كانت إحدى المذيعات في حوار تلفزيونى معي، وسألتني ما موضوع العظة في الأسبوع المقبل؟ فقلت لها عن السلام... لذلك سوف أتحدث معكم اليوم عن السلام...
|
|
السلام موضوع مهم... هو لازم لكل بلد من البلاد سواء من جهة السلام من الداخل... أو السلام من الخارج... وبدونه ينشأ الفساد وينشأ الخراب...
والسلام ينسب إلى الله... فنسميه إله السلام وملك السلام، وهو أيضًا مصدر السلام.
والسلام من ثمار الروح القدس... كما يقول الكتاب أما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام... وأيضًا قيل في الكتاب: وأيضًا إن ثمر البر يزرع في السلام...
والسلام هو التحية التي نتقابل بها مع بعضنا البعض، نتقابل بالسلام سواء باليد أو بعبارة السلام، وأيضًا يكون في مقدمة رسائلنا، والآباء الرسل أيضًا كانوا يبدأون رسائلهم بكلمة نعمة لكم والسلام.
والسلام مشهور جدا في صلوات القداس الإلهي حيث يقول الأب الكاهن أكثر من مرة السلام لجميعكم... وهو أول أوشية من الأواشى التي توجد بالكنيسة (أوشية الشلامة) نطلب فيها السلام للرؤساء والسلام حتى لنهر النيل، وللعشب، ولكل شيء.
والسلام هو الذي عاشت به الخليقة الأولى، فآدم كان يعيش في سلام وسط الوحوش وكان يسميها بأسمائها، وعاش بنفس الوضع أبونا نوح في الفُلْك مع كل أنواع الوحوش في سلام...
والسلام هو وصية قالها لنا رب المجد "أي بيت دخلتموه فقولوا سلام لأهل هذا البيت" وعندما كنت أزور أي بيت من بيوت أولادنا في المهجر كانت أول عبارة أقولها هي: قال الرب أي بيت دخلتموه فقولوا سلام لأهل هذا البيت.
والسلام معروف في كل تحياتنا مع بعضنا بعض... إن حضر أحد من السفر نقول له حمدا لله على السلامة... وإن سافر نقول له مع السلامة... وإن وقع أحد على الأرض نقول له سلامتك...
وفي الأناشيد لك يا مصر السلام... وأي اجتماع رسمى نبدأه بالسلام الجمهورى، والبلد الموجود بها ملوك ينشد السلام الملكى.
والسلام على أنواع على الأقل ثلاثة:
سلام مع الله... سلام مع الناس... سلام داخل النفس في الفكر والقلب.
الإنسان الذي يعيش في حياة البر له سلام مع الله. أما إذا عاش في الخطية فإنه يفقد سلامه مع الله... كما قال الكتاب "لا سلام قال الرب للأشرار" (أش 48). وفي موضع أخر في الكتاب يقول إن الخطية عداوة مع الله. لأن الذي يخطئ يبعد عن الله، ويتحدى مشيئة الله لأن ليست مشيئة الله أن يخطئ، ويعطل عمل الروح فيه، فينفصل عن الله. ولذلك إن كانت الخطية خصومة مع الله فإن الأمر يحتاج إلى صلح مع الله، غير المؤمن يصطلح مع الله يالإيمان، أما المؤمن الخاطئ فيصطلح مع الله بالتوبة.
وبولس الرسول يقول "اعطينا خدمة المصالحة، ننادى اصطلحوا مع الله" فالخاطئ يحتاج أن يصطلح مع الله. وربنا مستعد لهذا الصلح ويقول "ارجعوا ارجع إليكم". وفي نفس الوقت فإن الله وهومصدر السلام "يقول سلامى أترك لكم، سلامى أنا أعطيكم ليس كما يعطى العالم أعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع". والسلام مع الله قيل عنه في رسالة فيلبى (ص 4): "إنه سلام يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم وعقولكم".
السلام الصادر من الله يحفظ الإنسان يحفظه من الشيطان، ويحفظه من الأشرار، ومن المقاومين. نسمع في قصة أليشع أن الأعداء هجموا على المدينة فاضطرب جيحزى تلميذ أليشع النبة فقال له النبي لا تضطرب فالذين معنا أكثر من الذين علينا، وقال افتح يا رب عينى الغلام ليرى أن الذين علينا.
يعقوب أبو الآباء عندما كان مضطربًا وخائف من أخيه عيسو ظهر له الرب في السلم النازل من السماء إلى الأرض وقال له "ها أنا معك وأحفظك حيثما تذهب".
(المزمور 121) يقول "الرب يحفظك من سوء، الرب يحفظ نفسك، الرب يحفظ دخولك وخروجك من الآن وإلى الأبد" مزمور معزى ويعطى السلام للقلب الرب يحفظك ويعطيك سلاما...
في هذا السلام نذكر وعود الله الكثيرة التي بها نأخذ سلامة فيقول "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" ويقول أيضًا "حتى جميع شعور رؤوسكم محصاة لا تسقط منها شعرة بدون أبيكم" ويقول أيضًا "أبواب الجحيم لن تقوى عليها" لنتمتع بوعود الرب تعطينا سلاما في قلوبنا باستمرار.
ولذلك إن قرأنا كثيرًا من المزامير نشعر كيف أن الله يحفظ ويعين...
يقول الرسول "على قدر طاقتكم إن استطعتك سالموا جميع الناس" فلماذا قال على قدر طاقتكم؟ لأننا أحيانًا نسالم الناس وهم لا يسالموننا، فالمحبة لا تأتي من جانب واحد ولكن يجب أن تكون محبة متبادلة، وحتى لو وجد خلاف لا يصح أن يكون الخلاف من ناحيتنا نحن... وكقاعدة أقولها لكم: الذي لا تستطيع مصادقته لا تجعله عدوا لك.
وأيضًا أن حدث خلاف بينك وبين الناس، ابحث عن المصالحة بقدر ما تستطيع والكتاب يقول "إن قدمت قربانك على المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئا عليك، أترك قربانك على المذبح واذهب أولا اصطلح مع أخيك".
لذلك لكي يحصل الشخص على السلام يجب أن يكون واسع الصدر، بمعنى أن لا يكون حساسا لكل خطأ يفعله الآخرون، ولا يكون حساسا لأي شيء يشعر بأنه إهانة أو تعب. مررها بدلا من أن تمررك. ونصيحتى لكم في السلام مع الناس لا تطلبوا مثاليات من الناس تتعاملون معها. فلا تطلب أن كل من يتعامل معك يكون مثاليا. فعليك بقدر الإمكان أن تمررها.
أتذكر أننا عندما كنا في الدير كان العرب يشربون شاى وفي الصحراء ممكن أن يكون في الشاى بعض الرمال، فيقولون:
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذء ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
اقبل الناس كما هم... كما أننا نفعل ذلك مع الطبيعة: فشهر أمشير شهر الزعابير، فلا تقل له اتصلح يا أمشير لكي أتصلح معك. وفي بلاد البرد يكون الجو فيها تحت الصفر، وهم يقبلون ذلك فلا يستطيع أحد أن يقول للطبيعة تغيرى! لا تستطيع أن تقول للأمطار أبطلى لكي أمشى، فأنا لا أمشى في المطر.
ويقول الكتاب "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء" فيجب أن تحتمل وتغفر، والذي يحتمل هو الأقوى. ويقول أيضًا "إن جاع عدوك فاطعمه وإن عطش فاسقه" ويقول أيضًا "لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير" وتستطيع بذلك أنت تسالم الناس.
ونصيحة أخرى لا تشك باستمرار في نوايا الناس وتقول أنهم ضدك. الشك دائما يتعب، فلا تشك في نوايا الناس وأيضًا تستطيع أن تسالم الناس بالوداعة والاتضاع.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
النقطة الأخيرة هي:
تكون من الداخل في سلام، أي سلام في القلب وسلام في الفكر، والشخص الذي عنده سلام في القلب، وسلام في الفكر، يظهر أيضًا السام في ملامح وجهه، فتجد ملامح وجهه مملوءة سلاما. وأيضًا بسلامه يشيع السلام في نفوس الآخرين. ويكون الجو كله سلاما. ويكون باستمرار في حالة إطمئنان. سواء إطمئنان بطبيعته أو إطمئنان بعمل الله معه، أو عمل الله فيه.
من أفضل الأمثلة على ذلك مثال داود النبي الذي لم يفقد سلامه أبدا حتى لما أتى عليه أسد، فجرى وراء الأسد وأخذ الشاه من فمه، فالسلام الذي كان في داخله جعله لا يخاف من الأسد، وعندما وقف أمام جليات لم يفقد سلامه فقال لجليات اليوم يحبسك الرب في يدي... أنت تأتينى بسيف ورمح وأنا آتيك باسم رب الجنود" لم يفقد سلامه أبدا. وقال بعد ذلك إن يحاربنى جيش فلم يخف قلبي وإن قام على قتال ففي ذلك أنا مطمئن. وأكثر من ذلك يقوا إن سرت في وادى ظل الموت لا أخاف شرا لأنك أنت معي".. شاعر بوجود الله معه.
أما الإنسان الذي يفقد السلام فيقع في الإضطراب والجزع والإنزعاج والقلق والشك، والذي يفقد سلامه يقع أيضًا في الخوف، يخاف من مشكلة لا يرى لها حلا، أو يخاف من مرض يعتقد أنه لا شفاء منه، أو يخاف من العدوى، فيغسل كل كوب يشرب منه مرتين وثلاثة، ويريد أن يغسل الماء الذي يغسل به الكوب!!
أيضًا الذي يفقد السلام يخاف من الأعداء ومن المقاومين. يخاف من خطية تنكشف، يخاف من عقوبة أو فضيحة نتيجة لهذه الخطية، يخاف من كلام الناس، يخاف من الحسد، يخاف من الأوهام، يخاف من الظلام، يخاف من العفاريت بينما لا يوجد شيء يسمى عفاريت.
هناك أناس أيضًا يفقدون سلامهم خوفا من الفشل، يخاف أن يبدأ مشروع فيفشل، أو بنت تخاف من أن يتقجم لها عريس تخاف أن تفشل، الشك يتعب الإنسان ويأتى عليه بالخوف، هناك أناس يخافون من الموت.
الخوف يشل تفكير الإنسان ويؤدى إلى الجزع والاضطراب وعدم الإيمان في معونة الله، يشك في انتظار الرب، وأحيانًا يشك في نفسه يشعر بعدم ثقة في النفس، والخائف يشك في قدرته، هل يستطيع أن يعمل هذا العمل أم لا؟ يشك في أنه ينجح أو لا ينجح؟ يشك في مواجهة الأمور لذلك يصل إلى التردد. مثل هذا الإنسان يحتاج إلى معونة وتعزية وتشجيع ليكون عنده سلام...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/troubled/peace.html
تقصير الرابط:
tak.la/xhq6w8b
