ملحوظة عامة: لا يخفى على القارئ أنه قد نتج عن الوباء الحالي الناتج عن الإصابة بفيروس كورونا Coronavirus موقف عالمي غير مسبوق في العصر الحديث، من حيث أعداد المصابين والمتوفين الكبيرة والمتزايدة بشكل سريع، وتأثيره على الحياة اليومية في جميع أنحاء العالم تقريبًا، واتخاذ العديد من الإجراءات الصارمة المتفاوتة بشكل كبير من دولة لأخرى في محاولات مضنية للحد من انتشار الوباء، الذعر العام الناتج عن تطور الأمور بشكل سريع مختلطًا بالعديد من الشائعات التي يروجها الناس عن خوف وقلة وعي، إلخ. لذا فإنه من الصعب جدًا أن نقوم هنا في موقع الأنبا تكلا بكتابة رد عام يناسب سرعة تطور الموقف واختلاف الأوضاع في مختلف دول العالم، ولكننا سنحاول إلقاء الضوء على بعض النقاط الهامة التي تخص طقس القداس القبطي وخصوصًا طقس التناول، في ظل هذه الظروف العصيبة وغير المسبوقة.
في ديسمبر 2019 م. ظهرت أولى حالات مرض جديد ناتِج عن الإصابة بفيروس "كورونا" في ووهان Wuhan بالصين، وسرعان ما بدأ ينتشر هناك ثم انتقل إلى بلاد عديدة في العالم.. وتم تسمية الفيروس باسم "كوفيد-19" COVID-19، حيث أن "كورونا" هو اسم لمجموعة من الفيروسات، وليس فقط الفيروس المُسَبِّب للوباء الحالي. ويتعرض المُصاب بهذا المرض لأعراض تشبه نزلة البرد، قد تتطور في بعض الحالات التي تختلف حسب العمر والحالة الصحية لما يشبه الالتهاب الرئوي مصحوباً بمضاعفات أخرى قد تتطلب الوجود بالعناية المركزة وقد تسبب الوفاة. ووقت كتابة هذه السطور (21 مارس 2020) فإن عدد الحالات المؤكدة للإصابة بالمرض قد تخطى الـ275,000 عالمياً، بينما عدد الوفيات قد تخطى الـ11,500، أي بنسبة 4% من إجمالي الحالات المؤكدة تقريباً، وإن كانت النسبة تختلف بشكل كبير حسب الفئة العمرية كما سبق وأشرنا. وقد وصل الأمر في بعض الدول مثل إيطاليا للإعلان عن آلاف الإصابات الجديدة ومئات الوفيات بشكل يومي (حوالي 6000 إصابة جديدة و627 حالة وفاة بالأمس)، مما استدعى بعض الدول لاتخاذ إجراءات غير مسبوقة وصلت لحد حظر التجول وإعلان حالة الطوارئ العامة. وقد رأينا في مشهد مأساوي لجوء دولة إيطاليا لحرق جثامين المتوفين بمساعدة القوات المسلحة، لعدم توفر أماكن بالمشارح لاستقبال الجثامين، ولتجنب نشر المرض جراء إقامة الجنازات ومراسم الدفن المُعتادة.
وبحسب حملات التوعية ضد الإصابة بالمرض، فإنه من الضروري غَسْل الأيدي بصورة جيدة وبشكل مستمر - استخدام المطهرات - الابتعاد عن التجمعات بقدر الإمكان وترك مسافة لا تقل عن 1.5 متر عند التعامل مع الآخرين - عدم مشاركة الأدوات الشخصية - تجنب لمس الأسطح التي قد تكون ناقلة للفيروس من شخص لآخر - تجنب لمس الوجه بأيدي غير مغسولة - إلخ.
ومع تصاعد الأحداث بدأت مناقشات حول احتمالية انتشار المرض من خلال حضور القداس وممارسة بعض الطقوس مثل التناول، القبلة بالأيدي، نوال البركة، وغير ذلك.
وقد أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 21 مارس 2020 م. قرارًا بغلق الكنائس لمدة أسبوعين (تم تجديدها)، ولكن ما تزال هناك الحاجة لمناقشة موضوع هذا المقال، في حال فتح الكنائس لاحقًا والاستمرار في ممارسة الأنشطة الكنسية أو الطقسية الأخرى..
وبالنسبة للتناول، فهناك العديد من المناقشات والأسئلة وردود آباء الكنيسة، خاصة بالنسبة لتناول الدم المقدس، والذي يتم من خلال ملعقة واحدة (المستير) تُسْتَخْدَم لمناولة الكهنة والشمامسة وأفراد الشعب. حيث ظهرت التعليقات والأفكار والمطالبات "المنطقية" لتغيير الطقس، وأن السر شيء ثابت والطقس شيء آخر متغير.. إلخ. وأن الإصرار عليه كما هو مجرد ضَرْب من "الدروشة الدينية" التي هي ضد العقل والحكمة والمنطق.
وكما ذكرنا، فإن الموقف قد أصبح حَرِجًا للغاية في معظم دول العالم، ويشهد تطورات سريعة من قبل الحكومات والمجتمعات بشكل يصعب معه تعميم الرد أو توقع ما سيحدث حتى خلال الساعات القادمة، ولذلك سنطرح بعض النقاط من باب التوضيح والمناقشة، كرأي عام في الأمر.
نعم، كل هذا الكلام منطقي ومقبول وهو جزء من القلق الطبيعي والخوف على الشعب من ممارسات يرى البعض أنها قد تضرّه.. ولك الحق في القلق المشروع والتفكير المنطقي.. ولكن لا ينبغي أن تهمل الجانب الروحي كذلك، ولا إيماننا بقدسية السر. ها هي بعض الملاحظات بخصوص الأمر، رأينا وضعها في هذا المقال، لتكرار السؤال عن نفس الأمر عدة مرات..:
بخصوص الطقس الحالي، والجسد والدم، والمستير - تاريخ الكنسية والأوبئة والأمراض - الجانب الإيماني والجانب العملي - ماذا نفعل إزاء الطقس؟ وما هي طريقة التناول التي نتبعها
أشاع البعض أنه حتى زمن قداسة البابا كيرلس السادس 116 لم يكن التناول بنفس الطريقة الحالية -أي باستخدام المستير-، وهذا الكلام غير حقيقي، فلدينا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت صور عديدة توضح قداسته وهو يناول الشعب والكهنة الدم بالمستير.
والمستير ليس ابتداع حديث، بل رأينا الأب الراهب القمص يوحنا سلامة المحرقي -منذ وقت قداسة البابا كيرلس الخامس 112- يتحدث عن أواني المذبح في كتابه "اللآلئ النفيسة"، ومن ضمنها "المستير"(15). وقد ذكر فيه أن المستير "من لوازم الخدمة لمناولة المشتركين في جسد الرب ودمه الأقدسين بها"(16). وهذا الكلام قد سُجِّل في أواخر القرن التاسع عشر أو أوائل القرن العشرين، أي قبل حِبرية البابا كيرلس السادس بمدة طويلة. وفي كتاب "الترتيب الطقسي" لقداسة البابا غبريال الخامس 88 الذي صدر في أوائل القرن الخامس عشر، يذكر في باب "تكريز أواني الخدمة": "صلاة من أجل الملعقة"(17). وفي عرضه لترتيب قداس القديس باسيليوس يذكر كيف كان يتناول الشعب "الدم بالملعقة"(18)، ويذكر أهمية احتراس الشماس وهو ممسكًا الملعقة في الكأس وقت المناولة(19). وفي كتاب "مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة" لابن كبر (القرن الثالث عشر والرابع عشر الميلادي)، يذكر "المستير" بالاسم وقت التناول واستخدامها مع الدم في الكأس(20).
ونجد هنا فرصة جديدة لِنُذَكِّر القارئ بأهمية التدقيق في كل أمور حياتنا، وخاصة تناقلنا للأخبار والشائعات المغلوطة، والتي انتشرت كثيراً في هذه الأيام التي يسهل فيها على أي شخص نَشْر ما يشاء من أخبار، على أعداد كبيرة من الناس، باستخدام وسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي..
السيد المسيح في تسليم سر الإفخارستيا أعطانا جسده منفصلًا، ودمه منفصلًا: "خُذُوا كُلُوا - اشْرَبُوا" (متى 26: 26، 27) - "كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟" (1 كو 10: 16) - "وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا.. وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا" (لو 22: 19، 20). فمناولة المرضى بتغميس الجسد في الدم هذا استثناء، لكن الوضع الطبيعي هو كما فعل السيد المسيح بنفسه(8).
طوال تاريخ الكنيسة الذي اقترب من 2000 سنة (20 قرن)، مَرَّت خلال التاريخ البشري العديد من الأوبئة والأمراض التي تفشَّت في المجتمع (مثل الكوليرا أو الطاعون أو غيرها)، لم نقرأ عن أن كنيسة أصيبت بمرض معدٍ بسبب تناول أحد المرضى وسبَّب العدوى لآخرين.. أو أن وباءً انتشر في مجتمع كنسي بسبب التناول أو خلافه.
وهناك ملايين وملايين الأطفال المسيحيين الذين يتم تغطيسهم في الماء عند المعمودية وهم أطفال في عُمر أسابيع قليلة، وهناك أطفال يُعَمَّدون الطفل تلو الآخر في نفس ماء المعمودية.. لم نسمع عن طفل مات غرقًا، أو أُصيب بمشكلة صحية بسبب المعمودية أو عدوى من الذي سبقه أو غيره..
وهناك النفخة المقدسة وقت المعمودية في وجه الطفل، ونفخة في الأوجه في رسامات الشمامسة والكهنة والأساقفة.. إلخ. فهذا كله جزء من الإيمان(13).
الكاهن/الأسقف/البابا هو أول شخص عُرضة لأي شيء مثل هذا -هو والشمامسة خدام المذبح- حيث أنهم هم مَنْ يتممون السر وآخر مَنْ يتناولون(2). وبالتالي منطقيًّا ليس من مصلحة الكنيسة التستر على شيء خطأ أو الجمود عن تغيير أمور طقسية وليست إيمانية.
إن ما نتناوله هو جسد الرب ودمه المقدسان، وليس مجرد خبزًا ونبيذًا.. "مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ" (يو 6: 56).
إن الدم الذي نتناوله مادته الأصلية هي عصير العنب المُخْتَمِر بنسبة تَخَمُّر قليلة (الأباركة)، وبه نسبة كحول 5% (alcohol - ويتم تخفيفه بالماء)، والكحول يقتل أي ميكروبات أو فيروسات كذلك (الكحول من المطهرات الموصَى بها لتطهير الأيدي). فالمادة نفسها لها طبيعة مُطَهِّرة، بخلاف الجانب الروحي(9). ولكن هذا ليس هو بيت القصيد هنا أصلًا، وحتى وإن لم يكن هناك هذه المادة، فنحن نؤمن أن الأسرار عمومًا لا تتأثَّر بالأمور الخارجية، ولا تخضع للحكم بصورة تحليلية.
إن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية حاليًا (2020) يضم العديد من خريجي الكليات العِلمية والطبية، ما بين أطباء وصيادلة وخلافه، بل أن بطريرك الكنيسة قداسة البابا تواضروس الثاني 118 نفسه حاصل على بكالوريوس الصيدلة، وحاصِل على زمالة هيئة الصحة العالمية بإنجلترا، ودرس دِراسات عُليا في الهندسة الصيدلية(5).. فإن رأس الكنيسة ليس مجرد من أعلى القامات الروحية، بل العلمية كذلك، وبالتأكيد يفهم أبعاد الأمر وطرق التعامل اللائقة إزاءه.
أصدرت الكنيسة بيانًا في هذا الإطار، ننشره هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في نهاية المقال. ومن ضمن نقاطه حول القداس الإلهي، يطلب إحضار لفافة وغطاء رأس وزجاجة ماء للشرب في نهاية القداس. كما تم نشر بيان يليه حول غلق الكنائس فترة.
ولكنه لم يتعرَّض لنقطة "قبِّلوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة" (والتي فيها يقوم الرجال أو النساء -كلٍ على حِدَة- بالسلام بالأيدي مع المحيطين به)، ولكن اقترح البعض أن يتم السلام عن طريق إحناء الرأس بصورة بسيطة أو ما شابه بدون تلامُس(11). فأنت عندما تكون واقفًا وحدك في القداس بدون أحد قريب لا تترك مكانك لتدور على الكنيسة بحثًا عن شخص تُسَلِّم عليه، وفي أسبوع الآلام نفعل المِثل بإحناء الرأس عند السلام.
الذي لا يتقدَّم إلى الجسد والدم بهذا الاعتقاد: أنه يُحيي وعربون حياة أبدية وختم غفران خطايا وشفاء من الأمراض لا يتقدَّم للتناول!(12) الأساس في التناول أنه "يُعْطَى عنا خلاصًا، وغفرانًا للخطايا، وحياة أبدية لكل مَنْ يتناول منه"، أما موضوع الشفاء الجسدي من عدمه من جراء التناول، فهذا حسبما يعطي أو يسمح الله، وليس أساسًا في التناول، فنعرف آلاف الأبرار والقديسين الذين كانوا يتناولون وهم يعانون من المرض ولم يُشفوا.. وليس شرطًا أن تقوم بالتناول كل يوم أو كل أسبوع.. بإمكانك تقليل عدد مرات التناول، أو الانتظار لحين انحسار الموجة الحالية من تفشي المرض إن كنت تخشى العدوى.. أو إن كنت تقلق من العدوى بسبب الزحام في الكنيسة -وليس من السِر نفسه- فمن الممكن أن تطلب من الكاهن أن يأتي للمنزل -إن أمكن- ليناول الأسرة كلها مثلما يحدث مع مناولة المرضى في المنازل.. لا يسعنا هنا إلا أن نقول أن إلهنا إله محبة ورحمة لا نهائية، وهو فاحص القلوب والُكَلى، وهو الذي قَبِلَ إليه الذين تَشَكَّكوا وضعف إيمانهم مثل بطرس وتوما الرسولين. إذاً فلنصرخ لله القادر أن يمنحنا الإيمان والسلام حتى يجتاز العالم هذه المِحنة.
إن تغيير شكل الطقس لا يبطل مفعول السر(21)، وهناك بعض الحالات الفِعلية في الكنيسة التي يتم فيها تغيير شكل التناول، مثلما يحدث مع مناولة المرضى وكِبار السن (مناولة الجسد مغموس بالدم)، أو الأطفال الرُّضَّع (مناولتهم الدم فقط). فإن قررت الكنسية اتباع هذا أو ذاك، فليكن وهو مقبول. فالأمر سيكون ليه علاقة بالطقس وليس بالعقيدة.. وهنا لن تقف الاعتبارات التاريخية في استخدام المستير أو غيره في وجه قرار الكنيسة إن رأت حلولًا أنسب.
الآراء جيدة ومسموح بها بالطبع، وهناك اقتراحات كثيرة مقبولة.. نعم، الطقس ينمو أو يتغير عبر العصور حسب الحاجة.. ونحن لسنا كنيسة جامدة ولا رافضة للتفاعل والتغيير. ولكن القرار النهائي الذي يجب أن يلتزم به الجميع هو قرار الكنيسة الرسمي، وقرار المجمع المقدس أو الكنائس المحلية في أنحاء العالم حسب سلطاتها الممنوحة لها.
وهناك أيضًا قرارات على مستوى أعلى، مثل أن تقرر بعض الدول إيقاف جميع التجمعات، أو الغلق المؤقت لبعض الهيئات (ومنها الكنائس)(22)، أو الفَتْح والعمل بنظام معين حسبما يتطلَّب الأمر.. وفي كل هذا تلتزم الكنسية بالخضوع للسلطة المدنية لمراعاة تعليمات السلامة والأمان المطلوبة. وهناك قوانين صدرت لعدد الأشخاص في التجمعات، ما بين 50 أو مائة أو غيره، وحدود المسافة بين شخص وآخر ما بين متر أو اثنين.. إلخ. أو غرامات توضَع على الهيئات أو الأشخاص في حالة مخالفة أي من تلك التعليمات. والجميع مطالب بالالتزام بكل هذا، على كافة المستويات العامة والدينية وخلافه.
وقد أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بيانًا في هذا الإطار يوم السبت 14 مارس 2020 م. (5 برمهات 1736 م.)، ونصه كالتالي(3):
تضامنًا مع توجيهات السيد رئيس الجمهورية بتعليق الدراسة بالمدارس والجامعات للوقاية الصحية من فيروس كورونا الجديد covid-19، قررت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية العمل بالقرارات التالية لمدة أسبوعين:
تعليق كافة خدمات التربية الكنسية على اختلاف المراحل العمرية وكذلك الاجتماعات النوعية والعامة.
تعليق كافة الأنشطة الكنسية التي بها تجمعات "الحضانات - مراكز التأهيل - الرحلات.. إلخ.).
تعليق الدراسة بكافة المعاهد والكليات اللاهوتية.
من الممكن إقامة أكثر من قداس يوميًا تجنبًا للزحام، وبالأخص أيام المناسبات والإجازات.
الحرص قبل التوجه لحضور القداسات على التأكد من عدم الإصابة بارتفاع درجة الحرارة أو أعراض الأنفلونزا، مع إحضار كل مُصَلِّي أدواته الخاصة "لفافة وزجاجة مياه وغطاء للرأس للسيدات".
مع مراعاة تقليل التصافح بالأيدي بقدر الإمكان.
وسنظل نصلي لأجل أن يحفظ الله مصر وبلاد العالم أجمع من كل سوء وأن ينجي البشرية من خطر الأمراض والأوبئة واثقين في وعده الأمين: "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر آمين" (مت 28: 20).
وفي يوم 21 مارس 2020 (12 برمهات 1736 ش.) أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بيانًا بغلق جميع الكنائس لمدة أسبوعين، ولحين إشعار آخر. وهذا نص البيان(24):
اجتمعت اللجنة الدائمة للمجمع المقدس، برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني صباح اليوم، لمناقشة آخر التطورات بشأن موضوع انتشار فيروس كورونا المستجد COVID-19، وأصدرت اللجنة بيانًا، جاء نصه:
في إطار متابعة الوضع الاستثنائي الذي يمر به العالم هذه الأيام، وكذلك البيانات التي تصدرها تِباعًا منظمة الصحة العالمية والتي تُظْهِر الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد COVID-19 في مختلف دول العالم، ومن بينها بلادنا العزيزة مصر، التي يبذل مسؤولوها قصارى جهدهم في سبيل احتواء الوباء، الذي يُعَد أكبر أزمة صحية خطيرة نواجهها منذ مئات السنين.
ونظرًا لأن التجمعات تمثل الخطر الأكبر الذي يؤدي إلى سرعة انتشار الفيروس، قررت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من منطلق مسؤوليتها الوطنية والكنسية، وحِفاظًا على أبناء مصر جميعًا:
- غلق جميع الكنائس وإيقاف الخدمات الطقسية والقداسات والأنشطة.
- غلق قاعات العزاء واقتصار أي جناز على أسرة المتوفي فقط، على أن تقوم كل إيبارشية بتخصيص كنيسة واحدة للجنازات وتمنع الزيارات إلى جميع أديرة الرهبان والراهبات.
- يسري هذا القرار من اليوم السبت 21 مارس ولمدة أسبوعين من تاريخه، ولحين إشعار آخر.
واختتم البيان:"وإذ تُذَكِّر الكنيسة بقول السيد المسيح: "لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ" (مت 4 : 7)، تناشد جموع الأقباط في مصر والخارج عدم التهاون إزاء الأزمة الحاضرة، والالتزام بالإجراءات التي تعلنها السلطات المسئولة، للمساهمة بفاعلية في تفادي كارثة تلوح في الأفق، يترجمها تزايد أعداد المصابين بالفيروس والمتوفين في العالم، فليس من الحكمة أو الأمانة أن يكون الإنسان سببًا في إصابة الآخرين أو فقد أحد أحبائه.
وتدعو الكنيسة الجميع إلى رفع صلوات وتضرعات في كل موضع، واثقةً في أن صلواتهم سوف تصل إلى مسامع الرب القدير وأنه سيتحنن علينا ويرفع هذه الضيقة، ويعطي شفاءًا وسلامًا وطمأنينة لكل العالم ويبارك كل الجهود التي تبذل لمواجهة هذا الوباء الذي يهدد العالم كله.
كما نصلي بلا انقطاع لكي ينعم الله على المصابين بهذا الداء بالصحة والعافية وليبارك جهود الأطقم الطبية القائمة على متابعة وعلاج المرضى حتى يتم شفاؤهم
إن هذه الظروف الصعبة تعطينا بعض الدروس الهامة كذلك، حسبما قال قداسة البابا تواضروس(23):
هذا زمن توبة: الإنسان يجب أن يلتفت حتى لا تنتهي حياته فجأة، فالله يسمح بمثل هذه التجارب على المستوى العالمي لأجل إيقاظ الناس. ونحن في فترة الصوم الكبير.. وهي فرصة أن نقدم توبة.
هذا زمن صلاة: ارفع قلبك بصلاة مستمرة، واطلب رحمة الله، وأطلب أن تحل الرحمة على كل الناس ويرحم العالم من كل هذه الشرور الكثيرة.. حَوِّل هذه الطاقة التي لديك إلى طاقة صلاة، وصلى باستمرار بمزمور 91: "الساكن في عون العلي.."
هذا زمن سلام: إن كان في حياتك وعلاقاتك مع الناس بعض المشاكل أو الخصام أو مقاطعات أو جفاء، فهذا زمن مُصالحة وسلام. أحيانًا الحياة لا يكون فيها متسع للمصالحة، فاحذر لأن الله يعطيك فرصة فانتبه.. إنه زمن سلام على كل المستويات..
إن اللاهوت الأرثوذكسي يحمل في طيَّاته شركة بين الله والإنسان.. الإنسان له دور، والله كذلك.. الوقاية والبُعْد عن مواطِن الخطر واستخدام الأدوات الصحية وخلافه، هذا دور الإنسان. والله عليه دور في حماية الإنسان الذي يثق به: "لاَ تُجَرِّب الرَّبَّ إِلهَكَ" (تث 6: 16؛ مت 4: 7؛ لو 4: 12). فينبغي اتباع أي إجراء وقائي من الدولة والكنيسة بدون تهاون ولا أنانية، فالثقة في الله والطمأنينة لا تعني عدم الاحتراس(4).
ونحن نؤمن أن سر التناول هو سر الحياة، وهو الشافي من مرض الخطية ومن أمراض الجسد والنفس والروح(6)(10). وينبغي الاقتراب من سر التناول بالهيبة اللائقة، وليس بأسلوب الفحص العِلمي(7)، فنحن نتناول جسد القيامة الغالِب الموت، ودم الصليب في الكأس الذي دفع ثمن الخطية (سبب الموت)(14). أساس فاعلية الأسرار كلها هو الإيمان، ونحن إن كنا الآن بصدد الإفخارستيا، فأين إيماننا في باقي الأسرار؟! أنلغي المعمودية والنفخة المقدسة وسر مسحة المرضى وخلافه من أسرار كنسيَّة خلال تلك الفترة أو غيرها كذلك؟! هل فعالية السر هي المُهِمة؟ أم الطعام أو الشراب نفسه؟! إن فعاليات السر تعتمد على الإيمان، وليس على الشكل الخارجي. "بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ" (عب 11: 6).
نحن في ظروف غير مسبوقة في العصر الحديث، ومع إيماننا الكامل بقدسية السر، إلا أننا نعرف أن شكل الطقس شيء وقدسيته شيء آخر.. وقد يحدث أن تقرر الكنيسة بصورة رسمية -سواء في كل العالم أو في بعض البلاد المتضررة حسب تأثرها- تغيير شكل الطقس أو اتخاذ أي إجراءات أخرى حسبما تقتضي الحاجة. وفي هذا أو ذاك نحن إيماننا واحد، وثقتنا في إلهنا الذي يدبر كل الأمور للخير لا تتأثَّر حسب الظروف.
_____
(1) المصدر: من مقالات وأبحاث موقع الأنبا تكلاهيمانوت www.st-takla.org (م. غ. / ن. ن.). كما نشكر القمص بطرس البرموسي الذي ساعدنا في كتابة الخاتمة، ولفت انتباهنا لمرجع مهم عن المستير يعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي - مراجعة لغوية: سامي فانوس.
(2) عن فيديو إصدار "المركز الأنطاكي الأرثوذكسي للإعلام".
(3) عن صفحة المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، 14 مارس 2020 م.
(4) فيديو بعنوان "نيافة الأنبا رافائيل: لا تنزعجوا بسبب أنتشار فيروس «كورونا» .. لكن صلوا واحترسوا"، برنامج لكلامك انتظرت، قناة مي سات، 16 مارس 2020 م. (afSJnqVrVmU).
(5) عن سيرة البابا تواضروس الثاني، موقع الأنبا تكلا.
(6) أوشية التقدمة، القداس الباسيلي: "وليكونا لنا جميعًا ارتقاءً وشفاءً وخلاصًا لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا".
(7) فيديو بعنوان "لأول مرة نيافة الأنبا رافائيل يتحدث عن هل فيروس كورونا ينقل عبر تناول الأسرار المقدسة؟!"، برنامج بستان العقيدة، تقديم: هبة كميل، قناة سي تي في، 6 مارس 2020 م. (cfOWXozvoPM).
(8) المرجع السابق.
(9) فيديو بعنوان "الأنبا بنيامين عن التناول و«كورونا»: مادة التناول مطهرة ودم المسيح مطهر، ومفيش أي عدوى اطلاقا"، برنامج ساعة ع الهوا، قناة مي سات، 9 مارس 2020 م. (Ae2L5eAIGz8).
(10) من صلوات القداس الباسيلي: "اجعلنا مستحقين كلنا، يا سيدنا، أن نتناول من قُدساتك طهارةً لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا".
(11) عن فيديو بعنوان "كاهن بكاليفورنيا يحسم جدال التناول و ڨيروس كرونا"، قناة الحرية تي في، برنامج الحرية والحدث، القس بيشوي راي كاهن كنيسة مارمينا رفيرسايد، لوس أنجلوس، 13 مارس 2020 م. (4d7AAGN8).
(12) عن فيديو بعنوان "إمكانية نقل الماستير (التناول) لمرض الكورونا للأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا"، 4 مارس 2020 م. (6geHLJ34ky4).
(13) عن فيديو بعنوان "الأنبا أغاثون: التناول سر إلهي يشفي من المرض.. والمشكلة ليست في «المستير» إنما في عدم الإيمان"، 5 مارس 2020 م. (S33CpnDn5Mo).
(14) عن فيديو بعنوان "الأنبا بنيامين وأجراءات «كورونا»: التشكيك في طريقة ومادة التناول غير مقبول، رصيدنا هو الإيمان"، برنامج ساعة ع الهوا، قناة مي سات، 17 مارس 2020 م. (28GmA7ExF2c).
(15) القمص يوحنا سلامة، اللآلئ النفيسة في شرح طقوس ومعتقدات الكنيسة، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، 1965 م.، مطبعة قاصد خير، إصدار: مكتبة مارجرجس شيكولاني بشرا مصر - الباب الأول، الفصل الخامس عشر، أواني الخدمة، ص107.
(16) المرجع السابق، ص. 110.
(17) كتاب الترتيب الطقسي للأنبا غبريال الخامس - البطريرك القبطي 88، 1409-1427، لسلة دراسات شرقية مسيحية: مصريات، للأب ألفونس عبد الله الفرنسيسكاني (دكتوراه في الدراسات الشرقية الكنسية)، الطبعة الثانية، مطبوعات المركز الفرنسيسكاني للدراسات المسيحية الشرقية، القاهرة، 1964 م.، مطبعة المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية، ص. 163، 164. وكانت الملعقة تُستخدم حينها للذخائر المقدسة وخاصة للكهنة، وفي ص. 87 يوضح أن كيف كان الشماس يناول الشعب الدم بالملعقة
(18) المرجع السابق، ص. 87.
(19) المرجع السابق، ص. 87، 88
(20) كتاب مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة، للقس شمس الرياسة أبو البركات، المعروف بابن كبر، الجزء الثاني، طبعة خاصة للمهتمين بالدراسات القبطية، أعدها للنشر الراهب القس صموئيل السرياني، 1992 م.، ملتزم الطبع والنشر: مكتبة الكاروز (جزيرة بدران بشبرا)، رقم الإيداع بدار الكتب للجزء الأول: 6345/1970، ج2، ص. 184.
(22) وقد أغلقت بعض الأديرة القبطية أبوابها بالفعل أمام الزائرين لمدة أسبوعين حتى نهاية مارس 2020 م.، وربما يتم تمديد القرار حسب الحاجة لاحقًا..
(23) بتصرف عن مستهل عظة البابا تواضروس، 11 مارس 2020 م.
(24) عن صفحة المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، 21 مارس 2020 م. - تحت عنوان "بيان الكنيسة القبطية بخصوص فيروس كورونا".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/faq/rituals/communion-vs-coronavirus-covid-19.html
تقصير الرابط:
tak.la/x3awvgr