سنوات مع إيميلات الناس!
أسئلة روحية وعامة
الإجابة:
أولًا(*).. لا علاقة بموضوع "المسيح ذبح لأجلنا" في هذا الأمر! حيث أن هذا موضوع خلاصي لا علاقة له بالطعام!! إذا سلمنا بهذا الأمر فكيف ستأكل من اللحوم والطيور والأسماك وغيرها لأنها تذبح؟!! وهي التي حللها الله وخلقها من أجلنا؟!
لا، سؤالك صيغته غير سليمة من هذه الناحية!
في القرن الأول المسيحي كانت هناك عبادة أوثان مازالت منتشرة في العالم، وسأل بعض المسيحيون الجدد بولس الرسول في مدينة كورنثوس سؤال شبيه بسؤالك: هل يحل لنا أن نأكل أطعمة قد ذُبِحَت في طقوس وثنية أو للأوثان؟! فأجابهم الرسول بولس بالآتي: "وأما من جهة ما ذبح للأوثان، فنعلم أن لجميعنا علمًا. العلم ينفخ ولكن المحبة تبني. فان كان أحد يظن أنه يعرف شيئًا فانه لم يعرف شيئا بعد كما يجب أن يعرف! ولكن إن كان أحد يحب الله فهذا معروف عنده. فمن جهة أكل ما ذُبِحَ للأوثان نعلم أن ليس وثن في العالم وأن ليس إله آخر إلا واحد. لأنه وإن وُجِدَ ما يُسّمَّى آلهة سواء كان في السماء أو على الأرض كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون. لكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له. ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به. ولكن ليس العلم في الجميع. بل أناس بالضمير نحو الوثن إلى الآن يأكلون كأنه مما ذبح لوثن. فضميرهم إذ هو ضعيف يتنجس. ولكن الطعام لا يقدمنا إلى الله. لأننا إن أكلنا لا نزيد وإن لم نأكل لا ننقص" (1كو1:8-8).
فيقول بولس الرسول هنا أننا نؤمن بإله واحد وأن الطعام لا علاقة له بالعبادة، أي إذا قاموا هؤلاء بالأكل من هذه الأطعمة، فليس معنى هذا أنهم يشاركونهم في العبادة أو أي أمر من هذا القبيل! فالطعام لا يقدمنا إلى الله.. وستجد النص الكامل للكتاب المقدس هنا في موقع الأنبا تكلا. ولكن إذا وضع أحد في ذهنه هذا الأمر ورفضه فذلك لأنه ذو ضمير ضعيف! وبسبب ذلك يشعر بأنه يتنجس!! فالقبول هو للجميع، والرفض هو في حالة إن كان الأمر سيتسبَّب في عثرة أحد.
فتلك الآيات تشرح كيف أننا جميعًا نعلم أنه ليس إله آخر سوى الله، وأنه لا وثن. وبالتالي فإن أكل هذه اللحوم لا يؤثر علينا في شيء(1). إذًا ما قدموه للأوثان لا شيء فيه من معنى الديانة، فلا إله آخر سوى الله، فلا تفترضوا أن هذه الذبائح قُدِّمَت لإله آخر غير الله، فليس غير الله إله. وبالتالي فلا فرق بين لحوم هذه الذبائح وباقي الأطعمة(2). الأوثان هي آلهة وهمية، ليس لها أية قوة، عاجزة عن أن تدنس أولاد اللَّه وخدامه(3). يوجه الرسول بولس حديثه نحو أصحاب الضمائر القوية، فإنهم إذ يأكلون في هذه الولائم بضميرٍ قوي، هذا لا يعوقهم شيئا أمام اللَّه وفي حضرته لأنهم يعثرون الضعفاء، وإن امتنعوا عن الشركة في هذه الولائم لن يفقدوا شيئًا من سموهم الروحي وقوة ضمائرهم. الأكل أو عدمه ليس فضيلة ولا رذيلة، لن يقربنا إلى اللَّه أو يفصلنا عنه. لهذا حتى في الأصوام يليق بنا أن ما يشغلنا ليس الامتناع عن الأكل بل الاقتراب إلي اللَّه والاتحاد معه(4). كما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: "بأنه بسبب ضمير الأخ الضعيف يأمرنا أن نمتنع عن بعض الأشياء، وإن كان يحسبها ضمن الأمور المقبولة"(5).
هذا ما قاله بولس الرسول من جهة ما ذبح للأوثان، وللمرة الثانية سؤالك ليس في محله، لأن ما تقوله عن عيد الأضحى الذي يقوم فيه الأخوة المسلمون بنحر الذبائح لا علاقة له بالأوثان! بل هم يقدمون الأضحية لإلههم خالق السماء والأرض حسب معتقدهم -والذي يختلف بالطبع عن وجهة نظرنا إلى الله تبارك اسمه- ولكن النقطة هنا أنهم لا يعبدون الأصنام كما في الآية! فإن كانت الآية تقبل ما ذُبِح للأوثان، فما الحال مع الديانات الغير وثنية؟!
فلا ضير بالطبع بأي حال من الأحوال من مشاركة الأخوة المسلمون في تناول الطعام أو غيره. ونحن هنا في مصر نقوم بهذا الأمر بصورة طبيعية جدًا بمشاركة أخوتنا المسلمون في أعيادهم، والكنيسة القبطية كذلك تقوم كل عام بعمل الموائد الرمضانية وغيرها في لقاءات محبة مع أخوتنا المسلمون...
وإن كان الإسلام نفسه في القرآن يسمح للمسلمون بالأكل مع المسيحيين، فهل المسيحية ديانة الحب للجميع هي التي ستقف عند هذا الأمر؟! ها هي الآية التي أقصدها: "الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ، وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ، وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ.. وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (سورة المائدة 5)(6).
لا أعرف الحال عندكم في البلد التي أنت منها، ولكن لا تفسح مجالًا لمثل هذه الأمور السطحية، ولا تجعلها تأخذ وقتًا من تفكيرك..
لا تبني لنفسك أسوارًا بلا طائل! ولا تضع حدودًا غير موجودة! ولا تترك جوهر الدين وتنغمس فقط في بعض الأعمال الخارجية التي لن توصلنا لله الواحد الذي نطلب وجهه جميعًا.. كن حكيمًا.
_____
(*) المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت www.st-takla.org
(م. غ.). 4 - القس أنطونيوس فكري.(3) تفسير 1 كو 8: 4 - القمص تادرس يعقوب.
.(6) وقد أيَّد هذا تفاسير ابن كثير والسعدي والقرطبي وغيرهم.. بأن يأكل المسلمون من طعام وذبائح أهل الكتاب، "لأن أهل الكتاب ينتسبون إلى الأنبياء والكتب" (تفسير السعدي - المائدة 5).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/p7qrt47