في وسط هذا العالم المضطرب والذي فيه كل واحد لا يعرف ما سيحدث غدا؟! أحب أن أكلمكم عن عبارة وردت في الصلاة الربانية تقول: لتكن مشيئتك:
نحن يا رب لا نعلم ماذا يأتي به الغد؟ وأنت قد قلت لنا لا تهتموا بما يأتي به الغد؟ ولكننا نعلم تمامًا أن الغد هو في يدك أنت، وليس في أيدي الناس، والناس أيضًا في يدك، وأنت يا رب ضابط الكل، كل شيء في العالم هو تحت ضبطتك، وانت تقوم بالكونترول على كل شيء في الدنيا، ونحن نثق بمشيئتك، لأن مشيئة الله دائما هي مشيئة صالحة، ومشيئة حكيمة، ومشيئة مملوءة محبة، وفيها الرعاية والعناية.
لذلك في كل شيء نقول لك يا رب لتكن مشيئتك.
* أول مشيئة من الله بالنسبة لنا كانت مشيئة الخلق، خلق العالم كله بمشيئته، قال "ليكن نور فكان نور"، قال لتفض المياه كائنات حية وكان كذلك، وبعد أن أكمل الله مشيئته في الخلق نظر الله إلى كل ما عمله فإذا هو حسن جدًا.
* مشيئة الله أيضًا بالنسبة لنا مشيئة الغفران، لأنه لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا...
* أما مشيئة الله في الحفظ فهي أمر يطمئنا جدا، فالرب يحفظك في دخولك وخروجك، يحفظك من كل سوء ويحفظ نفسك (مز 121).
فمثلًا بالنسبة ليعقوب كان هاربا من أخيه عيسو الذي قال أقوم وأقتل يعقوب أخى. وظهر الله ليعقوب في الطريق وقال له "ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض" (تك 28). عبارة جميلة يمكن أن يأخذها كل إنسان على نفسه. فهذه العبارة ليست ليعقوب فقط، وإنما لنا كلنا "أنا أحفظك حيثما تذهب".
وقال الرب أكثر من هذا ليشوع "لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك" (يش 1).
 |
وأيضًا قال في هذا المجال لبولس الرسول عندما كان في كورونثوس. قال له "تكلم ولا تسكت لأن لي شعبًا كثيرًا في هذه المدينة ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع 18). كلها أمور جميلة.
* ربنا سمح بأن بطرس يلقى في السجن، وبعد خروجه من السجن بمعجزة، اصبح الناس ينظرون إليه أهذا بطرس؟! نعم... أليس هو في السجن؟ الأمر الذي يحل هذه المشكلة أن هناك نقطة لم يذكرها القديس لوقا الإنجيلي عندما كتب سفر أعمال الرسل، وتركها لكي نستنتجها، أن بطرس عندما ألقى في السجن كانت موجودة معه في السجن معه في السجن مشيئة الله الصالحة، وموجودة معه النعمة. ومشيئة الله قالت له أخرج يا بطرس وتراءى للناس.
* وليس ذلك فقط، وإنما أيضًا بقية التلاميذ كانوا في السفينة في وسط البحر الهائج، والأمواج ترتفع عليهم وكانوا خائفين أن يغرقوا... ولكنهم نسوا آية شهيرة وهي "الله يدوس على كبرياء البحر. عند ارتفاع لججه هو يسكتها". وهنا جاء إليهم الرب وأخضع الأمواج وقال للبحر المتكبر: اسكت فسكت، ونجا التلاميذ.
* كلها أشياء كتبت لأجل اطمئناننا حتى لا نخاف أبدا. كل الأمور صدقونى وراءها مشيئة الله الصالحة.
منذ البدء عندما طرد الله آدم وحواء من الجنة، كان هذا من عمل مشيئة الصالحة لخيرنا. لأن لولا طرد آدم وحواء من الجنة لم نكن سنوجد، لأنه لا يمكن أن يكون إنجاب في الجنة، فعندما خرج آدم وحواء، بدأ الإنجاب فكانت بركة.
حتى خيانة يهوذا كان من نتائجها القبض على السيد المسيح ثم الفداء...
حتى الهراطقة مثل آريوس عندما هرطق، كان من مشيئة الله الصالحة أنها تكلمت في قلب وعقل أثناسيوس الرسولي فكتب كتابه المشهور Contra Arianos ضد الأفكار الآريوسية. ورد على كل فهم خاطئ لكل آية استخدمها آريوس. وأصبح عندنا كنز من المفاهيم السليمة التي لو لم تحدث في القديم لكن تعبنا الآن...
حتى أن القديس أغسطينوس في مرة من المرات قال أشكر الهراطقة لأنهم جعلونا نتعمق أكثر أكثر في فهم آيات الكتاب. المهم في كل مشكلة نعمة الله تغطى المشكلة ونخرج منها بطريقة لطيفة.
هناك مَن يقول ما رأيكم في الاعتداءات..؟
أقول لكم ما أجمل قول المزمور "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين. الفخ أنكسر ونحن نجوننا" كيف؟ لقد حدث ذلك بمشيئة الله الصالحة. لذلك وجدنا فخا نقول للرب لتكن مشيئتك.
داود وقع تحت إضطهادات شاول وطارده من مدينة إلى مدينة... ومن جبل إلى جبل... ولكن مشيئة الله الصالحة أخضعت شاول كما أخضعت أبشالوم، كما أن مشيئة الله الصالحة استطاعت أن ترد مشورة آخيتوفل... لذلك يقول داود في المزمور الثاني "قامت ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه... لنقطع أغلالهما ولنطرح عنا نيرهما".
أما مشيئة الله الصالحة تقول: "الساكن في السموات يضحك بهم" (مز 2).. ربنا كبير وهذه الأمور بسيطة بالنسبة إليه...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
* هناك أمور في حياة أبينا يعقوب تظهر كيف تعمل مشيئة الله... من وقت أن كانت أمه حبلى به، قال لها الرب "في بطنك أمتان، ومنك يفترق شعبان والكبير يستعبد للصغير" (تك 25: 23) وفعلا في (رو 9) أن يعقوب وعيسو قبل أن يفعلا خيرا ولا شرا، قال الرب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو. فربنا أحب يعقوب قبل أن يولد...
في مرة يعقوب أحب راحيل لأنها امرأة جميلة... فذهب إلى والدها وطلبها منه للزواج، ووالدها هو خال يعقوب... فقال له حاضر. تعمل سبع سنوات بها. وفي يوم الفرح دخل على المرأة التي تزوجها فوجدها ليئة وليست رحيل... ليئة ضعيفة العينين والتي ليست في حلاوة راحيل...
فمشيئة الصالحة قالت له أنت تستهين بليئة! إنما هي التي سوف تنجب لك كل الأولاد الممتازين في العالم كله... فسوف يأتي المسيح من نسله... وهي التي سوف تنجب لاوى الذي سيكون سبط الكهنوت... فأنت لا تعرف الخير لك... فالخير لك سوف يكون من ليئة. ورحيل سوف تستمر لفترة طويلة لا تنجب لدرجة أنها قالت لزوجها يعقوب هبنى أولادا وإلا فأننى أموت... فلأول مرة ينتهرها يعقوب قائلًا "هل أنا مكان الله..؟!
* نحن ننظر إلى الله باستمرار ونقول له "يا رب لا تكن مشيئتى بل مشيئتك... أنت تعرف الخير لي أكثر مما أعرف الخير لنفسى... المر الذي يختاره الرب لي خير من الشهد الذي أختاره لنفسى.." هذه هي الطريقة التي نتمسك به بمشيئة الله...
تكلمنا على الله وكيف يعمل المشيئة الصالحة... بقى أن نتحدث عنا كبشر وموقفنا من طاعة هذه المشيئة:
* قال الرب لابرأم "أخرج من أهلك ومن عشيرتك، وأذهب إلى الأرض التي أريك.." (تك 12). وذهب ابرآم وهو لا يعلم إلى أين يذهب. والله أرشده في الطريق إلى بيت إيل...
مرة أخرى قال الله لإبراهيم "خذ ابنك وحيدك الذي تحبه نفسك، إسحق. وقدمه لي محرقة على الجبل الذي أريك إياه". هذا شيء صعب جدا ولكن مع ذلك يا رب لتكن مشيئتك. ويقول الكتاب فبكر إبراهيم صباحًا جدًا وأخذ ابنه إسحق معه والعبدين والحطب والسكين. ولما وصلوا إلى قرب المكان قال للغلامين "أبقيا ههنا حتى اذهب أنا وابنى ونرجع إليكما: مما يدل على إيمان إبراهيم... وفي الساعة الحرجة قال له الرب "ارفع يدك عن الغلام ولا تفعل به شرا".. فعندما رأيت نقاوة قلبك وطاعتك... بالكثرة أكثر نسلك ليكون أكثر من رمل البحار...
خذوا مثلا آخر يوسف الصديق، الذي كان ابنا محبوبا جدا جدا. وظهر له الله في رؤى وأعطاه أبوه القميص الملون... ماذا حدث معه؟
يأخذه أخوته ويلقونه في البئر، ويبيعونه ليذهب إلى مصر عبدا لفوطيفار. ويسلمه كل شيء في بيته.
ثم تدبر زوجة فوطيفار له مؤامرة ليلقى في السجن... ماذا يقول له الرب. أنظر يا يوسف أنا أريد أن تكون رئيسًا لأرض مصر كلها، وتكون الرجل الثاني في مصر، وتتحكم فيها. ولكي يتم ذلك: أريدك أن تلقى في السجن وتقابل إثنين من عبيد فرعون وتفسر لهما الحلم... ولما يحلم فرعون حلما ولا يجد من يفسره له، يتذكرك أحد العبدين ويقول لفرعون عنك لتفسر له الحلم. وتكون الرجل الثاني في المملكة.
ولكي يتم ذلك سوف اسمح لتلك المرأة الفاجرة لتدبر لك مكيدة وتلقى في السجن... ولكي تفكر هذه المرأة فيك هذا الفكر جعلتك رجلا جميلا أكثر من زوجها...
ولكي تتقابل مع هذه المرأة يجب أن تباع لفوطيفار... كل ذلك نتيجة للمشيئة الصالحة لتصل إلى قصر فرعون... ولولا ذلك لظل يوسف يرعى الغنمات القليلات في بيت أبيه... فيوسف عليه أن يقول باستمرار "لتكن مشيئتك".
العذراء مريم كانت رغبتها أن تكون في الهيكل باستمرار... ولكن قالوا لها جاء الوقت لتخرجى من الهيكل... جاء لها الملاك ليقول لها سيكون لك ابن... فقالت له كيف يكون ذلك وأنا لست أعرف رجلا... فقال لها الملاك هذه مشيئة الله "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلى تظللك. لذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" (لو 1).. فقالت له ليكن لي كقولك...
* أليصابات كانت تريد أن يكون لها ابن... ووصلت إلى سن شيخوخة ولكن مشيئة الله الصالحة أنتظرت، ولكي يكون الابن المولود منها معاصرا لميلاد المسيح. ولدها يكون الملاك الذي يهيئ الطريق أمامه...
* أما من خالف مشيئة الله مثل يونان النبي. فقد أنتهى أمره إلى بكن الحوت وظل حتى ألقاه الحوت خارجا لكي ينفذ مشيئة الله... ففي الوقت الذي لم يستطيع يونان أن ينفذ مشيئة الله... ثم ألقى به خارجا... لكن ينفذ مشيئة الله... الشمس تحرق اليقطينة لتنفذ مشيئة الله...
* الإنسان هو الوحيد الذي أحيانًا لا ينفذ مشيئة الله... أما الإنسان القديس فهو ينفذ مشيئة الله...
وقبل الإنسان القديس الملائكة الفاعلين أمره... ينفذون مشيئة الله بلا مناقشة... ليس فقط في البشارة المفرحة فقط... ولكن أيضًا في أمور أخرى مثل قتل كل بكر في أرض مصر من ابن فرعون إلى ابن الجارية التي على الرحى وهم يقولون: لتكن مشيئتك... تقتل جيش سنحاريب 185 ألفا لتكن مشيئتك... هذا أسلوب الملائكة. فإن أردتم أن تعيشوا مثل الملائكة قولوا لله لتكن مشيئتك ولا تفعلوا مثلما فعلت امرأة أيوب التي قال لها أيوب تتكلمين كلاما كإحدى الجاهلات...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/troubled/your-will-be-done.html
تقصير الرابط:
tak.la/v66dcns
