فالشخص الروحي، ليس المفروض فيه فقط أنه لا يخطئ، فهذه ناحية سلبية. أنما المفروض فيه أن ينمو في طريق الكمال حسبما أمر الرب وقال "كونوا كاملين" (مت 5: 48).
وكل الذين وقف نموهم، إما أنهم فتروا، أو أنهم سقطوا... ودوام التقدم يمنح الإنسان حرارة روحية، وانشغالًا بالإيجابيات لا السلبيات كما يعطيه تواضع القلب، إذ ينظر باستمرار درجات أعلى منه...
والقديس بولس الرسول قال عن هذا النمو "أنسى ما هو وراء، وأمتد إلى ما هو قدام" (في 3: 3). وقال أيضًا "اركضوا لكي تنالوا" (1كو 9: 24).
فاسهر إذن على نموك، لأن الطريق أمامك طويل...
واحذر من الوقوف، لئلا تتعرض للرجوع إلى الوراء.
ضع أمامك مثاليات الكتاب، ومثاليات القديسين، في كل عمل روحي، وفي كل فضيلة من الفضائل وادفع نفسك دفعًا إلى الأقدام. وبكت نفسك على أنك لم تصل بعد. كما قال القديس بولس الرسول "أيها الأخوة، لست أحسب نفسي أنني أدركت"، "ولكني أسعى لعلى أدرك" (في 3: 13، 12)
حاسِب نفسك، وقارن حالتك بالذين سبقوك...
ربما تجد زملاء كثيرين، بدأوا معك الطريق، ثم سبقوك وتركوك في الوراء... بل ربما تجد تلاميذ لك، أو أحداثًا في الكنيسة، قد ساروا بحمية وجدية وسرعة، فسبقوك كم سبقت السلحفاة الأرنب، لأنه كان نائمًا... فاسهر أنت...
إحرص أن كل ساعة تخطو بك نحو الأبدية...
يجب أن تخطو بك خطوه نحو القداسة والكمال.
واسهر على أوقاتك، لئلا تضيع منك عبثًا في أمور هذا العالم الباطل! بل أذكر قول الرسول "أنظروا كيف تسلكون بالتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء، مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة" (أف 5: 15، 16). نعم "مفتدين الوقت"..
أقول هذا، لأن كثيرين من الذين لم يسهروا على خلاص نفوسهم، واجتذبتهم دوامة الحياة، صحوا أخيرًا فوجدوا أنهم في الأربعين أو الخمسين أو الستين من عمرهم، وقد ضيعوا العمر باطلًا، في تحقيق رغبات باطلة، أو في أمور العالم الزائلة، دون أن يفعلوا شيئًا لأبديتهم. وحتى الصغار سبقوهم إلى الملكوت..!
إذن اركض بكل قوتك، لعلك تفتدى الوقت الضائع.
اسهر على خلاص نفسك، وادفعها نحو الكمال المطلوب. فكثيرون بدأوا متأخرين ولكنهم وصلوا بسرعة بسبب جديتهم وسهرهم الروحي، مثل القديس أوغسطينوس الذي قال للرب "تأخرت كثيرًا في حبك". ولكنه ركض ونال...
اسهر إذن على وقتك، حتى تعوض السنوات التي أكلها الجراد. واركض بكل قوتك نحو الكمال، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فإن القديس أرسانيوس الكبير لما تأمل هذا الكمال، قال للرب:
للآن أنا لم أبدأ... هبني يا رب أن أبدأ.
لذلك يا أخي اسأل نفسك أين تذهب أيامك ولياليك؟ ليتها تكون رحلة موفقة نحو الكمال... حتى إذا جاء الوقت الذي يزن فيه الله الأرواح، يجد سنابلك ملآنة قمحًا. يجد روحك مملوءة من حبه، فيقول لك "أدخل إلى فرح سيدك".
راقب نفسك، وتأكد أنك سائر في الطريق...
لا واقف،ولا نائم، ولا راجع إلى خلف، إنما سائر باستمرار إلى قدام. لأن أول عبارة نقولها في المزمور الكبير في صلوات الليل هي "طوباهم الذين بلا عيب في الطريق، السالكون في ناموس الرب، ومن كل قلوبهم يطلبونه "احرص أن تكون نفسك في الطريق، بلا عيب.
وكساهر على نفسك، اسأل ذاتك باستمرار، أين أنا الآن؟ أين هي أفكاري ومشاعري؟ هل أنا حقًا في الطريق؟ ليتني لا أكون سائرًا فقط، إنما راكضًا أيضًا، كما ركض القديسون بكل قوتهم، فوصلوا إلى أحضان الآب... وكلمة أخيرة أقولها في ختام هذا الموضوع وهي: اسهر على خدمتك.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/vigil/growth.html
تقصير الرابط:
tak.la/qvfnx67