إنه من المُحبِط حقًا أن نرى مثل هذا التفكير ومحاولة تصيُّد الأخطاء وبذل الوقت والجهد في محاربة الهواء! أقصد أن أمثال هذه الأسئلة التي تصلنا إلى موقع الأنبا تكلاهيمانوت توضح أن السائل يقتطع الكلام والأحداث، أو يقف عند الكلمات بجمود وبغير مرونة، أو ينقل آراء المنتديات (والتي هي ليست إلا آراء شخصية لأشخاص لديهم الكثير من الوقت الذي لا قيمة له في عيونهم).. فلا تنقل أسئلة أو ردود من منتديات إسلامية أو حتى مسيحية.. فهي لا يُعْتَد بها ولا بآرائها التي لا تعبر سوى عن كاتبها وعقلية كاتبها الذي تجهله وتجهلها!
نفترض دائمًا حُسن النية في السؤال والسائل، ولكن صيغة السؤال هي التي توضح أنه هدفه التهكم والتحقير من الإيمان، وليس البحث الصادق عن الله عز وجل..
على أي الأحوال، دعنا نعود الآن للسؤال ومحتواه..
ها هي أولًا الآيات التي عرضها السائل بالتشكيل لاكتمال الفائدة، وهي من إنجيل لوقا الأصحاح الأول:
"كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَامْرَأَتُهُ مِنْ بَنَاتِ هارُونَ وَاسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ. وَكَانَا كِلاَهُمَا بَارَّيْنِ أَمَامَ اللهِ، سَالِكَيْنِ فِي جَمِيعِ وَصَايَا الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ بِلاَ لَوْمٍ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَدٌ، إِذْ كَانَتْ أَلِيصَابَاتُ عَاقِرًا. وَكَانَا كِلاَهُمَا مُتَقَدِّمَيْنِ فِي أَيَّامِهِمَا. فَبَيْنَمَا هُوَ يَكْهَنُ فِي نَوْبَةِ فِرْقَتِهِ أَمَامَ اللهِ، حَسَبَ عَادَةِ الْكَهَنُوتِ، أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى هَيْكَلِ الرَّبِّ وَيُبَخِّرَ. وَكَانَ كُلُّ جُمْهُورِ الشَّعْبِ يُصَلُّونَ خَارِجًا وَقْتَ الْبَخُورِ. فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَاقِفًا عَنْ يَمِينِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ. فَلَمَّا رَآهُ زَكَرِيَّا اضْطَرَبَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ خَوْفٌ. فَقَالَ لَهُ الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَفْ يَا زَكَرِيَّا، لأَنَّ طِلْبَتَكَ قَدْ سُمِعَتْ، وَامْرَأَتُكَ أَلِيصَابَاتُ سَتَلِدُ لَكَ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا. وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ، لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ. وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا». فَقَالَ زَكَرِيَّا لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ أَعْلَمُ هذَا، لأَنِّي أَنَا شَيْخٌ وَامْرَأَتِي مُتَقَدِّمَةٌ فِي أَيَّامِهَا؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَهُ: «أَنَا جِبْرَائِيلُ الْوَاقِفُ قُدَّامَ اللهِ، وَأُرْسِلْتُ لأُكَلِّمَكَ وَأُبَشِّرَكَ بِهذَا. وَهَا أَنْتَ تَكُونُ صَامِتًا وَلاَ تَقْدِرُ أَنْ تَتَكَلَّمَ، إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ هذَا، لأَنَّكَ لَمْ تُصَدِّقْ كَلاَمِي الَّذِي سَيَتِمُّ فِي وَقْتِهِ». وَكَانَ الشَّعْبُ مُنْتَظِرِينَ زَكَرِيَّا وَمُتَعّجِّبِينَ مِنْ إِبْطَائِهِ فِي الْهَيْكَلِ. فَلَمَّا خَرَجَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ، فَفَهِمُوا أَنَّهُ قَدْ رَأَى رُؤْيَا فِي الْهَيْكَلِ. فَكَانَ يُومِئُ إِلَيْهِمْ وَبَقِيَ صَامِتًا. "وَلَمَّا كَمِلَتْ أَيَّامُ خِدْمَتِهِ مَضَى إِلَى بَيْتِهِ. وَبَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ حَبِلَتْ أَلِيصَابَاتُ امْرَأَتُهُ، وَأَخْفَتْ نَفْسَهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ قَائِلَةً: «هكَذَا قَدْ فَعَلَ بِيَ الرَّبُّ فِي الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا نَظَرَ إِلَيَّ، لِيَنْزِعَ عَارِي بَيْنَ النَّاسِ» (إنجيل لوقا 1: 5-25).
"وَأَمَّا أَلِيصَابَاتُ فَتَمَّ زَمَانُهَا لِتَلِدَ، فَوَلَدَتِ ابْنًا. وَسَمِعَ جِيرَانُهَا وَأَقْرِبَاؤُهَا أَنَّ الرَّبَّ عَظَّمَ رَحْمَتَهُ لَهَا، فَفَرِحُوا مَعَهَا. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ جَاءُوا لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ، وَسَمَّوْهُ بِاسْمِ أَبِيهِ زَكَرِيَّا. فَأَجَابَتْ أمُّهُ وَقَالَتْ: «لاَ! بَلْ يُسَمَّى يُوحَنَّا». فَقَالُوا لَهَا: «لَيْسَ أَحَدٌ فِي عَشِيرَتِكِ تَسَمَّى بِهذَا الاسْمِ». ثُمَّ أَوْمَأُوا إِلَى أَبِيهِ، مَاذَا يُرِيدُ أَنْ يُسَمَّى. فَطَلَبَ لَوْحًا وَكَتَبَ قِائِلًا: «اسْمُهُ يُوحَنَّا». فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ. وَفِي الْحَالِ انْفَتَحَ فَمُهُ وَلِسَانُهُ وَتَكَلَّمَ وَبَارَكَ اللهَ. فَوَقَعَ خَوْفٌ عَلَى كُلِّ جِيرَانِهِمْ. وَتُحُدِّثَ بِهذِهِ الأُمُورِ جَمِيعِهَا فِي كُلِّ جِبَالِ الْيَهُودِيَّةِ، فَأَوْدَعَهَا جَمِيعُ السَّامِعِينَ فِي قُلُوبِهِمْ قَائِلِينَ: «أَتَرَى مَاذَا يَكُونُ هذَا الصَّبِيُّ؟» وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُ" (إنجيل لوقا 1: 57-66).
أولًا، تخيَّل معي المثال التالي: ابنك طلب عجلة، ووعدته أنه عندما ينجح سَتُحْضِرها له.. فهل يعني هذا الوعد أنه في لحظة معرفة النتيجة سيحصل الابن على الهدية في التو واللحظة؟! الإجابة منطقية بالطبع، ولكننا سنشرحها لتصل للجميع بسهولة.. الإجابة هي لا! لن يحصل الابن على الهدية فورًا، ولكن الوعد أنه بعد حدوث الشرط، ستحدث النتيجة لاحقًا في أي وقت.. في الأغلب يكون وقت قريب، ولكنه لا يعني بالضرورة أنه في نفس اللحظة..
ثانيًا، وضع السائل العزيز بعض المغالطات في محتوى رسالته إلينا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت، ولكنها قد تمر بسهولة على غير المسيحيين، أو غير الدارسين عمومًا.. ولكن أمثال تلك المُغالطات -مع كونها تُسَهِّل الرد علينا- تٌسيء للسائل لكونه لا يتبع أسلوبًا علميًا سليمًا في الحوار والمجادلة والنقاش.. وليست هي ولا التهكم في الأسلوب يتوافق مع الآيات القرآنية القائلة "وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.. وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (سورة العنكبوت 46؛ سورة النحل 124).. فقال السائل في المقدمة: "لذلك عاقبه الرب بأن يجعله صامتًا إلى يوم الولادة"، ثم أكمل في نفس الجملة للتأكيد "[ولادة يوحنا المعمدان]"، ثم يكمل: "وفي هذا اليوم يكشف عقابه عنه ويستطيع زكريا Zechariah الكلام مرة أخرى". ويتصاعد الأمر في التحليل لدرجة اتهام الله عز وجل بالظلم -حاشا- قائلًا: "لكننا نجد الرب ظلم زكريا".. إلخ. وينهي الاكتشاف بقوله: "فلم يحدث ما وعد به الرب, فلقد كشف الرب عن زكريا العقاب بعد ولادة يوحنا بثمانية أيام كاملة في يوم ختان يوحنا المعمدان John the Baptist".
ثم يعود ويضع جملة اعتراضية وسط الآية التي عرضها ليُكمِل العرض، فنرى شكل الآية التي وضعها: "وها أنت تكون صامتا ولا تقدر أن تتكلم، إلى اليوم الذي يكون فيه هذا [أي يوم الولادة]، لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته". ونلاحظ الجملة الاعتراضية للتفسير كما يرى بين القوسين. ويعيد التحليل والتأكيد للمرة الثالثة بعد الآية في قوله: "فهمنا أن زكريا لن يستطيع الكلام إلى اليوم الذي تتم فيه الولادة، وبداهة أن هذا اليوم هو يوم كشف العقاب".
أخيرًا، فالإجابة نفسها قد وضعها السائل، ولكنه لم يفطن إليها لكونه منشغلًا بأمر آخر بخلاف البحث عن الحق.. فقد كان الوعد هو بالنص: "سَتَلِدُ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا" (إنجيل لوقا 1: 13)، وهو عينه اليوم الذي تم فيه الوعد بعد الولادة بتسمية الطفل.. فلم يكون الوعد فقط بالميلاد، ولكن باسم المولود.. وفي اليوم الذي تم تسميته، واتفق الأمر حسب قول الملاك، هنا تمت النتيجة بفتح فم زكريا أبو يوحنا المعمدان، واستطاعته الكلام مرة أخرى.. فقد كان الوعد محددًا: "سَتَلِدُ ابْنًا وَتُسَمِّيهِ يُوحَنَّا"، وعندما حدثت الولادة، ثم التسمية، تمت النتيجة بنزع عقاب الشك.
وإحقاقًا للحق، فنحن نحترم في السائل العزيز أنه حاول بنفسه البحث عن التفسير في تفاسير الكتاب المقدس بموقع الأنبا تكلاهيمانوت.. وهذا أمر محمود ونُحَييه عليه.. ولكنه لم يرَ إجابة لسؤاله لكونه أمرًا غير معروضًا في الموضوع بالمرة، بل هو أمر يتضح لمن يقرأ الآيات بصورة عادية.. أي أنه شبيه بأن يسألك شخصًا: "هل كنت تتنفس الهواء وأنت نائم بالأمس؟"! فهو سؤال لا يحتاج إلى إجابة، لذا لم توجد عليه إجابة، ولم تتعرض له التفاسير لأنه لا يحتاج إلى تفسير.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/w6q9gyx