تتكون اليابان من حوالي 3000 جزيرة وهي تقع شرق الصين لذلك أطلق الصينيون عليها اسم "اليابان" ومعناها: الأرض التي تشرق من ناحيتها الشمس. لذلك تجد العلم الخاص بها عبارة عن دائرة حمراء بخلفية بيضاء، رمز للشمس المشرقة. واليابان تمتاز بالجبال وبالمناظر الطبيعية الرائعة. واليابان تمتلئ بالعبادات الشرقية خاصة الشنتو التي لا تعتبر عقيدة محددة بل مجرد تعاليم توارثتها الأجيال. فتجدهم يقدسون كل ما هو عجيب وغريب من قوى الطبيعة مثل النار والرياح ويسمونه كامي ويخشونه ويقيمون له احتفال في معابد خاصة. والشنتو لا تؤمن بالحياة الأبدية. والشنتو تقبل كل المعتقدات الأخرى مما يُشكل صعوبة على اليابانيين قبول فكرة الله الواحد الحقيقي وحده. والشعب الياباني مشهور إنه شعب مؤدب ومجامل. لذلك تجد الناس يخافون من غضب المجتمع حولهم ويقيمون حسابًا لكلام الناس عليهم ويتحاشون رفض الناس لهم إن تركوا الأديان المتوارثة وأن قبلوا المسيحية.
دخلت المسيحية اليابان في القرن الثالث والرابع عن طريق مبشرين جاءوا من الهند والصين وكوريا وأسسوا بعض الكنائس ولكن لم تنتشر المسيحية بقوة إلا في القرن السادس عشر. وسرعان ما جاء الاضطهاد وتم قتل 26 إنسان مسيحي في مدينة نجازاكي منهم كهنة يابانيون. وكان الشهداء يباركون ويصلون لمضطهديهم ثم بعدها تم قتل 188 شهيدًا آخرين. ثم في القرن السابع عشر أراد أمير ياباني توحيد البلاد تحت سلطة واحدة قوية لذلك حارب المسيحية وقتل حوالي 3000 شهيد مسيحي وقام بترحيل 4000 مسيحي آخرون من مدنهم.
وتصور الكثيرون أن المسيحية انتهت من اليابان ولكن الله أبقى له بقية مقدسة أمينة فالمسيحيون الآن في اليابان يقدروا بحوالي 4 مليون مسيحي وهم يواظبون على الصلاة في الكنائس هناك يوم الأحد.
اشتركت اليابان في الحرب العالمية الثانية وكان الجنود اليابانيون يُظهرون شجاعة كبيرة. لدرجة إن الطيارين اليابانيون كانوا يقتحمون بطائرتهم السفن الحربية الأمريكية فيموت طيار ياباني واحد ليقتل مئات الجنود الأمريكيين. وهذا الأسلوب الانتحاري ناتج عن عقيدة كانت عندهم، فقد كانوا يعبدون الإمبراطور. ولكن عندما هُزمت اليابان في الحرب فهم اليابانيون إن الإمبراطور مجرد إنسان عادي مثلهم فتوقفوا عن عبادته. طلب الأمريكان المنتصرون تقليل عدد الجنود في الجيش وتقليل تسليحه حتى يضمنوا عدم تفكيرهم في الحرب ثانية ووافق اليابانيون وقرروا التركيز على إصلاح البلاد وتقدمها. وقاموا بتخفيض الإنفاق العسكري للبلاد وأصبح 1% فقط من الناتج المحلي، واهتموا بالتعليم وبالتقدم العلمي وهذا مكن اليابان من تحقيق طفرة اقتصادية سريعة حتى أصبحت ثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة. وتشتهر اليابان بتقدمها في صناعة الإلكترونيات الحديثة والساعات ذات الماركات العالمية الشهيرة، والسيارات الممتازة عالية الجودة وبأسعار منافسة.
وكل اليابانيون يحتفلون بعيد ميلاد السيد المسيح في كل أنحاء اليابان كعيد وطني للبلاد. وتجدهم يزينون الشوارع ويملئوها بالأضواء الملونة خاصة برج طوكيو الشهير.
وتقوم الكنائس بطباعة الإنجيل والكتب المسيحية ومن المعروف على اليابانيين حبهم الشديد للقراءة. كما قاموا بإنتاج فيلم كرتون عن حياة السيد المسيح للأطفال. كما يقوم رجال الأعمال اليابانيون بنشر المسيحية بدعوة أصدقائهم لشرب الشاي في الصباح في أحد الفنادق القريبة من مكان عملهم ويصلون معهم ويحدثونهم عن الرب يسوع. وخارج اليابان توجد مجموعات كرازية لليابانيين الذين يعيشون في بلاد مسيحية.
أن المسيحيين هناك هم خميرة صغيرة صالحة تبارك العجين كله. يؤثرون في الناس بهدوء ولكن بقوة. وإن كان معظم اليابانيون مازالوا بوذيون ولكنهم كلهم يتبعون مبدأ إنجيلي عظيم وهو الأمانة الشديدة فيما يتعلق بالمعاملات التجارية فلا يوجد لديهم مفهوم الفهلوة والنصب والاستغلال. بل تجدهم يهتمون وينجزون أعمالهم بدقة متناهية وبالتزام وبجدية.
ذهب شاب مسيحي إلى اليابان ليكرز بالمسيح، ولكن اليابانيون لم يكونوا يرحبون بالأجانب نتيجة الحروب والسياسات المُعادية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولكنه لم ييأس، وظل لمدة سبع سنوات يدرس اللغة اليابانية، ويتعرف على المجتمع الياباني وعاداته وتقاليده ودياناته، وكان يحضر اجتماعات البوذيين ويستمع إلى آرائهم وأسلوبهم. وبدأ في ترجمة الكتب المسيحية للغة اليابانية، وبدأ بالكتاب المقدس ثم الأجبية ثم كتب صلوات الكنيسة...
وهكذا بالصبر والإيمان بالنجاح الأكيد للكرازة كان المُبشر يُداوم على الصلاة والطلبة من أجل اليابانيين، وأخيرًا نجح بعد سبع سنوات في اجتذاب شخص ياباني واحد للإيمان بالمسيح.
بدأ هذا الياباني المسيحي على الفور بدعوة الآخرين للإيمان بالمسيح بشجاعة كبيرة وبدون خجل.
وكان المُبشر المسيحي يعظ في اجتماعين كل أسبوع، خصص واحد منهم للموعوظين الجُدد يعلمهم أساس الإيمان والإنجيل وصلاة "أبانا الذي" والتعاليم المسيحية.
- كل هذا قبل نوال المعمودية. والاجتماع الآخر كان مُخصصًا للكرازة.
وكان يُركز على دراسة الكتاب المقدس، وكان يهتم بالترجمة ليوفر لليابانيين كتب روحية لقراءتها، ولم يكن يُركز نشاطه في العاصمة طوكيو فقط بل أيضًا في القرى والنجوع الصغيرة ومع الناس البسطاء والفقراء.
كان المُبشر يحترم الناس وثقافاتهم وعاداتهم رغم ما بها من سلبيات، وكان يؤمن أنهم سيُغيرون من سلوكهم بعد معرفتهم بالمسيح. وكان أيضًا يُصلي ويتكلم معهم باللغة اليابانية، وكل الصلوات الكنسية كانت تُقام باللغة اليابانية. وكان يحترم الناس حتى لو كانوا بسطاء، وكان يؤمن أن أحسن كارزين لليابان سيكونوا من اليابانيين أنفسهم، لذلك كان يهتم جدًا بالتعليم المسيحي والكتاب المقدس والعقيدة الأرثوذكسية.
تنيح هذا المُبشر بعد حوالي أربعين سنة في الكرازة والخدمة للمسيح ولليابانيين، وقد أصبح في الكنيسة 43 من رجال الكهنوت اليابانيين و 33000 مؤمن مسيحي ياباني.
كان وليم فوريس مهندسًا معماريًا أمريكيًا قرر أن يُعرف اليابانيين بالمسيح ولم يذهب مع أي هيئة كرازية بل سافر وحده لليابان عام 1905 وأختار مكانًا بعيدًا معزولًا في أطراف اليابان لم يذهب إليه أي كارز من قبل وعمل كمدرس للغة الإنجليزية هناك. ومن خلال عمله كان يتعرف بالشبان اليابانيين ويكلمهم عن السيد المسيح وكان يواظب على دراسة الكتاب المقدس معهم. وبالفعل آمن على يديه بعض الشبان ولكن أهلهم طردوهم من البيت نتيجة لرفضهم بوذا وقبولهم السيد المسيح فأخذهم المهندس فوريس للحياة معه في المنزل.
ومع الوقت زاد عدد هؤلاء الشبان ولم يعد المنزل الصغير يسعهم فجمع تبرعات وبنى منزلًا أكبر. ولم يعد الكهنة البوذيين يحتملونه أكثر من ذلك، فأثاروا بعض الأشرار الذين قاموا بمهاجمة الشبان المسيحيين وضربوهم بالعصي. وفي نفس الوقت كتبوا في الصحف يهاجموا فيها الإيمان المسيحي ويهاجموا فوريس شخصيًا. حتى قامت المدرسة بفصله من العمل بعد عامين فوجد نفسه وحيدًا بلا عمل ولا مال وفي نفس الوقت قد أصبح مسئولًا عن مجموعة من الشبان يتطلعوا إليه ليقودهم.
لم يكن لديه أي حل آخر غير أن يلجأ لله في الصلاة. وبالفعل أرشده الله أن يفتح شركة معمارية رغم إنه كان يعيش في بلد صغيرة نائية. وبدأ في تعليم الشبان مهنة الهندسة والمعمار. وبدأت الشركة في العمل بأمانة وجدية فزادت شهرتها يومًا بعد يومًا.
وأهتم المهندس فوريس بحل مشكلة كبيرة في اليابان، فهي تشتهر بالزلازل المدمرة لذلك بذل مجهود كبير حتى نجح في تصميم مباني مقاومة للزلازل مما زاد من شهرته ونجاح شركته في كل أنحاء اليابان.
وكان نتيجة النجاح الباهر الذي حققته الشركة أن زادت الأرباح ولكن المهندس فوريس والمسيحيون من تلاميذه كانوا يعيشون في زهد حقيقي وحياة شركة ومحبة حقيقية فكانوا ينفقون النقود في بناء الكنائس والمراكز الكرازية وفي دفع مصاريف تدريب الكارزين وطلبة المعاهد اللاهوتية. كما أنشأوا مستشفى صغير لمعالجة ورعاية مرضى السل وبنوا العديد من المدارس. ولم يكونوا يهتمون بالمدن الكبيرة فقط بل كانوا يسافرون ويكرزون بالمسيح في القرى في العطلات الأسبوعية ويؤسسون مدارس أحد وفصول دراسة كتاب مقدس. وكانوا يكرزون بالمسيح أيضًا لكل البوذيين عن طريق إرسال كروت بالبريد وعليها رسالة من الإنجيل.
أخذ المهندس فوريس حق تصنيع مرهم يعالج الاحتقان ويسكن الألم اسمه مرهم مينثولاتم ولكنه أشتهر بعد ذلك باسم مرهم يسوع لأن فوريس بنى مصنعًا نموذجيًا لتصنيع هذا المرهم ووظف مئات العمال وكان يطبع على العبوة ورقة بها قصة عن الرب يسوع ليساعد الناس في كل أنحاء اليابان أن تسمع عن الرب يسوع.
من أعظم تأثير هؤلاء المسيحيون على اليابانيين أن المسيحيين علموهم إدارة الأعمال بأمانة والتزام ونزاهة. فقد كانت الرشوة والفساد منتشرة قبل ذلك. ولكن فوريس طبق المبادئ المسيحية في كل تعاملاته مع الناس. ومع نجاح فوريس كان أصحاب المصانع الأخرى يطلبون منه أن يحدثهم عن سر نجاحه فكان يكلمهم عن الرب يسوع ومبادئ الإنجيل.
وهكذا أستطاع إنسان علماني عادي أن يشهد لله بأمانة رغم أنه بلا أي مركز في الكنيسة. "أنتم نور العالم لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل. ولا يوقدون سراجًا ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات. "(مت 5: 14 - 16).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/shepherd-voice/christians-1/japan.html
تقصير الرابط:
tak.la/35sacdc