اجتمع الأساقفة في اليوم التالي مباشرة للجلسة الخامسة. أبلغ كيرلس المجمع بأن يوحنا وأصدقاءه نشروا علانية، وألصقوا لوحة وقحة مملوءة حماقةً، تحتوى على حكم عزله هو (كيرلس) وممنون، وتتهمهما بالأريوسية والأبولينارية والأقنومية. هذه التهم بجملتها لا أساس لها من الصحة. لأنه هو وممنون قد حرما كل هذه الهرطقات وغيرها(1)، مع نسطور الهرطوقي الجديد وأتباعه. فعلى المجمع الآن أن يستدعى يوحنا وأصدقاءه للمرة الثالثة حتى يمكنهم إما أن يثبتوا اتهاماتهم (ضد كيرلس وممنون أسقف أفسس Memnon, bishop of Ephesus) علنًا أو أن يدانوا هم أنفسهم، خاصة وأنهم قد أبلغوا الأباطرة تقارير زائفة. مرة أخرى تم إرسال ثلاثة أساقفة مع موثِّق إلى يوحنا حتى يستدعوه للمرة الثالثة تحت تهديد حاد بعقاب كنسي قانوني في حالة عدم حضوره. وقد وصل المندوبون إلى منزله، لكنه بدلًا من أن يستقبلهم بنفسه أخذ رئيس شمامسته تعليمات بأن يسلمهم وثيقة مع الكلمات التالية: "المجمع المقدس (أي مجمع أساقفة أنطاكية) يرسل هذه لكم." لم تكن هذه الوثيقة إلا قرار عزل كيرلس وممنون الذي سبق الإشارة إليه، فرفض مندوبو المجمع استلامها. أبلغ رئيس الشمامسة سيده بذلك، ثم عاد للتو بالوثيقة معلنًا أن قرارات مجمع الأنطاكيين قد بلغت الإمبراطور بالفعل، وعليهم أن ينتظروا أحكامًا أخرى لسير الإجراءات. وعندما كان المندوبون على وشك أن يبلغوا تكليف مجمعهم شفاهة، قفز رئيس الشمامسة بسرعة قائلًا: "إنكم لم تستلموا الوثيقة، وأنا أيضًا لن أستمع لأي رسالة من رسائل مجمعكم". لكن كان للمندوبين فرصة أن يطلعوا بعض كهنة يوحنا الأنطاكي بمحتويات الرسالة حتى تصل إليه بواسطتهم. وعليه، فقد أعلن أعضاء المجمع أن لديهم سببًا معقولًا لمواصلة إجراءاتهم ضد يوحنا ورفقائه بطريقة صارمة، ولكنهم فضلوا اللطف و(ليس العزل، إنما فقط) القطع من الشركة والإيقاف عن كل الاختصاصات الروحية حتى يعترفوا بإثمهم. أما إذا لم يفعلوا ذلك في القريب العاجل، حينئذ سوف يعلن الحكم القانوني الصارم ضدهم. وفي نفس الوقت من البين أن كل قراراتهم ضد كيرلس وممنون باطلة جملةً وتفصيلًا. وأخيرًا كان لزامًا أن تبلغ قرارات هذه الجلسة إلى الأباطرة.
ذكر المجمع جميع الذين تمت معاقبتهم وتهديدهم، خصوصًا يوحنا الأنطاكي، ويوحنا أسقف دمشق، وألكسندر أسقف أباميا، وديكسيانوس أسقف سلوكية، وألكسندر أسقف هيرابوليس، وهيميريوس أسقف نيكوميديا، وفريتيلاس أسقف هراقليا، وهيلاديوس أسقف طرسوس، وماكسيميان أسقف أنازاربوس، ودوروثيئوس أسقف ماركيانوبوليس، وبطرس أسقف تراجانوبل، وبولس أسقف إمسا، وبوليكرونيوس أسقف هراقليا، ويوثيروس أسقف تيانا، وميليتيوس أسقف قيصرية الجديدة، وثيودوريت أسقف قورش، وأبرينجيوس أسقف خالكيس، ومكاريوس أسقف لادوكية الكبرى، وزوسيس أسقف إسبونتيس، وسالوستيوس أسقف كوريكوس، وهزيكيوس أسقف كاستابلا، وفالنتيوس أسقف موتلوباكا (مالوس)، وأوستاسيوس أسقف بارناسوس، وفيليب أسقف ثيودوسيانوبوليس، ودانيال، ويوليان، وكيرلس، وأوليمبيوس ، وديوجنيس، وبلاديوس (هؤلاء بدون أسماء لأماكن)، وثيوفانيس أسقف فيلادلفيا، وتراجانوس أسقف أوغسطا، وأوريليوس أسقف إيرينوبوليس، وموسيئوس أسقف أركاديوبوليس، وهيلاديوس أسقف بتوليماس(2). كانوا جميعًا خمسة وثلاثين أسقفًا، وبمقارنة أسمائهم مع الثلاثة والأربعين الذين وقعوا قرار الجلسة الأولى لمجمع أساقفة أنطاكية، يتبين أن هذا الفريق بالتأكيد قد كسب أتباعًا قليلين، ولكنهم فقدوا عددًا أكبر، وهذه الحقيقة قد سبق وأكدها كيرلس كما علمنا.
أبلغ المجمع فورًا كل من الأباطرة والبابا بما حدث، (ولازالت تلك الوثائق القيمة موجودة(3)). في الخطاب الموجه إلى الأباطرة، ذُكر أن المجمع قد عزل نسطور ولكن أصدقاؤه قد كسبوا يوحنا الأنطاكي لصفهم وأنهم متحدون معه، على الرغم من أن عددهم كان ثلاثين (يذكر الخطاب إلى البابا كليستين أنهم "حوالي ثلاثون"). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). هؤلاء عقدوا مجمعًا زائفًا (غير شرعي)، بينما طالب الأباطرة بوضوح بعقد مجمع واحد فقط، وبأن يكون مجمعًا عامًا. من بين أعضاء هذا المجمع غير الشرعي كان كثيرون ممن لم يطهروا أنفسهم بعد من آثامهم التي كانوا متهمين بها، وحتى يوحنا الأنطاكي نفسه كان متخوفًا من أن يستدعى لتقديم حساب عن غيابه الطويل عن المجمع(4). وهذا المجمع غير الشرعي، بلا مراعاة لأي نظام لقواعد إجراءات الانعقاد، وفي غياب المتهمين، وبدون استدعاء، قد أعلن بطريقة غير قانونية وغير عادلة بجملتها، عزل كيرلس وممنون، وقد سعى لخداع الأباطرة بواسطة ممثلين زائفين. أما المجمع الوحيد والحقيقي فقد استدعى يوحنا الأنطاكي ورفقاءه ثلاث مرات، ليقدموا شكواهم ضد كيرلس وممنون. لكنهم لم يحضروا وبالتالي فقد أعلن بطلان قراراتهم ضد كيرلس وممنون وبذلك وقعوا تحت حكم القطع من الشركة حتى ينصلح أمرهم. والأباطرة بالتأكيد لا يجب أن يعتبروا مجمع الخطاة هذا مجمعًا. وحتى في مجمع نيقية فإن ثمة جماعة قليلة قد فصلت نفسها عن مجمع الـ318 أسقفًا، فلم يعتبرهم قسطنطين الكبير مجمعًا. بل على العكس من ذلك، فإنه قد تمت معاقبتهم. سيكون منافيًا للعقل بأقصى درجة أن ثلاثين شخصًا يجعلون من أنفسهم معارضين لمجمع يضم 210 أسقفًا مقدسًا، تتحد معهم جميع أسقفيات الغرب. بالإضافة إلى ذلك فإنه من بين هؤلاء الثلاثين كثير ممن تم عزلهم من قبل، من البيلاجيين(5) والنساطرة. لذلك يجب على الأباطرة التأييد والموافقة على ما قرره المجمع المسكوني والمقدس ضد نسطور وعقيدته الكافرة(6).
لا يزال خطاب المجمع إلى البابا كليستين هو الأكمل فهو يحتوى على تاريخ كامل لمجمع أفسس بدءًا من مرسوم الدعوى الإمبراطوري لانعقاد المجمع إلى نتائج الجلسة الخامسة، مع الإشارة إلى أن المجمع قد أعلن أن كيرلس وممنون أبرياء تمامًا، وأنهم يحتفظون بشركة قوية معهم. هناك ما هو أكثر أهمية وهو أنه في مجمع أفسس (رغم أننا لا نعلم في أية جلسة)؛ تمت قراءة القرارات الغربية بخصوص إدانة البيلاجيين والكيلستيين وأتباعهم يوليانوس وبيرسيديوس وفلورس ومارسيلينيوس وأورينتيوس إلخ.. والموافقة على الحكم البابوي عليهم بالإجماع(7).
وكما علمَّ كيرلس ضد نسطور، هكذا فعل أيضًا ضد يوحنا الأنطاكي، ولازالت هناك عظة جميلة وقوية جدًا باقية له ضمن هذه العظات(8). وإن كان بها بعض تعبيرات قوية...، إلا أنها معتدلة بالمقارنة بما سمح يوحنا لنفسه أن يقوله ضد كيرلس.
_____
(1) رغم أن القديس كيرلس قد أعلن مرارًا حرم هذه الهرطقات إلا أن أعدائه وأعداء الإيمان ظلوا يلصقون به هذه التهمة لأنهم لم يجدوا ما يتهمونه به. وهذا هو حال الهراطقة في كل جيل أنهم يتهمون أصحاب الإيمان القويم بالهرطقة.
(2) Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv.p. 1318-1326; Hardouin t.i.p. 1493-1500. Fuchs, L.c. S. 135ff.
(3) وهذا كلام المؤرخ هيفيلي.
(4) في المرسوم الإمبراطوري ذكر أن من لا يكون في أفسس في عيد الخمسين سوف يكون مسئولًا بدرجة كبيرة عن ذلك أمام الله والأباطرة.
(5) البيلاجية هي هرطقة تنادى بأن الإنسان يصل إلى الخلاص بمجهوداته الخاصة بعيدًا عن نعمة الله أو أحيانًا مع نعمة الله. والاسم نسبة إلى بيلاجيوس اللاهوتي الروماني الذي علّم في القرن الرابع والخامس. وقد كانت تعاليمه نسكية، ونادى بأن الإنسان له حرية الاختيار وأكد أتباعه على إنكار تأثير الخطية الأصلية على الإنسان. (The Oxford Dictionary for World Religions)
(6) Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv.p. 1326 sq.; Hardouin, t.i.p.1502 sqq.
(7) Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv.p.1330-1338; Hardouin, t.i.p.1503-1510.
(8) Hefele, C.J., quoting Mansi, t.iv.p.1338 sqq.
الجلسة السادسة لمجمع افسس |
المجامع المسكونية المطران الأنبا بيشوي |
الجلسة الرابعة لمجمع أفسس |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/rp2nw3t