ذكر هذا الحزب لأول مرة خلال حكم يوحنا هركانوس (134 - 104 ق.م) والذي تحالف معهم، فلما سألهم في وليمة أعدها لهم عن ملاحظاتهم على سياسته، ومن ثم طلبوا إليه التخلي عن منصب رئاسة الكهنوت، مكتفيا بالمنصب الإداري، كما أنكروا عليه أن أمه كانت مأسورة في أيام أنطيوخس مما يجعله بالفعل غير لائق بمنصب الكهنوت. غير أن تلك الملاحظات أثارت استياء هركانوس، وقد انتهز الصدوقيين ذلك فأوعزوا إليه أن يطلب من الفريسيين تأديب القادة المعارضين بالقتل، ولكن الفريسيين رأوا أن يكون العقاب أخف، وبذلك رأى هركانوس أن الفريسيين يعارضونه بالفعل وأنهم يخرجون عن سيطرته، ومن ثم انجاز إلى الصدوقيين.
وبدأ الصراع الحقيقي بين الفرقتين منذ ذلك الحين، فالفريسيين استهجنوا الجمع بين الوظيفتين الدينية والمدنية بالنسبة للخلفاء المكابيين، وجاهروا بذلك الانتقاد، بينما استمر المعتدلون منهم في ممارسة حياتهم الدينية بهدوء، قام المعارضون بتأسيس الطائفة الجديدة المسماة بـ"الأسينية" Essens والتي سكنت في "مغارات قمران" بجوار البحر الميت.
ولعل ذلك يفسر لنا معنى كلمة فريسي "منفصل" (Separate ones الشخص المنفصل) وأن كان البعض الآخر يرى أن تلك التسمية قد جاءت بسبب ورعهم وتمسكهم بالشريعة، والذي ألزمهم بالانفصال عن الهيلينية، ولذلك فهم خلفاء الحسيديين. ويشهد يوسيفوس بأن الفريسيين كانوا أكثر تدينًا من الآخرين وأنهم يطبقون الشريعة بدقة وينقذون طقوس التطهير، وبالتالي فقد كانوا حريصين فيما يتعلق بمصادر الطعام، ولهذا لم يكن الفريسي يأكل في "بيت الخاطئ" وأن كان لا يمانع في استضافة الخاطئ، بشرط أن يهبه ثيابًا طاهرة من عنده بدلًا من ثيابه، خشية أن تكون غير طاهرة.
وقد مارس الفريسيون عبادتهم في المجامع، والتي نشأت إبان فترة السبي حين توقفت الذبيحة، والتي انتشرت على نطاق واسع بحيث كان وجود عشر عائلات كاف لإنشاء مجمع. وأما الصدوقيين فقد تحكموا في الهيكل بأورشليم والخدمات فيه، وذلك خلال الحكم المكابي وحتى العهد الجديد، في حين اهتم الفريسيين في إنشاء ما يسمى بالتعليم الشفاهي وأقوال الربيين، وأفرز ذلك العديد من المدارس والمناهج فيما يتعلق بالتفسير والطقوس وتنفيذ الوصايا، ولعل أشهر مدرستين ظهرتا قبل ميلاد المسيح مباشرة هما مدرسة هلليل Halill والتي كانت أكثر اعتدالًا في التفسيرات، كما عرف هلليل بانحيازه إلى الفقراء وعدم رفض القانون الروماني ما دام لا يتعارض مع الشريعة. وأما الأخرى فهي مدرسة شماي (شمعي Shammai) وكان أكثر تشددًا ومعارضة للرومان والذي كان له الضلع الأكبر في قيام حزب الغيورين (زيلوت Zealots) والذين تسببوا في تدمير أورشليم سنة 70 م. وقد سجل التلمود 316 خلافا بين مدرستيّ هلليل وشمعي.
رفض الصدوقيين التقاليد وتعليلات الفريسيين، والتزموا فقط بالأسفار المقدسة وهو نفس المنهج الذي اتخذه اتباع طائفة "القرائين" Karaites في العصور الوسطى، بينما وضع الفريسيون التقليد في مستوى الأسفار المقدسة مُدعين أن ذلك التقليد قد تسلمه موسى من الله بعدما تسلم الشريعة ذاتها، بل تمادوا في ذلك بأن نادوا بأولوية التقليد على الناموس (1). وقد نتج عن ذلك أن الفريسيين في أيام السيد المسيح كانوا معنيين بالتقليد أكثر من الناموس، حتى عاتبهم المسيح قائلًا (وانتم لماذا أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم؟!). هذا وقد بدأت الحركة الفريسية في تقوى وورع، حيث حفظوا أنفسهم من كل نجاسة، واهتموا بالصوم والاغتسال وحفظ السبت، وقد أشار الرب إلى ضرورة اقتران ذلك بالحب الفعلي والقلبي، فإن الأمر قد تحول مع الوقت إلى الزهو والخيلاء والتفاخر على الباقين، بل والأكثر من ذلك: الاتجاه القوى إلى الأمور الشكلية والممارسات الجوفاء، فقد وصل بهم الأمر إلى تعشير (تخصيص العشور) الشبت والنعناع والكمون (متى 23: 23 ولوقا 11: 42) في حين أكلوا حقوق الأيتام والأرامل، كما اهتموا بلبس "التيفيلن" والذي كان يثبت على الجبهة كعلامة تقوى وكذلك بإطالة أهداب الثياب مما كان يجلب لهم المديح والكرامة من عامة الناس، وإطالة الصلوات بنفس الدوافع (راجع متى 23: 5 ومرقس 12: 40 ولوقا 20: 47) وهكذا استبدلوا مجد الله بمجد الناس. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى). كل ذلك وغيره استوجب توبيخ السيد المسيح لهم بسبب ريائهم.
ولكن الفريسيين كطائفة لم تُدم بعض الشخصيات النبيلة التقية مثل "نيقوديموس" و"يوسف الرامى" و"غمالائيل" و"شاول الطرسوسي" والذي أصبح بولس الرسول والذي وصفه الفريسية -مذهبه القديم- بأنها أكثر الشيع صرامة (أعمال 26: 5).
هذا ويشير دكتور "وليم بابكلى" في تفسيراه ل (لوقا ص 7) أن الفريسيين كانوا ستة أنواع منهم: فريسو الكتف (والذين كانوا يضعون شارة على أكتافهم تميزهم)، والفريسيون المرضوضون (والذين يتعرضون للكدمات والرضوض بسبب إيثارهم المشي مغمضين العينين حفظا للنظر!) ثم الفريسيون المسنمون (والذين يسبرون منحنين لأسفل عازفين عن العالم) والفريسيون الحاسبون (وهم الذين يحسبون كم من الخير صنعوا وكم من الشر) وفريسيو الغد (وهم الذين يؤجلون عمل الخير إلى الغد) وأخيرًا الفريسيزم المحبون (وهم أفضل تلك الأنواع) ويرى "باركلي" أن سمعان الذي دعا المسيح للعشاء معه: كان واحدًا منهم.
الصدوقيين |
مدخل إلى سفريّ المكابيين
قسم
تفاسير العهد القديم |
نشأة الطوائف اليهودية |
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
تقصير الرابط:
tak.la/sb8fg4c