أدانت عدة مجامع مكانية في روما (377 م.)، والإسكندرية (378 م.)، وأنطاكية (379 م.) تعاليم أبوليناريوس. ثم أدين في المجمع المسكوني الثاني الذي انعقد في القسطنطينية (381 م.).
كان رأى آباء مجمع القسطنطينية أن السيد المسيح له نفس إنسانية عاقلة لأنه جاء لخلاص البشر وليس لخلاص الحيوانات. وأنه كان ينبغي أن تكون للمسيح إنسانية كاملة لكي يتم افتداء الطبيعة الإنسانية. وأن الروح البشرية مثلها مثل الجسد في حاجة إلى الفداء وهي مسئولة عن سقوط الإنسان. فبدون الروح البشرية العاقلة كيف يكون الإنسان مسئولًا مسئولية أدبية عن خطيئته؟ فالروح البشرية أخطأت مع الجسد وتحتاج إلى الخلاص، ولهذا يجب أن يتخذها كلمة الله مع الجسد لأن ما لم يتخذ لا يمكن أن يخلص، كما قال القديس غريغوريوس النازيانزي عبارته المشهورة ضد أبوليناريوس في رسالة إلى الكاهن كليدونيوس "لأن ما لم يتخذه (الله الكلمة) فإنه لم يعالجه؛ ولكن ما تم توحيده بلاهوته فهذا يخلص"(1).
بمعنى أن ما لم يُتَخَذ بواسطة الله الكلمة لا يخلص. أي إذا اتخذ الله الكلمة جسدًا فقط فإن الجسد هو الذي سيخلص، وإذا اتخذ جسد وروح سيخلص الجسد والروح.
إن أهم ما شغل الآباء ضد الأبولينارية Apollinarism هو "أن النفس الإنسانية العاقلة، بقدرتها على الاختيار، كانت هي مقر الخطيئة (كرسي الخطية seat of sin)؛ ولو لم يوحّد الكلمة هذه النفس بنفسه، فإن خلاص الجنس البشرى لم يكن ممكنًا"(2).
أي أن الآباء يعتبرون أن الروح الإنساني العاقل في الإنسان هي الجوهر الأقوى، وهو القادر على اتخاذ القرار، في أن يعيش الإنسان في الخطية أو أن ينفّذ وصايا الله. فيقول الكتاب "إن عشتم حسب الجسد فستموتون ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيوْن" (رو8: 13). ولأن الشخص في الإنسان مرتبط بالروح العاقل، فالروح العاقل هو الذي يتخذ القرار. والجسد عندما يموت لا يضيع الشخص بل يظل موجودًا مع الروح. مثال لذلك القديسين الذين استشهدوا أو انتقلوا فإن أرواحهم مع أشخاصهم مازالت موجودة وتظهر وتتحرك وتعمل المعجزات. فالجسد يموت ولكن يبقى الروح حي، وبما أن الكيان الحي الذي لا يموت في الإنسان هو الروح لذلك فإن الشخص مرتبط به.
وكذلك في تجسد الله الكلمة: فإن الشخص كان مرتبطًا باللاهوت، لذلك فإن روحه الإنساني لم يكن شخص وكذلك جسده لم يكن شخص. إنما شخصه هو في الجوهر الأسمى الذي يجمع الثلاثة طبائع معًا أي طبيعة اللاهوت مع طبيعة الروح الإنساني وطبيعة الجسد.
الإنسان له طبيعتان يكوِّنان طبيعة واحدة، لذلك فالشخص موجود مع الروح الإنساني الذي هو الجوهر الأسمى في الإنسان، أما في المسيح فالجوهر الأسمَى هو اللاهوت لذلك فهو شخصه، ويجمع الروح والجسد الإنساني في نفس هذا الشخص الواحد.
إن الشخص هو مالك الطبيعة ومالك الجوهر ومالك الكيان، هو صاحب الـego (الإيجو) أي "الأنا". وفي حالة الكلمة المتجسد الذي يقول "أنا" هو الذي تجسد، واللاهوت لاهوته هو. ولأن الله الكلمة هو نفسه اتخذ ناسوتًا وصار إنسانًا، وهو نفسه تجسد، فليس محتاجًا لمالك آخر ينافسه، أي ليس محتاجًا لأن يكون لديه اثنين من المُلاك أحدهما يملك الناسوت والآخر يملك اللاهوت. لأنه لو كان الأمر هكذا لصارت مجرد سكنى، لأن وجود اثنين يعنى سكنى الواحد في الآخر. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). لكن مثلما تتحد روح الإنسان بالجسد وكلاهما يملكهما نفس الشخص، هكذا فإن لاهوت السيد المسيح متحد بناسوته، وكليهما (اللاهوت والناسوت) يملكهما نفس الشخص، الذي هو شخص الابن الوحيد.
إن عبارة "أن النفس الإنسانية العاقلة، بقدرتها على الاختيار، كانت هي مقر الخطيئة" التي قالها الآباء سببها أن النفس هي التي تختار، وذلك لأن الشخص مرتبط بالروح، فدائمًا القرار في النهاية هو قرار روح الإنسان المرتبط بالشخص، لأن القرار هو قرار شخصي personal decision.
أما بالنسبة لنداء الطبيعة فإن الجسد له نداء والروح لها نداء، وهذه تسمى الرغبة desire. وهناك فرق بين الرغبة desire والقرار decision، فالرغبة desire هي مثلما يريد الجسد أن ينام مثلًا، لكن القرار هو أن يسهر ولا ينام، فالرغبة قد لا تنفَّذ. لذلك علّمنا الكتاب ألا نسلك بحسب رغبات الجسد بل رغبات الروح حتى نصل إلى الكمال.
إن رغبات الجسد لا تعتبر خطية في جميع الأحوال. فمثلًا حينما يعطش الجسد أو يجوع فهذه ليست خطايا. أما في حالة الصوم فيمتنع الإنسان حتى عن الطعام والشراب. وعندما صام السيد المسيح على الجبل أربعين يومًا وأربعين ليلة "جاع أخيرًا" أي أن الجسد بدأ يطلب الطعام. لكن السيد المسيح قال "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت4:4). ولما أكمل التجارب بعد صومه عنا وانتصاره لأجلنا، جاءت الملائكة وصارت تخدمه وأتت له بكل ما يحتاج إليه.
السيد المسيح في تجسده كانت له رغبات إلهية -وهذا شيء طبيعي- بالإضافة إلى الرغبات الإنسانية التي تمثلها رغبات الجسد وأيضًا الروح الإنساني. فعندما قال "لتكن لا إرادتي بل إرادتك" (لو 22: 42) كان يقصد لتكن لا رغباتي الإنسانية بل مشيئتك ورغبتك الإلهية التي هي نفسها مشيئتي ورغبتي الإلهية، أما القرار فقد كان قبول الصليب. وهو لم يقل "ليكن لا قراري بل قرارك" بل "لتكن لا رغبتي بل رغبتك".
وكلمة "مشيئتي" تُفسَر بمعنيين: بمعنى الرغبة وبمعنى القرار. ولذلك من الممكن أن يقول أحد المعنيان في جملة واحدة، مثلما يقول: (أنا أريد أن أشرب ولكنى لا أريد أن أشرب) هنا أريد الأولى تعنى أرغب، وأريد الثانية تعنى أقرر. بمعنى إني أرغب في الشرب ولكنى قررت ألا أشرب لأني صائم.
إن كلمة "مشيئة" لها معنيان وهما الرغبة والقرار، ومن الممكن أن تستخدم بالمعنيين. ومن هنا جاء الصراع الطويل في موضوع المشيئة والمشيئتين. ولم يكن من داعي لكل هذا الصراع، فكل طبيعة من طبيعتي السيد المسيح المتحدتين لها رغباتها الطبيعية وتسمى natural wills ولكن السيد المسيح لم يكن لديه two personal wills لأنه شخص واحد. وهاتان الرغبتان الطبيعيتان اتحدتا معًا مثلما اتحدت الطبيعتان وكونتا طبيعة واحدة من طبيعتين، دون أن تذوب الواحدة في الأخرى.
الرغبات الطبيعية أيضًا في السيد المسيح لم يكن بينهما انفصال أو انقسام، ولم تلغى الواحدة الأخرى. ومثلما استمر الجسد قابل للموت واللاهوت غير قابل للموت بعد الاتحاد، هكذا استمرت الرغبات الطبيعية والرغبات الإلهية في المسيح بعد الاتحاد، بدون انفصال يجعل الواحدة منهما تعمل ضد الأخرى. ولذلك فإننا نقول في القداس الإلهي: "باركت طبيعتي فيك".
وقد جعل السيد المسيح رغباته الإنسانية دائمًا خاضعة وطائعة لرغباته الإلهية، بحيث أن الرغبة الإلهية دائمًا في النهاية هي التي تُنَفَّذ. لذلك يقول الكتاب "مع كونه ابنًا تعلم الطاعة مما تألم به" (عب5: 8) أي أنه درب طبيعتنا البشرية في شخصه على أن تكون دائمًا مطيعة للآب السماوي، خاصة في مرحلة الآلام حيث بلغت الطاعة ذروتها "أطاع حتى الموت موت الصليب" (فى2: 8).
ردود الفعل ضد الأبولينارية :
ظهرت ردود الفعل ضد الأبولينارية في نفس منطقة أبوليناريوس (سوريا) في شخص ديودور أسقف طرسوس (توفى 394م) Diodore of Tarsus وثيئودور الموبسويستي في كيليكيا (في شمال سوريا، عند التقاء تركيا بسوريا) (توفى 428م) Theodore of Mopsuestia in Cilicia._____
(1) St. Gregory of Nazianza, Ep. to Cledonius the Priest Against Apollinarius, N. & P.N. Fathers , Vol. VII, series 2, Epistle 101, p. 440, Eerdmans Michigan, Sept. 1978
.(2) J.N.D Kelly, Early Christian Doctrines, Chapter XI -Fourth Century Christology - Fifth Edition- A. and C. Black- London 1977,p.296.
هرطقة ديودور الطرسوسي |
المجامع المسكونية المطران الأنبا بيشوي |
هرطقة أبوليناريوس أسقف اللاذقية |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/7mp86hc