوة وفعل الروح القدس.
5- والعذراء في هدوء "آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (يو 45:1) وسلمت أمرها للرب "ليكن لي كقولك" (لو 38:1) وكذلك تمسكت وحافظت بالإيمان السليم وحافظت عليه وحياتها في قلبها وطقسها وحياتها مسلة كل المشيئة لله الذي يقود ويدبر الكنيسة بحكمته وعين رعايته الساهرة.
6- والعذراء مريم جاز في نفسها سيف الألم عندما شك يوسف فيها.. وعندما ظن اليهود فيها ظنونًا. وبالأكثر عندما رأت أبنها الحبيب الحنون معلقًا على الصليب "العالم يفرح لقبوله الخلاص وأما أحشائي فتلتهب عندما أنظر إلى صلبوتك، الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي" (الأجبية). وكذلك الكنيسة عاشت وتعيش مضطهدة ومتألمة ومرفوضة من العالم ، كحملان وسط ذئاب (لو 3:10) ولكما ازداد الألم والضغط على الكنيسة كلما نمت وتمجدت لأن الآلام دائمًا معبرنا للمجد ولأن رئيس خلاصنا ورأس جسدنا هو المسيح المصلوب.
7- والعذراء خدمت البشرية واجتذبتها للخلاص بهدوئها وصمتها، "لأنك قدمت لله ابنك شعبًا كثيرًا من قبل طهارتك" (التسبحة اليومية).
وكذلك الكنيسة تعمل في البشرية كمثل الخميرة التي يسرى مفعولها في هدوء لتخمر العجين كله. فليست الخدمة الفعالة هي ذات الرنين العالي والشهوة الواسعة والدعاية الجوفاء.. ولكن الخدمة الفعالة هي خدمة العمق والهدوء والرزانة تلك التي خدم بها انطونيوس وأبو مقار وغيرهم فربحوا نفوسًا كثيرة للملكوت وكان النموذج الرائع لهذه الخدمة الأم العذراء بطهارتها وعمقيها وزانتها المؤثرة.
إن مجرد ذكر اسم العذراء يبعث النفس على الخشوع والصلاة ويملأ القلب بهجة ووقار ويشيع في الجسد قداسة ونقاء.. إنها كأم تجمعنا حولها.. وتقدمنا لابنها.. فلنهتف إذًا مع أليصابات "مباركة أنت في النساء" (لو 42:1).
_____
(1) بخصوص جملة "عروس الله وصديقته"، رأينا فَهْم بعض البسطاء أن الأمر متعلق بالآيات القرآنية "وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا" (سورة الجن 3)، و"بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ" (سورة الأنعام 101).
إن كلمة "صديقته" لا تعني أنها "صاحبة"، حيث أن كلمة "صاحبة" في القرآن تعني "زوجة" (حسب تفسير الطبري وغيره)، إنما هنا في المقال فهو يستخدم مصطلح "صديقة". ولدينا مفهوم الصداقة واضح على سبيل المثال في (يو 3: 29) عند ذِكر "صَدِيقُ الْعَرِيسِ" (انظر تفسير الآية في الرابِط)، فإنه له معنى لاهوتي أن صديق العريس هو الذي يقدم النفس البشرية أو الكنيسة أو المؤمنين والبشر عمومًا لله، مثل الأنبياء والرسل... وهو يفرح حينما يرى الناس تؤمن بالله، لكونه أنجز مهمته وخدمته...
وذكِر العذراء أن صديقة الله، مثلما نقول "إِبْرَاهِيمُ... خَلِيلَ اللهِ" (يع 2: 23)، وهو نفس المصطلح الذي تم نقله لاحقًا في (سورة النساء 125): "اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً".
فالصداقة بمعنى العلاقة والعِشرة مع الله، وليس -حاشا- الأمور الجسدية والشهوانية التي يحوم حولها البعض حسب معتقداتهم...
وهذا المفهوم طبيعي ومنتشر في الكتاب المقدس في أماكن عدة، فقد نادى السيد المسيح يهوذا في حواره الأخير معه "يَا صَاحِبُ" (مت 26: 50).
كما أن هذا اللقب ليس قاصِرًا على العذراء، فكل المؤمنين هم أصدقاء الله، كما ذكرنا إبراهيم أب الآباء، وكذا يوحنا المعمدان قال عن نفسه أنه "صَدِيقُ الْعَرِيسِ"... إلخ.
حتى مفهوم أن النفس البشرية هي عروس الله، هو مفهوم كتابي نراه واضحًا في هذه الآية مثلًا التي يتحدث فيها الله عن النفس البشرية: "أَخْطُبُكِ لِنَفْسِي إِلَى الأَبَدِ. وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالإِحْسَانِ وَالْمَرَاحِمِ" (هو 2: 19).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/g5s8xpx