St-Takla.org  >   books  >   youssef-habib  >   sts-petronius-horsiesius
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب القديسان بترونيوس وأورسيسيوس (وغيرهما من تلاميذ القديس أنبا باخوم) وعن جهادهم وأقوالهم المأثورة - المقدس يوسف حبيب

10- بحث جامِع لأورسيسيوس

 

في هذا البحث يتحدث القديس أورسيسيوس أولًا إلى الرهبان بصفة عامة. فيحثهم أن يحذروا من أن يطرأ عليهم ما يجعلهم منفيين عن الوطن السمائي في النهاية بسبب خيانة، فيسلمون إلى عبودية الشيطان القاسية، مثل الإسرائيليين الذين طردوا من بلادهم بسبب خطاياهم، وسبوا في أرض غريبة، طبقًا لللوم الذي يوجهه إليهم النبي، لذلك يلزمهم أن يأخذوا في الاعتبار انه وإن كان الله لا يعاقب على الخطية دائمًا فور ارتكابها، فإنه لا يتبع ذلك انه يجهلها، أو ينساها، ولكنه يحتفظ لنفسه بأن يعاقب عليها بأكثر شدة عند الخروج من هذا العالم، عندما يفصل بين الرهبان الأشرار وبين الرهبان الأمناء، ويسلم أولئك إلى العذابات الأبدية، وينظرون الآخرين يشتركون مع الآب ومع أخوتهم في المكافأة التي استحقوها من أجل انتصاراتهم.

"هكذا فلننظر جيدًا ما هي الطرق التي نسلك فيها. لنفحص بجدية مسالكنا، حتى نرى ما إذا كانت مستقيمة أو لا. لا نغفل عن أنفسنا ولا نترك أنفسنا ننعس نعاسًا مميتًا. لنباشر بشجاعة وصبر أعمال التوبة وممارسة الفضائل الدينية، ولنجتهد أن نسلك في أثر القديسين، وفوق كل شيء في أثر ربنا يسوع المسيح رئيسنا وقدوتنا، مثابرين بأمانة في الحالة المقدسة التي دخلنا فيها".

St-Takla.org Image: Modern Coptic icon of St. Pachom, Pachomius, Pachome, Pakhom of Egypt (Saint Bakhomious Ab El Shareka), founder of Christian cenobitic monasticism, painting by Dr. Bedour Latif and Dr. Youssef Nassief صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة قبطية حديثة تصور القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة - أنبا باخوم، رسم د. بدور لطيف، د. يوسف نصيف

St-Takla.org Image: Modern Coptic icon of St. Pachom, Pachomius, Pachome, Pakhom of Egypt (Saint Bakhomious Ab El Shareka), founder of Christian cenobitic monasticism, painting by Dr. Bedour Latif and Dr. Youssef Nassief.

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة قبطية حديثة تصور القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة - أنبا باخوم، رسم د. بدور لطيف، د. يوسف نصيف.

وبعد ذلك يوجه حديثه إلى رؤساء الأديرة، سواء أكانوا يشغلون المركز الأول أو الذين في المراكز الثانوية، ويعطيهم قواعد ممتازة من أجل حسن قيادة الأرواح التي اؤتمنوا عليها.

انه يريدهم أن يعيشوا مع رهبانهم في انتظار مجيء المخلص، ويكونوا مثل الجنود تحت السلاح، دائمًا في حالة استعداد للعركة. يقول لهم بعد ذلك:

"احذروا من أن تجتهدوا كثيرًا من الأمور الزمنية، فتهملوا الأمور الروحية، واحذروا كذلك من أن تعطوا كثيرًا الأمور الروحية، لدرجة أنكم تجعلون مرؤوسيكم يتألمون من جهة الأمور الزمنية.ولكن اعتنوا بأن تدبروا معيشتهم من حيث الروح ومن حيث الجسد، خوفًا من أن تعطوا الرهبان فرصة الوقوع في التراخي".

ويقول أيضًا: "إن رؤساء الأديرة لا يلزمهم أن يعتبروا مرؤوسيهم كخدم، بل بالحري كأخوتهم وكتلاميذهم، فيقاسمونهم التعب والتعزية. يلزم الاَّ يتصوروا أنهم أكملوا ما يطلبه الله منهم إذا عملوا على تقديس أنفسهم وحدهم، كأنه لا يهمهم ما يحدث للآخرين طالما هم يخلصون، لأنهم، كما يقول، يجلبون على أنفسهم بحق ذلك اللوم الذي وجهه أحد الأنبياء إلى رعاة إسرائيل الذين كانوا يكتفون بتغذية أنفسهم، دون أن يفكروا في رعاية رعيتهم، يلزمهم بالأحرى أن يبهروا بعناية فائقة على الأرواح، ولا يهملوا أحدًا، ولا يتوقفوا عن التعليم والانذار والتشجيع وتقديم القدوة الصالحة.

ليحذر الرؤساء جيدًا من أن يفضلوا اطلاقًا البعض على الآخرين، أو أن يحبوا البعض ويتباعدوا عن الآخرين، لأنه ربما يحبون من لا يكون مرضيًا بالأكثر عند الله، ويكرهون آخر يحبه الله كثيرًا. بل ليحافظوا على سلوك متساو إزاء الجميع.

وتبدو هذه النقطة ذات أهمية جوهرية في نظر القديس، فيرجع إليها في مقالة لكي يثبتها في الأذهان أكثر، ويضيف قائلًا:

"سوف أعلنها كثيرًا، وان أتعب من تكرارها. يجب ألاَّ نحب البعض ونكره البعض الآخر، يجب ألاَّ نعتني بهؤلاء ونهمل الآخرين. فإنكم بذلك تضيعون كل أجر أعمالكم، وبينما تفكرون أنكم وصلتم إلى ميناء السلام، تكونون قد غرقتم بظلمكم، لأن الديان الأعظم الذي لا يحابي بالوجوه، يعاملكم في يوم الدين كما عاملتم إخوتكم".

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

لا تكن أبدًا المحبة التي عند الرؤساء نحو أحد مرؤوسيهم سببًا في التقليل من شأن نقائصه، ولا يحملهم النفور الطبيعي إلى إساءة معاملة أحد. إذا اخطأ إليهم أحد العصاة، أو اعترض على التأديب، فلا يقولوا في قلوبهم انهم لا يريدون أن يتحملوه، أو أن يكلفوا أنفسهم تأنيبه، ولا يهمهم أن يهلك أو يخلص، لأن مثل تلك النوعة تنم عن الكراهية والغضب، ويلزمهم أن يتأثروا من تورط أخيهم في الخطأ أكثر من تأثرهم بالإساءة التي حافت بهم من جراء خطيته.

يجب أن يسلك الرؤساء في كل شيء بموجب هذا وهو انه لزامًا عليهم أن يقفوا يومًا ما أمام محكمة يسوع المسيح، ويعتبروا انه أمر مرعب أن يكون على الانسان أن يقدم حسابًا عن نفسه، يلزم أن يخافوا بالأكثر من وجوب تقديمهم حسابًا عن الآخرين أيضًا. لا يتصوروا أن احدًا سوف ينسى ابدًا أي عمل من أعمالهم. لن ينقصهم من يتهمهم، وسوف لا يكون من قضاتهم الناموس والأنبياء فقط، بل أيضًا أبينا القديس أنبا با خوم يقول:

"أيها الذين تحكمون الأديرة، كونوا في حالة يقظة دائمة، واعطوا كل عنايتكم للأخوة في عدل وخوف الرب. لا تستغلوا سلطتكم بكبرياء، بل اجعلوا أنفسكم بتواضعكم قدوة الآخرين، كما فعل كذلك مخلصنا نفسه، وكما كان يفعل القديس بولس الرسول، الذي لم يكن اهتمامه قاصرًا على الكنائس بصفة عامة فحسب، بل كان يبكي مع الحزانَى، وكان يتصرف حسب احتياجات كل فرد.

لنحذر أيضًا الا يعثر من جهتنا أي أحد من الذين ائتمنا عليهم، فيسقط بسبب غلطنا. لا نحتقر شعور أحد، خوفًا من أن يهلك بسبب تبلد شعورنا نحوه، هذا ما كان أبونا القديس باخوم لا يفتر عن توصيتنا به".

ان رؤساء العائلات المختلفة يلزمهم أن يكونوا دائمًا مستعدين أن يجاوبوا على الأسئلة المختلفة التي يوجهها إليهم الرهبان من أجل خلاص نفوسهم. يلزمهم أن ينذروا الذين يتغيبون، وان يساعدوا صغيري النفوس، وأن يقووا الضعفاء، وان يتصرفوا تجاه الجميع بتواضع وصبر، وأن ينتبهوا إلى تحذير الرسول القائل: أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم، بل تدرجوا بهم في النظام والتأديب حسب الرب، واعلموا أنهُ يطلب كثير من الذي أخذ كثيرًا، واؤتمن على أمور أعظم.

وأيضًا لا يلزمهم أن يعتبروا كثيرًا ما يوافقهم، بل ما يفيد الاخوة. فإذا حدث أي شر في العائلات بسبب اهمال الرؤساء، أو الرُّبيتة، فليفتكروا انه بخلاف المرؤوسين الذين اخطأوا، فإنهم أيضًا مدينون أمام الله، طالما انه بسبب عدم يقظتهم اقترفت الخطية، وهذا ما كان أبونا طيب الذكر معتادًا أنيبينه لنا كثيرًا.

والذين يشغلون المراكز الثانوية في كل عائلة يلزمهم أن يجتهدوا أن يكونوا متواضعين وودعاء، وان يتبعوا بأمانة وصايا القدماء، ويخضعوا للحياة المشتركة، ويسهروا على حفظ كل الأمور لكي يخلصوا أنفسهم.

وبعد أن بَّين القديس أورسيسيوس للرؤساء ما هي التزاماتهم، وجه حديثه إلى الرهبان، فأخذ يحثهم بقوة بأقوال كثيرة من الكتاب المقدس تلائم عمل تقديسهم، يقول:

"كونوا مثل الخدام الأمناء، الذين ينتظرون سيدهم، احقاؤهم ممنطقة وسرجهم في أيديهم، لا تتضجروا من طول العمل، معتبرينانكم ستدخلون يومًا إلى الوليمة السمائية. اخدموا الرب بفرح، كونوا خاضعين لرؤسائكم، تجنبوا مزينين بالفضائل وبمخافة الله، فتستحقوا عطية الله التي شرفكم بها.

تذكروا انكم هيكل الله. وانه يهلككم إذا أفسدتموه. لا تحزنوا الروح القدس فيكم. عيشوا في طهارة عظيمة، حتى يمكن أن يقال عنكم انكم حديقة مغلقة ونافورة مختومة. ارفضوا كل الشهوات الأرضية الباطلة، ولا تهتموا إلا بتكميل مشيئة الرب".

ثم يبين لهم امتياز دعوتهم وسعادتهم، وقوة الوسائل الموهوبة لهم ليكونوا لله كلية، يقول:

"لنعتبر مقدار النعمة التي أعطاها لنا الله بواسطة أبينا القديس باخوم حتى نرفض العالم وكل مشتهياته، ما هي فرصتنا الآن وما هي حجتنا في شغل عقولنا بالاهتمامات الزمنية؟ لنا رؤساء يهتمون بها من أجلنا، وهم يدبرون معيشتنا من جهة الملبس والطعام، في حالة المرض وفي حالة الصحة، ولكن إذ تحررنا من هذا النير، فلنحذر من أن نخضع أنفسنا له من جديد برغبتنا في اقتناء أي شيء، أو بخوفنا من أن نفقده. أن ذلك بمثابة العودة إلى قيئنا(1).

ما الفائدة أن يكون لنا رداء زائد، أو طعام ألذ، أو سرير أفضل، بينما يلزمنا أن نحافظ على وحدة المعيشة مع اخوتنا، وانه ما كان هناك أصعب من صليب يسوع المسيح؟

لنتذكر أن آبائنا بوضعهم لنا القوانين التي اعطوها إياها، قد بنوها على أساسات الرسل والأنبياء والتعاليم الإنجيلية التي لا تتزعزع، وأهم من ذلك، حجر الزاوية الذي هو يسوع المسيح. اننا باتباعنا لهذا المعلم الإلهي قد نزلنا من التَجَبُّر الذي يفضي إلى الموت، إلى التواضع الذي يؤدي إلى الحياة، وقد تركنا الأول لكي نسلك في الفقر، واستبدلنا الملذات الخطرة بحياة النسك والاعتدال".

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(1) إضافة من الموقع: عن الآية القائلة: "كَمَا يَعُودُ الْكَلْبُ إِلَى قَيْئِهِ، هكَذَا الْجَاهِلُ يُعِيدُ حَمَاقَتَهُ" (أم 26: 11).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/youssef-habib/sts-petronius-horsiesius/comprehensive-study.html

تقصير الرابط:
tak.la/2y28z7t