في الظروف الحاضرة التي يضطرب فيها الناس وتوجد مظاهرات في أماكن متعددة، والبعض قلق، أريد أن أكلمكم عن: القلق الذي يوجد فيه إنسان غير مطمئن، وأفكار تدور في ذهنه، وكلها أفكار سوداء وصعبة.
القلق مصدره الخوف والشك، وتوقع الشر.
والقلق والخوغ يمشيان معا، فالقلق يسبب الخوف، والخوف يسبب القلق.
وأيضًا من ضمن أسباب القلق عدم الثقة بالنفس، وعدم الثقة بالناس أحيانًا. تعجبنى عبارة داود النبي حينما قال "إن يحاربنى جيش فلن يخاف قلبي، وإن قام على قتال ففي ذلك أنا مطمئن".
الشخص الذي يقول إنه في قلق، بلا شك أنه يوجد ضعف في شخصيته.
فأحيانًا القلق يكون من أسباب داخلية، وأحيانًا أخرى من أسباب خارجية.
* السبب الداخلى إما الخوف، وإما صغر النفس. مثل طفل صغير ينظر حوله فلا يجد أباه أو أمه، فيبدأ يبكى، لأنه ليس بجواره معين.
ومثل أم تتغيب أبتنها عن موعد عودتها، فيبدأ القلق يحاربها: ماذا جرى لإبنتى، إنها جميلة ربما حدث لها سوء. وتظل في هذا القلق حتى تعود الابنة للمنزل.
سبب آخر للقلق وهو التركيز على نقطة واحدة لا غير.
المفروض أن الإنسان يكون عقله واسعا، فالتأخير ليس بسبب أن أحد خطفها، ولكن يمكن أن يكون التأخير بسبب أنها ذهبت إلى إحدى صديقاتها.
* ومن الجائز أن يأتي القلق من ضيقة لا يجد الإنسان لها حلًّا. فيبدأ في التحليلات والتصورات، وكل ذلك يسبب له القلق. مفروض في مثل هذا الإنسان أن يكون عنده بعض الإيمان أن الله ممكن أن يتدخل في الموضوع ويحل هذه الضيقة.
* أو بنت يتأخر زواجها، ولا يتقدم لها عريس، وخصوصا مع البطالة التي تعانى منها كثير من الدول، أصبح من الصعب أن يتحصل الإنسان على مبالغ للشقة، والزواج. فيتأخر سن الزواج، وهنا تظهر تساؤلات هل سأتزوج، هل سيتقدم لي عريس أم لا؟! ويظل القلق ومعه السبب في أنه لا يتقدم لها أحد، وتنظر في المرآة وتتساءل..؟! وكلما يكبر السن يزداد القلق.
أتذكر أنه حينما كنت أسقفا عام 1963 منذ حوالى 48 سنة كنت أذهب أسابيع نهضة في بعض البلاد، وأعود إلى الاجتماع يوم الجمعة. فكانت العظة بالليل، وفي الصباح يزورنى الناس إما للإعتراف أو التوجيه في موضوع معين، أو الترتيل، أو غيره... ففي مرة أتت إلى بنت تقص على إشكالا، وقالت كلما أتى عريس يذهب بلا عودة... فأصبحت أهاف من تقدم أي عريس آخر حتى لا تتكرر المشكلة، فأبدأ في مقابلة العريس وأنا مضطربة وخائفة من أن يذهب ولا يعود. فقلت لها يا ابنتى الخوف والاضطراب هذا يجعلون العريس يمضي... يجب أن يكون عندك أمل وتتحدثى معه بهدوء.
أحيانًا القلق يأتي من خطية كبرى يخاف الإنسان أن تنكشف، مثلا خطية القتل.
شخص يقتل آخر ولا يوجد أثر ولكن يبدأ القلق يسرى في نفسه، لذلك قال بعض علماء النفس أن القاتل أحيانًا يمر على مكان الجريمة بضعة أيام هل يوجد أثر للجريمة أم لا...
أتذكر قصة قرأتها منذ حوالى 70 عاما، شاب يعيش مع عمه وعمه ليس له أحد غيره. المهم أن عمه لم يمت، والشاب هو الوريث الوحيد. ففكر أن يقتل عمه، وهو يعرف أن القاتل جائز يترك أي أثر لعدم الحرص. فقتل عمه وأخذ يتفحص المكان جيدا حتى تأكد تمامًا أنه لا يوجد أثر. وبعد أن قدم الناس العزاء في عمه لأنهم يعرفون مدى المحبة بينهما. هذا الشاب وهو ماشى في الطريق تقابل مع ضابط للبوليس، فقال له الضابط أحب أن أعزيك في عمك لأنه كان رجل طيب وهو كان يحبك. فبعد برهة نظر الضابط وسأله عن نقطة خمراء في القميص الذي يرتديه، فارتبك الشاب جدا، وبدأ ينزعج. ولكن الضابط نظرا لحنكته، فكر أنه الوريث الوحيد، وربما يكون هو القاتل. فبدأ أن يحقق معه، وبعد أن أقر بكل ما حدث قال الضابط وقع على أقوالك.
فعندئذ أخذ القلم الذي في جيب القميص وجده أنه قلم حبر أحمر وهو الذي تسبب في البقعة الحمراء، ولكن نظرا لقلقه اعترف بالجريمة.
* مثال آخر، بنت تقع في حب شاب، وتخطئ معه، وتفقد بكوريتها، فيبدأ فيها القلق هل هناك حمل أم لا، وإذا وجدت أنه لا يوجد حمل، يبدأ القلق كيف أتزوج وأنا غير بكر، وإذا تقدم لي أحد وتزوجت هل ستكتشف الخطية وأكون سبب عثرة لعائلتي، ويظل القلق من إنكشاف الخطية.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
أحيانًا القلق يأتي مثلا من الامتحانات، فبعض الطلبة يقلقون هل الامتحان سهل أم صعب، وإذا كان امتحان شفهى فهل الأستاذ سهل أم صعب... وقبل النتيجة هل سأنجح، أم لا... وإذا نجحت هل سأحصل على مجموع كبير أم لا... وإذا كان مجموع صغيرا ماذا سأدخل أي كلية... ويظل القلق والتساؤلات في داخله...
* وأحيانًا في مباراة مع منافس قوي هل سننتصر أم لا...
أو جائز القلق عند مريض... فإذا كان عنده ورم، هل سيكون خبيثا أم حميدا... ولكي يسمع نتيجة التحليل ما هي النتيجة..؟ وإذا كانت عملية فيقلق المريض هل العملية ستنجح أم لا...
* أو إنسان عنده قلق من تدابير الأعداء وكل يوم يقول: أعدائى يدبرون لي تدبيرا، ويعيش في قلق... أو يخشى من خيانة صديق أو قريب أو شريك... أو إيصال أمانة، أو يخاف من ذكاء شخص كتوم ينظر نظرة فيعرف كل الأمور، ويقول يا ترى عارف ولا مش عارف... وكذلك أي عمل يعمله الإنسان في الخفاء...
* أو زوج ينظر إلى زوجته نظرة مُريبة... وبدون أن يقول أي شيء تقلق الزوجة يا ترى ماذا وراء هذه النظرة؟! هل هو زعلان أم لا...
في السنوات الأولى لي في الرهبنة كان يوجد راهب موسوس كلما مررت عليه وسلمت عليه يقول لي يا أبونا أنت زعلان منى... أوقل له لا يا أبونا أنا مش زعلان... يقول لي الحمد لله... الحمد لله!
* كذلك إنسان ممكن يكون في قلق قبل صدور حكم عليه يا ترى سوف يكون الحكم في صالحى... والإفكار تلف وتدور... ولو حكموا عليه بالإدانة يكون في قلق كيف تتم؟ كيف أواجهها؟ كيف أحتملها...
* هناك أناس يكونون في قلق الخوف من المستقبل... ماذا سيكون؟! فإذا كان موظف خرج معاش مبكر ومعاشه قليل فيقلق كيف سأعيش... أو شخص يصل لسن المعاش وكل أولاده تفرقوا بعيدا عنه. ففي وحدته وشيخوخته يعيش في قلق... لذلك نقوم بعمل بيوت للمسنين لكي يستريحوا فيها بلا قلق وبلا تعب...
* وشخص يكون في قلق من أجل استكمال طريق الحياة... يا ترى أترهبن، أو أتزوج... أو أكرس حياتي، ويكون حيران وقلقا وتعبان... وحتى لو أراد الرهبنة يقول أي دير أذهب إليه؟ ويكون في قلق...
* أو إنسان يقلق لأنه يعمل مشروح هل سينجح أم لا؟ أو يقلق من أجل البورصة أو المسابقات...
المهم أن الشخص يضع الثقة في ربنا أنه سيساعده، والذي عنده هذا الإيمان لا يقلق أبدًا، حتى لو قامت الدنيا من حوله، فهو غير قلق... مثل المقالة التي نشرتها في الأهرام، وأولها: حينما تجد كل الأبواب على الأرض مغلقة أمامك أرفع نظرك إلى فوق ستجد بابًا مفتوحًا في السماء... الله الذي يفتح ولا أحد يغلق... وضع في ذهنك أن كل مشكلة لها حل، لذلك لا تقلق ربنا يعطيكم السلام والفرحة...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/troubled/fight-anxiety.html
تقصير الرابط:
tak.la/qmzf4j6