حدث أن كان هناك غلاء في كل الأرض وعند الليبيين الذين يسكنون الجبل - وجاء لصوص ليبيون يبحثون في الصحراء ووصلوا إلى قلاية الأنبا مكاريوس ومعهم ناقة محملة بأوانيهم وبقرب ماء لكي يشربوا في الصحراء، ولما دخلوا قلاية القديس لم يجدوه فأخذوا كل ما يحتاج إليه جسده، شغل يديه وسعف النخل الصغيرة وذهبوا بها وحملوها على الناقة، وحدث بعد ما حملوا الأواني عليها ولما كانوا على وشك القيام لم تستطع الناقة أن تقف، وكانت تصرخ ولا تستطيع أن تنهض ثم ظهر الصباح وخرج الشيخ من المكان الذي كان فيه فرأي من بعيد الرجال والناقة، ففطن أنهم أحضروا إليه من مصر أشياء لازمة للجسد، لكي يأخذوا منه شغله اليدوي حسب عادته، ولما اقترب منهم تعرف على سلاله وحصيره والأشياء اللازمة للجسد فسكت ولم يتكلم، فلما رأوا الشيخ القديس سقطوا على الأرض وسجدوا له نادمين ولم يغضب ولم يؤنبهم لكنه جاز ودخل قلايته فوجد أنهم رفعوا كل شيء ماعدا آنية صغيرة كان بها زيتون، لأن هذه الآنية كانت وراء الباب ولم يروها فأخذ القديس ذو الشيخوخة الحسنة آنية الزيتون وأخرجها لهم قائلًا: "أتريدون أن تعلموا لماذا لم تستطع الناقة أن ترفعها؟" فقالوا له "نعم" فقال لهم: "لأنكم نسيتم هذا الزيتون فإنكم لم تستطيعوا أن تقيموها". ولما وضع الآنية فوق الناقة في الحال وقفت فتركهم يذهبون بسلام. وفي الغد حضر بعض الإخوة من السفر إلى الشيخ لسماع أقواله النافعة، وقد أتت ساعة الأكل، وكان الإخوة يرغبون أن يأكلوا قليلًا فلما علم أفكارهم قال لهم: هناك أربعة أرغفة في حقيبتكم، أحضروها إلى هنا لنأكل قليلًا لأن المؤن التي كانت بالمسكن أعطاها الله إلي بعض العلمانيين ولهم نساء وهم فقراء ويحتاجون إليها في المجاعة القائمة.
زهده - صلابة إرادته وهربه من المجد الزائل - محاربات شهوة الأكل وشهوة الجسد
قال أيضًا هذه الكلمة إلي إخوة شبان يعظهم: "منذ اليوم الذي صرت فيه راهبًا لم آكل خبزًا حتى الشبع، ولم أنم حتى الشبع، وكل الآباء الشجعان لم يمرضوا، لأنهم كانوا يضبطون أجسادهم بحسب القدر المحدد.
وروي لنا أيضًا هذا عنه:
"في زمن شبابه قضي سنة كاملة دون أن يكون لابسًا شيئًا سوي قطعة من القماش مربوطة على حقويه وأعضائه، وكانت له ثلاث قلايات في شيهيت، واحدة في وسط الصحراء الداخلية الكبري وواحدة في وسط البرية في شيهيت وواحدة بالقرب من العمران على مسافة صغيرة.
ذات مرة أيضًا أتعبت فكرة المجد الزائل والكبرياء الأنبا مكاريوس فكانت الشياطين تريد أن تدفعه خارج القلاية وكانت أفكاره تحدثه. "ها ان اسمك أصبح عظيمًا في العالم أجمع قم إذهب إلي روما بلد الملوك لكي تشفي المرضي حتى لا تضطرهم إلى متاعب هذه المسافة الطويلة لأن الرومانيين متفقون مع المصريين في أعمالهم التقوية وإيمانهم المستقيم، وبهذا الإغراء كانت الشياطين تريد أن تخرجه من قلايته إذ تقول له: "لقد أعطاك الله بصيرة ونعمة شفاء كبري فقم اذهب لأنه تدبير الله". ولما رأى أنهم أتعبوه جلس على عتبة قلايته وقال لهم: "إذا كانت عندكم القوة الكافية فانقلوني من هنا بعنف" فلما أثقل عليه الشياطين صرخ بغضب قائلًا: قد قلت لكم الآن ليس لي أرجل، إذا كانت عندكم القوة احملوني واذهبوا بي إلي روما لأني سأبقي هنا حتى مغيب الشمس" فلما طال جلوسه قام. ولما حل الليل أتعبتهُ الأفكار ثانية فأخذ قفة ووضع فيها كيلين من الرمل وحملها وطاف بها كل الصحراء فقابله قوم من الإخوة وقالوا له: "لماذا تحمل هكذا يا أبانا؟ ولماذا تتعب نفسك؟" فقال لهم: "إني أتعب من يتعبني، فإني إذا أرحته يجلب عليَّ أفكارًا قائلًا: "قم واذهب إلى الخارج، فلما مكث طويلًا يجوب الصحراء دخل قلايته وهو منهوك القوى.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
أحضر إليه أحدهم ذات يوم عنبًا فاخرًا وكان القديس يشتهي من مدة طويلة أن يتذوقه، ولذلك كانت التجربة قوية جدًا خصوصًا وأنه لا شيء في ذاته يتعارض مع قبوله هذه الهدية الشهية. ولكنه انتصر نصرًا كليًا على الشهوة وأهدي العنب إلي أخ مريض وكان يعلم بحسه المرهف فشكر هذا الأخير القديس مكاريوس بحرارة على لفتته ولكنه لتقشفه هو أيضًا مثله أعطاه إلي جاره في الصومعة، وهذا الأخير فعل أيضًا هكذا.. وحُمل العنب بهذه الطريقة إلي صوامع سيليا وفي النهاية عاد كما هو إلي مقاريوس الذي لم يمسه أخيرً(23).
وفي الواقع كان القديس يجتهد جدًا لكي يزيد في إذلال نفسه عن المتوحدين الآخرين معترفًا أنه أحقرهم وأكثرهم كلهم خطأ، وسمع ما يقال أنه في تبنيسي (قرب قنا) لا يتناول الرهبان طوال الصوم الكبير شيئًا مطبوخًا فأراد أن يقتدي بهم في الحال واكتفي لمدة سبع سنوات بالخضار، وفيما بعد حينما سمع أن أخا لا يأكل سوي قليل من الخبز كسر الرغيف الذي كان معه وأسقط الكسر في إبريق الماء وقرر ألا يأكل إلا ما تأتي به يده التي يضعها في فتحة الإبريق الضيقة. وهكذا فعل لمدة ثلاث سنوات لا يأخذ في اليوم سوي أربع أو خمس أوقيات كان يرشها بماء مالح، وفي الأعياد كان يضع قليلًا من الزيت وكان يستهلك من الزيت في كل عام ما يوازي نصف لتر، ولقد فعل أكثر من ذلك فقرر أن يحارب ويهزم النعاس: فلم يدخل قلايته لمدة عشرة أيام وعشر ليال متوالية وكان يبقى خارجًا تحرقه الحرارة في النهار ويقرسه البرد والرطوبة في الليل. ولكي يتسلط على شيطان الجسد استضافته مستنقعات الإسقيط لمدة ستة أشهر متوالية بين القصب حيث كان الناموس يبلغ حجمه حجم الدبور ويمكنه بذنبه الحاد أن يخترق حتى جلد الخنزير البري. وقد هاجمته هكذا بشدة حتى أن جسده المليء بالقروح كان يشبه الأبرص.
وحدث مرة أن حاربته أفكار الزنى بقوة فللحال شرع في القتال ضدها فأخذ وعاء يسع خمسة أقساط وقفة خوص وعشر خبزات ومضي إلى البرية الداخلية حيث مكث عشرين يومًا وهناك استمر يقاسي حرارة الشمس المحرقة والجوع والعطش إلا ما يسد الرمق، وكان يعمل في ضفر الخوص حتى خلص من التجربة المرة.
_____
(23) من Les Saints d'Egypte - Cheneau.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/youssef-habib/macarius-of-alexandria/stories.html
تقصير الرابط:
tak.la/znjtsp6