محتويات: |
(إظهار/إخفاء) |
* تأملات في كتاب
رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس: الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح |
← اذهب مباشرةً لتفسير الآية: 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 12 - 13 - 14 - 15 - 16 - 17 - 18 - 19 - 20 - 21 - 22 - 23
آية 1: بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، إِلَى الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أَفَسُسَ، وَالْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ:
بمشيئة الله: في رسائل أخرى مثل كورنثوس تعني أن الله اختاره لكي يكون رسولًا فعليهم طاعته، وفي هذا رد على من يشكك في رسوليته (وهذا كان منتشرًا في كورنثوس). أمّا هنا مع كنيسة مثل أفسس بلا مشاكل ولا هرطقات فهي تحمل معنى التواضع، أي الله أراد أن يعطيني هذا أن أحقق غايته الإلهية في تكوين كنيسة من اليهود والأمم، أنا غير المستحق. وقارن مع (أف8:3+1كو9:15).
إِلَى الْقِدِّيسِينَ
: أي الذين أُفرزوا وصاروا مقدسين في نظر الناس لأنهم خاصين بالله. وبولس يطلق لقب قديسين على كل من تعمدوا وحل عليهم الروح القدس. وهي صفة فيها امتياز ومسئولية. والقديسين ينظرون للمسيح القدوس الجالس عن يمين الآب، وهم يطلبون السماويات حيث المسيح جالس، محتقرين الأرضيات، وكلما كرس الإنسان نفسه للسمائيات تزداد درجة قداسته (كو3: 1 – 5). وهو يدعو الأمم بهذه الصفة فقد صار الكل قديسين بالمعمودية والميرون، التي بهما نالوا إمكانيات الحياة المقدسة. وتعني قديسين أنه صار عليهم ختم ملكية الله (آية 13). هم صاروا ملكًا لله.المؤمنين: ما يميز شعب أفسس شدة إيمانهم (أف 15:1).
في المسيح: أي ثابتين في المسيح ثبات الغصن في الكرمة، متحدين به، يستمدون منه حياتهم ويعيشون به وثباتهم هذا بدأ في المعمودية ويستمر بحياة التوبة والتناول.
آية 2: نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
الرسول يساوي ويوحد بين الآب والابن، فمنهما يصدر النعمة والسلام. والنعمة هي كل ما يعمله الروح القدس فينا. والسلام هو الحالة الروحية الناجمة عن ذلك.
الرسول يساوي ويوحد بين الآب والابن، فمنهما يصدر النعمة والسلام. الآب يريد أن يهب أولاده النعمة والسلام، والابن والروح القدس هما أقنومي التنفيذ، فما أراده الآب تممه الابن بالفداء ثم بإرسال الروح القدس. والنعمة هي كل ما يعمله الروح القدس فينا. والسلام هو الحالة الروحية الناجمة عن ذلك.
آية 3: مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ.
مبارك: تعني الشكر لله وأنه مستحق أن نمجده ونعظمه. وهذه الكلمة في العهد الجديد صارت مخصصة لله لتمجيده فقط، ولا يوصف بها إنسان. بكل الحب يبارك بولس الآب على عطاياه ومقاصده التي كانت منذ الأزل، ويصلي شاكرًا الله فهو أبو ربنا يسوع المسيح، وكأنه يشكر الآب على محبته، إذ أرسل لنا ابنه، وأرسل لنا الروح القدس (البركات الروحية مصدرها الروح القدس). وقوله مبارك الله تعني مديحه كإله البركات ومعطيها. الذي باركنا بكل بركة: كلمة "بركة" هي كلمة عبرية تعني أن نتكلم حسنًا عن أحد. وحينما نبارك نحن الله فهذا يعني أن نسبحه فلا نملك غير هذا لنقدمه لله. وحين يباركنا الله فهو يعطينا من خيراته المادية والروحية. فمنه وحده البركة وإليه تعود بالمدح والشكر. فبولس يباركه أي يمجده لأنه أعطانا كل بركة. والإنسان يتبارك حينما يعطي البركة لله، كما عاد الأبرص الذي شفاه المسيح بالشكر، فنال ما هو أعظم من شفاء الجسد ألا وهو الخلاص، وهذا ما حرم منه باقي العشرة. ونحن حين نبارك الله لا نزيده بل نعترف بما هو له. وقوله بكل بركة: أي لا توجد بركات قد حجزها الله عنا، ما نعرفه وما لا نعرفه. بركة روحية: أي منسكبة من الروح القدس، وهذا سبب غنى المسيحية. ونحن ننال عطايا الآب خلال إتحادنا بالابن وذلك بفعل الروح القدس. ونحن ننال بفيض ما هو للابن عندما نثبت فيه أي في المسيح، والروح القدس هو الذي يثبتنا في المسيح. فالآب يريد أن يعطينا بركات، والابن نثبت فيه فنصير أبناءً. والروح يثبتنا في المسيح. والروح القدس الذي ينسكب فينا يملأنا بركات روحية. والروح القدس هو أكبر عطية سماوية انسكبت علينا من السموات، وهو يعطينا معونة لتكون سيرتنا سماوية. ولأننا نشتهي وننتظر البركات السماوية نصلي "كما في السماء كذلك على الأرض". وقوله بركة روحية فهذا تمييز عن البركات المادية التي كانت لإسرائيل القديم في العهد القديم والتي انحصرت في بركات الأرض وميراث الأرض "تأكلون خير الأرض" (أش19:1) + "أرض تفيض لبنًا وعسلًا" (خر8:3). لكن هذه البركات والأفراح المادية تنتهي بنهاية المؤثر الخارجي، أو بالموت. أما البركة الروحية فهي في جعل حياتنا مقدسة ومملوءة سلامًا وفرحًا ومحبة وتعزية، ننتظر تحقيق وعوده المقدسة، إن مجده عتيد أن يستعلن فينا، أنه لي وأنا له. هذه الأفراح الروحية لا تنتهي بالموت ولا بالمؤثرات الخارجية فمنبعها هو الروح القدس الساكن فينا. وليس معنى أن الله يعطي خيرات روحية أنه يحرمنا من البركات المادية، فالله مصدر لكليهما (الروحية والمادية).
في السماويات: ما أخذناه نحن في المسيح كان عطايا سماوية، نأخذ العربون الآن، والباقي في السماوات ولكن هذا لمن غلب وكانت له حياة سماوية على الأرض (فى20:3). فبولس الرسول يرى أن المؤمنين الآن يعيشون في السماويات (أف2: 6 + فى3: 20). ويحاربهم الشيطان ويغويهم ليرتدوا ويطلبوا الملذات الحسية الأرضية، تاركين السماويات (أف6: 12). المسيح بتجسده وفدائه أتى بالسماويات على الأرض "طأطأ السموات ونزل" (مز18: 9). ومن يحيا في السماويات الآن يطلب هذه البركات الروحية ويشتهيها ويتذوقها فهو يعرف قيمتها، وتفاهة كل الملذات الحسية. بل هو لا يطلب أي شيء مادي كما قال الرب "لكن أطلبوا أولًا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لكم" (مت6: 33).
في المسيح: كل بركة نأخذها هي ليست خارجًا عن المسيح، لا يمكن تذوق هذه البركات خارجًا عن المسيح. والله لا يشمخ عليه (غل7:6). فلا يمكن أن نأخذ هذه البركات ونحن في طريق الخطية، فهذا يفصلنا عن المسيح، وتضيع منا البركات المادية والروحية. وفي هذه الآية الرسول يبارك الآب والابن والروح القدس.
بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ = المسيح أتى لنا بالحياة السماوية على الأرض، وصار لنا أن نحيا حياة سماوية الآن. ولكن الفرح في السماء لا يُنطق به وفيها ما لا يخطر على قلب إنسان، فكيف نتذوق هذا الفرح ونحن ما زلنا على الأرض حيث التعب والحزن والخوف والقلق ...إلخ. هنا نرى عمل البركات الروحية التي يعطيها لنا الروح القدس. فمن ثمار الروح الفرح والسلام. وعطايا الروح القدس تتفوق على الحزن والخوف ...إلخ. فالحزن والخوف دخلوا إلى العالم كثمار للخطية، والمسيح أتى ليعيد الفرح للمؤمنين مع أن العالم الذي نحيا فيه كله حزن وضيقات، لكننا نجد المسيح يعِدْنا بأن الفرح الذي سيعطيه يتغلب على الضيقات "فأنتم كذلك، عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم، ولا ينزع احد فرحكم منكم" (يو16: 22). وهذا ما اختبره بولس الرسول فقال "كحزانى ونحن دائما فرحون" + "سلام الله الذي يفوق (يتفوق على) كل عقل (كل حيرة واضطراب وقلق)" (2كو6: 10 + فى4: 7). وهذا هو السر في أننا رأينا الشهداء يدخلون إلى الاستشهاد بفرح بينما هم يرون الحيوانات المتوحشة وهي تنهش لحوم إخوتهم. والسبب في ذلك هو الفرح الذي يسكبه الروح القدس في قلوبهم فيتغلب على الخوف.
والرب يسوع يقول "عندكم الآن حزن" فطالما نحن في هذا العالم فسيوجد حزن وخوف وقلق، ولكن نعمة المسيح تسكب في القلب سلاما وفرحا يتغلبان على ما في هذا العالم من حزن وخوف ...إلخ. هذا السلام والفرح هي عطايا الله الروحية التي تجعلنا نتذوق طعم الحياة السماوية بينما نحن ما زلنا على الأرض (أف1: 3) إلى أن نذهب إلى الفرح والمجد الأبديين، وهناك لا حزن ولا قلق بل يمسح الله كل دمعة من العيون، هناك نسمع "أدخل إلى فرح سيدك".
وكما يقول القديس يوحنا "العالم كله قد وضع في الشرير" (1يو5: 19) والله يعلم ضعف طبيعتنا، لذلك هو يعطي لمن يجاهد قوة جبارة تعينه على التغلب على الخطية. ونفهم قول الرسول "تَقَوَّوْا في الرب وفي شدة قوته" (أف6: 10) أن من يجاهد مستخدما الأسلحة الروحية المتاحة (أف6: 11 - 18) يعطيه الله قوة تعينه على حفظ الوصية. لذلك يقول الرسول "لنطرح كل ثقل، والخطية المحيطة بنا بسهولة، ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا" (عب12: 1). فالتغلب على الخطية صار سهلا بسبب القوة الجبارة التي يعطيها الله.
بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ = إذًا هذه الآية تشمل أيضًا عطايا إلهية زائدة يعطيها الروح القدس لنا عند الاحتياج، ليضمن لنا الاستمرار في حياتنا السماوية وسط خطايا هذا العالم وأحزانه وضيقاته ومخاوفه:-
1. قوة بها نتغلب على الخطية. ولاحظ قول الرسول "ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا" (رو5: 20). والمعنى أنه حين نتواجد في مكان تكثر فيه الخطية بسبب ظروف خارجة عن إرادتنا، فالله يعطينا نعمة أكبر جدًا كعطية زائدة لكي يحفظنا.
2. فرح نتغلب به على المخاوف المحيطة بنا.
3. سلام يغلب كل حيرة وقلق.
4. حكمة في الرد حينما نقف أمام ملوك وولاة (مت10: 19).
5. ولكن الله يعطي كل هذه العطايا المنسكبة من فوق عند الاحتياج فقط "لأنكم تُعطَوْن في تلك الساعة ما تتكلمون به" (مت10: 19) وكذلك الفرح والسلام يعطيها الله عند الاحتياج. فلو أعطانا الله هذه العطايا بدون احتياج لتحولت إلى كبرياء.
والآن كيف نفهم قول الرسول "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف6: 12). فكما فهمنا فالسيد المسيح أعطانا إمكانية أن نحيا حياة سماوية بينما نحن هنا على الأرض كعربون لما سنحصل عليه في السماء. وهذا يضايق عدو الخير الذي يحسدنا على ما نلناه وحُرِمَ هو منه [وهذا معنى حسد الشياطين (صلاة الشكر). فيحاول الشيطان أن يجذبنا لنبعد عن حياة الفرح الحقيقي الذي يختبره كل من يحيا في السماويات.
وسلاح عدو الخير الملذات الحسية الخاطئة، فهو يخدعنا ويصور لنا أن الملذات الحسية هي الفرح الحقيقي. وهذا معنى أنه رئيس هذا العالم - أي أنه في يده أن يغرينا بكل الملذات الحسية الخاطئة - ولكن له شروطه "أعطيك كل هذه ولكن خر وأسجد لي". ومن تخدعه هذه الملذات الخاطئة ويغرق فيها ينطفئ عنده الروح القدس فيختفي الفرح ويفقد الحياة السماوية. ولكن نشكر الله فبقية إصحاح 6 من الرسالة يفتح أعيننا على الأسلحة التي أعدها الله لنا.
آية 4: كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ.
كما: الله باركنا وهذا نراه فيما يأتي أنه، اختارنا فيه: الله رتب في تدبيره الأزلي أن ترتبط البشرية بابنه الذي سيتجسد في وقت معين محدد، يحمل جسدها وتثبت فيه، تموت معه، وتقوم معه، وترتفع معه للسماويات وتبقى في خلود لاتحادها بالابن (وهذا طبعًا لمن يختار المسيح ويؤمن به ويستمر ثابتًا فيه بحياة التوبة).
اختارنا: نحن الذين آمنا. وقوله اختارنا إشارة لأنه لا فضل لنا، وليس لفضل فينا (1كو27:1ـ29). وقطعًا فالله اختار من بسابق علمه عرف أنه سيقبل الإيمان بالمسيح ولن يكون من خاصة العالم (رو29:8) فالله يختار أزليًا من يعلم بسابق علمه بتجاوبه معه. الإنسان كلاعب ألقيت له كرة فهو له الحق أن يمسكها أو يتركها، ولكن يجب أن ترمى إليه الكرة أولًا، فيد الله تقدم لنا الإيمان بالمسيح، ونحن أحرار في أن نمسك به أو نرفضه. اختارنا فيه: على أساس الإيمان بالمسيح. قبل تأسيس العالم: إذًا فالله لم يغير قصده حينما أخطأ الإنسان، بل كان كل شيء مُعد حتى قبل خلق الإنسان. فالله قبل أن يخلق الإنسان صمم له حياته الأبدية عن طريق الفداء.
لنكون قدسين وبلا لوم: قديسين هي صفة إيجابية، وبلا لوم هي صفة سلبية وهكذا كانت صفات الذبائح التي تقدم، فيلزم أن تكون بلا عيب، وهكذا يجب أن نقدم أنفسنا ذبائح حيَّة بلا خطية فيقدسنا المسيح، ونحمل سماته في القداسة ويكمل ضعفاتنا فنظهر أمام الله بلا عيب وبلا لوم. لكن الله لا يقدس من لا يريد أن يتقدس، لكن من يقدم نفسه ذبيحة حيَّة يتحد بالمسيح الذبيح المصلوب فيحمل سماته ويسير في طريقه.
بلا لوم: كيف والمسيح وحده هو الذي بلا لوم أي بلا خطية، أجاب المسيح "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" وهذا بالإيمان والمعمودية وأن نجاهد في حياتنا أن نظل ثابتين في المسيح، بأن لا نخطئ، وإذا أخطأنا نقدم توبة سريعة. ومن هو ثابت في المسيح، الله لا يراه في خطاياه، بل يرى المسيح الذي هو ثابت فيه، والذي هو وحده بلا لوم.
قدامه: فالله يفرح بأولاده وهم بلا عيب قدامه، بل هو الذي صالحنا لنفسه كالعريس الذي يفرح بعروسه المزينة، والكنيسة زينتها هي قداستها.
فِي الْمَحَبَّةِ
: لا يمكن قبول التقديس إلاّ على أساس المحبة، المحبة هي علامة التصاقنا به واتحادنا معه وتشبهنا به، الله محبة ولا يمكن أن نثبت في المسيح إلا بالمحبة، فالمحبة طبيعته ولا يمكن أن تتحد المحبة بالكراهية (راجع تفسير يو15: 9). فلذلك يجب أن نحب الله والإخوة (أف17:3، 18). والمحبة هي أولًا محبة الله لنا ثم محبتنا له، لأنه أحبنا أولًا. محبة الله لنا ظهرت في صليبه ومحبتنا له تظهر في طاعة الوصية. الله لن يرانا قديسين وبلا لوم إلا لو كنا ثابتين في المسيح أي إذا رأى فينا محبة، فالمحبة تستر كثرة من الخطايا. أما الإنسان الخالي من المحبة فهو غير ممتلئ من الروح، فلا يكون ثابتًا في المسيح وبالتالي لا يمكن أن يكون بلا لوم. (فأول ثمار الروح المحبة، وحيث لا محبة لا امتلاء من الروح. وإذا لم يكن امتلاء من الروح فلا ثبات في المسيح، فالروح هو الذي يثبتنا فيه).
آية 5: إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ.
هنا نفهم أن الله اختارنا وقدسنا لنستعيد بنوتنا له التي فقدها آدم بخطيته ونحن نحصل على البنوة بالمعمودية التي فيها:
1. موت مع المسيح فتغفر خطايانا.
2. قيامة مع المسيح متحدين معه، فنصير أبناء لأنه هو الابن.
فعيننا: عَيَّنَ من علم بسابق علمه أنه سيتجاوب معه، وهذا تم أزليًا حتى قبل خلقة آدم وسقوطه. ففكرة الفداء فكرة أزلية في تدبير الله (رو29:8).
حسب مسرة مشيئته: المسرة هنا راجعة لله الذي يُسَّرْ بعودتنا له كأبناء، وهي أيضًا عائدة علينا، فنحن نفرح بعودتنا للأحضان الإلهية كأبناء. عمومًا كل مشيئات الله فيها مسرة له ولأولاده، فهو لا يشاء سوى ما فيه الخير (رو28:8). والله يفرح بأولاده (أش18:65، 19).
آية 6: لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ.
لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ
: عمل الفداء ظهر فيه نعمة الله وعظمة قوته التي بها إنتشلنا من ظلام اليأس. وأمام عمل الله ماذا يقدم الإنسان لله إلا الشكر والتسبيح. ولاحظ أن الله لا يحتاج لتمجيدنا وتسبيحنا له، بل حينما نمجد نزداد تقوى وتنفتح أعيننا على ما عمله الله لنا، والمجد الذي أعده لنا كأبناء. حينما نكتشف محبة الله وفرحته برجوعنا له كأبناء، ألا نعلن فرحتنا بهذا الإله المحب. ولكن لن يستطيع أحد أن يسبحَّ ما لم تنفتح عيناه على محبة الله (استنارة) وهذه الاستنارة تأتي بالروح القدس بعد المعمودية. وما يغلقها هو الخطية، فالمستعبد للخطية لا يمكنه أن يسبح "على أنهار بابل (في العبودية).. سألنا الذين سبونا أقوال التسبيح.. كيف نسبح تسبحة الرب في أرض غريبة.. هناك في أرض العبودية علقوا قيثاراتهم (كفوا عن التسبيح)" (مز1:137-4) ولا حل سوى التوبة والرجوع من أرض العبودية أي ترك الخطية. ونرى من (لو1) أن كل من امتلأ بالروح يسبح، إذًا علامة الامتلاء بالروح هي التسبيح. ومن يريد أن يمتلئ بالروح فليسبح (أف5: 18 – 21). ونأتي للنقطة الثالثة بعد المعمودية والتوبة ألاّ وهي التغصب على التسبيح وهذا ما نسميه جهاد. وأمام الجهاد تنسكب النعمة فأتلذذ بالتسبيح. وكلما زاد تمجيدنا وتسبيحنا لله كلما عرفنا مجد الله ومجد نعمته أكثر فأكثر، إذ ستنفتح أعيننا أكثر وأكثر، كلما سبحنا إمتلأنا من الروح القدس، وكلما إمتلأنا تنفتح أعيننا ونعرف الله أكثر فيزداد تسبيحنا إذ نعرف عظمته ومجده وهكذا... إن تمجيد الله وتسبيحه هو أمر حتمي على المؤمن حتى يفرح بالله. بل إن نعمة الله صارت هدفًا للمديح والتسبيح والتمجيد من السمائيين، فالسمائيون أيضًا يسبحون الله على عظيم عمله مع الإنسان (رؤ8:5-14).التي أنعم: غفران الخطايا والتبني والمصالحة وميراث ملكوت الله.
في المحبوب: ويسميه الرسول في (كو13:1) "ابن محبته".
الله طبيعته المحبة = الله محبة فهو يشع محبة ويفيض محبة. وهذه المحبة تنسكب من الآب في الابن المحبوب بالروح القدس= روح المحبة. فالمحبة بين الآب والابن هي طبيعة الله. وهي تعبير عن الاتحاد. والابن المحبوب قال عنه الآب "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت17:3+5:17).
ولما تجسد الابن دخل المؤمنون (البشر) في مجال محبة الآب بالبنوة التي حصلوا عليها في المعمودية، فصرنا فيه محبوبين من الله الآب (اتس4:1+2تس13:2). فمحبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس (رو5: 5) وقول الكتاب عن الابن المحبوب فيه إثبات للثالوث. فالآب (الأقنوم الأول) يُحِّب الابن (الأقنوم الثاني). وهذه المحبة تنبع من الآب وتنسكب في الابن بالروح القدس (الأقنوم الثالث). الثلاثة أقانيم هم إله واحد، ولكننا نرى هنا تمايُز بينهم.
آية 7: الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ.
هذه امتداد للآية السابقة والمسيح افتدانا من غضب الله وعقابه (رو18:1). وكلمة فدية تعني يحرر مقابل فدية، أي ثمن يُدفع لتحرير مخطوف. غنى نعمته: الله قادر أن يدفع الثمن بحسب غناه، والثمن الذي دُفع ليس مالًا، بل بحسب غناه. في محبته دفع الثمن دم المسيح. ولذلك يسمى الفادي. وبهذا ألغى الموت الروحي كنتيجة للخطية وعتقنا من عبودية الخطية وأعطانا حياة، بل من غنى نعمته أعطانا مجدًا في السماء، وأجسادًا ممجدة على شكل جسد مجده (في3: 21).
آية 8: الَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ.
التي أجزلها: "التي" عائدة على النعمة في قوله غنى نعمته في الآية السابقة. والنعمة تعني عطاء مجاني بفيض. والله أعطى هذا العطاء بكل حكمة وفطنة، الحكمة: حكمة الله في تخطيطه ليعطينا المجد. والفطنة: هي كيف نفذ الله خطته. الفطنة هي الأعمال التي تُعمل. والله يعطينا أيضًا حكمة وفطنة. حكمة بها ندرك النعمة التي أعطاها لنا، فبدون هذه الحكمة لظلت النعمة التي أخذناها مستورة عنا. وبالحكمة ندرك حكمة الله أي دقة مقاصده ونفرز الحق بسهولة، والفطنة هي الوعي المتفتح لإدراك ما يريده الله منا، وكيف نتصرف في ضوء ما فهمناه. الحكمة خاصة لإدراك المبادئ، والفطنة لإدراك الأعمال، وبها ندرك ما هي الأعمال المطلوب أن نعملها حتى لا نخسر ما أعده الله لنا. ويقول سفر الأمثال "إن الفطنة هي بنت الحكمة". ومعنى الآية أن الله أفاض علينا من نعمته (آية 7) ومعها كل حكمة (آية 8) لنفهم ما أخذناه.
من له حكمة يدرك أسرار محبة الله للبشر، ومن له فطنة يفهم أنه بعد كل هذا الحب كيف يحرمنا الله من أي شيء، وبالتالي لن نتصادم مع الله على أي شيء خسرناه في هذا العالم، وهذا ما عبَّر عنه بولس الرسول في (رو8: 32).
آية 9: إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ.
إِذْ عَرَّفَنَا: إذ أعطانا الحكمة والفطنة بهما نعرف مقاصد الله، وما يجب أن نفعله، ونفهم أعمال الله من ناحيتنا. فالله يرفع أبناءه للسماويات ويهبهم سر معرفته كهبة إلهية وكإعلان سماوي. يعلن ذاته للنفس البشرية فتتعرف على أسراره ومدى محبته للبشر.
سِرِّ مَشِيئَتِهِ: الفداء كان أمرًا مخفيًا منذ الأزل وصار مستعلنًا على الصليب.
حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ = مسرة الله كانت في خلاص الإنسان الذي يحبه. وهو قصد في نفسه أنه لأجل خلاص الإنسان سيبذل نفسه على الصليب ليخلصه. بل كان هذا اشتياقه (إش27: 2 - 5 + إش65: 18 ، 19).
آية 10: لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ.
لتدبير: الله يدبر أمور العالم وأمور كنيسته كما يرتب إنسان أمور بيته. وبالنسبة للكنيسة فالله يستخدم أناسًا يختارهم لترتيبها (1بط10:4) + (تى5:1-7).
ملء الأزمنة: تعني أن الأحداث نضجت والظروف صارت مستعدة والعالم مستعدًا ليأتي المسيح وينفذ خطته. وحينما يأتي الوقت المحدد من الله والمسمى هنا ملء الأزمنة، يبلغ عمل الله كماله على مستوى الفعل المنظور وتتضح خطة الله أمامنا. وكانت خطة الله الخاصة بنهاية الأزمنة، وهدف الله النهائي أن يجمع كل شيء ما في السماء وما على الأرض تحت رأس واحد هو المسيح = في ذاك: أي في المسيح وقارن مع (كو19:1، 20). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). فنرى أن المسيح سوف يجمع كل أجزاء الخليقة في وحدة، بعدما خلفته الخطية من انقسام وشقاق وتفتت، وسيصنع صلحًا بعد أن أثمرت الخطية عداوة. بل سيصنع صلحًا ووحدة بين السمائيين والأرضيين. وسيعيد الصلح بين الله والإنسان حينما تكون الخليقة بنفس فكر الله، وذلك سيكون عن طريق الوحدة بين المسيح والإنسان (1كو28:15). المسيح سيجمع البشر الذين قبلوه وثبتوا فيه والملائكة القديسين ويكون رأسا لكليهما.
آية 11: الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ.
أيضًا: هي إضافة للآية 10 أي نلنا بالإضافة لما قلناه نصيبًا سمائيًا. نصيبًا: اليهود أخذوا أرض الميعاد أيام يشوع بالقرعة، لكن كان عليهم أن يحاربوا ويجاهدوا ليحصلوا عليها. والله بفداء المسيح أعطانا نصيبًا سمائيًا لكن علينا أن نجاهد لنحصل عليه. الذي فيه: أي في المسيح وهي عائدة على "في ذاك" آية 10.
نِلْنَا
: وفي آية 12 يقول "نحن الذين" ويقصد بهذا الذين سبقوا وكان الرب نصيبا لهم وهم كانوا نصيبًا للرب وبولس كان واحدًا من اليهود (تث20:4) وعاد بولس في آية 13 ليقول "الذي فيه أيضًا أنتم" فالمسيح أتى ليجمع الكل معًا يهودًا وأمم وملائكة.حسب قصد الذي يعمل: حسب خطة الله الأزلية سبق الله واختار اليهود أولًا ليكونوا خاصته، ثم أتى ليجمع الكل معًا. وقصد الله أن يعيد الكل للبنوة والمجد.
معينين سابقًا: سبق الله وعيَّن الشعب اليهودي كشعب خاص له. ولكن اتضح بعد المسيح أن قصد الله هو أن يجمع الكل.
رأى مشيئته: الرأي هو ما ينشأ عن المداولة مع النفس والتصميم عن طريقة تنفيذ المشيئة. فمشيئة الله أن يجمع الكل في المسيح. وكان الرأي أن يكون ذلك بالفداء. هنا نلمح تصميم الله رأيًا ومشيئة بصورة مطلقة. ونلاحظ أن الأنبياء سبق وتنبأوا في العهد القديم عن فداء المسيح، مما يثبت أزلية خطة الله.
آية 12: لِنَكُونَ لِمَدْحِ مَجْدِهِ، نَحْنُ الَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي الْمَسِيحِ.
معنى آية 11، 12 أن الله اختار اليهود= نَحْنُ الَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي الْمَسِيحِ
، لينطلقوا بالاعتراف والشكر والتسبيح لمجد الله = لمدح مجده، وليكونوا نورًا للعالم، فيمجد الله بقية الأمم الوثنية لأنه هكذا بارك الله شعبه، ليُعرف الله في العالم كله. والله خلق العالم لمجد اسمه (إش43: 7) = أي ليُظهر مجده فيهم أي محبته وعطاءه وخيراته، وينعكس مجد الله عليهم، ويرى العالم مجد الله فيهم فيعرف العالم الله ويؤمنوا به ويمجدوه.
آية 13: الَّذِي فِيهِ أَيْضًا أَنْتُمْ، إِذْ سَمِعْتُمْ كَلِمَةَ الْحَقِّ، إِنْجِيلَ خَلاَصِكُمُ، الَّذِي فِيهِ أَيْضًا إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ.
أنتم: هنا يستعرض الرسول عمل الله مع الأمم بعد أن أعلن عن عمل الله مع اليهود. والرسول في الرسالة لأفسس يستعرض عمل الله مع الأمم على 3 مراحل يبدأ كل منها بقوله "أنتم" (أف 13:1+1:2+11:2).
الذي فيه: في المسيح صار نصيب الأمم مثل نصيب اليهود الذين سبقوهم.
إذ آمنتم خُتمتم بروح الموعد القدوس: فالختم هو حلول الروح القدس، فالختم هو علامة يضعها صاحب القطيع على قطيعه لإثبات ملكيته، أو يضعها السيد على عبده لإثبات ملكيته للعبد. فهو إعطاء المالك بَصْمَتَهُ. وكان الوثنيون يَسِمُون أنفسهم بعلامة في جسدهم تحمل اسم الإله الذي ينتمون إليه. وكان الختان هو ختم العهد القديم، علامة أن المختون صار من شعب الله. هذا الختم غير منظور للبشر الآن، لكنه منظور لله وللملائكة والسمائيين. والروح القدس يحل على المُعمَّد في سر الميرون فيصير من شعب الله.
ويسمى موعد الآب (أع2: 33، 38، 39). فالمسيح وعد به وأسماه هكذا (لو49:24). "ها أنا ارسل إليكم موعد أبي" فالله وعد به في العهد القديم بواسطة أنبيائه (يؤ2: 28، 29) + (أش1:44-4). بل إن السيد المسيح قال "خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي" (يو7:16). فلماذا هو موعد الآب، ولماذا خير لنا أن ينطلق المسيح ليرسله؟
1. الروح يعمل في الأسرار التي تُكَوِّن جسد المسيح. فهو يلدنا في المعمودية وهو يثبتنا في المسيح الابن (2كو21:1، 22). وهو يشهد لأرواحنا أننا أبناء الله (رو16:8).فالمسيح بصعوده تمجدت الطبيعة البشرية في شخص المسيح وصار ممكنًا أن يُرسل لنا الروح القدس.
2. لو بقى المسيح بالجسد بحسب ما رآه تلاميذه، لعرفناه جسديًا ولم نعرفه كإله ولتعثرنا فيه. (كما حدث مع مريم المجدلية). ولو كان بصورة مجده لهلكنا. أما الروح القدس الآن فهو يعرفنا بالمسيح وبإمكانياته كإله ويعطينا رؤية حقيقية للمسيح (يو14:16).
3. هو يبكت على خطية.. ويعطي المعونة (يو8:16+رو26:8).
4. هو يعيد تشكيل صورتنا لنكون على شكل المسيح (غل19:4) ويجدد خليقتنا (تى3: 5) فنكون خليقة جديدة (2كو17:5). وهذه الخليقة بها نخلص (غل15:6).
5. الروح القدس مشبّه بالماء، ونحن من تراب الأرض، فيعطينا أن يكون لنا ثمار (غل22:5، 23). وهو الذي يعطي المواهب (1كو12+أف11:4) وبدون الروح القدس نصبح أرضًا بور لا نصلح لشيء، بلا ثمار ولا مواهب.
6. هو يعلمنا ويذكِّرنا بكل كلام السيد المسيح، وهو الْمُعَزِّي في ضيقاتنا.
7. يربط الكنيسة في محبة، ويكون كل عضو فيها، عضو حي.
إذ سمعتم كلمة الحق: التي كرزت بها أنا بولس لكم في أفسس وآمنتم بها.
إنجيل خلاصكم: بشارة الرسول هي إنجيل فهي بشارة مفرحة بالخلاص.
آية 14: الَّذِي هُوَ عُرْبُونُ مِيرَاثِنَا، لِفِدَاءِ الْمُقْتَنَى، لِمَدْحِ مَجْدِهِ.
هذه الآية تجمع اليهود والأمم، عربون ميراثنا: العربون هو إعطاء جزء من الكل. فبالروح القدس نلنا بعض الخيرات الأبدية. ولكن في الحياة الأبدية سننال المجد السماوي. الله يعطينا الروح القدس يعزينا ويطمئننا ويفرحنا ويذيقنا مسبقًا نصيبنا المعد لنا فوق، ويعرفنا بنوع الحياة التي دعينا إليها، لذلك ما نحصل عليه هنا هو عَيِّنَة SAMPLE من الذي سنحصل عليه فوق. فما يعطيه لنا الآن الروح القدس.. فرح/ سلام/ محبة/ تعزية/ سلطان على الخطية/ بنوة/ تذوق للمجد.. بل الامتلاء من الروح القدس... كل هذا ما هو إلا عينة. أما في السماء فسنحصل على الكل لذلك يقول الكتاب " لأن الخروف...يقتادهم إلى ينابيع ماء حية..." (رؤ17:7). وهذا هو الملء الكامل من الروح لذلك فمن يتذوق الآن أفراح السماء فمن المؤكد أن يحصل على الكل في السماء ومن هو محروم من أفراح السماء هنا لانشغاله بالأرضيات سيُحرم من الكل فوق أيضًا. فلنجاهد لنتذوق السمائيات هنا ونحن على الأرض. ولكن حتى في السماء سنمتلئ يومًا عن يوم. شبَّه أحدهم العربون بأنه خاتم الخُطبة كتأكيد للعروس على الزواج. إعطاء الروح القدس وعطايا الروح القدس الآن هي عربون الميراث الأبدي. وأسماه الرسول باكورة الروح (رو8: 23، 24). ومن له الباكورة يشتهي السماويات، ومن هو كالعذراى الجاهلات أفرغ آنيته من الروح القدس فهو يتشبث بالأرضيات ويفزع من ذكر الانتقال.
لِفِدَاءِ الْمُقْتَنَى: من ضمن ما أخذناه هنا كعينة أو كعربون، التبني. فالفداء لم يكتمل لنا كل بركاته (المسيح قام بالعمل كاملًا، أي عمله الفدائي، ولكن بالنسبة لنا فنحن لم نحصل بعد على كل بركات الفداء بالكامل)، فالبنوة الآن غير كاملة، أما الفداء الكامل فهو حين نلبس الجسد المُمجد الذي به لا نخطئ، فأبناء الله الكاملين لا يستطيعوا أن يخطئوا (1يو9:3). نحن الآن صار لنا سلطان على الخطية (رو14:6). لكننا بسبب ضعف الجسد مازلنا نخطئ. وحين نحصل على الجسد الذي لا يخطئ في السماء سنكون أبناء الله بالكامل. وقوله هنا لِفِدَاءِ الْمُقْتَنَى: عبَّر عنه سابقًا بقوله التبني فداء الأجساد (رو23:8)، أي تتميم بركات الفداء بالكامل للإنسان. فالْمُقْتَنَى: هو الإنسان الذي اشتراه الله بدمه ليقتنيه لنفسه. وبركات الفداء تكتمل بتحرير الإنسان من الموت والفساد وحصوله على الجسد المُمجد. والروح القدس الذي فينا يُعِدَّنا للتغيير الأخير الذي فيه فداء أجسادنا. وهذا الفداء الأخير سيؤدي لمدح مجد الله؛ لِمَدْحِ مَجْدِهِ: إذ يسبح المفديون بكل قلوبهم وألسنتهم ويمدحون مجده العظيم على غنى نعمته الفائق الذي أعطاها لنا في المسيح، أي الله أعطى لنا نعمته في المسيح.
آيات 16،15: لِذلِكَ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ سَمِعْتُ بِإِيمَانِكُمْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَمَحَبَّتِكُمْ نَحْوَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، لاَ أَزَالُ شَاكِرًا لأَجْلِكُمْ، ذَاكِرًا إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي.
كانت عطاياهم لفقراء الكنيسة كبيرة وفي حب. واقتران المحبة بالإيمان هذا علامة على أن إيمانهم إيمان حي. فالمحبة أولًا ثم العطايا. والرسول يشكر الله على أن فيهم هذا
الحب. ذَاكِرًا إِيَّاكُمْ فِي صَلَوَاتِي: هذه هي الكنيسة التي فيها كل واحد مشغول بالآخر، وهذا ما يفرح قلب الله، لأن المحبة تشبه محبة الله الذي كان في مجده مشغولًا بخلاص الإنسان الذي يموت ويهلك. فالله يحب الكل وعلينا أن نتشبه بالله ونصلي لأجل الكل. بل أن بولس يطلب الصلاة لأجل الملوك وبينهم نيرون مضطهد المسيحية (1تى2:2).علاقة الإيمان بالمحبة:-
المحبة هي عطية إلهية وهي أول ثمرة من ثمار الروح القدس. والروح القدس يسكن ويعطي ثماره لمن يؤمن بالمسيح فيثبت فيه فيحيا، ومن يحيا يثمر. وهذا ما يسميه القديس يعقوب الإيمان الحي (يع2).
آيات 18،17: كَيْ يُعْطِيَكُمْ إِلهُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَبُو الْمَجْدِ، رُوحَ الْحِكْمَةِ وَالإِعْلاَنِ فِي مَعْرِفَتِهِ، مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ.
صلاة يطلب فيها الرسول المعرفة والاستعلان لأهل أفسس لإدراك دقائق أسرار الفداء الذي تم، وهذه لا ندركها بعقولنا فقط. إله ربنا يسوع المسيح: المسيح بسبب تجسده دخل البشرية كمخلوق، فالله هو إلهه بسبب وضع الجسد. ولهذا قال المسيح "أبي وأبيكم إلهي وإلهكم" (يو17:20). وقوله هنا "إلهكم" يفرحنا، فبعد أن كنا مطرودين بسبب الخطية صار لنا بالفداء قبولًا عند الله وعدنا للحظيرة الإلهية. حقًا الله هو إله كل الخليقة، ولكن قوله "إلهكم" تشير هنا لرضا الله علينا بعد الفداء. ولكن لماذا يستخدم بولس الرسول هذا التعبير هنا أي "إله ربنا يسوع المسيح"؟ لاحظ أنه يطلب لهم أن الله يعطيهم روح الحكمة أي يطلب لهم حلول الروح القدس أو الامتلاء منه أو عمله فيهم بقوة. والروح القدس ما كان سينسكب على البشر لولا تجسد المسيح، وانسكابه على جسده أولًا. وصار الروح القدس ينسكب علينا بشروط:
1. أن لا نقاومه ونسمع له.
2. أن نهتم بهذا ونطلب لأجله بلجاجة.
أَبُو الْمَجْدِ
: هذه مثل رب المجد (1كو8:2) وإله المجد (أع2:7) وتعني إله كل مجد وأصل كل مجد. والمجد هو النور والبهاء الإلهي بل هو الله نفسه أصل كل مجد.الابن مولود من الآب. والابن أي المسيح هو قوة الله وحكمته الذي خلق كل شيء. فالابن هو قوة مولودة من الله وبحكمة تخلق وتحفظ الخليقة. والروح القدس منبثق من الآب يعطي حياة للخليقة. وقياسا على ذلك حينما يقول الرسول عن الله أبو المجد، فهذا يعني أن المجد يخرج منه ويشع منه ويحيط به. لا يوجد مجد حقيقي سوى في الله (زك2 : 5).
روح الحكمة والإعلان في معرفته: عمل الله يقصر دونه أعظم العقول ويحار أمامه الفهم، لذلك نحتاج أن نطلب من الله ليعطينا فهمًا حين نطلب، فأمور الله لا يعرفها إلا روح الله (1كو9:2-11). والله روح ولا يُعرف إلاّ بالروح. والله وهبنا روحه القدوس.
رُوحَ الْحِكْمَةِ: حينما يعمل الروح في الفكر يعطيه انفتاحًا وفهمًا. وحينما يعمل في الروح الإنسانية يعطيها اتضاعًا وتسامي عن الأرضيات وإدراك السماويات والإشتياق إليها، وحينما يعمل في القلب يعطيه حبًا لله وللجميع فالقلب مركز المشاعر، وحينما يعمل في الجسد يعطيه طهارة وعفة. والمقصود هنا أنه حين يعمل في الفكر والعقل الإنساني يعطيه فهمًا للأمور الإلهية وفهمًا لمشيئة الله وخطط الله. بالإجمال فالروح القدس يعطي للإنسان أن يكون كخليقة جديدة ويعطيه سلوكًا بالقداسة. [وراجع الآيات أف 3:3-11] فما قاله الرسول فيها ناشئ من روح الحكمة الذي أعطاه له الله. ولذلك نصلي حتى يكون لنا مثلما كان له. ولكن مهما عرفنا الآن فنحن نعرف قليلًا جدًا (1كو12:13) ومعرفة الله تزيد النعمة والسلام، (2بط2:1) بل المعرفة هي الحياة الأبدية (يو3:17). وحينما يعمل روح الحكمة فيهم "تستنير عيون أذهانهم" = أي تكون لهم في وعيهم القدرة على النظر إلى الأمور التي يستعلنها الروح، فالروح يعلن حقائق جديدة أو تطبيقات تناسب حياتنا للآيات التي نسمعها = الإعلان. ونحن بعيوننا الجسدية نرى الأرضيات الملموسة، ولا نرى الأمور الروحية. ولكن هناك عيون داخلية نرى بها أمور الله غير المستعلنة مثل الخلاص وأموره، نرى الله بالإيمان ونتمسك به. ولقد أرسل البابا أثناسيوس للقديس ديديموس الضرير مدير الإكليركية رسالة قال له فيها "طوباك يا ديديموس فلقد فقدت عينان ترى بهما التراب ولكن لك عينان ترى بهما الله".
مستنيرة: لا رؤية بلا نور، وكل ما يخص الله فهو في النور فالله نور. وبنور الله ندرك الحقائق الإلهية. والعين المستنيرة قد أنارها الله، وذلك لمن يحفظ وصاياه، ويحب الله ويحب قريبه أي يسلك في النور. والمعمودية تُسمى سر الاستنارة (عب4:6) إذ خلالها تنفتح بصيرتنا الداخلية بنور الروح القدس. وخلال إيماننا العامل بالمحبة وجهادنا بنعمته الغنية المجانية تتجدد أذهاننا يومًا فيوم لندخل لأعماق جديدة.
لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ
: لنعلم حين يفتح الروح أعين قلوبنا الهدف من دعوتنا. ويعلن لنا الرجاء الذي نتطلع إليه وننتظره، أن نكون مع المسيح في مجده عند مجيئه. وعمل الروح القدس أن يجعل هذا الرجاء حيًا وليس مجرد معلومات نعرفها بالعقل دون أن تكون حقيقية في قلوبنا. غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ: سبق في آية 14 أن كلمنا عن ميراثنا، فكل القديسين سيشتركون في غنى مجد المسيح وميراثه ويكون مصيرنا مرتبط بالمسيح أبديًا. ولكن هنا نسمع أننا سنصير ميراثه، فالقديسين هم ميراث المسيح (1مل51:8، 53) + (مز70:78، 71) + (أش25:19) + (يؤ2:3) فإن كان شعب إسرائيل قيل عنهم ميراث الله، فكم وكم قديسي العهد الجديد. وما جعل لهذا الميراث غنى وقيمة هو المسيح الذي فينا. وقيل هذا عن الأمم أنهم ميراث الرب (مز8:2). وكوننا ميراث المسيح فهذا يوضح أن لنا قيمة عظيمة عنده. فالناس يتصارعون على الميراث إن كان ثمينًا، والمسيح تجسد ومات وصارع الشيطان على الصليب ليأخذنا منه، ونصير ميراثه، وكونه يصارع لأجلنا إذن نحن نستحق في نظره هذا، ونحن لنا قيمة عظيمة عنده. بل هو ما زال يصارع ليأخذ ما يستطيع أن يأخذه من يد إبليس، لذلك قيل عنه "خرج غالبًا ولكي يغلب" (رؤ2:6). وكوننا غالبين عنده ولنا هذه القيمة أن نكون ميراثه، فهذا ما يفرحنا حقيقة.
آيات 20،19: وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ.
عظمة قدرته: بعد أن تكلم عن رجاء الدعوة قد يقول أحد.. وهل يمكن أن تحدث لي هذه المعجزة؟ ويؤكد بولس الرسول أن الله قدير وأن قدرته غير المحدودة هي متجهة إلينا نحن المؤمنين لتعمل لأجلنا وتعمل فينا عمله القوي القدير الذي بدأ بالصليب ويكمله فينا لأجل خلاصنا، فالمسيح ما كان محتاجًا أصلًا أن يتجسد ويموت ويقوم، إنما كل ما عمله كان لأجلنا. وما مقياس قدرة الله الفائقة من نحونا؟ الإجابة: على حسب عمل شدة قوته التي عملها في إقامة المسيح بمجد عظيم. فقوته الجبارة هذه التي أقامت المسيح ستعمل فينا. وبنفس القدرة يقيمنا:
أولًا: من موت الخطية.
ثانيًا: من الأموات.
وبنفس القدرة سيصعدنا للسماوات. ولأن نفس القوة التي أقامت المسيح ستقيمنا استخدم نفس الألفاظ عن المسيح وعنا:
إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات (أف 20:1).
وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع (أف 6:2).
ونلاحظ هنا أن بولس يستخدم أوصافًا عديدة وقوية ليعبِّر بها عن إمكانيات الله التي يستخدمها واستخدمها لأجل خلاصنا. استخدمها مع المسيح لكي يقيمه وسيجعل نفس هذه القوة تعمل لحساب الإنسان فيحيا إلى الأبد بعد أن يقوم من الأموات. عظمة قدرته الفائقة.. عمل شدة قوته.
عَنْ يَمِينِهِ: المعنى أن إنسانية المسيح تمجدت بمجد اللاهوت الفائق الوصف. وكان هذا معنى طلب المسيح في صلاته الشفاعية "أيها الآب مجدني عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو17: 5). وكان هذا لحسابنا إذ يقول أيضًا "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني" (يو17: 22). واليمين في المفهوم اليهودي يعني القوة والمجد... وراجع شكل المسيح في (رؤ10:1-20).
آية 21: فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا.
المسيح فوق كل رتب الملائكة التي نعرفها الآن والتي سنعرفها في السماء (في المستقبل) (فى9:2-11) فهناك مخلوقات سماوية سمعنا عنها وهناك من لم نسمع بها.
آية 22: وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ.
يقول الرسول في (عب8:2) "على أننا الآن لسنا نرى الكل بعد مخضعًا له"، فهناك من يرفض الله ويتمرد على أحكامه، بل حتى نحن شعبه نخالف وصاياه في بعض الأحيان. وقارن مع (مز5:8، 6) فالخضوع النهائي سيكون في اليوم الأخير (1كو24:15- 28) + (عب8:2). راجع نقطة رقم (11) في المقدمة. فالمسيح هو رأس الجسد أي الكنيسة، هو رأس كل شيء، كل خليقة سماوية أو أرضية، فهو خالق الكل، به كان كل شيء (يو3:1+ كو16:1، 17). المسيح بموته وقيامته وبالمعمودية ولدنا ثانية ولادة جديدة فنشأت خليقة جديدة هي الكنيسة التي هي جسده، وبهذا صار المسيح رأس الخليقة الجديدة ومحتفظًا بسيادته كرأس لكل خليقة أخرى، فهو قد خلق الكل، ما في السماء وما على الأرض وهو كرأس لهذا الجسد (من السمائيين والكنيسة) سيقدم الخضوع للآب (1كو24:15-28). هناك من سيخضع عن حب إذ اكتشف محبته، وهناك من سيخضع بالقهر وهؤلاء هم إبليس ومن تمرد معه من البشر.
آية 23: الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.
" للكنيسة.". التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل: وبالإنجليزية Which is His body, the fullness of Him Who fills all In all فالكنيسة هي ملؤه، أي أن جسد المسيح يكتمل بالكنيسة، وبكل ما في السموات وما في الأرض (أف 10:1). الكنيسة هي ملؤه وهو كل شيء لها وهو يملأ الكل. فهو الرأس والكنيسة الجسد، ولا يوجد جسد بدون رأس ولا رأس بدون جسد. إذًا الكنيسة = جَسَدُهُ: هي مرتبطة بالمسيح رباطًا ذاتيًا كيانيًا حيًا أبديًا. الكنيسة هي جسد المسيح، وهي ملء المسيح من ناحية ناسوته ، المسيح يظهر في كنيسته أو أن الكنيسة لو قامت بدورها بأمانة تُظهِر المسيح. فكأن الكنيسة يكمل بها عمل المسيح، أو كأن عمل المسيح الكامل يتحقق بواسطة الكنيسة. وكما يكمل الرأس بالجسد أو كما يكمل الجسد بالرأس، أو كما يحدث التكامل بين الرأس والجسد معًا، هكذا أيضًا الأمر بالنسبة للمسيح والكنيسة. والمسيح هو الرأس الذي يدبر والكنيسة هي الأعضاء التي تعمل، لذلك أعطى المسيح للكنيسة الروح القدس الذي يعطيها:
1. أن تترابط بمحبة وفي وحدة كجسد واحد (أف 16:4).
2. المواهب التي تحتاجها لبنيانها (رو5:12، 6 + أف 11:4).
3. القوة لكي تؤدي عملها (أف 16:4 + رو 26:8).
فالكنيسة هي المجال لإتمام عمل المسيح (أف11،10:4). ولأن الكنيسة جسد المسيح قال المسيح لشاول حينما إضطهد الكنيسة "لماذا تضطهدني" (أع4:9) وراجع أيضًا (مت30:25ـ40). وبنفس المفهوم يقول بولس الرسول أن ألامه يّكمُل بها آلام المسيح، فجسد المسيح لم يَكْمَلْ بعد (كو1: 24). ما زال هناك مؤمنين ينضمون للجسد. وكل ألم يقع على عضو في جسد المسيح هو واقع على المسيح نفسه. وهذا ما قاله الرب للنفوس التي تحت المذبح في السماء "إلى أن يَكمَلْ العبيد رفقاؤهم" (رؤ6: 11)، أي ينضم لجسد المسيح كل المعينة أسماءهم منذ الأزل.
الله خلق الإنسان وفاض عليه من بركاته في جنة عدْنْ علامة على محبته، وكانت إرادة الله أن يعلن الإنسان عن محبته له بالطاعة. ولكن الإنسان بحريته تمرد وقام الأخ على أخيه وقتله. وانفصل الإنسان عن الله فمات، بل انقسم الإنسان على نفسه فضاعت الوحدة. وكان عمل المسيح أن يجمع في جسده كل الكنيسة في وحدة، وبهذه الكنيسة الواحدة يقدم الخضوع للآب. وتكون الكنيسة في الأبدية في أورشليم السمائية في الصورة التي أرادها الله، كنيسة واحدة خاضعة لله في محبة لله، والمسيح نور هذه الكنيسة في أورشليم السمائية (1كو15: 28 + رؤ22: 5). وحتى يكمل هذا التدبير أعطى المسيح حياته للكنيسة فهي كنيسة حية، وزودها بالمواهب حتى تُكْمِل العمل الذي بدأه، هو الرأس والكنيسة جسده، هو يملأ الكل.
الذي يملأ الكل في الكل:
المسيح يحل فيه كل ملء اللاهوت جسديًا (كو9:2) أي في جسده. ونظرًا لإتحاد المؤمنين به جسديًا (فالمؤمن المعمَّد، والذي حَلَّ عليه الروح القدس في سر الميرون والذي يتناول من جسد المسيح ودمه صار متحدًا بجسد المسيح وثابتًا فيه).
صار المسيح الذي حلَّ فيه كل الملء (كو19:1)، صار مصدرًا لكل البركات والقوة والنعم والمجد والمواهب والسلطان الذي في الكنيسة.
فكل نعمة آخذها، هي نتيجة اتحادي بالمسيح، لذلك يقول المسيح "اثبتوا فيَّ وأنا فيكم" فنحن إن لم نكن ثابتين فيه سنخسر كل هذه البركات. والمواهب الروحية التي يعطيها المسيح للكنيسة الآن هي لبنيان الكنيسة (جسده) وتدبيرها. والكنيسة وقد امتلأت به صارت تملأ الكل به وذلك من خلال الأسرار التي أعطى المسيح للكنيسة سلطانًا عليها (يو16،14:1). والمسيح صعد إلى السموات حقًا، ولكن الكنيسة هي جسده، وهو بقى على الأرض في أشخاص المؤمنين أي جسده، ولأن جسد المسيح متحد بلاهوته فنحن حينما نشترك في جسد المسيح في الإفخارستيا فإننا نأخذ حياة الله بالجسد (يو57:6). وإذ نتحد بهذا الجسد ونصبح أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه (أف30:5) نحيا بالمسيح فينا (غل20:2). فالمسيح هو مصدر حياتي وقوة حياتي، ولأنه هو القدوس فهو يقدس الفكر والمشاعر وينير الذهن ويملأ الحياة بحضوره المحيي فتكون الحياة سماوية حقًا.
والمسيح هو يملأ الكنيسة قوة ومواهب ونعمة. وبهذا تصبح شريكة لسيدها حتى تستطيع أن تتمم عمله المبارك في هذا العالم. النعم والمواهب الإلهية الكائنة في المسيح تصبح منتقلة للكنيسة حيث يكون ملء المسيح متصلًا ومتحولًا إليها حتى يقال عنها إنها ملؤه. والكنيسة تجاهد لهذا الوضع الأمثل، وهذا هو النمو الكامل حين تبلغ القامة الكاملة لملء المسيح، ليس على المستوى الفردي وإنما كجسد متحد معًا، على أساس تقبل كل مؤمن من المواهب والنعم التي تُكَمِّلَهُ هو في ذاته، وتؤهله للتكامل مع الآخرين لبلوغ الكل المتحد لبناء الجسد ليبلغ إلى قامة ملء المسيح، أي تصير الكنيسة هي التعبير الكامل للمسيح (أف12،10:4). وكما ملأ المسيح بلاهوته جسده، الذي أخذه من العذراء هكذا وهو الكل يملأ كل فرد في كنيسته، وكما اتحد بجسده هكذا يتحد بكنيسته ويملأها ملئًا كليًا، ولكنها لا تحده. يملأها بمواهبه التي لا تُحد، ويملأها بروحه الذي لا يُحد، ويملأها بوجوده الذي لا يُحد. وهكذا كما تمتلئ حجرة من نور الشمس، فالحجرة ستمتلئ ولكن الحجرة لا تحد الشمس. وتصور الكنيسة عبارة عن منزل به ملايين الحجرات (المؤمنين)، والشمس تملأ هذه الحجرات بنورها وحرارتها، ولكن هذه الحجرات لا تُحِّد الشمس. الابن "مملوء نعمة وحقًا ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا" (يو14:1-16) فالكنيسة تمتلئ نعمة حقًا.
الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ = في سر الإفخارستيا نعتبر أن أصغر جوهرة في الصينية هي جسد المسيح بالكامل، وحين نتناول هذه الجوهرة الصغيرة حجما فنحن نتناول كل جسد المسيح كاملا المتحد بلاهوته. ومن يتناول منه يحصل على غفران الخطايا وحياة أبدية. ولكن ماذا يعني أن يتناول كل الشعب من جسد المسيح كاملا، فالكل تناول من جسد المسيح كاملا؟ المسيح هو الكل وصار الكل يملأ الكل = كل المتناولين، ويصير كل من المتناولين عضوا في جسد المسيح وله دوره. بل هو يملأ كل المؤمنين. ولو قام كل واحد بدوره سيظهر المسيح في هذه الكنيسة. راجع بقية الفكرة في تفسير (أف4: 8 - 16 + 1بط4: 10).
← تفاسير أصحاحات أفسس: مقدمة | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6
الكتاب المقدس المسموع: استمع لهذا الأصحاح
تفسير الرسالة إلى أهل أفسس 2 |
قسم
تفاسير العهد الجديد القمص أنطونيوس فكري |
مقدمة رسالة أفسس |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/n83fyrb