إن الصين هي الدولة الأكثر سكانًا في العالم، فتعدادهم يزيد عن 1300 مليون نسمة بينما عدد سكان العالم كله حوالي 6000 مليون نسمة.
ورغم مشكلة عدد السكان الرهيب استطاعت الصين في السنوات الأخيرة أن تنافس العالم كله بمنتجاتها ذات السعر المنخفض.
وتقع الصين في شرق آسيا. وتمتد البلاد على مساحة حوالي 10 مليون كيلومتر مربع. ويتنوع المشهد الطبيعي في الصين بين غابات وسهول وصحارى.
عاصمة البلاد هي مدينة بكين Beijing
استمر الحكم في الصين خلال أكثر من 6000 عام على الأنظمة الملكية الوراثية حتى انتهت الملكية عام 1911 مع تأسيس جمهورية الصين. ثم شهد النصف الأول من القرن العشرين سقوط البلاد في فترة من التفكك والحروب الأهلية إلى أن انتهت أعمال العنف الكبرى في عام 1949 عندما حسم الشيوعيون الحرب الأهلية وأسسوا جمهورية الصين الشعبية بشكلها الحالي.
لقد دخل المبشرون المسيحيون الصين في القرن السابع ثم على فترات متقطعة خاصة في القرن 18. كان المبشرون يحبون الصينيون حبًا حقيقيًا ويتعلمون لغتهم ويحاولون التقرب لهم وكثير منهم ارتدوا الأزياء الصينية التقليدية من أجل الدمج بين المسيحية والثقافة الصينية وقاموا بترجمة الإنجيل للغات الصين.
تعرض المسيحيون لاضطهادات عنيفة متقطعة وقدمت الكنيسة الصينية كثير من الشهداء الذين تمسكوا بإيمانهم ولم يخافوا الموت والعذاب. وذلك لأن الصينيون كانوا يكرهون الأجانب نتيجة الاستعمار والتدخل في شئون الصين. فكانوا يعتبرون المسيحية ديانة الأجانب.
وكان ثمة رأي يقول كلما ازداد مسيحي واحد ينقص واحد من الصينيين.
وفي بداية القرن 20 قامت ثورة عارمة على كل الأجانب عرفت بثورة الملاكمين تم أثنائها قتل أكثر من 250 أجنبي وهروب الباقين خارج البلاد.
"من يحب نفسه يهلكها ومن يبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية" (يو 12: 25).
وجد المسيحيون الصينيون أنفسهم فجأة بدون قيادة من المبشرين فعملوا على إدارة الكنيسة ذاتيًا والتبشير الذاتي أي أن الصينيون المسيحيون هم الذين يقومون بتبشير الصينيين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. يعتبر المسيحيون الصينيون هذه الفترة ميلادًا جديدًا للمسيحية الصينية، فلقد شهدت نوعية المسيحيين تغيرًا كبيرًا بتوطين المسيحية. أصبحت كل الصلوات والتسابيح والقراءات تتلى باللغة الصينية. ووضعوا تراتيل بألحان صينية. ووافقوا على المشاركة مع غير المسيحيين في العادات والتقاليد والاحتفالات الصينية ما دامت لا تتعارض مع الإيمان المسيحي. بالطبع، بعض المبشرين الذين عادوا بعد ذلك للصين لم يتكيف مع هذا التغير معتقدًا أن هذا يعد انحراف عن المسيحية. ولم يفهموا أن التبشير يطلب أن يتغير أسلوب التبشير حسب البيئة الاجتماعية المهم ألا يغير شيء من العقيدة المسيحية والكتاب المقدس. فلكل شعب لغة وعادات وتقاليد وموسيقى وألحان يجب أن نحترمها حتى يشارك ويتفاعل كل أفراد الشعب في العبادة والتسبيح.
نجح توطين المسيحية وأصبح المسيحي الصيني واحد من أبناء الشعب الصيني، وبدأ المجتمع يعترف أن الإنسان المسيحي شخص ممتاز ومواطن ممتاز أيضًا بعد لقد عكفت الكنيسة على إظهار المسيحية، من خلال أعمال معتنقيها، أنها تقف مع أبناء الشعب، فإن المسيح يحب ويهتم بالفقراء والمحتاجين.
من العجيب أن الشيوعيون الملحدون قدموا خدمات كثيرة للكرازة بالمسيح -بدون قصد منهم- مما ساعد على انتشار المسيحية. وذلك عندما تأسست جمهورية الصين الشعبية عام 1949 فلقد اختارت الصين الشيوعية والإلحاد منهجًا لها متبعة روسيا.
أهتم القادة الصينيون بنشر التعاليم الشيوعية التي تنكر وجود الله وتعلم الناس أن الدين أفيون الشعوب. فحاربوا العبادات القديمة التقليدية التي كانت منتشرة في الصين مثل الكنفوشية والطاوية والبوذية وقاموا بهدم آلاف المعابد والتماثيل..
وأمروا كذلك بطرد جميع المبشرين المسيحيين وهدم العديد من الكنائس والقت القبض على كثير من المسيحيين والقوهم في السجون لسنوات طويلة. لقد أعتقد الشيوعيون إنهم قضوا على المسيحية من أساسها مثلما قضوا على العبادات الأخرى.
ولم يدركوا إن المسيحية ليست مجموعة من المباني، فأساس المسيحية هو الرب يسوع نفسه، الإله الحي القوي المنتصر على الموت وعلى الشيطان.
والحقيقة أن الشيوعيون -بدون قصد منهم- قدموا خدمة كبيرة جدًا للمسيحية. لأن الفراغ الناتج من اضطهاد الأديان مهد الطريق للنمو الهائل للمسيحية. فلقد رفض الصينيون الاقتناع بعدم وجود بُعد روحي للحياة بالرغم من الجهود التي بذلها الشيوعيون لسنوات طويلة.
كما أقام الشيوعيون السكك الحديدية لربط البلاد ومهدوا الطرق مما ساعد الكارزين في الوصول لمناطق جبلية بعيدة كان من الصعب جدًا الوصول إليها. كما قام الشيوعيون بتعميم لغة المندرين Mandarin language وجعلوها اللغة الرسمية الموحدة للبلاد بعد أن كانت كل منطقة في الصين تتكلم بلغة خاصة بها.
وهذا سهل على الكارزين ترجمة الإنجيل للغة واحدة يعرفها الناس. وأيضًا عمل الشيوعيون على محو الأمية وتعليم الناس القراءة والكتابة بلغة المندرين مما ساعد الناس على قراءة الكتاب المقدس والنبذات المسيحية.
أن المسيحيون لا يصلون من أجل سقوط الحكم الشيوعي بل يصلون طالبين من الله أن يقويهم على احتمال الألم من أجل اسمه. أن الصينيون المضطهدون اختبروا أن يحبوا الله لا الأشياء والعطايا التي تأتي من الله.
أن التفكير في الموت يرعب الملحدين أما المسيحيون فيفرحون بالموت لأنه نهاية لآلام الحياة على الأرض وبداية الحياة المفرحة مع الله في السماء.
إن الصين بها ديانات مختلفة منها الكونفيشسية والبوذية والطاوية. والتي تعتبر عادات وتقاليد أكثر من كونها ديانة بعقيدة واضحة محددة لذلك تجد كثير من الصينيين يتبع أكثر من ديانة في نفس الوقت. وكثير منهم يتخيلون أن المسيحية عبارة عن تعاليم أخلاقية أو اجتماعية. ولكن الرب يسوع جاء ليخلص الخطاة ليربحوا الحياة الأبدية الحلوة في السماء بدلًا من الذهاب للجحيم مع الشيطان..
أن المسيحيون يقومون بنشر الأخبار الطيبة حول حب الله للناس. أن حب الله ينتشر في كل المجتمع. فالكنيسة لا تستقل عن المجتمع، بل تندمج معه. هي ذات علاقة وثيقة بأبناء الشعب. وعندما يتقابل المسيحي مع شخص لا يؤمن بالله، فهم يجعلوه يشعر بأن الذي لا يعتنق المسيحية مؤقتًا، يتمتع بحب الله أيضًا. وهو مدعو لمعرفة الله والتمتع بالعشرة الحلوة معه كل يوم وبالخلاص من خطاياه وبالحياة الأبدية في السماء.
" يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين" (مت 5: 45).
أن الله بالتأكيد يحب كل إنسان في العالم فهو خالق الإنسان وهو الذي وضع فيه الاشتياق للحياة الروحية وللعلاقة معه لذلك فهو يتعامل معه بوسائل مختلفة لأنه " يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تي 2: 4).
لذلك أرسل كثير من المبشرين للصين جاءوا من بلاد مختلفة منها كوريا الجنوبية. وفي نفس الوقت أشعل قلوب المسيحيون الصينيون للحماس والعمل بالكرازة بالمسيح ودعوة أصدقائهم للتعرف على المسيح المخلص والإله.
ومما ساعد الصينيون على تقبل المسيحية أيضًا أنهم قد جربوا النموذج الشرقي من شيوعية والحاد ثم اكتشفوا أنهم يزدادون فقرًا وحرمانًا من الحرية.
فقد انهار الاقتصاد في كل البلاد الشيوعية وامتلأت السجون بالمفكرين والمعارضين. ثم رأوا كل تلك البلاد الشيوعية تنهار تباعًا، فتطلع الصينيون إلى النموذج الغربي عند البلاد المسيحية التي يتمتع مواطنيها بالحرية وبالرخاء الاقتصادي فقرروا إصلاح أمتهم..
وتطلعوا إلى الديمقراطية الحقيقية حيث يختار الشعب من يمثلهم في أي منصب يخدم المجتمع بداية من مجلس إدارة المدرسة إلى رئيس الجمهورية.. ومن حق الشعب أن يراقب ويحاكم المسئول إن اخطأ..
أن كلمة الله تتأصل سريعًا في حياة الصينيين. والمثير للانتباه أن كثيرين من المؤمنين الجدد هم شباب صغار، تعلموا طوال حياتهم أنه لا يوجد إله.
وبالرغم من الاضطهاد الذي يتراوح من فقدان فرص العمل إلى فقدان الحرية وحتى إلى فقدان الحياة، إلا أن ملايين الصينيين يؤمنون بالمسيح.
ويزداد كل يوم نمو الكنائس غير الرسمية المقامة في البيوت والتي يطلق عليها " الكنيسة المختبئة تحت الأرض " حيث يجتمع مجموعة من الشباب للصلاة ودراسة الكتاب المقدس. فمازالت الحكومة تسمح لكل مدينة بعدد قليل جدًا من الكنائس.
يقول بعض المحللون الاقتصاديون في الشرق الأقصى إن سرعة نمو الاقتصاد في الصين وكوريا الجنوبية يماثل سرعة انتشار المسيحية في هذين البلدين، ففي كل يوم يتحول كثير من الصينيون للمسيحية.
لقد زاد عدد المسيحيين في الصين من 70 مليون إلى 130 مليون في السنوات العشر الأخيرة. وإذا استمر انتشار المسيحية بهذا المعدل ففي خلال الثلاثين عامًا القادمة سيصبح ثلث الصينيون أو ربما أكثر مسيحيون.
إن المسيحيين منتشرون في أغلب دوائر صنع القرارات الهامة في المجتمع والسياسة والاقتصاد والقضاء وحتى الجيش، فالعديد منهم نواب لرؤساء المقاطعات وقضاة ومحامين وهم من مهد لثورة حقوق الإنسان، وكانوا في كواليس صنع القرار ويعملون على السماح لجميع الصينيين بالعبادة بكل حرية وباعتبار الدين خيارًا شخصيًا، كما إن عددًا من كبار ضباط جيش التحرير الصيني هم مسيحيون.
أن هناك إحساسًا كبيرًا بأن القيم المسيحية مثل الأمانة والجدية في العمل والصدق.. هي التي ساهمت بالنمو الاقتصادي.
في السنوات الأخيرة تم طباعة 40 مليون نسخة من الكتاب المقدس لسد حاجة المسيحيين الصينيين ولكنها لم تكفي. كما تقوم الكنيسة بالعديد من أعمال الخدمات الاجتماعية، ومساعدة الفقراء. بلا شك إننا في العصر الذهبي لنمو المسيحية في الصين.
أن المسيحيون الصينيون لم يكتفوا بالتبشير داخل الصين بل انطلقوا أيضًا خارجها منذ عام 2000 وساعدهم انفتاح الصين على العالم الخارجي وانتهت سنوات طويلة من العزلة ومن القيود الصارمة جدًا للسفر لخارج الصين.
وهؤلاء الكارزين عانوا كثيرًا من أجل الإنجيل داخل الصين، لقد تم إلقاء القبض عليهم وتم إيداعهم السجون وضربوا وعذبوا بسبب شهادتهم للرب يسوع المسيح.
أن ما يمر بهؤلاء الأبطال الصينيون في شهر يفوق ما يختبره معظم المؤمنون طوال حياتهم.
هؤلاء الأبطال لم يتعلموا في معاهد لاهوتية لكن لهم خبرة شخصية وإيمان حي.
إنهم لا يعرفون كيفية صنع المال لكنهم يعرفون كيفية صنع تلاميذ للرب يسوع. دائمًا يشعرون بضعفهم وإنهم مجرد أواني ضعيفة يعمل بها الله لذلك يعطون المجد كله لله. "اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود" (1كو 1: 27، 28).
عندما سألوا أحد الكارزين: "هل حقًا تعتقد إنك ستؤثر على الوثنيين؟". أجاب بهدوء وثقة " أنا لن أفعل شيئًا ولكن الله سوف يفعل". إن الكارزين يعملون بقوة الله وبتفاؤل كبير وثقة على تحقيق الوعد العظيم " قد صارت ممالك العالم لربنا" (رؤ 11: 15).
فالمعركة ليست بين مجموعتين من البشر، ولكنها بين الله والشيطان. والله طبعًا أقوى وسينتصر وسينقذ النفوس الأمينة من بين براثن الشيطان ويهبها الحياة الأبدية السعيدة معه في السماء.
أن الكارزين الذين يتوجهون للبلاد المحرومة من نور المسيح ليسوا جيشًا من العمالقة أو الأفيال فهؤلاء يسهل اكتشافهم ولا يمكنهم الاختباء ولكنهم جيشًا متواضعًا من النمل البسيط يعمل بهدوء بلا ضوضاء ولكن بثقة أنه عمل الرب الذي وعدنا:
"ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/shepherd-voice/christians-1/china.html
تقصير الرابط:
tak.la/9h452ag